يبدو أن شاؤول موفاز واثق كل الوثوق في أن رئيس الوزراء أرئيل شارون سيفي بتعهده العلني بإبقائه في منصب وزير الدفاع بعد الإنتخابات المنتظرة. ويعتقد موفاز أن حكومة وحدة جديدة سوف تشكل بمشاركة حزب العمل، لأنه لا يوجد، حسب رأي موفاز، بديل واقعي آخر. ولا شك في أن موفاز راضٍ عن القفزة التي حققها بانتقاله من مكتب رئيس الأركان إلى مقعد وزير الدفاع. في الوظيفة السابقة كرس معظم وقته لقيادة الجيش، أما الآن فتشغله أيضا مسائل السياسة والإستيطان والصناعات الأمنية، وبالتالي فإن الزاوية التي ينظر من خلالها للأمور باتت مختلفة وواسعة أكثر.
ويخطو موفاز خطواته الأولى في الحياة المدنية بحذر، فهو لا يظهر بصورة وزير دفاع مندفع يقدم على عمليات استعراضية ويملي تغييرات تنظيمية، بل يجد أن من الأسهل والأنسب بالنسبة إليه المناورة والتحرك في الحيز القائم بين ولي نعمته وحليفه السياسي أرئيل شارون وبين نائبه السابق وخليفته في الجيش موشيه يعلون. ومن الصعب العثور على فوارق بين مواقف هؤلاء الثلاثة الذين ينتظرون جميعهم الحرب المحتملة ضد العراق على أمل أن تؤدي لخلق واقع جديد في المنطقة وتمهد الطريق لانتصار إسرائيل على ياسر عرفات.ويعتبر عامل الزمن حجر الزاوية الحاسم في تقويم الوضع الإستراتيجي من وجهة نظر موفاز، وليس الجدول الزمني الدافع والمواعيد المستهدفة الضاغطة التي عمل بموجبها إيهود باراك. عندما كان رئيسا للأركان نبه موفاز إيهود باراك ذات مرة إلى أنه لا يمكن تسوية صراع عمره مئة عام في سنة واحدة. ويعتقد موفاز أن التحولات والتغييرات في الشرق الأوسط تجري بوتيرة بطيئة ولا تنضج بسرعة حتى إذا توفرت الإرادة والزعامة. الآن يتأمل موفاز رزنامة السنة ويرى في نهايتها معركة الإنتخابات المقبلة للرئاسة الأميركية التي تبدأ في تشرين الثاني، وحتى يحين ذلك الموعد فإن لدى الأميركيين جدول أعمال مكتظا في المنطقة. فهناك باديء ذي بدء الحرب المرتقبة ضد العراق والتي يتوقع استمرارها حتى نهاية ربيع أو مطلع صيف هذا العام، وبعد انتهاء هذه الحرب ستكرس إدارة بوش جهودها للحيلولة دون حصول حالة فوضى ومن أجل توطيد دعائم النظام الجديد الذي تسعى لإقامته في بغداد. بعدئذ ستطرح على جدول الأعمال مشاكل كوريا الشمالية وإيران المدرجتين على لائحة "محور الشر"، وبالتالي تكون قد أزفت نهاية العام 2003.
الإستنتاج الذي ينطلق منه وزير الدفاع موفاز، مؤداه أن: الولايات المتحدة هي القوة الدافعة وراء التغييرات في المنطقة، ولديها الإرادة والقدرة، ولكن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لن يحظى بأولوية خلال الأشهر القادمة، ومن المشكوك فيه أن تبذل الإدارة الأميركية الحالية، فيما بعد، خلال عام الإنتخابات، أي جهد أو مساع حقيقية لتغيير الواقع الإقليمي في الشرق الأوسط. ولا يبدي موفاز حماسا تجاه "خريطة الطريق" الأميركية، لكنه أيضا غير منزعج أو قلق منها بصورة خاصة. وتعتقد محافل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن مسودات الخطة (الأميركية) هذه ما هي إلا ضريبة كلامية أميركية ترمي إلى تهدئة الأوروبيين والعرب توطئة لشن الحرب ضد العراق.
ويرى موفاز أن على إسرائيل التمسك بثلاثة مباديء وهي:
- رفض التفاوض (مع الفلسطينيين) تحت النيران.
- إستبدال القيادة الفلسطينية.
- التقدم تبعا لما ينجز على الأرض وليس بناء على مواعيد مقررة سلفا.
ووفقا لموفاز فإن الأمر يحتاج في كل الأحوال إلى عملية طويلة الأمد، إذ أن إعادة الثقة المنهارة بين إسرائيل والفلسطينيين تتطلب الكثير من المراحل والتسويات الإنتقالية، ويرى موفاز أن هناك فرصة لبداية تغيير خلال السنة المقبلة، لكنه لا يتوقع أكثر من ذلك. وإلى أن يحل "اليوم الموعود" فإن موفاز منهمك الآن في اختبار خطط الجاهزية للحرب على العراق وفي الخطوات التنسيقية مع الأميركيين. ويعتقد موفاز أن احتمالات مهاجمة العراق لإسرائيل ضئيلة، لكنه يرى بأنه لا يجوز لإسرائيل التزام ضبط النفس إذا تعرضت لأي اعتداء (من جانب العراق) لأن من شأن ذلك النيل من قدرة الردع الإسرائيلية في المنطقة. ويأمل وزير الدفاع الإسرائيلي من الأطراف المؤثرة في لبنان العمل على كبح "حزب الله" حتى لا يقوم بتسخين الحدود الشمالية وإلا فإن إسرائيل ستنتهز الفرصة وتعمل على إبعاد خطر الصواريخ التي تهدد شمالها في جنوب لبنان، ومثل هذا الأمر سيحتاج للقيام بعملية جوية وأرضية محدودة في زمنها وأهدافها. ويرى موفاز أن الجيش الإسرائيلي قادر على تحقيق ذلك، لكنه يفضل أن يستوعب السوريون والإيرانيون الرسالة بحيث يعمل الجانبان على إبعاد "حزب الله" عن جنوب لبنان.
("هآرتس"، 23 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"