أي حرب عالمية. أي حماسة حقيقية. النار تتقد في العيون. شمعون بيريس لن ينضم لحكومة تدير سياسة "رأسمالية خنزيرية تنتج ستة آلاف مليونير وستة ملايين شحاذ". وبيبي (بنيامين) نتنياهو لن يوافق على قبول حزب "العمل"، لأن هذا حزب "يخضع أمام اللجان النقابية الكبرى وهو سيلغي جميع الانجازات الكبرى للسياسة الاقتصادية الحالية". وأريئيل شارون يحاول التوفيق بين الامرين ويعلن انه الآن لن يؤيد ميزانية عام 2005 "إن لم تلبّ احتياجات العاجزين مثل الاطفال والصبية والشيوخ". وفي النهاية نحن أمام نضال فكري نقي، سجال حقيقي حول فلسفة الحياة. ويجب على شخص ما ان يهرع للفصل بين المتحاربين، وإلا فإن الامور ستنتهي بالبكاء.
ولكن اصبروا. ما الذي يجري هنا؟ هل يمكن ان يكون هؤلاء قد اجتمعوا في السابق؟ وهل هذه أحزاب سبق لها ان أدارت الاقتصاد؟ هل هناك أحد بالفعل يستطيع العثور على الفوارق بين الفلسفتين الاقتصاديتين لحزبي "العمل" و"الليكود"؟.
هيا نأخذ الحرائق الكبرى التي تشتعل اليوم في الاقتصاد الاسرائيلي. الاصلاح في الموانئ هو اليوم بالتأكيد أحد أكبر هذه الحرائق. هناك جاء الصراع ليعبر عن نفسه في الخصخصة. ومنذ عام كامل يحاولون إقناعنا بأن المنافسة في الموانئ أفضل لليهود وللاقتصاد، كما ان المعارضين يعتبرون ان هذه مؤامرة كبرى أعدت من أجل تحطيم النقابات المهنية بغية تعذيب جمهور العاملين.
وهكذا، هناك من يتذكر ان حقوق ملكية الخصخصة محفوظة لأبراهام شوحط، وهو من قادة حزب "العمل"، وهو عندما كان وزيرا للمالية بدأ بخطوة، بل ذهب بعيدا الى حد إقامة ميناء جديد خاص على أطراف ميناء أسدود من أجل ان يقطع رزقنا.
أما تقليص مخصصات الاطفال والعجزة، هل هذه سياسة محفوظة فقط لحكومة شارون نتنياهو؟ وهل يحتمل مثلا ان زعيم حزب "العمل" (رئيس الحكومة سابقا) ايهود باراك كان الرجل الذي اخترع شعار "أعطوهم حافزا، وليس سمكا"، أي أوقفوا المخصصات وادفعوهم للعمل؟
وماذا عن الاصلاح الضريبي؟ هنا ايضا يدور الحديث عن خلاف حقيقي في النظرة. ولكن هل ان سيلفان شالوم وبنيامين نتنياهو هما من اخترعا العجلة واكتشفا ان من الافضل إدارة اقتصاد تدفع فيه ضريبة أقل على العمل وضريبة أكبر على رأس المال، ام ان حكومة "العمل" هي التي اكتشفت هذا الاصلاح، وأقسمت على الاخلاص لهذه المبادئ، وان "الليكود" هو الذي وضع العصي في الدواليب؟
وشمعون بيريس؟ الرجل الذي تألم هذا الاسبوع من الرأسمالية، ألم يكن موجودا هناك عندما ولدت خطة تثبيت الاقتصاد؟ أليس هو الذي يتفاخر في كل منبر بإنقاذ الاقتصاد من أزمة في منتصف الثمانينيات عن طريق برنامج هائل (يسميه اليوم خنزيريا) يقوم على تجميد الاجور، وتجميد الاسعار وباقي القيود التي تقيّد التضخم؟
ونتنياهو؟ الرجل الذي يتباهى بصورة تاتشرية ويحافظ بإدمان على وضعية المقتصد الشجاع، أليس هو الذي قاد في الشهور الثلاثة الاخيرة جولات من تخفيض الضرائب التي استهدفت جميعها الشرائح الضعيفة؟ ألم تكن الحكومة الحالية هي التي قلصت في كانون الثاني الماضي ضرائب على أصحاب الاجور المتدنية، وفي شباط قلصت ضريبة القيمة المضافة وضريبة الشراء، وفي نيسان زادت الراتب الاصلي لمن يتلقون مبالغ دون ثمانية آلاف شيكل؟
ألم يكن شارون نفسه هو الذي أصغى للمحتاجين، ولكنه قلص بشكل عدواني مخصصات ضمان الدخل والبطالة من جهة، ومن جهة ثانية منع فرض الضرائب على العمال الاجانب، الامر الذي كان يمكن ان يخلق للعمال الاسرائيليين فرص عمل؟
اذاً ما الذي يجري هنا؟ ما الذي يقولونه لنا حقا؟ هل أنتم محتارون؟ لقد أعددنا من أجلكم الترجمة الكاملة لاقتباسات هذا الاسبوع كي تفهموا السجال الاقتصادي الساخن:
وزير المالية، نتنياهو: "ان عودة حزب العمل الى الحكومة سوف يلغي جميع الانجازات الكبرى للحكومة الحالية" ترجمة ذلك: "إلى ان أفلحت في نيل تعاطف النخبة وهو التعاطف الذي فقدته في ولايتي السابقة، وبعد ان تحولت الى حبيب الجمهور لدى الرأسماليين والصناعيين، الذين كانوا أنصارا لحزب العمل، لا أنوي أبدا التنازل عن هذا الانجاز".
زعيم حزب العمل شمعون بيريس: "هذه رأسمالية خنزيرية تنتج ستة آلاف مليونير وستة ملايين شحاذ". ترجمة ذلك: "بيبي وشينوي أخذا الاغنياء، ومركز الليكود أخذ الفقراء. ولا خيار أمامي. أنا مضطر لخلق صراع بينهما، وعمير بيرتس سيساعدني في ذلك، وربما نكسب بعض الاصوات".
رئيس الحكومة ارييل شارون: "لن أقوم بتحويل ميزانيات لا تلبي احتياجات الاطفال والصبية والعجزة". ترجمة ذلك: "من الذي يملك القوة لخوض مثل هذه النقاشات الاقتصادية. أعدوا لي صندوقا يضم عدة مليارات من أجل ان أتمكن من شراء ائتلاف حكومي مع فلسفة اقتصادية واجتماعية مبلورة".
(*) خبير إقتصادي إسرائيلي معروف والمقال أعلاه ظهر في "معاريف".