المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1071

كتب محمد دراغمة:
إن لم تحدث معجزة، وليس ثمة من مؤشر على حدوثها، فإن انتخابات الاسرائيلية (الثلاثاء 28 الجاري) في إسرائيل ستتوج أرئيل شارون، المثقل بالأخطاء والخطايا، ملكاً لولاية ثانية على الدولة العبرية.

 

وأن يمتلك سياسي ما، في دولة ما، كل مقومات الفشل، ورغماً من وعن ذلك يحقق النجاح الكبير، في انتخابات مفصلية، مثل هذه التي تشهدها إسرائيل، والتي يبدو أن أهميتها تفوق أي انتخابات إسرائيلية سابقة، فإن هذا يعكس على أقل تقدير وجود أزمة، بل وأزمة كبيرة وخطيرة لدى مجتمع الناخبين.

فبعد كل ما تناقلته وسائل الاتصال الإسرائيلية، على كثرتها وتعددها، من أنباء وتحقيقات عن صعود أشخاص من عالم الجريمة المنظمة إلى مركز حزب شارون، بالأمثلة الحية التي تضمنت الأسماء، والتهم المنسوبة، وعدد السنين التي أمضيت في السجون، وعن شروع مدعي عام الدولة بمقاضاة عدد من هؤلاء، مثل يعقوب بيرنرز من فرع نتانيا، وحاييم نعيم من فرع موشاف زينات، ورفقه كوهين من فرع تل أبيب، وغيرهم من أعضاء المركز والنشطاء، وحتى أعضاء في لائحة المرشحين للكنيست مثل نعومي بلونتال، وآخرين قد يأتي دورهم مستقبلاً، ومن بينهم نجل رئيس الحكومة، بتهم الرشاوى وإدارة صفقات شراء الأصوات..

.. وفوق كل هذا ثبات ورسوخ حقيقة تلقي شارون نفسه لقرض من مليونير جنوب إفريقي، بفائدة ضئيلة هي أقرب إلى الرشوة منها إلى أي نوع من المعاملات المالية والشخصية، وخداعه الجمهور علانية بإدعاء أن كل هذا قام به أولاده دونما علمه..

وقبل كل شيء فشله على مدى 21 شهراً من وجوده على رأس الحكومة في مواجهة المعضلات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تثقل كاهل كل قطاع وفئة وشأن من شؤون الدولة وسكانها وأوجه الحياة فيها..

بعد كل هذا الذي يبدو كافياً لإنهاء الحياة السياسية لأي سياسي في دولة طبيعية تعتمد الانتخابات الدورية وسيلة لتداول الحكم، فإن الجمهور الإسرائيلي يواصل إغلاق عيونه وآذانه وقنوات تفكيره، سوى عن حقيقة واحدة، وهي عزمه على انتخاب قوة عسكرية وليس زعيماً سياسياً، قوة عمياء لتبطش بالفلسطينيين وتنتقم منهم.

وتشكل هذه الحقيقة هاجساً لدى غالبية النخب الإسرائيلية، الذين لا يتركون وسيلة إلا ويعبرون فيها عن قلقهم من عودة شارون إلى الحكم، بكل ما تمثله شخصيته وعهده من فشل وفساد وانقلاب في الأولويات، وضياع في بوصلة الشعب والدولة.

ورغم سيل التحذيرات اليومية التي يطلقها الكثير من هؤلاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية، خصوصاً المقروءة منها، للجمهور الإسرائيلي حول مدى قتامة المرحلة القادمة في ظل حكومة يديرها شخص أثبتت التجربة الطويلة عدم امتلاكه الرؤيا أو الرغبة في إيجاد حل يخرج الدولة من المشكلات التي تعصف بها، إلا أن الجمهور الإسرائيلي يغض الطرف عن كل هذا مواصلاً منح شارون وحزبه المزيد من النقاط مع اقتراب موعد الحسم.

ويعزو الخبراء في الحياة السياسية الإسرائيلية هذا إلى عوامل عديدة في مقدمتها الخوف الذي يدفع بالشارع الإسرائيلي إلى شارون وخياراته القائمة على لغة القوة والانتقام. ويقول الصحافي نظير مجلي: "الخوف هو الخطاب الوحيد لدى شارون، وهو يرمي بالإسرائيليين في أحضانه".

ويشير مجلي إلى عوامل أخرى تساعد شارون في تعزيز مخاوف الإسرائيليين منها: غياب خطاب فلسطيني واضح موجه خصيصاً للمجتمع الإسرائيلي، وغياب البديل الإسرائيلي لشارون.

ويضيف: "المجتمع الإسرائيلي مليء بالتناقضات، وهو مجتمع يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا يوجد في إسرائيل من يطرح البديل لشارون وحزب الليكود، خصوصاً من جانب حزب العمل، الذي وقف إلى جانب شارون في الحكومة السابقة، وبرر قادته كل فعل قام به الأخير، ما أدى في النهاية إلى أن يفقد هذا الحزب دوره كبديل". ويشير كذلك إلى القوة الانتخابية التي منحها المهاجرون الروس لشارون والذين يشكلون 25% من الناخبين في إسرائيل.

