تراوحت التقديرات الإسرائيلية بشأن قرار تركيا حظر تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل -في الأساس ما يخدم قطاع البناء- وأيضا بعض المنتوجات الزراعية، بين اعتباره ضربة مؤلمة لقطاع البناء، تقود لرفع أسعار البيوت، وأن هذا مجرّد إجراء مؤقت لن يدوم طويلا، بين دولتين يرتفع التبادل التجاري بينهما باستمرار. لكن التخوف الإسرائيلي هو أن يشجع القرار التركي دولا أخرى، على فرض عقوبات على إسرائيل، بسبب الحرب المستمرة على قطاع غزة. وبحسب التقارير فإن قطاع البناء يسارع حاليا لضمان بدائل للبضائع المستوردة من تركيا، التي ستكون أسعارها وكلفة نقلها أعلى مما هما عليه من هذا البلد.
تدخل الحرب الإسرائيلية التدميرية والإباديّة على قطاع غزة اليوم- 8 نيسان 2024، شهرها السابع. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وبطبيعة الحال استلزم انقضاء نصف عام على الحرب انشغال العديد من المحللين السياسيين والعسكريين وكتاب مقالات الرأي في إسرائيل بإجمال الفترة المنقضية وما استجدّ على سير الحرب ومعاركها، ناهيك عن محاولة الوقوف أمام حصيلتها، وهو ما سنركّز عليه من خلال إيراد وجهات نظر المحللين الإسرائيليين المتخصصين في الشؤون العسكرية.
بتاريخ 2 نيسان 2024، قتلت إسرائيل 7 من عمال المطبخ المركزي العالمي في أثناء توزيعهم للمساعدات في قطاع غزة. هذا لم يكن مجرد حدث عابر، أو مُجرّد خطأ عسكري منفرد، وإنما هو جزء من سياق طويل تحولت فيه المساعدات الإنسانية ولوجستيات توزيعها إلى معركة حقيقية تحاول إسرائيل أن تستخدمها كسلاح لوضع معالم "اليوم التالي للحرب". على ما يبدو، تعتبر قضية توزيع المساعدات الإنسانية مسألة محورية بالنسبة للجيش الإسرائيلي: ففي النهاية، ستنسحب إسرائيل من القطاع، وسيتم الانتهاء من قضية الأسرى، بيد أن شكل الحكم وهياكل السلطة والإدارة في قطاع غزة ستبقى هي المركب الأهم، بحيث أن قضية توزيع المساعدات الإنسانية ستتحول إلى حجر الزاوية في تحديد معالم هذه السلطة في اليوم التالي للحرب.
في مساهمات سابقة حول الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، أشرنا إلى أن الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على الفلسطينيين وعلى الدول العربية قد وفّرت لإسرائيل مساحة كبرى لابتكار وتطوير الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية، بشكلٍ مكّنها من أن تصبح رائدة في هذا المجال. ومنذ بداية حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، تسعى الشركات الإسرائيلية ذات الصلة بمجال التطوير الأمني والعسكري إلى تحويل قطاع غزة إلى مختبر تجارب للأسلحة والتقنيات لما تُشكّله استمرارية الحرب من فرص لتطوير وتحسين قدرات هذه التقنيات والأسلحة والوسائل وما يترتب على ذلك من ميزة عسكرية، بالإضافة إلى الأرباح الطائلة، وهو ما بات يُعرف في الأدبيات بالاقتصاد السياسي للأسلحة والتقنيات الإسرائيلية.
الصفحة 36 من 859