أية ديمقراطية هذه، إذا كان نصف سكان الدولة بالضبط لا يتمتعون بها؟ هل يمكن أصلا تعريف دولة ما بأنها "ديمقراطية"، في حين يعيش قسم كبير من سكانها تحت حكم عسكريٍ، أو أن حقوق المواطن مسلوبة منهم؟ هل هناك ديمقراطية بدون مساواة، مع إحتلال مستمر ومع عمال أجانب من دون حقوق؟ وماذا عن العنصرية؟العاصفة التي اندلعت حول التسريب من النيابة والتحقيق مع الصحفي باروخ كْرا كانت في مكانها. وللحقيقة، المزيد من التصدّعات طرأت على السلطة. التحقيق مع كْرا في الشرطة كان نذير شؤم، الـ "عليهُم" الذي شُن على المحامية ليئورا غلط - بركوفيتش زرع الرعب، وتصرفات المستشار القضائي للحكومة كانت معيبة.
يجب ألا نستهتر بهذه الأمور، ولكن علينا ألا ننسى أن المبنى كله مضعضع من أساساته. منذ أن تحولت إسرائيل إلى دولة إحتلال، لم تعد ديمقراطية. لا يوجد أمر كهذا. التفاخر بالديمقراطية هو كذبة كبرى. وبالضبط، كما أنه ليس هناك نصف حمل، فإنه لا يوجد نصف ديمقراطية.
لا توجد ديمقراطية تُبنى على خط جغرافي معين داخل الدولة فقط، وليست هناك ديمقراطية مخصصة لأبناء دين معيّن أو قومية واحدة. الديمقراطية هي نظام يتمتع فيه الجميع بالتساوي، بحرياته وحقوقه. وهذا ليس الوضع في إسرائيل.
أكثر من 10 ملايين إنسان يعيشون بين البحر والنهر، في الدولة وفي المناطق التي تحتلها. الفصل بين المناطق المحتلة وبين الدولة هو فصل فوضوي: إسرائيل موجودة حتى اليوم مع إحتلال، أكثر مما كانته بدونه، والمناطق هي جزء لا يتجزأ منها، مع كل ما يحمله الأمر من معانٍ. حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون من الفلسطينيين يعيشون في المناطق، منذ عشرات السنوات، تحت إحتلال عسكري قاسٍ وصعب. من المؤكد أنه لا يمكن الادعاء بأنهم أحرار. وهناك حوالي 300-400 ألف عامل أجنبي يعيشون بيننا وهم أيضًا مسلوبو الحقوق. هم أيضًا ليسوا جزءًا من الديمقراطية.
ولا يمكن لأحد أيضًا أن يدعي بجدية أن ما يقارب المليون والثلاثمئة ألف عربي في إسرائيل هم مواطنون متساوو الحقوق. ما عدا الحق في الاقتراع والحق في الترشح، الذي كاد أن يُؤخذ من قسم من ممثليهم، ليس هناك مجال واحد تقريبًا يتمتعون فيه بالديمقراطية. هم مظلومون في جميع مناحي الحياة، مُبعَدون من الخطاب الديمقراطي. واحدة من الصحف أغلقت لسنتين، وهناك تهديد على حركة جماهيرية عندهم بإخراجها على القانون. هذا أيضًا يصعب تسميته بالديمقراطية.
حتى أن قسمًا من المهاجرين ليسوا شركاء في الديمقراطية: الجندي ميخائيل غوركين لا يستطيع الحصول على المواطنة الاسرائيلية، فقط لأنه ليس يهوديًا. مهاجرة من أثيوبيا، يسرئيلا أيششام، لا تستطيع دعوة أبيها إلى البلاد لحضور زفافها، بعد أن أثير الشك حول يهوديته. النظام الحاكم الذي يتصرف بهذا الشكل مع رعاياه ليس نظامًا ديمقراطيًا.
ماذا تبقى؟ تبقّت الديمقراطية لسكان الدولة من اليهود (المثبّتين) فقط. هؤلاء لا يزيد عددهم عن الخمسة ملايين وثلاثمئة ألف إنسان، ما يقارب نصف العشرة ملايين وستمئة ألف إنسان الذين يعيشون هنا. لهم هُيئت سلطة القانون، حرية التعبير، فصل السلطات، حريات المواطن، المساواة أمام القانون والجهاز القضائي العادل والصادق.
في هذه الديمقراطية حلت بعض التصدعات في الآونة الأخيرة. سلطة القانون ديست، قضايا الفساد وطريقة علاجها تثير أسئلةً صعبةً، النظام يحاول ترهيب الصحافة، العدل الاجتماعي بعيد عنا كل البعد والمساواة أيضًا أبعد ما تكون عن الكمال.
يجب النضال بشدة من أجل كنس هذه الموبقات، ولكن قبل كل شيء، يجب وضع حد للكذبة الواهية: نحن لسنا ديمقراطيين. لا يمكن أن نكون محتلين وديمقراطيين أيضًا، ومستغلين أيضًا، وعنصريين ومتنورين في ذات الوقت. هذا تناقض لا يمكن الجسر عليه. وحتى لو أعيد النظام إلى نصابه، والمستشار القضائي توقف عن الاخلال بمهامه، والمحكمة العليا أصبحت منارة العدل، والكنيست شرّعت القوانين العادلة فقط، والحكومة حكمت بموجب القانون فقط، لن تستوفي إسرائيل الشروط اللازمة للديمقراطية.
بعد غد، عندما ستؤمّن الدبابات الانتخابات في يتسهار، ومنع التجول سيحافظ على الانتخابات في الخليل، وآلاف الجنود سيحمون مفارق الطرق التي ستتحرك فيها صناديق الاقتراع، وعندما يكنس العمال الأجانب مسلوبو الحقوق شوارعنا، سنتذكر أن الحديث يدور عن نصف ديمقراطية، في أفضل الحالات.
("هآرتس"، 26 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"