المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تركّز "إستطلاع السلام"، في ضوء تعمّق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل وإستمرار الحرب في العراق، في ردود فعل وتقديرات الجمهور الاسرائيلي بصدد هذين الموضوعين. وبالنسبة للأزمة الاقتصادية، فإن ما يقارب نصف الجمهور اليهودي في إسرائيل، يُرجعون الأزمة، أولا وأخيرًا، لانهيار العملية السياسية ولإندلاع الانتفاضة. الباقي يرون في سياسات حكومات إسرائيل وفي وضع الاقتصاد العالمي وفي التصرف الاقتصادي عند مواطني إسرائيل الأسباب الأساسية للأزمة. كما ينقسم الجمهور بالتساوي تقريبًا حول السؤال ما إذا كان تحقيق حل سياسي مع الفلسطينيين هو شرط لازم لحل الأزمة، أم أنه من الممكن الخروج منها من دون حل سياسي. ولكن، الغالبية الكبيرة من الطرفين تعتقد أن خطة الحكومة الاقتصادية الجديدة ليست الطريق الصحيحة لإخراج المرافق الاسرائيلية من الأزمة.


ولم يَضعُف الدعم الجارف للعدوان الذي تشنّه الولايات المتحدة على العراق، بين الجمهور اليهودي في إسرائيل، كما اتضح قبل إندلاع المعارك، حتى والحرب في ذروتها. هذا على الرغم من أن الرأي السائد هو أن الرئيس الامريكي جورج بوش، وبعد إنتهاء الحرب، سيشغل ضغوطًا على إسرائيل للتوصل إلى حل للنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، وعلى الرغم من حقيقة أن غالبية الجمهور اليهودي في إٍسرائيل تعارض تعارض تشغيل ضغط كهذا. يمكن تفسير هذا التناقض الظاهر لأول وهلة بين دعم الحرب وبين معارضة الضغوطات، ولو بشكل جزئي، بأن نسبة الذين لا يعتقدون أن إسرائيل ستدفع ثمن الحرب كنتيجة للضغط الأمريكي تزيد عن نسبة أولئك الذين يعتقدون بذلك. وأكثر من ذلك: مقارنةً بالوضع الذي ساد قبل اندلاع الحرب، فإن الجمهور اليوم يخشى أقل بكثير من هجوم عراقي على إسرائيل، وهو يشعر براحة أكبر وحتى أنه يعتقد أن طريقة علاج الحكومة لموضوع الأزمة العراقية تسهم في التهدئة.

هذه هي أهم نتائج "إستطلاع السلام" لشهر آذار 2003، الذي أجري يومي الأحد والاثنين، 30-31 من آذار.

وقد أجاب 48% من المستَبْيَنين على السؤال: مع أي إدعاء من الادعاءين توافق أكثر: مع الادعاء بأنه "لن تنجح أي خطة إقتصادية في حل أزمة المرافق ما لم ينوجد في المقابل حل سياسي للنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني"، أو مع الادعاء أن "بوسع خطة إقتصادية صحيحة إخراج إقتصاد إسرائيل من الأزمة، حتى في إنعدام حل سياسي للنزاع"، أجابوا بأنهم يدعمون الادعاء الأول و45% يدعمون الادعاء الثاني (7% لم يعرفوا). وفي الإجابة على السؤال "أي من العناصر التالية، بحسب رأيك، يملك التأثير الأكثر سلبية على الوضع الاقتصادي في الدولة"، ذكر 45% إنهيار العملية السلمية وإندلاع الانتفاضة، 35% السياسة الاقتصادية لحكومة إسرائيل، 8% وضع الاقتصاد العالمي و7% التصرف الاقتصادي للجمهور في إسرائيل (5% لم يعرفوا).

وكما هو متوقع، وُجدت علاقة متينة بين إستيعاب العناصر المؤدية للأزمة الاقتصادية وبين الأهمية المنسوبة من جانب المُستَبيَنين للاتفاق السياسي، كشرط للخروج من الأزمة: من بين الذين يعتقدون أن السبب الأساسي للأزمة الاقتصادية هو إنهيار العملية السياسية، يعتقد 70% أن الاتفاق السياسي مع الفلسطينيين هو شرط لازم لحل الأزمة الاقتصادية و27% لا يعتقدون ذلك. مقابل ذلك، ومن بين أولئك الذين يُرجعون الأزمة الاقتصادية لأسباب أخرى، يقدّر 63% أن بوسع خطة اقتصادية ناجعة أن تُخرج الاقتصاد الاسرائيلي من الأزمة، من دون إتفاق سياسي أيضًا ويعتقد 31% أن الحل السياسي هو شرط لازم لذلك.

