بتاريخ 2 نيسان 2024، قتلت إسرائيل 7 من عمال المطبخ المركزي العالمي في أثناء توزيعهم للمساعدات في قطاع غزة. هذا لم يكن مجرد حدث عابر، أو مُجرّد خطأ عسكري منفرد، وإنما هو جزء من سياق طويل تحولت فيه المساعدات الإنسانية ولوجستيات توزيعها إلى معركة حقيقية تحاول إسرائيل أن تستخدمها كسلاح لوضع معالم "اليوم التالي للحرب". على ما يبدو، تعتبر قضية توزيع المساعدات الإنسانية مسألة محورية بالنسبة للجيش الإسرائيلي: ففي النهاية، ستنسحب إسرائيل من القطاع، وسيتم الانتهاء من قضية الأسرى، بيد أن شكل الحكم وهياكل السلطة والإدارة في قطاع غزة ستبقى هي المركب الأهم، بحيث أن قضية توزيع المساعدات الإنسانية ستتحول إلى حجر الزاوية في تحديد معالم هذه السلطة في اليوم التالي للحرب.
في مساهمات سابقة حول الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، أشرنا إلى أن الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على الفلسطينيين وعلى الدول العربية قد وفّرت لإسرائيل مساحة كبرى لابتكار وتطوير الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية، بشكلٍ مكّنها من أن تصبح رائدة في هذا المجال. ومنذ بداية حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، تسعى الشركات الإسرائيلية ذات الصلة بمجال التطوير الأمني والعسكري إلى تحويل قطاع غزة إلى مختبر تجارب للأسلحة والتقنيات لما تُشكّله استمرارية الحرب من فرص لتطوير وتحسين قدرات هذه التقنيات والأسلحة والوسائل وما يترتب على ذلك من ميزة عسكرية، بالإضافة إلى الأرباح الطائلة، وهو ما بات يُعرف في الأدبيات بالاقتصاد السياسي للأسلحة والتقنيات الإسرائيلية.
كان القتال الذي شهدته الجبهة الشمالية (مع لبنان) في الأسبوع الماضي هو "الأعنف" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي هذه الجبهة أيضاً يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بحسب توصيف أكثر من وسيلة إعلام إسرائيلية خلال الأيام الأخيرة.
ووفقاً للمراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (29/3/2024)، لم يظهر هذا التطوّر على نحو جليّ في التغطية الإسرائيلية الإعلامية عموماً، ولم يثِر اهتمام المواطن العادي الذي يعيش في جنوب حيفا، لكن سكان منطقتي الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل شعروا بذلك جيداً، حيث أن عشرات القذائف الصاروخيّة أُطلقت على كريات شمونه، وعلى هضبة الجولان، كما أُطلقت صواريخ مضادة للدروع على قواعد عسكرية ومستوطنات مجاورة للسياج الحدودي، وأدت إلى تفعيل عشرات صافرات الإنذار.
يختتم الكنيست الإسرائيلي، في الأسبوع الأول من شهر نيسان الجاري، دورته الشتوية، في ظل الحرب المستمرّة على قطاع غزة، وحالة وأنظمة الطوارئ الثانية، التي تعلنها إسرائيل خلال 76 عاما. انعكست هذه الأجواء على الأجواء البرلمانية، وأدت إلى انعدام صوت المعارضة من الكتل الصهيونية، في كل ما يتعلق بالحرب وقوانين الطوارئ، التي منها ما هو غير مسبوق. وعلى الرغم من أن بنيامين نتنياهو يتمتع بائتلاف متماسك، لا يهدد استمرارية حكومته، فإنه سعى من خلال توسيع الائتلاف في فترة الحرب، لبث رسالة سياسية للعالم والشارع الإسرائيلي. وعلى الرغم من ما نشاهده من جدل سياسي صاخب، خاصة في الآونة الأخيرة، حول قانون تجنيد شبان الحريديم، فإن الائتلاف الأساس الذي يرتكز على 64 نائبا، ما زال متماسكا، إذ إن تلاقي المصالح فيه يمنع تفككه.
الصفحة 61 من 883