رئيس الحكومة "يهدد" بأنه في حال خروج "الاتحاد القومي" و"المفدال" من الحكومة في أعقاب عودته من زيارته الى واشنطن، وعرض خطته لفك الارتباط على الحكومة للمصادقة عليها، فإنه سيشكل في اليوم نفسه ائتلافاً حكومياً جديداً، وحتى إنه لن يتأخر ساعة واحدة في فعل ذلك. إن من يمكنه قول مثل هذا الأمر وبهذه الثقة هو فقط من كان يملك في جعبته اتفاقاً، على الأقل تفاهماً، مع شمعون بيرس؛ ويبدو أن آرييل شارون لديه مثل هذا الاتفاق الذي يخضع لبعض الشروط التي تتعلق بتنفيذ خطة فك الارتباط كما نُشر في "معاريف" أمس.
بيد أن هذا الحساب تم من دون رأي أحد أصحاب البيت، واسمه ميني مزوز. فوفقاً لقرار مزوز يقوم أو يسقط شارون، وليس وفقاً لخطة فك الارتباط ولا وفقاً للرغبة الجامحة لكل من بيرس وقسم من زملائه في قيادة حزب "العمل" في الجلوس المريح والسريع على مقاعد الوزراء. وطالما لم يحسم المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، موضوع لائحة الاتهام ضد شارون، فسيكون الانضمام الى حكومة شارون من قبيل العمل الجنوني. لكن عندما يحسم الأمر، ومن المناسب حصول ذلك سريعاً، سيكون الأمر مرتبطاً بطبيعة الحسم. فإذا ما اتخذ قراراً ضد تقديم لائحة اتهام فسوف يُفتتح عندها السباق نحو محكمة العدل العليا، لكن في الوقت نفسه ستُفتح الطريق أيضاً أمام حزب "العمل" للدخول الى الحكومة ليحل مكان اليمين. لكن إذا قرر تقديم لائحة اتهام، فسيضطر شارون الى الاستقالة، وعندها لن يكون هناك فك ارتباط ولا إخلاء، وسيبقى اليمين في الحكومة، وسيفرح المستوطنون كثيراً.
لم يسبق أبداً أن واجه مستشار قضائي قضية بهذا الثقل. لكن ميني مزوز، مهما بدا نحيفاً ولطيفاً، يمكنه حمل هذا الملف على كتفيه. هكذا يعتقد أصدقاؤه. فكل من يعرفه يثق بأن كل ما يحدث حوله منذ تسريب خبر توصية المدعية العامة للدولة، لن يؤثر عليه على الرغم من أن ثمة من قصد ذلك من وراء التسريب. فهو مستقل، موضوعي، لا يخشى أحداً وهو الذي سيقرر. وهو لن يدخل في نقاشات كسلفه، ولن يصدر تقريراً عاماً، ولن يضع شارون في الزاوية وظهره الى الحائط. هو سيقول نعم أو لا.
المشكلة تكمن في أنه حتى لو حسم المستشار القضائي الأمر ضد محاكمة شارون، فسيكون رئيس الحكومة نقياً في هذا الملف من الناحية القانونية، لكنه سيبقى موصوماً من الناحية العامة ـ السياسية. ذلك أن القرار بعدم اتهامه لن يصدر لأن المستشار القضائي كان واثقاً من أن شارون لم يكن له أي صلة مشبوهة بقضية "الجزيرة اليونانية"، بل لأنه خلافاً للمدعية العامة للدولة ولزملائها الذين يشاركونها الرأي، لن يكون واثقاً بالقدر المناسب من أنه توجد معقولية عالية لإدانة شارون بهذه القضية.
صحيح أن كل شخص، ورئيس الحكومة أيضاً، هو بريء حتى تثبت إدانته. وصحيح أنه لن يكون ممكناً المطالبة باستقالة شارون في هذه الحالة. وصحيح أيضاً أنه حتى لو كان اخترع خطة فك الارتباط من أجل أن يدفع جانباً القضايا التي يخضع للتحقيق بسببها، فإن معظم الشعب يؤيد اليوم تنفيذ الخطة. لكن مع ذلك، لم يعد ثمة ثقة بالرجل نفسه، وفقاً لما تشير إليه استطلاعات الرأي، وربما يعود هذا الأمر الى القضايا المذكورة، كما أنه ثمة شعور سيء في السير نحو خطوات كبيرة وحاسمة بقيادة رئيس حكومة، تحوطه شُبهات جنائية، وتصرفات أبنائه بالتزام الصمت بموافقته تثير الغضب، إضافة الى أنه ما زال مُهدداً من خلال قضيتين جنائيتين أيضاً.
في الوضع الحالي، تحتاج إسرائيل الى رئيس حكومة مع رأس نقي ويدين نظيفتين أكثر.
(عن "معاريف")