فضلاً عن قضية كون الانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة بمثابة منافسة بين أحزاب اليمين على خلفية التمرّد على استمرار زعامة بنيامين نتنياهو لمعسكر اليمين جراء اتهامه بشبهات فساد، وإخضاعه سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية إلى مصالحه الخاصة وأجندته الشخصية المتمثلة في الهروب من محاكمته أو إلغاء هذه المحاكمة إن أمكن، فإن حقيقة ذهاب إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال أقل من عامين تطرح قضية أخرى هي جوهر السيناريو الذي قد تكون حظوظ نجاحه مضمونة في مآلات الحلبة السياسية الحزبية، بغية التخلص من عهد نتنياهو أخيراً.
بطبيعة الحال من السابق لأوانه الكلام عن عناصر مثل هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن يظل في نطاق التكهنات إلى أن تظهر النتائج النهائية للانتخابات. وفي هذا الشأن تحديداً يُعاد التذكير بأن سيناريواً كهذا كان ماثلاً بقوّة، وانطوى على احتمالات تأليف حكومة تستند إلى أغلبية مناهضة لاستمرار حُكم نتنياهو، لو تمّ اعتماد الاستعانة بأصوات نواب القائمة المشتركة الخمسة عشر.
في الوقت الذي يبدو فيه أن إسرائيل ذاهبة نحو انتخابات عامة رابعة خلال أقل من عامين، بات من شبه المؤكد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود الذي يقف على رأسه سيتنافسان فيها مع اليمين. هذا ما أكدناه في الماضي أيضاً، وما يُشدّد عليه الآن مزيد من المحللين الإسرائيليين، إلى جانب تقارير دورية تصدر عن هيئات ومؤسسات إسرائيلية ولا سيما تلك التي تُعنى بمسار عملية التسوية السياسية أو بمستقبل الديمقراطية.
وتوقفنا في العدد الحالي من "المشهد الإسرائيلي" عند اثنين منها:
الأول، "مؤشر الصوت الإسرائيلي"، وهو استطلاع للرأي العام يجريه "مركز غوتمان لدراسات الرأي العام والسياسات"، التابع لـ "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" بصورة شهرية.
لعلّ أفضل توصيف يمكن أن يصادفه المتابع لكمّ التحليلات الإسرائيلية حيال الغاية الواقفة وراء خطوة الانشقاق عن حزب الليكود الحاكم، التي أقدم عليها عضو الكنيست جدعون ساعر، الأسبوع الفائت، هو التوصيف التالي: "تحرير إسرائيل من إمساك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بخُنّاقها". ولكن في الوقت عينه سرعان ما أثبتت خطوة ساعر هذه، على الأقل وفقاً لنتائج أحدث استطلاعات الرأي العام، أنه حتى في حال النجاح في تحقيق هذه الغاية فإن هدف التحرّر من إمساك اليمين بُخنّاق إسرائيل ما زال بعيد المنال، بل إنه غير مطروح أصلاً.
عاد "قانون القومية الإسرائيلي" (سُنّ في تموز 2018) وثماره المُرّة إلى صدارة الأحداث في إسرائيل، الأسبوع الفائت، على خلفية حدثين:
الأول، رفض محكمة الصلح في الكرايوت (منطقة حيفا) دعوى قضائية اتهمت بلدية كرميئيل (التي أقيمت على أراضي السكان الفلسطينيين من منطقة الشاغور في الجليل) بانتهاك التزامها بشأن توفير مواصلات للطلاب العرب في المدينة إلى المدارس في القرى العربية المجاورة، بحجة أن انتهاك هذا الالتزام جاء لحماية الطابع اليهودي للمدينة، كما أكد قاضي المحكمة، الذي كتب في قرار حكمه أن تقديم الخدمات إلى السكان العرب سيغير تركيبة كرميئيل التي قال إنها "مدينة يهودية تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل". وأضاف أن بناء مدرسة عربية أو توفير وسائل نقل للطلاب العرب أينما كان ولمن يريد ذلك، يمكن أن يغيّر الميزان الديموغرافي وهوية المدينة.
بالرغم من أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أكد أن ولايته في "البيت الأبيض" لن تكون بمثابة "ولاية ثالثة" لباراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق (2008-2016) الذي أشغل بايدن منصب نائب له، نظراً إلى ما طرأ على الولايات المتحدة وعلى العالم من تغيرات منذ ذلك الوقت، فإن تحليلات كثيرة استندت إلى قيام هذا الأخير بتعيين عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا في عداد طاقم أوباما في أبرز المناصب المفتاحية في الإدارة الأميركية المقبلة، كي تخلص إلى نتيجة فحواها أن احتمالات استمرارية السياسة التي انتهجتها إدارة أوباما على المستويات كافة ستظل أكبر من احتمالات تغييرها.
وعلى فرض حدوث ذلك، أتصوّر أن التعرّف إلى أبرز المعالم التي اتسمت بها رؤية أوباما حيال العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون مُجدياً أكثر في كل ما يتعلق بسؤال الرهان على إدارة بايدن.
وبرأيي، أن في وقائع الزيارة الأولى التي قام بها أوباما إلى إسرائيل في آذار 2013 إبان ولايته الثانية، ما يشكل مكاناً رحباً شاسعاً يشكل أرضية لتلك المعالم، وأرضاً لتقييم الموقف الأميركي التقليدي إزاء إسرائيل.
أعاد تأسيس حزب الجنرالات "أزرق أبيض" إلى الأضواء مجدّداً موضوع كون الجيش الإسرائيلي بمنزلة المعهد الأهم لتخريج القيادات السياسية والحزبية، والذي نتناوله في إحدى مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" عبر عرض الوقائع وإضاءة الدلالات التي أحالت إليها، سواء في الماضي أو في الوقت الراهن، وهي دلالات عديدة ليس أبسطها ظاهرة عسكرة الأحزاب أو لهاثها وراء العسكر، بوصفها ظاهرة عابرة لكل الأحزاب بغض النظر عن هويتها الأيديولوجية.
وعادة عندما يتم درس حالة المؤسسة السياسية الإسرائيلية وبشكل خاص مسألة من الذي يسيطر ويحكم في إسرائيل قولاً وعملاً، وهو ما لا يتم في فترات متقاربة، يشير معظم الدارسين إلى عدد من "الشبكات" غير الرسمية، وغير المنتخبة، وتعمل غالباً
الصفحة 28 من 45