المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: الوف بنقبل اكثر من عشر سنوات قاد ارئيل شارون ثلاثي "وزراء الاطواق" في حكومة الوحدة التي ترأسها اسحق شامير. وقد سعى شارون وشريكاه – دافيد ليفي واسحق موداعي- الى كبح وتكبيل رئيس حكومتهم حتى لا يسير في طريق التنازلات الذي مثله شمعون بيريس وادارة الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب.

لذلك عمل ثلاثي الاطواق المذكور على عرقلة واحباط المقترحات السياسية التي طرحت في تلك الآونة.

واليوم، باستطاعة الموفد الاميركي ويليام بيرنز، الذي زار القدس (الغربية) قبل ايام، الحديث عند عودته الى واشنطن، عن عودة "وزراء الاطواق" بنسخة جديدة.

وكان بيرنز، الذي يترأس قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية، قد جاء للتحدث عن وضع خطة "خارطة الطريق" موضع التطبيق والتمهيد لزيارة رئيسِهِِ وزير الخارجية كولن باول المرتقبة للمنطقة نهاية هذا الاسبوع.

مستضيفو "بيرنز" الاسرائيليون استقبلوه بطرح تحفظات وعراقيل امام تطبيق الخطة الدولية لتسوية النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني. فـ "طوق" سيلفان شالوم (وزير الخارجية) يتمثل في مطالبته بتخلي الفلسطينيين عن مطلبهم بـ "حق العودة" لللاجئين الفلسطينيين مقابل موافقة اسرائيل على اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة في المرحلة الثانية من "خارطة الطريق". وقد حاول "بيرنز" التملص باسلوب دبلوماسي مقترحًا ان تتفاوض اسرائيل مباشرة مع الفلسطينيين، ومؤكداً بأن الملاحظات الاسرائيلية "تحظى بالاهتمام".

غير ان وزير الخارجية (الاسرائيلي) ألحَّ على طلبه وراح يشرح لـ "بيرنز" طوال 25 دقيقة اهمية الموضوع ومسؤولية الولايات المتحدة بصفتها الطرف الذي صاغ "خارطة الطريق". بعد ذلك توجه المبعوث الاميركي من القدس (الغربية) الى تل ابيب ليستمع هناك الى "الاطواق الامنية" لوزير الدفاع شاؤول موفاز، وفي مقدمتها مطالبته بأن يقوم رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) بمحاربة "الارهاب" والقيام بواجبه في وقف اطلاق النار. وتوعد موفاز بعملية "السور الواقي رقم 2" ضد الفلسطينيين اذا استمرت العمليات المسلحة ضد اسرائيل.

لعل الفرق بين "وزراء الأطواق" في الثمانينات و "وزراء الاطواق" في الوقت الحالي يتمثل في أن شارون وليفي وموداعي عملوا حينئذ بالتنسيق فيما بينهم، بينما يسعى موفاز وشالوم اليوم الى تحسين مواقعهما توطئة للمعركة المقبلة – المستقبلية - على زعامة الليكود.

فلجنة التوجيه التي شكلها وزير الدفاع (موفاز) للمفاوضات مع الفلسطينيين ستضم ممثلين عن مختلف الجهات باستثناء وزارة الخارجية. وقد فهم "شالوم" الرسالة، وعلى الارجح سيعمل بدوره على تعيين طاقم خاص به للمفاوضات. شارون، كحال شامير في حينه، لا يحتاج لأطواق وقيود من جانب وزرائه، حتى يتجنب تقديم تنازلات للفلسطينيين.

ولعل الافضلية التي يتمتع بها شارون، قياسًا مع سلفه (شامير)، تكمن في البيت الابيض. فـ بوش الابن، وخلافا لأبيه، يمتنع عن ممارسة اي ضغوط على اسرائيل، سوى انه (الرئيس بوش الابن) وعد رئيس وزراء بريطانيا توني بلير بنشر "خارطة الطريق" بحرفيتها، والتزم بوعده. لكن ما ظهر في البداية ككبوة دبلوماسية لشارون، ساهم فقط في ترسيخ موقفه. فلو قبل الاميركيون بملاحظات اسرائيل على الخطة قبل نشرها، لكان تطبيقها سيتم فورًا، وهو ما كان سيجبر شارون على طرح الوثيقة (الخطة) امام حكومته اليمينية للمصادقة عليها. من هنا فان طرح مسودة الخطة بحرفيتها اتاح المجال امام المزيد من المباحثات والتأخير، وعامل الوقت لا يضغط على احد.

ويتحدث الاميركيون عن عملية "المساهمة" التي سيجري من خلالها شارون و"ابو مازن" مفاوضات حول تنفيذ الخطة. في المقابل فقد دُعي دوف فايسغلاس (مدير مكتب شارون) الى واشنطن لاجراء المزيد من المباحثات حول "الملاحظات" الاسرائيلية. في واشنطن يعون خطرالإفشال الذاتي لـ "خارطة الطريق"، ولذلك فهم يخفضون سقف التوقعات والامال. وقد تجنب بيرنز "الاحتكاك" مع الاسرائيليين، اذ لم يتطرق اثناء زيارته للقدس للمطالب باخلاء مواقع الاستيطان العشوائية وتجميد بناء المستوطنات، وكانت رسالته الاساسية انه بدلا من الانشغال في النصوص، فان ما هو اهم واجدر هو احراز تقدم على الارض، مؤكدا انه يتعين على الفلسطينيين "محاربة الارهاب" دون مواربة، وان على اسرائيل القيام بتسهيلات ولفتات حسن نية تجاه الفلسطينيين.

وكان شارون قد استمع لرسالة مشابهة من مبعوثي البيت الابيض، ستيف هدلي وإليوت ابرامز، اللذين زاراه الاسبوع الماضي.

وقد دعا شارون المبعوثَين الاميركيَّين لمرافقته في جولة بطائرة عمودية فوق الضفة الغربية لكي يريا بأعينهما كم هي صغيرة هذه البلاد وكم هو معقد الحل!!

بعد هبوط الطائرة صرح المبعوثان الاميركيان بأن باستطاعة شارون ان يكون مطمئنا. فالادارة الاميركية متمسكة بمخطط المراحل، التي تبدأ بـ "القضاء على الارهاب الفلسطيني"، كما انها لن تطالب اسرائيل بالانسحاب من المناطق الفلسطينية "تحت النار". وبعبارة اخرى فان الولايات المتحدة ستلتزم جانب الحياد، ولن تتدخل، عندما يشرع شارون و "ابو مازن" بالتفاوض وبتبادل الاطواق والذرائع.

(هآرتس 8/5)

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, الليكود, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات