في خضم حملة الإنتخابات الحالية، التي اقتربت من نهايتها، كشفت صحيفة "هآرتس" النقاب عن قصتين إخباريتين مذهلتين. القصة الأولى معروفة جيدا لكل قاريء صحف في إسرائيل:
ففي بداية كانون الثاني 2003 حصل الصحفي باروخ قرا على وثيقة تعود لوزارة العدل، تثبت أن رجل الأعمال سيريل كيرن، المقيم في جنوب أفريقيا، أقراض جلعاد شارون (نجل رئيس الوزراء) مبلغ مليون ونصف المليون دولار. وعلى الرغم من ادعاء أفراد عائلة شارون أن "كيرن" صديق قديم، وأن مبلغ القرض أعيد لصاحبه وأنه لا توجد أي مخالفة جنائية في منح قرض خاص لصديق، إلا أن البلاد ضجت عقب ما نشر في هذا الخصوص. فالظروف التي أحاطت بمنح القرض، وحقيقة عدم معرفة الجمهور بذلك، والغموض الذي أحاط بمسألة تسديد القرض، كل ذلك برر ما أثير من جدل عام حول القضية. كذلك فإن رفض رئيس الوزراء الإجابة على التساؤلات التي تطرحها قضية القرض، ساهم في اتساع موجة اإنتقادات الموجهة له. وقد شعر غالبية الإسرائيليين الذين اطلعوا على القضية، بأنها تبرهن على أن ثمة شيء فاسد في "باحة" رئيس الوزراء، شيء يحتاج إلى استيضاح وتحرّ.
أما القصة الثانية التي كشفت صحيفة "هآرتس" النقاب عنها، خلال حملة الإنتخابات الحالية، فهي مع الأسف الشديد ليست معروفة إلا على نطاق ضيق. ففي أوائل كانون الأول 2002 حصل الصحافي أساف برغر فرويند، على نصوص من محاضر تحقيق الشرطة مع رجل الأعمال غاد زئيفي في قضية بيع أسهم شركة "بيزك". ويتضح من هذه النصوص ومن كل ما نشر حول هذه القضية، التالي: في أواخر العام 1999 كان من المقرر بيع 20% من أسهم "بيزك" لقاء حوالي 700 مليون دولار. هذه الصفقة التي طرحتها شركة "بيزك" كانت مشروطة بالحصول على ترخيص من وزارة الإتصالات وبدفع مبلغ نقدي بقيمة 30 مليون دولار لا يسترده المشتري في حال عدم حصوله على الترخيص المذكور. وباستثناء زئيفي، فقد تراجعت جميع الجهات التي تقدمت لشراء الأسهم عن نيتها هذه نظرا لأنها لم تكن واثقة بأنها ستحصل على الترخيص المطلوب من وزارة الإتصالات. كان زئيفي الوحيد الذي تقدم للصفقة بشعور أن مثل هذا التخوف لا وجود له، حيث دفع مبلغ الـ 30 مليون دولار وفاز بشراء أسهم الشركة. في تلك الفترة ذاتها أجرى زئيفي ثلاثة لقاءات مع وزير الإتصالات في حينه، بنيامين بن إليعزر، حضر لقاءين منها على الأقل يسرائيل سافيون، المقرب من بن إليعزر.
ويشغل سافيون منصب سكرتير حزب العمل في لواء حيفا وهو من بين الذين دفعوا عمرام متسناع للتنافس على زعامة الحزب. وبعد خمسة أيام من حصول ئيفي على الترخيص من وزارة بن إليعزر (الإتصالات) وهو الترخيص الذي أتاح له شراء أسهم "بيزك"، أودع زئيفي لحساب يسرائيل تسافيون حواله بقيمة 2.5 مليون دولار. وفيما بعد اتضح أن الذي اشترى أسهم "بيزك" بصورة فعلية ليس زئيفي وإنما رجل الأعمال الروسي ميخائيل تشيرنوي. وتشتبه الشرطة الإسرائيلية منذ سنوات عديدة في أن تشيرنوي هذا مرتبط بعناصر مافيا الإجرام المنظم في روسيا وأن هناك خطرا حقيقيا بإمكانية سيطرته على مراكز نفوذ إسرائيلية. ولأجل تبسيط المسألة نقول: إن قضية بيع أسهم "بيزك" لرجل الأعمال زئيفي (بصورة علنية) ولرجل الأعمال الروسي تشيرنوي (سرا) تعتبر، كما يبدو، من أخطر القضايا الإقتصادية في تاريخ إسرائيل.
إنها قضية تثير مخاوف من أن هناك فسادا في إسرائيل على المستوى الإستراتيجي. ففي هذه القضية يوجد ضلع، بهذا الشكل أو ذاك، لمدراء بنوك إسرائيلية كبرى، ولمحامين وسياسيين بارزين.
ولكن من يتحمل في نهاية المطاف المسؤولية العامة عن صفقة بيع أسهم "بيزك" لرجل الأعمال الروسي المشكوك في أمره، هو الزعيم السابق لحزب العمل بنيامين بن إليعزر، إضافة إلى ذلك فإنه لا تزال هناك علامات استفهام في هذه الصفقة، حول الحوالة المالية التي سجلت لحساب أحد الأشخاص المقربين جدا من الرجل الذي يسعى اليوم لرئاسة حكومة إسرائيل، عمرام متسناع. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يعلم كل طفل في إسرائيل عن مبلغ المليون ونصف المليون دولار الذي أقرضه سيريل كيرن لعائلة شارون، في حين لا يعلم إلا قلائل عن مبلغ الـ 2.5 مليون دولار التي حصل عليها يسرائيل سافيون (المعاون المقرب من زعيم حزب العمل ومرشحه لرئاسة الحكومة)؟!
قد تكون الإجابات والحلول متوفرة لدى الشرطة والنيابة، ولدى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
(هآرتس، 23 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"