وفيما يخص خطة الحكومة الاقتصادية الجديدة، فإن الرأي السائد (57% مقابل 31.5%) هو أن الخطة الاقتصادية ليست الطريق الصحيحة لإنعاش المرافق، حيث لم يتضح في هذا الشأن أي فارق بين أولئك الذين يرون في الحل السياسي شرطًا لازمًا لحل الأزمة الاقتصادية وبين أولئك الذين يعتقدون أنه بالامكان حل الأزمة من دون حل سياسي أيضًا. بمعنى، الخطة الاقتصادية الجديدة تُرى بشكل سلبي لذاتها، من دون علاقة بالرأي حول ضرورة الحل السياسي لغرض إنعاش المرافق الاقتصادية. ويدلل تقسيم المجيبين بحسب التصويت للأحزاب الخمسة الكبيرة في الانتخابات الأخيرة، وكما هو متوقع، على أن معارضة الخطة الاقتصادية تبرز خصوصًا بين مصوتي الأحزاب المعارضة- "العمل"، "شاس" و"ميرتس"- حوالي 70% منهم ينفون الخطة. ومع ذلك، حتى بين مصوتي "الليكود" و"شينوي"، تزيد نسبة المعارضين للخطة الاقتصادية (49% و53% على التوالي) بوضوح عن نسبة الداعمين لها (37% و40% على التوالي). وبكلمات أخرى، معارضة الخطة الاقتصادية هي موقف الغالبية في معسكري المصوّتين.

وفي مسألة الحرب في العراق: يستمر الدعم الجارف من قبل الجمهور الاسرائيلي- اليهودي للحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق، والتي ذكرت في استطلاع الشهر الماضي، من دون تغيير، حتى الآن، والحرب في ذروتها. وعن سؤال "هل تدعم اليوم بشكل شخصي الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق، أو تعارضها"، أجاب 78% بأنهم يدعمونها جدًا أو أنهم يدعمونها- وهي نسبة دعم مماثلة للأجوبة التي وردت في "إستطلاع السلام" في شباط الماضي. وأجاب 13% بأنهم يعارضون الحرب؛ ولم يجب الباقي (9%). وهذه الغالبية العظمى تشير إلى أن دعم الحرب على العراق هو جارف وعابر للمعسكرات السياسية والحزبية، وهذا ما يتضح بالفعل من تحليل المواقف تجاه الحرب بحسب التصويت الحزبي. وحتى بين مصوتي "ميرتس"، الذين يدعمون الحرب بأقل نسبة بين باقي الأحزاب، تزيد نسبة دعم الحرب (59%) بكثير عن نسبة المعارضين لها (27%).

ويمكن تفسير إستمرار الدعم الواسع للحرب بعدة عوامل:

أولا، هناك إنخفاض واضح في تقدير الاحتمالات لأن يهاجم العراق إسرائيل بالصواريخ أو بوسائل أخرى. اليوم، يقدر 80% هذه الاحتمالات بأنها منخفضة جدًا أو منخفضة بما فيه الكفاية، و11% فقط يقدرونها على أنها عالية جدًا أو عالية بما فيه الكفاية. وتشير التقديرات الموازية في الشهر الماضي إلى 52% و41%، على التوالي. وبمقابل ذلك، فإن الجمهور الاسرائيلي اليوم هو هادئ أكثر بكثير مما كان عليه قبل بداية الحرب على العراق: حيث يعتقد 77% من المستَبيَنين أن الجمهور اليوم هادئ جدًا أو أنه هادئ بما فيه الكفاية في ظل الحرب، بينما كان نفس الرأي، في الشهر الماضي، 48% (47.5% اعتقدوا حينها أن الجمهور مذعور جدًا أو مذعور كفايةً، بينما يعتقد ذلك اليوم 20% فقط).

وفيما يخص تصرفات الحكومة أيضًا، في سياق الأزمة العراقية، هناك إرتفاع في نسبة التقديرات الأيجابية: 60% يعتقدون اليوم أن الطريقة التي تعمل بها الحكومة في هذا المجال تُسهم في تهدئة الجمهور، مقابل 29% الذين يعتقدون أنها تسبب الهلع، بينما كانت المعطيات الموازية قبل الحرب 52.5% و34% على التوالي.

ونهاية، لا يجب تجاهل الرأي السائد (81%) بأن الولايات المتحدة، في إطار الهجوم على العراق، تحاول الامتناع عن المسّ بالمدنيين. وهذا على الرغم من التقارير والصور في وسائل الاعلام عن حالات من هذا النوع.

في الشهر الماضي كانت غالبية الجمهور اليهودي تعتقد أن على الولايات المتحدة، في حالة شنت هجومها على العراق، أن تراعي المعاناة التي ستلحق بالشعب العراقي. بمعنى، أن تطور الحرب الفعلي يلائم الطريقة التي كان الجمهور اليهودي في إسرائيل يود أن تتطور الأمور بحسبها.

وفيما يخص إسقاطات الحرب على العراق على سياسة الولايات المتحدة تجاه النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، فإن غالبية كبيرة بين الجمهور اليهودي (67% مقابل 24%) تعتقد أن الرئيس بوش سيضغط بعد الحرب على إٍسرائيل، من أجل التوصل إلى حل للنزاع. هذه الأسئلة المطروحة ضمنًا، ما إذا كان ضغط من هذا النوع سيُنظر إليه من قبل الجمهور على أنه خطوة مرغوب بها أم لا، وكم يخشى الجمهور أن تدفع اسرائيل ثمن الحرب في كل ما يخص نوع الحل السياسي الذي ستُطالب بدفعه.

وتشير المعطيات إلى أن الغالبية (58% مقابل 36%) تعارض الضغط الأمريكي. ومع ذلك، فإن نسبة من لا يخشون أن تدفع إسرائيل ثمن الحرب (49%) أعلى بقليل من نسبة الذين يخشون ذلك (44%). وتشير مقارنة الاجابات على هذين السؤالين إلى أن غالبية الداعمين للضغوطات (58% مقابل 36%) لا يخشون من الثمن الذي ستضطر إسرائيل لدفعه. والمعطى المثير هو، أنه حتى من بين المعارضين للضغوطات الأمريكية، تزيد نسبة الذين لا يخشون هذه الضغوطات (49%) عن نسبة الذين يخشون ذلك (44%).

ويمكن تفسير هذه المعطيات بطريقتين: الامكانية الأولى هي أن المُستَبيَنين تطرقوا في إجاباتهم إلى فاعلية الضغط الأمريكي. وفي هذه الحالة، فإن وجود التخوفات أو عدمه ينبع من تقدير مدى نجاعة الضغط المشغل على إسرائيل. تفسير آخر هو أن الاجابات على هذا السؤال تطرقت لنوعية الثمن المطلوب من إسرائيل. وبحسب هذا التفسير، فإن المستَبيَنين الذين لا يخشون من الثمن المفترض يتوقعون، وربما يتمنون، الضغط الأمريكي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين.

وهذا التفسير يتقوّى عن طريق المعطى الذي ينص على أن معارضة الضغط الأمريكي تبرز خصوصًا في أوساط مصوتي "شاس" (71%) و"الليكود" (67%)، بينما يدعم حوالي 70% من مصوتي "ميرتس" و"العمل" تفعيل الضغوطات. وينقسم مصوتو "شينوي" في هذا السؤال إلى قسمين شبه متساويين: 45% يدعمون و47% يعارضون. ولكن، ومن أجل وضع هذه النتائج في سياق الحرب على العراق، من المهم الذكر أن الفوارق بين المعارضين والداعمين للضغط الأمريكي، مثلما بين الذين يخشون أو الذين لا يخشون من الثمن الذي ستُطالب إسرائيل بدفعه، لا تؤثر البتة على التعامل مع الحرب على العراق: الجهتان تدعمان الحرب بنفس القدر وبغالبية حاسمة.

وكما تبين أكثر من مرة، فإن مواقف الجمهور الاسرائيلي- العربي في مواضيع مثل هذه، تختلف عادةً وبقدر كبير، عن تلك التي يملكها الجمهور الاسرائيلي- اليهودي، وغالبًا ما تعكس هذه المواقف صورة خاصة بها. وهكذا مثلا، يعارض 85% من العرب الحرب على العراق؛ 72% يعتقدون أن الولايات المتحدة لا تحاول تجنّب المس بالمدنيين؛ 77% يقدرون أن الجمهور في إسرائيل مذعور أو أنه مذعور جدًا في ضوء الحرب و58% يعتقدون أن تصرفات الحكومة تسهم في هذا الذعر. وفيما يخص إسقاطات الحرب على النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، فإن 76% يدعمون تفعيل ضغط من جهة بوش على إسرائيل للتوصل إلى حل للنزاع، لكن الغالبية (62%) –مرة أخرى خلافًا للجمهور اليهودي- لا تؤمن بأن ضغطًا كهذا سيُشغل حقيقةً.

وبكلمات أخرى، وفي كل ما يخص المفاهيم والمواقف المتعلقة بعلاقات إسرائيل والعالم العربي، على الأقل، فإن اليهود والعرب الاسرائيليين يمثلون عالمين مختلفين.

وقد كان إستطلاع أوسلو لهذا الشهر 31.2 (في العينة اليهودية 28.3).

ومشروع "إستطلاع السلام" يتم في مركز "تاني شطاينمتس" لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب، برئاسة بروفيسور إفرايم ياعد ود. تمار هيرمان. المقابلات الهاتفية تمت بواسطة معهد ي. كوهن في جامعة تل أبيب في 30-31 من أذار، وشملت 576 مستَبيَنًا، يمثلون السكان اليهود والعرب البالغين في اسرائيل (بما في ذلك المستوطنون والكيبوتسات). الخطأ الاحصائي للعينة المعطاة هو حوالي 4.5% لكل إتجاه.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, شينوي, مركز

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات