أود إسداء نصيحة بسيطة لزملاء ومعاوني وأنصار شارون المخلصين: إياكم أن تتبجحوا أو أن ترقصوا فرحا، إياكم أن تبالغوا في شرب الأنخاب، ذلك لأن مناورة الإنتخابات قد تظهر كفوز أو انتصار "بيروس" على شارون. ولمن لا يعلم فـ "بيروس" هو ملك أبيروس ومحارب باسل هزم الرومان ولكنه فقد جيشه، وهو صاحب القول الشهير في القرن الثالث قبل الميلاد "نصر آخر كهذا وعلينا السلام".هزم شارون حزب "العمل" المهزوم أصلا، وعزز قوة الليكود بنسبة كبيرة، وبذلك هزم نفسه بالدرجة الأولى. ففي ظل انحراف الجمهور نحو اليمين وانهيار قوى السلام، يقف شارون أمام كابوس تشكيل حكومة متطرفة ضيقة. فقد الوجاهة التي وفرها له حزب العمل كورقة تين لسياسة القوة والبطش التي انتهجتها حكومته (حكومة الوحدة السابقة)، حيث دافع عنه بيرس خلال جولاته حول العالم، في حين تحدث بنيامين بن إليعزر عن السلام وعمل كل ما رغب به شارون. ولعله من الصعب فهم كيف ترك شارون بن إليعزر يخرج من الحكومة بسبب حفنة قليلة من الأموال التي طلب الحصول عليها من ميزانية الدولة لأجل تحسين مركزه في الإنتخابات التمهيدية في حزب العمل.
باستطاعة شارون أن يسأل نفسه ما الذي جناه من تقديم موعد الإنتخابات، عدا حقيقة أنه قد يحصل على (أبيغدور) ليبرمان بدلا من شمعون بيرس. سيكون شارون أسيرا في قبضة اليمين المتطرف. وإذا كان شارون قد ضمن لنفسه "شبكة أمان" في الكنيست المنتخب، فإن الفتوى التوراتية التي أصدرها الحاخام عوباديا يوسيف (الزعيم الروحي لحركة "شاس") بحظر التخلي عن المستوطنات اليهودية، تضمن له (أي لشارون) حكومة يمينية متطرفة - حريدية ضيقة. لكن واشنطن لن تشعر بالإرتياح والرضى إزاء ذلك. وبالرغم من الصداقة المتينة التي نشأت بين شارون وبوش، فإن أميركا بعد العراق ستتطلع إلى وجود حكومة إسرائيلية تتفاوض مع دولة فلسطينية وتوافق على تفكيك مستوطنات قائمة (في الضفة الغربية وقطاع غزة). وبالرغم من وجود تفهم أميركي لـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فإن حلم حكومة اليمين في القضاء على عرفات سيكون مجرد أضغاث أحلام.
ها هو شارون يتحدث بحماس عن حكومة وحدة لكنه ليس واضحا كيف سينجح في تشكيل مثل هذه الحكومة. فإما أنه يراهن على حصول انشقاق في حزب العمل، أو يأمل بعودة الحزب إلى حكومته دون متسناع. وقد يكون يعول على "شينوي" الذي لا زال جسماً غير معروف الهوية والإتجاه، أو أنه يبني على ما يبدو كحلم: حكومة بدون حريديم. وفي كل الأحوال، فإن شارون يبقى ضحية لماضيه القريب، ففشله السياسي والإقتصادي والأمني، والذي زرع بذور اليأس في نفوس الجمهور، هو الثريد الذي سيتعين عليه التهامه خلال السنة الأولى من ولايته الثانية. وقد تأتي خشبة الخلاص لشارون الفصل الثاني، كسياسي مقيد بأطواق لا حصر لها رغم فوزه، قد تأتي من الحرب المحتملة على العراق بحيث توفر هذه ذريعة لإقامة حكومة طواريء موسعة.
إن الحكمة تقتضي في هذا الوقت تقديم النصح في حزب العمل بالصمود خارج الحكومة والعمل على بناء نفسه كبديل. وغني عن القول أن حكومة يمينية متطرفة لن تعمر طويلا. والشعب الذي أراد شارون بحماس شديد، قد يرغب بنفس الحماس في التخلص منه أيضا. وقد سبق وأن مر شارون بهذه التجربة.
(هآرتس، 29 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"