استمرت التحليلات الإسرائيلية على مدار الأسبوع الماضي في الانشغال بتداعيات أحداث ليلة الثالث عشر والرابع عشر من نيسان 2024 التي قامت فيها إيران، لأول مرة، بشنّ هجوم غير مسبوق على إسرائيل بواسطة مئات المُسيّرات والصواريخ البالستية التي تم إطلاقها في اتجاه الأراضي الإسرائيلية من الأراضي الإيرانية، وأيضاً من العراق واليمن. وزاد على ذلك انشغال بالردّ الإسرائيلي على هذا الهجوم الذي جرى صباح يوم التاسع عشر من نيسان وكان شبه حتميّ، مثلما أشرنا في كلمة الأسبوع الفائت.
ولدى التوقف أمام جلّ هذه التحليلات نلفي أن الاستنتاج الأبرز الذي تخلص إليه هو أن ثمة تداعييْن حاسميْن لهذا التطوّر المهم (الهجوم الإيراني والردّ عليه الذي نُسب إلى إسرائيل):
التداعي الأول، أن شنّ إيران هجوماً مباشراً على إسرائيل وُصف بأنه أكبر هجوم في التاريخ بالصواريخ والمسيّرات تعرضت له إسرائيل، ومن خلاله تم مسّ السيادة الإسرائيلية على نحو لم يسبق له مثيل، يعبّر أكثر شيء عن تغيّر دراماتيكي في توجّه إيران الاستراتيجي. ومثلما ورد في تحليلات "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب وغيره من معاهد الأبحاث الإسرائيلية، ونوّه به المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، فإن النظام الإيراني، برئاسة المرشد الروحي الأعلى علي خامنئي، حرص طوال أعوام على إدارة "سياسة عدائية" صبورة، إلى حدّ ما، حيال إسرائيل. كما رعت إيران ميليشيات وتنظيمات وأنشأت "حلقة نار" حول إسرائيل، وفق الرؤية التي هجس بها الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" المقتول، لكنها امتنعت، عموماً، عن الدخول في مواجهة مباشرة مع هذه الأخيرة. والهجمات الإسرائيلية في إطار ما يُعرف باسم "المعركة بين الحروب" التي تركزت في سورية، وترافقت مع اغتيالات عناصر من الحرس الثوري الإيراني وقصف قواعده العسكرية وشحنات تهريب السلاح، مرّت في أغلب الأحيان مع ردود إيرانية ضئيلة. أمّا الردّ الذي نُسب إلى إسرائيل على هذا الهجوم الإيراني، فقد بدا محدوداً ومركّزاً، وللوهلة الأولى يمكن اعتباره ناجعاً. وبالاعتماد على ما يؤكده أكثر من محلل عسكري إسرائيلي فإن هذه النجاعة تعود إلى عدة أسباب، أبرزها أن مستوى منظومة الدفاع الجوي الإيرانية أدنى كثيراً من المنظومة الإسرائيلية، وقدرتها على الاعتراض محدودة، كما أن إيران لا تعتمد على مساعدات استخباراتية من دول كثيرة، بما في ذلك دول عربيّة، وفق ما جرى خلال إحباط الهجوم الإيراني على إسرائيل.
التداعي الثاني، أن الانطباع السائد بعد الهجوم الإسرائيلي المحدود الذي استهدف منطقة أصفهان بأن الدولتين عادتا، عملياً وجوهرياً، إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الأول من نيسان الحالي، وهو اليوم الذي هاجمت فيه إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق واغتالت مسؤول الحرس الثوري في سورية ولبنان، هو انطباع غير صحيح من أساسه. وبحسب ما أكد حتى المحلل العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، فإن نهاية المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران ما زالت بعيدة، وصيحات الانتصار التي تردّدت أصداؤها في إسرائيل بعد شنّ الهجوم على أصفهان الذي نسب إليها لا تمت بأي صلة إلى الواقع.
وهي ليست ذات صلة بالواقع القائم، برأي المحلّل نفسه، للأسباب التالية:
أولاً، لم ينته أي شيء إلى الآن، فإسرائيل ما زالت متورطة استراتيجياً وعملياتياً حتى الثمالة في كل الجبهات التي تخوض فيها قتالاً منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وثانياً، صحيح أن إسرائيل ردّت على أول وأكبر هجوم إيراني تعرّضت له، لكن هناك شك كبير فيما إذا تسبّب هذا الردّ باستعادة الردع الإسرائيلي الكامل. وسيكون المحكّ لهذا الأمر فور أن يكون مسؤول إيراني كبير آخر في مهداف التصفية من طرف إسرائيل.
وثالثاً، لأن إيران اجتازت الروبيكون خاصتها عندما أطلقت 350 مسيّرة وصاروخاً من أراضيها في اتجاه إسرائيل. ولا شك في أن المرة الأولى تكون صعبة جدّاً عادة، لكن المرات اللاحقة ستكون أسهل من ناحيتها.
بالرغم من ذلك يؤكد ليمور وغيره من المحللين العسكريين الإسرائيليين، أنه يجب إضافة أمرين إلى كل ما تقدّم يمكن اعتبار أنهما يصبّان في مصلحة إسرائيل: الأمر الأول، أنها حصلت على رزمة مساعدات سخيّة من الولايات المتحدة بقيمة 17 مليار دولار تمت المصادقة عليها في الكونغرس الأميركي. والأمر الثاني، أنه في إثر الهجوم الإيراني أعيد تشكيل ما يمكن وصفه بأنه ائتلاف دولي وإقليمي مناصر لإسرائيل ولا سيما في سياق المواجهة بينها وبين "نظام آيات الله" في طهران.
وبينما اعتبر ليمور أن إزالة تهديد الحرب المباشرة مع إيران أعاد إسرائيل إلى مشاكلها الأخرى التي ما زالت مستعصية على الحل، وفي مقدمها مشكلة المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة والذين لم تفلح حتى الآن في إطلاقهم بعد مرور 200 يوم على أطول حرب تشنها هناك، فإن هرئيل يؤكد أن الردّ الإسرائيلي على الهجوم الإيراني يعبّر بكيفية ما عن إحباطٍ، نتيجة ما يشدّد على أنه "مأزق استراتيجي إقليمي". وبرأيه الحرب في قطاع غزة بدأت بالهجوم الذي نفّذته حركة حماس يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وبعد مرور يوم واحد، انضم حزب الله في لبنان إلى القتال وإن بوتيرة أقل حدةً في منطقة الحدود مع لبنان. والآن بعد مرور 6 أشهر، لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة: المخطوفون، في أغلبيتهم، لم يعودوا (أُطلق سراح 110 منهم في تشرين الثاني الماضي، وما زال 133 منهم محتجزين لدى حماس، وعدد كبير منهم فارق الحياة)، ولم تُهزم حماس بصورة كاملة، ولم يتم العثور على حل يُبعد عناصر حزب الله عن الحدود الشمالية، وعشرات الآلاف من الإسرائيليين من سكان الشمال والجنوب لا يزالون نازحين في بلدهم.
وطبعاً هناك مسؤولون يؤكدون هذه الخلاصة أيضاً، كان آخرهم الوزير في "كابينيت الحرب" الإسرائيلي بيني غانتس في سياق المؤتمر الصحافي الذي عقده في الكنيست أمس الأحد في مناسبة عيد الفصح العبري.
وفي انتظار ما سوف تحمله الأيام المقبلة من مستجدّات وتطورات، لا بُد من أن نشير إلى ما يلي:
بداية، يكاد يغيب بين أوساط المحللين الإسرائيليين، سواء السياسيين منهم أو العسكريين، الإجماع على أن اندلاع أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل يشكّل فرصة سياسية ودبلوماسية لهذه الأخيرة، وذلك على الرغم من أن هذا الأمر انطوى على مؤشرات إلى بداية فك العزلة الدولية التي تجد نفسها في خضمها على خلفية الحرب المستمرة في قطاع غزة.
وينبغي أن نضيف إلى ذلك أنه إذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب في قطاع غزة، ناهيك عن سعيه لتوسيع رقعتها، أولاً في لبنان والآن ربما مع إيران، فقد ظهرت الأسبوع الفائت معارضة جليّة لهذا الأمر داخل ائتلافه الحكومي الأصلي، حيث نقلت تقارير عن رئيس حزب شاس، آرييه درعي، قوله في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام: "يتعين علينا أن نتذكّر بأن هناك حرباً تدور رحاها في قطاع غزة ولم تنته بعد، وما زال لدينا رهائن هناك. وثمة نحو مائة ألف نسمة من المنطقة الشمالية لم يعودوا إلى منازلهم. ولذا فالأمر الصحيح في الوقت الحالي هو أن نتركز في هذا، وعدم الإقدام على فتح المزيد من جبهات القتال".
ولا بُدّ من التنويه بأن درعي ليس عضواً في الحكومة الإسرائيلية، ولا في "كابينيت الحرب" الإسرائيلي، لكنه يملك في يديه مفتاح استقرار ائتلاف حكومة نتنياهو السادسة!
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, يسرائيل هيوم, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, آرييه درعي