مع بداية هجوم "طوفان الأقصى" صبيحة 7 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، وجدت إسرائيل نفسها أمام تهديدات عديدة، كان من أبرزها تهديد الأسلحة الصاروخية والطائرات بدون طيار التي تم استخدامها في الهجوم، وكذلك خلال عمليات "المناورة البرية" في قطاع غزة، ناهيك عن التهديدات الناشئة عن الهجمات التي نفذها حزب الله على الجبهة الشمالية والحوثيون من اليمن. هذا الأمر يُنظر إليه في إسرائيل كخطر حقيقي حتى وإن لم تتعرّض إسرائيل لغاية اللحظة لهجمات صاروخية (بما في ذلك الطائرات بدون طيار) واسعة تفوق قدرات دفاعاتها الجوية على التصدّي. وفي هذا السياق، أصدر "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب دراسة بعنوان "التهديد الجوي الذي ترعاه إيران ليس مشكلة إسرائيلية فقط" من إعداد متان ينكو أبيكسيس وليران عنتابي، يُسلّط الضوء على هذا التهديد وأبرز ما يُمكن فعله إسرائيلياً. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما ورد في هذا التقرير، مع أهمية الإشارة إلى أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه مصدرها التقرير ولا تُعبّر عن كاتب المساهمة أو مركز مدار.
انهيار مفهوم "إمكانية تحقيق سلام بدون الشعب الفلسطيني" كان موضوع الحلقة السابقة (21 تشرين الثاني 2023) من سلسلة المقالات هذه، التي نستعرض فيها المفاهيم المركزية الأبرز التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية التي يتعمق الإجماع الإسرائيلي على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، والتي تتزايد وتتعالى الأصوات الداعية إلى إعادة النظر فيها، لكن بعد صبّ الجهد بداية على تحديدها، من منطلق القناعة بأن تحديد تلك المفاهيم هو الخطوة الأولى التي لا مناص منها في مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية، ثم في إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل.
شهدت العلاقات بين مصر وإسرائيل نوعاً من التوتر مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقد أدّت التصريحات الصادرة في إسرائيل حول نية الأخيرة تنفيذ عمليات تهجير للفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء بالتزامن مع تسريبات ومخططات صدرت عن جهات إسرائيلية عديدة إلى زيادة هذا التوتر، وكذلك كل التصريحات والخطط الإسرائيلية الساعية إلى "خلق واقع بديل" في قطاع غزة بعد الحرب وتبعات ذلك أمنياً وسياسياً، وهو الأمر الذي دفع بعدّة جهات في إسرائيل- وخصوصاً معاهد البحث والتفكير- إلى التخوف من أن يؤدي هذا التوتر إلى ضعضعة العلاقة الإسرائيلية- المصرية والمسّ استقرارها بعد الحرب، والإشارة إلى ضرورة أن تتعاون إسرائيل مع مصر في الترتيبات المستقبلية والابتعاد عن أي خطوات من شأنها المساس باتفاقية السلام الموقعة.
يبدو أن التفويض الموسع للجيش الإسرائيلي بقصف الأهداف غير العسكرية، وتخفيف القيود المتعلقة بالخسائر المدنية المتوقعة من هذا التفويض، واستخدام نظام الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف محتملة أكثر من أي وقت مضى، قد ساهما في الوصول إلى الدمار الذي شهدناه في المراحل الأولى من الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، وفقاً لتحقيق أجرته مجلة +972 وموقع سيحا مكوميت. ومن المرجح أن هذه العوامل، كما وصفها أعضاء حاليون وسابقون في المخابرات الإسرائيلية، لعبت دوراً في إنتاج واحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية ضد الفلسطينيين منذ نكبة العام 1948.
الصفحة 61 من 859