وتشير نتائج الاستطلاعات إلى أن 40% من الروس سيمنحون أصواتهم لحزب الليكود. ويثير هذا الإمعان من جانب الإسرائيليين في اختيار أرئيل شاورن لإدارة صراعهم مع الفلسطينيين، قلقاً لدى الفلسطينيين أكثر من شارون نفسه بما يحمله من أجندة يؤدي الشروع في تنفيذها بعد الانتخابات إلى نقل الصراع بين الشعبين إلى درجات أكثر شدة وعنفاً ودموية. ويقول الدكتور علي جرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت: صحيح أن لدينا مشكلة في إعادة انتخاب شارون للحكم، لكن المشكلة الأكبر هي مع الإسرائيليين الذين يختارون مثل هذا الشخص بأجندته المعروفة لديهم".

ويضيف: "السؤال اليوم هو ليس هل نستطيع أن نصنع سلاماً مع شارون بل هل نستطيع أن نصنع سلاماً مع مجتمع يختار شارون زعيماً وقائدا بعد كل المؤشرات التي لديه عنه".

وتشير نتائج استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى أن حزب "الليكود" وأحزاب اليمين في إسرائيل ستحظى بأغلبية مريحة تمكنها من تشكيل حكومة ائتلاف يميني أو يمني ديني، أو حكومة وحدة وطنية بأغلبية يمينية.

وستمنح نتيجة الانتخابات المتوقعة تفويضاً لزعيم حزب "الليكود" لمواصلة تنفيذ برنامجه على الجبهة الفلسطينية والمتمثل في مواصلة شن الحرب على الفلسطينيين والحيلولة دون أي وقف للعنف.

ويقول الدكتورعلي جرباوي ان شارون "سيستمر بعد الانتخابات في سياسته المنهجية القائمة على الحيلولة دون توفر مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة، ومعنى ذلك المضي في تدمير البنية التحتية والبشرية والمؤسساتية للشعب الفلسطيني حتى لا تقام له دولة غرب النهر، وهو ما يعني أن العدوان سيستمر ويتصاعد".

ويتوقع مراقبون عديدون أن يأخذ العدوان في مرحلة ما بعد الانتخابات منحى أكثر خطورة، خصوصاً في حال توفر الظروف الملائمة لذلك مثل وقوع عدوان أمريكي على العراق.

وكان عديدون نبهوا من احتمال لجوء شارون إلى عمليات ترحيل جماعية للفلسطينيين وراء النهر.

وأشارت أنباء غير رسمية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض التعهد للأردن بعدم طرد فلسطينيين إلى الأراضي الأردنية.

ولكن الدكتور علي جرباوي يستبعد كلياً حدوث مثل هذا السيناريو، وإن كان لا يستبعد حدوث عمليات ترحيل داخلية.

ويقول: "نحن لسنا في بداية القرن العشرين حتى يقوم شارون بتحميلنا في شاحنات وإلقائنا خلف النهر، لكن ما يقلق هو احتمال تنفيذ عمليات ترانسفير داخلي من تجمعات داخل الجدار الفاصل أو محاولة لتفريغ القدس".

وتشير التحركات الفلسطينية الداخلية إلى تنبه حذر لمخاطر مرحلة ما بعد الانتخابات في إسرائيل، وفي مقدمة ذلك الحوار الوطني الذي بدأ على مستويات عديدة هنا في الوطن، ويجري استكماله بوساطة مصرية في القاهرة.

ويهدف هذا الحوار إلى التوصل إلى اتفاق وطني حول سبل وأدوات المقاومة.

ويناقش ممثلو القوى والفصائل المجتمعون في القاهرة إعلان هدنة مؤقتة يجري خلالها وقف العمليات داخل "الخط الأخضر" التي يرى الكثيرون أنها ألحقت ضراراً بالنضال الوطني على غير مستوى.

وقال الدكتور علي جرباوي: "يجب تبني استراتيجية فلسطينية تؤدي إلى فرز في المجتمع الإسرائيلي، لأنه بدون فرز في إسرائيل لا يمكن التوصل إلى حل سياسي".

وأضاف: "يجب أن نخلق لديهم فرزاً يؤدي إلى وجود أغلبية تؤيد حلا بين الجانبين".

ويتوقع المراقبون في إسرائيل أن لا يعمر شارون وحكومته طويلاً لأكثر من سبب، منها شبهات الفساد التي تحول حوله، والتي قد تقود إلى فتح تحقيق جنائي ضده، وتوجيه لائحة اتهام له، ما يجبره على الاستقالة.

أما السبب الأهم فهو مواصلة فشله في حل أي من المشكلات المتفاقمة التي يعيش الإسرائيليون تحت وطأتها..

 

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, نتانيا, الليكود, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات