المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أطلق في 21 كانون الثاني الماضي القمر الاصطناعي الإسرائيلي الجديد "تيك- سار"، وذلك من "مركز سريهاريكوتا الفضائي" في جنوب شرق الهند بواسطة صاروخ إطلاق هندي. وقد دخل القمر الاصطناعي إلى مداره بعد نحو 80 دقيقة من إطلاقه.

في يوم 31 من الشهر نفسه، أي بعد عشرة أيام من تاريخ الإطلاق، بث القمر "تيك- سار" الصور الأولى التي قام بالتقاطها في أثناء تحليقه، ووصف مسؤولون في الصناعات الجوية الإسرائيلية الصور التي التقطت بأنها ذات جودة منقطعة النظير. قمر TecSAR، وهو من إنتاج الصناعات الجوية الفضائية الإسرائيلية، جهز بمنظومات من إنتاج شركة "ألتا" وشركات إسرائيلية أخرى (رفائيل، تديران، روكار)، وهو ينضم إلى قمري التجسس الإسرائيليين الموجودين في الفضاء، وهما "أفق7" الذي أطلق في حزيران 2007 و"إيروس ب" الذي أطلق في نيسان 2006.

مع ذلك فإن قمر "تيك سار" له مميزات خاصة من عدة نواح، فهو أولا قمر اصطناعي مجهز بتكنولوجيا (سينشيتيك إبريتشر رادار -إس أيه آر)، وهذه التكنولوجيا قادرة على نقل صور عالية الدقة في كل الظروف المناخية. وعلى الرغم من أن المعطيات التنفيذية للقمر سرية إلا أنه ذكر بأن القمر "تيك- سار" مجهز بكاميرا قادرة على التقاط صور لأهداف صغيرة حتى في أوقات الضباب والغيوم الكثيفة، وبدرجة وضوح ودقة عالية تكفي لأغراض الاستخبارات العسكرية. كذلك فإن القمر قادر على أداء عمله بعدة طرق وأشكال بما في ذلك عمليات مسح واسعة وتنوع في تغطية المنطقة أو النقطة المستهدفة. جميع هذه القدرات وضعت في قمر "تيك- سار" الذي يعتبر صغيرا نسبيا إذ لا يزيد وزنه الإجمالي عن 300 كغم، منها 100 كغم تقريبا هي حمولته من معدات وتجهيزات. كذلك فإن هذا الوزن الصغير للقمر يتيح مرونة وسرعة في تشغيله.

هناك عامل شاذ آخر تمثل في وسيلة الإطلاق. فقد فضلت إسرائيل حتى الآن إطلاق أقمارها الاصطناعية التجسسية من سلسلة "أفق"، بقواها الذاتية، بواسطة صاروخ الإطلاق "شفيط"، وهو ما يتيح الاستغناء عن الاستعانة بأي جهة أو دولة أجنبية فضلا عن أن امتلاك القدرة على إطلاق الأقمار الاصطناعية يُعتبر مكوناً مهماً في قدرة الردع الإسرائيلية، لما يعنيه ذلك من امتلاك قدرة دائمة على إطلاق صواريخ أرض- أرض. ويفسر الكثير من المحللين والخبراء قدرة الإطلاق المتوفرة في صاروخ "شفيط" بأنها قدرة على إطلاق شحنة حربية يصل وزنها إلى حوالي طن، إلى مسافات تصل لغاية 4 آلاف كيلومتر تقريباً.

إضافة إلى ذلك فإن القدرة على إطلاق أقمار اصطناعية تضع إسرائيل في جبهة القدرة التكنولوجية العالمية، خاصة وأن قلة من دول العالم تمتلك قدرة مستقلة على إطلاق الأقمار الاصطناعية.

إلى جانب هذه المزايا التي تتوفر في استخدام صاروخ "شفيط" هناك عدة نواقص أهمها محدودية المدارات الممكنة للقمر الاصطناعي. فالإطلاق من الأراضي الإسرائيلية يستوجب أن يتم الإطلاق غرباً باتجاه البحر المتوسط وذلك لتفادي سقوط المراحل الأولى لصاروخ الإطلاق (أو القمر الاصطناعي ذاته في حال حدوث خلل) على مناطق مأهولة أو في أراضي دولة أجنبية. كما أن الإطلاق نحو الغرب، بشكل معاكس لحركة دوران الكره الأرضية، يلزم بخفض وزن الأقمار التي يٍستطيع صاروخ الإطلاق حملها. وقد فشلت إسرائيل في السابق بضع مرات في محاولات إطلاق أقمار اصطناعية آخرها فشل إطلاق قمر "أفق 6" في آذار 2004. وكانت إسرائيل قد استخدمت في السابق خدمات إطلاق أقمار اصطناعية أجنبية تجارية لأسباب مختلفة، كما حصل في إطلاق أقمار الاتصالات الإسرائيلية من طراز "عاموس"، وذلك لعدم امتلاك إسرائيل القدرة والموقع الجغرافي اللازمين لوضع قمر اتصالات في الفضاء.

وهذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل صاروخ إطلاق من صنع هندي (PSLV) والذي مكنها من إطلاق قمر "تيك- سار" إلى مدار يتعذر بلوغه من إسرائيل ذاتها، حيث يتراوح ارتفاع هذا المدار بين 450 و580 كم في زاوية تبلغ 41 درجة، وهذا يعني أن القمر يتحرك من الغرب إلى الشرق على عكس أقمار التجسس الإسرائيلية التي أطلقت من إسرائيل.

ومما لا شك فيه أن قمر (التجسس) الجديد "تيك- سار" يشكل خطوة تكنولوجية متقدمة جديدة للصناعات العسكرية الإسرائيلية، فهو قمر متطور ومميز في قدراته وحجمه، قل نظيره في العالم. وسوف يمنح "تيك- سار" المؤسسة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية قدرة على تغطية منطقة الشرق الأوسط بأكملها، كما سيتيح قمر "تيك- سار" جنباً إلى جنب مع قمر "أفق 7" عدداً كبيراً من "الزيارات" لنقاط ساخنة في فترة زمنية محدودة، هذا فضلا عن أن "تيك- سار" سيضيف قدرة تغطية وتصوير ليلية وفي كل الظروف المناخية أيضاً.

____________________

* باحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات