نشر معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل ورقة بعنوان "تداعيات استمرار الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي - ثلاثة سيناريوهات"، وذلك لاستشراف التداعيات الاقتصادية متعددة الأوجه للحرب على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 10 شهور، حيث تواجه إسرائيل مفترق طرق كبيرًا لن يشكل موقفها العسكري والجيوسياسي فحسب، بل مستقبلها الاقتصادي أيضًا.
تقدم هذه الوثيقة تحليلًا لثلاثة سيناريوهات محتملة - استمرار الوضع الحربي الحالي بدون تصعيد أو إنهاء للحرب، أو التصعيد على الجبهة الشمالية، أو إنهاء الحرب من خلال اتفاق يستند إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ووقف القتال في غزة. وتؤكد الورقة أنه بغض النظر عن السيناريو المرتقب، فإن إسرائيل سوف تعاني من أضرار اقتصادية دائمة، مما يذكرنا بالتحديات التي واجهتها إسرائيل خلال "العقد الضائع" الذي أعقب حرب العام 1973.
تدرس الورقة الآثار الاقتصادية للحرب الحالية من خلال ثلاثة سيناريوهات، يعكس كل منها خيارات استراتيجية مختلفة وتأثيراتها المقابلة على المعايير الاقتصادية الرئيسية: النمو الاقتصادي، وعجز الموازنة، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على كلفة المخاطر:
- السيناريو الأول- استمرار الوضع الراهن
في هذا السيناريو، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، إلى جانب اشتباكات محدودة على الجبهة الشمالية. وسيشهد هذا الوضع الراهن تبادلًا مستمرًا لإطلاق النار من دون تصعيد ملحوظ. من الناحية الاقتصادية، يتوقع هذا الوضع معدل نمو أدنى من المتوقع وقد يبلغ حوالى 1% للعام 2024 ، مما يشير إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسبب النمو السكاني. ومن المتوقع أن يرتفع عجز الميزانية إلى 8%، وقد تصل نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 70%، في حين من المتوقع أن تزداد كلفة المخاطرة، مما يعكس مخاوف المستثمرين المتزايدة بشأن الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل. ومن المرجح أن يؤدي استمرار الصراع إلى تآكل مكانة إسرائيل الدولية، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وتكثيف التوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية، وكل ذلك من شأنه أن يؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي.
- السيناريو الثاني- التصعيد في الشمال
يتوقع هذا السيناريو صراعًا حادًا مع حزب الله على الجبهة الشمالية، ويحتمل أن يمتد إلى حرب إقليمية أوسع تشمل جبهات متعددة. وستكون التداعيات الاقتصادية لمثل هذا التصعيد شديدة. ويمكن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 10% في العام 2024، اعتمادا على شدة الصراع ومدته والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الوطنية. ومن المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة إلى ما يقرب من 15%، مع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 80% حتى 85%. وقد ترتفع كلفة المخاطرة إلى 2.5%، مما يعقد قدرة إسرائيل على زيادة رأس المال ويزيد من تكلفة خدمة الديون. وتشمل العواقب طويلة الأجل ضغطًا كبيرًا على المالية العامة لإسرائيل وفترة تعاف مطولة، مع أوجه تشابه مع التداعيات الاقتصادية للانتفاضة الفلسطينية الثانية.
- السيناريو الثالث: صفقة الرهائن والانسحاب من غزة
يتصور السيناريو الثالث اتفاقًا لإطلاق سراح الرهائن، ووقف الأعمال العدائية في غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. وفي حين أن هذا قد يؤدي إلى انخفاض مؤقت في النفقات العسكرية وتحسن طفيف في عجز الميزانية ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن التوقعات الاقتصادية لا تزال حذرة. ومن غير المرجح أن تتراجع كلفة المخاطرة، على الرغم من أنها أقل مما كانت عليه في السيناريوهات السابقة، إلى مستويات ما قبل الحرب. ومن المتوقع أن يعود الاستقرار تدريجيًا، مع معدل نمو محتمل للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 4.6% في العام 2025، وكل ذلك يظلّ رهنا بالتوصل إلى حل سلمي واستعادة ثقة المستثمرين. ومع ذلك، فإن التصور الدائم لإسرائيل كبيئة أقل أمنًا مما كانت عليه قبل الحرب سيستمر في التأثير على آفاقها الاقتصادية المستقبلية.
وتخلص الورقة إلى أن مستقبل إسرائيل الاقتصادي لا يزال محفوفًا بالمخاطر، مع توقع أضرار طويلة الأجل بغض النظر عن السيناريو المرتقب. ويذكرنا هذا الاستشراف المتعلق بمستقبل اقتصاد إسرائيل بعد الحرب بما يسمى في إسرائيل بـ "العقد الضائع" الذي خلف حرب العام 1973، مما يشير إلى ركود محتمل مدفوع بانخفاض النمو، وزيادة النفقات الأمنية، والبيئة المالية المتوترة. ويمكن القول إن الخيارات الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل - سواء التصعيد أو الحفاظ على الوضع الراهن أو السعي إلى حل دبلوماسي - تنطوي كل منها على مخاطر وشكوك اقتصادية كبيرة. ويشدّد التقرير على أنه يجب على صناع القرار أن يدرسوا بعناية هذه الآثار الاقتصادية، مدركين أن نهاية الحرب لا تلوح في الأفق بعد فضلًا عن أن الاقتصاد الإسرائيلي ذاته يواجه مستقبلًا غامضًا.