ليس هناك ما يدعو (إسرائيل) إلى التخوف في أعقاب معطيات الإحصاء الفلسطيني لسنة 2007 التي أعلن عنها أخيراً. وخلافاً لمعطيات الإحصاء المنشورة فإن عدد "عرب يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) يبلغ 5ر1 مليون نسمة لا 3ر2 مليون كما أعلن. كذلك فإن عدد "عرب غزة" الذي أعلن عنه ليس دقيقاً فهو يبلغ 1ر1 مليون لا 5ر1 مليون نسمة. معطيات تعداد السكان الفلسطينيين الأخير ليس لها أي أساس من الصحة، حسبما يتضح من فحص منهجي للتوثيق الفلسطيني والإسرائيلي والدولي للولادات والوفيات ومعطيات الهجرة وتسجيل الأطفال البالغة أعمارهم 6 سنوات الملتحقين بالصف الأول الابتدائي في المدارس إضافة إلى توثيق (سجل) أسماء أصحاب حق الانتخابات (من سن 18 عاماً فما فوق) في مناطق "يهودا والسامرة وغزة".
ففي الوقت الذي يدعي فيه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة الزيادة السكانية بلغت 30% خلال العقد الأخير، فقد أشار البنك الدولي إلى تراجع ملموس في معدل الإخصاب الفلسطيني وإلى تزايد جوهري في نسبة الهجرة من مناطق السلطة الفلسطينية. ويوثق البنك الدولي فارقاً بنسبة 32% بين معطيات جهاز الإحصاء الفلسطيني فيما يتعلق بعدد الأطفال البالغة أعمارهم 6 سنوات وبين توثيق وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إذ توقع جهاز الإحصاء الفلسطيني زيادة بنسبة 24% في حين أشارت وزارة التربية والتعليم إلى انخفاض بنسبة 8% في عدد الأطفال في هذا السن.
هناك تضافر صُدف غريب وإشكالي أدى إلى تشابه بين معطيات تعداد سكان 2007 وتوقعات جهاز الإحصاء الفلسطيني من سنة 1997، على الرغم من التطورات والمستجدات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير المتوقعة، والتي تؤثر بشكل دراماتيكي على حجم الهجرة الفلسطينية من مناطق السلطة وعلى التراجع الحثيث لمعدلات الإخصاب (الإنجاب) الفلسطينية كالإرهاب ومحاربة الإرهاب والصراع بين حماس وفتح والبطالة التي تعدت نسبتها الـ 30% وارتفاع أسعار النفط وازدياد الطلب على الأيدي العاملة في دول الخليج والنزوح من القرية إلى المدينة وغيرها من التطورات الاجتماعية والاقتصادية.
توقعات جهاز الإحصاء الفلسطيني من سنة 1997 تُفَنَّدُ في كل سنة لدى تفحص معطيات وزارتي الصحة والتربية والتعليم ولجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية وشرطة الحدود الإسرائيلية ومعطيات المراقبين الأوروبيين الذين يوثقون الخروج والدخول من وإلى إسرائيل والمعابر الحدودية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفيما يتجاهل تعداد جهاز الإحصاء الفلسطيني كلياً ظاهرة الهجرة السلبية المتزايدة، فقد سجلت في سنة 2004 هجرة 12 ألف فلسطيني، وفي السنة التالية ارتفع عدد المهاجرين من مناطق السلطة الفلسطينية إلى 16 ألفاً، وفي سنة 2006 بلغ عدد المهاجرين 25 ألف فلسطيني. كذلك استمر في سنة 2007 اتجاه الزيادة في الهجرة السلبية.
وبحسب ما أعلنه جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني فقد استند تعداد السكان لسنة 2007 إلى تعداد سنة 1997 الذي ضُخِّم بنحو 30%. تعداد سنة 1997 شمل حسب ما ذكره رئيس الجهاز مئات آلاف السكان والطلبة الذين مضى على مكوثهم في الخارج أكثر من سنة، وهذا مخالف للقواعد الديمغرافية العالمية التي تقضي حذف مثل هؤلاء من التعداد. كذلك شمل تعداد سنة 1997 "عرب القدس" حملة الهويات (الزرقاء) الإسرائيلية الذين تشملهم عادة إحصاءات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي وبالتالي لا يجوز عدهم مرتين.
منذ سنة 1997 ازداد "التضخم" بصورة دراماتيكية في أعقاب خطأ متراكم وفرضيات لا أساس لها بشأن معدلات الإخصاب والهجرة. من هنا يمكن القول إن معطيات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني المتعلق بـ "عرب يهودا والسامرة" مضخمة بنسبة 53%، وما زالت مؤشرات التوثيق للتوازن بين اليهود والعرب غرب نهر الأردن- بدون قطاع غزة- تشير إلى وجود أغلبية يهودية راسخة تصل إلى 67%.
الانقلاب الديمغرافي الذي يمكن تشخيصه كتحول من زخم عربي إلى زخم يهودي يعبر عن عدد الولادات اليهودية السنوية بين 1995 و 2007. وبحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي فقد ازداد هذا العدد بنسبة 40%، من 4ر80 ألفًا إلى 112 ألفًا، هذا في الوقت الذي بقي فيه عدد الولادات السنوية العربية داخل الخط الأخضر ثابتاً وقد بلغ حوالي 39 ألف ولادة.
لا شك في أن هناك مشكلة ديمغرافية قائمة لكن الأمر لا يصل إلى حد الحديث عن سيف ديمغرافي مصلت على رقبة الدولة اليهودية. فاتجاهات الولادة والوفيات والهجرة تظهر أن الديمغرافيا تحولت إلى ذخر استراتيجي (وليس عبئاً استراتيجياً كما كان عليه الحال فيما مضى) يُحَسِّنُ ويطور قدرة المناورة الأمنية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية لدى "الحمائم" والصقور" الإسرائيليين على حد سواء.
______________________
* الكاتب دبلوماسي سابق وعضو "الطاقم الأميركي- الإسرائيلي" للدراسات الديمغرافية. ترجمة خاصة.