المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صحافيون يلتقطون صوراً إلى جانب حطام صاروخ إيراني قرب البحر الميت. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 934
  • برهوم جرايسي

تدل المؤشرات الاقتصادية حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، على تدهور مستمر في جوانب أساسية في الاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من تقارير تتحدث عن انتعاش حالي في الاستهلاك العام، وتراجع البطالة إلى نسبة أقل مما كانت عليه عشية شن الحرب على قطاع غزة؛ فقد دلّ مؤشر التضخم المالي في شهر آذار الماضي، المعلن عنه قبل أيام، أن التضخم عاد إلى وتيرة الارتفاع، وقد يتجاوز توقعات التضخم الرسمية، وكذا بالنسبة للعجز في الموازنة العامة، الذي بلغ حتى نهاية العام نسبة 6.2% من حجم الناتج العام، وهو بات قريبًا جدًا من الحد الأقصى الذي تتوقعه ميزانية العام الجاري.

ويحذر خبراء الاقتصاد، ومؤسسات وجهات دولية، من أن التصعيد العسكري، خاصة أمام لبنان وإيران، قد يؤدي إلى تعميق الأزمة، وأمام كل هذا قرر بنك إسرائيل إبقاء الفائدة البنكية عند مستواها المرتفع نسبيًا.

التضخم والفائدة البنكية

أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن التضخم المالي سجل في شهر آذار الماضي ارتفاعا بنسبة 0.6%، وبذلك يكون قد ارتفع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 1%، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة بنسبة 2.7%، بعد أن كان التضخم قبل شهر بنسبة 2.5%؛ وهذا حسب الخبراء والمحللين قد يجعل التضخم مع نهاية العام الجاري 2024، يتجاوز السقف الأعلى الذي حددته السياسة الاقتصادية- 3%.

فمنذ مطلع العام الجاري ترتفع الأسعار باستمرار، وبشكل خاص أسعار المواد والبضائع الاستهلاكية الأساسية والحياتية، وعلى سبيل المثل، ارتفعت أسعار الوقود في الأشهر الأربعة من العام الجاري بنسبة 11.2%، بعد أن ألغت الحكومة تقليص الضريبة العالية جدًا على الوقود، إذ إن التقليص استمر مدة تزيد عن عام ونصف العام. ومع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الشيكل، بموازاة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، بسبب التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، فإن أسعار الوقود ستستمر في الارتفاع، وتجُرّ معها ارتفاعات أسعار متعددة، متعلقة بالإنتاج والنقليات.

كذلك ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه للاستهلاك العام، وبعد أيام قليلة، سترتفع أسعار منتوجات الحليب الأساسية بما يقارب نسبة 5%، في حين أن أسعار اللحوم على أنواعها ارتفعت بنسب تتراوح بين 12% و 20%، ويعود جزء كبير من هذا الارتفاع لتبعات الحرب الإسرائيلية، وإغلاق جنوب البحر الأحمر في وجه السفن المحمّلة ببضائع لإسرائيل، ومنها بالذات المواشي المستوردة، التي ارتفع سعرها بسبب إطالة مسافة رحلتها ووقتها، وبالتالي قاد هذا إلى رفع أسعار المواشي المحلية.

وحسب تقديرات المحللين، فإن التضخم سيتجاوز هذا العام نسبة 3%، لكن من جهة أخرى من المتوقع أن يتراجع التضخم في حسابات الأشهر الـ 12، في الشهر المقبل، في ضوء أن التضخم في نيسان 2023 سجل ارتفاعا حادا نسبيا للاقتصاد الإسرائيلي، وكان 0.8%، وحسب التقديرات، فإن التضخم في الشهر الجاري سيكون أقل من نسبة الشهر نفسه من العام الماضي، وهذا ما سيقود لتراجع التضخم بشكل طفيف.

لكن هذه تقديرات عينية قابلة للتقلب، إذ إن هناك اجماعاً حول أن التضخم "رفع رأسه من جديد"، بحسب الوصف الذي انتشر في الصحافة الاقتصادية. إلا أنه في تقديرات بنك إسرائيل المركزي الصادرة في الأيام الأخيرة، جاء أن التضخم المالي في نهاية العام الجاري سيكون 2.7%، بدلا من تقديره السابق 2.4%، ورغم هذا فإن النسبة المعدّلة تُبقي التضخم دون حد السقف الأعلى، الذي تضعه السياسة الاقتصادية وهو نسبة 3%.

كذلك فإن البنك رفع تقديرات التضخم المالي للعام المقبل 2025، من نسبة 2% سابقا، إلى نسبة 2.3%.

ورغم تقديرات بنك إسرائيل، فإن وجهة التضخم الجديدة، كما يبدو، تقف خلف قرار بنك إسرائيل المركزي، قبل نحو أسبوعين، بإبقاء الفائدة البنكية الأساسية عند مستواها العالي، نسبة للاقتصاد الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، وهي نسبة 4.5% (متحركة) تضاف لها نسبة 1.5% ثابتة طيلة الوقت. 

وقال البنك المركزي في تفسير قراره بشأن الفائدة، إن حالة عدم الوضوح في الاقتصاد الإسرائيلي، إضافة إلى عدم وضوح التطورات المستقبلية، تفسح المجال أمام أخطار على الاقتصاد الإسرائيلي، ولهذا فإنه قرر الإبقاء على مستوى الفائدة البنكية، رغم أنها لا تزال دون نسبة السقف الأعلى: 3%.

وكان البنك المركزي قد أعلن في مطلع العام الجاري، أنه سيُقدم على خفض الفائدة البنكية في العام الجاري في 4 قرارات، من أصل 8 قرارات يصدرها سنويا بشأن الفائدة. وفي اليوم الأول من العام الجاري خفّض البنك الفائدة بربع نقطة (0.25%) لكن في القرارين التاليين أبقى الفائدة على حالها. والقرار التالي سيصدر يوم 25 أيار، بعد 10 أيام على إعلان التضخم في نيسان الجاري.

لكن القرار التالي ما زال بطبيعة الحال ضبابيا، أمام زيادة علامات السؤال على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، كما سنقرأ لاحقا هنا، بحسب تقديرات عالمية، وأيضا في ضوء استفحال العجز في الموازنة العامة، ومتطلبات تسديد فاتورة الحرب، والتي بحسب التقديرات، سيستمر تسديد تبعاتها وديونها سنوات ليس قليلة.

وكانت وزارة المالية قد أعلنت في منتصف الشهر الجاري، أن العجز في الموازنة العامة ارتفع حتى نهاية شهر آذار الماضي إلى نسبة 6.2%، بعد أن كان حتى نهاية شهر شباط الماضي 5.6% من حجم الناتج العام، وكان العجز في شهر شباط قد ارتفع هو الآخر بنسبة 0.8%. وهذا يقول بالأرقام، زيادة العجز في شهر آذار بنسبة 0.6%، وهو ما يعادل 12 مليار شيكل.

والنسبة الجديدة الحاصلة حتى نهاية آذار، تقرّب العجز إلى السقف الأعلى الذي وضعته ميزانية 2024 بعد تعديلها، 6.6%، ولا توجد معطيات جديدة تدل على لجم العجز في الموازنة، ما يعني أن هذا قد يحقق التقديرات الأخرى التي تتحدث عن أن العجز في الموازنة العامة قد يتجاوز نسبة 7.2% وهناك من تحدث عن نسبة 8% حتى نهاية العام الجاري 2024.

إلى جانب هذا، وفي سياق المعطيات الاقتصادية، فقد أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في الأسبوع الماضي، عن هبوط البطالة الأساسية، بمعنى غير تلك المتعلقة بتبعات الحرب، إلى نسبة 3.1% في نهاية آذار، وهذه نسبة تقل عما كانت عليه عشية الحرب، 3.3%.

إلا أنه إضافة لنسبة البطالة هذه، فما زال 2.4% من القوة العاملة في إسرائيل في إطار إجازة من دون راتب، بسبب تبعات الحرب وتقليص أو وقف بعض المرافق والنشاطات الاقتصادية، على سبيل المثال قطاعي السياحة وخدماتها والفندقة. وهذا يعني بالأرقام أن أكثر من 106 آلاف شخص هم في إطار إجازة غير مدفوعة الأجر، والترجيح بعودتهم إلى مكان عملهم لاحقا بنسبة عالية جدا، إذ إن حجم القوة العاملة في إسرائيل حتى نهاية شهر آذار حوالى 4 ملايين و450 ألفا.

مستقبل الاقتصاد بين ركود وانكماش فعلي

صدرت في الأسبوع الماضي تقديرات عدة لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، ولربما أهمها تقديرات صندوق النقد الدولي، التي تؤثر على تقديرات مؤسسات وشركات تقييم اقتصادي دولية، إذ أقدم الصندوق على تعديل تقديراته لنسبة نمو الاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري، بنسبة 1.6%، بدلا من نسبة 3.1% عشية شن الحرب على قطاع غزة، وكل نسبة تقل عن 2%، التي هي نسبة التكاثر السكاني في إسرائيل، تعد انكماشا اقتصاديا.

في المقابل، فإن كلا من وزارة المالية الإسرائيلية، وبنك إسرائيل المركزي، حافظا على تقديراتهما للنمو في العام الجاري، بنسبة 2%، وهي نسبة ركود. إلا أن صندوق النقد من جهة، والوزارة الإسرائيلية وبنك إسرائيل من جهة أخرى، يتوقعون نموا حادا في العام المقبل 2025، إذ يتوقع صندوق النقد ارتفاعا بنسبة 5.4%، ونسبة 5.6% لدى وزارة المالية، في حين أن تقديرات بنك إسرائيل تتحدث حاليا عن نمو بنسبة 5% في العام المقابل. وخلف هذه التقديرات المتفائلة للعام المقبل، تقف تقديرات بتوقف الحرب، وإنهاء حالة الحرب، ما يعني فتح فروع الاقتصاد كافة، وارتفاع نشاطها إلى سابق عهده قبل الحرب، وبالذات ارتفاع الاستهلاك الفردي والعائلي بشكل حاد، كما هو مألوف بعد كل فترة أزمات يتقلص فيها الاستهلاك، إذ "تتكدس" أموال لدى الجمهور، ليتجه لصرفها في جوانب عمل على تأجيلها بسبب الأزمة الاقتصادية.

لكن في حال اتسعت رقعة الحرب، خاصة أمام لبنان وإيران، فإن وزارة المالية الإسرائيلية تتوقع انكماشا فعليا للاقتصاد (-1.5%) بمعنى أقل بنسبة 3.5% من نسبة التكاثر السكاني.

وخلال هذا، أعلنت شركة موديز للتقييمات الاقتصادية والتصنيفات الائتمانية إبقاء تدريج اعتمادات إسرائيل في العالم، على حاله، بعد أن كانت قد خفضت التدريج قبل عدة أسابيع، لكن توجه الاقتصاد الإسرائيلي سلبي، فيما أعلنت شركة التقييمات الاقتصادية، الأكبر عالميا، "ستاندرد أند بورز" في نهاية الأسبوع الماضي، خفض مستوى الاقتصاد الإسرائيلي بدرجة، وأيضا هذه الشركة أعلنت أن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي سلبي.

ويقول المحلل الاقتصادي غاد ليئور، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن قرار الشركة الأهم، "ستاندرد أند بورز"، صدر قبل نحو ساعتين من الهجوم الإسرائيلي على إيران، ما يعني أن هذا لم يكن في خلفيات القرار، محذرا من أن شركات التقييم العالمية ستواصل خفض تدريج اعتمادات إسرائيل، في حال واصلت الحكومة الإسرائيلية في إدارة ميزانياتها على النحو القائم، وهو توجيه ميزانيات ضخمة لخدمة أحزاب الائتلاف، وعدم رصد ميزانيات في الاتجاهات التي تحرك النمو الاقتصادي نحو الأعلى.

وتتجه الأنظار حاليا إلى احتمالات التصعيد العسكري أمام إيران، وأيضا لبنان، بموازاة استمرار الحرب على قطاع غزة، من دون مؤشرات لوقفها قريبا، بحسب الوضع القائم. وفي تقريره الأخير، حذر بنك إسرائيل من أن التصعيد العسكري سيرفع كلفة الحرب، وكل 20 مليار شيكل إضافية للجيش وباقي النفقات تعني عجزا إضافيا في الميزانية العامة بنسبة 1%، وهذا يزيد مباشرة المديونية الإسرائيلية.

وتقول صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في تقرير لها ظهر في الأسبوع الماضي، إنه "لا أحد يعرف كيف ستتطور الجبهات العسكرية في غزة وفي الشمال وضد إيران. لكن لا شك في أننا بالفعل في الربع الثاني من العام 2024، وحرب السيوف الحديدية (على غزة) لم تنته بعد. ساحة غزة دخلت في حالة من الفوضى، والساحة الشمالية بعيدة عن الحل، والساحة الإيرانية أصبحت مباشرة ونشيطة. ومع ذلك، افترضت ميزانية الدولة المعدّلة، التي تمت الموافقة عليها في آذار الماضي، أن القتال العنيف سينتهي في الربع الأول من العام 2024، وأن حجم الاحتياطيات في العام 2025 سيعود إلى مستواه الطبيعي، وأنه في العام 2025 سيتم إعادة إعمار المنطقة المحيطة بقطاع غزة. وسيعود الشمال إلى نمط حياة اعتيادي، مع عودة الشعور بالأمن والأمان الشخصي، الأمر الذي سيؤدي إلى نمو سريع بنسبة 5.6%. لكن ما يبدو اليوم هو أن هذه الافتراضات صحيحة جزئيا فقط".

وتابع التقرير: "تعترف وزارة المالية بأنها لم تقم بعد بتحديث الصورة إلى سيناريوهات تبدو الآن أكثر احتمالا، وتشير إلى السيناريو الخطير الذي تم عرضه في الكنيست في كانون الثاني الماضي، حينما تم عرض الميزانية المعدّلة للعام الجاري 2024 وإدراجها أيضا في وثائق الميزانية الأخيرة. السيناريو الحاد يضع افتراضات صارمة حول شدة القتال في مختلف الساحات، وأضرار القتال، ومدة القتال، وانتعاش الاقتصاد. ويفترض السيناريو تعبئة واسعة للاحتياطات وتعطيلات في نظام التعليم والبنية التحتية"، وفي هذه الحالة، تتوقع وزارة المالية انهيار النمو ليكون انكماشا فعليا، كما ذكر أعلاه (-1.5%).

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, الشيكل, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات