المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الانتخابات الإسرائيلية السابقة كانت استمراراً للحرب على غزة. وقد طغت على الأجواء الاعتداءات العشوائية في الشوارع والتحريض العنصري، وكان هناك من أحرقوا وهم على قيد الحياة. اليسار شعر بأنه يحارب لحماية الحس الإنساني لا أكثر ولا أقل، وحاول نفض الدولة من خلال المظاهرات وتوحد الأحزاب.
وهذه الانتخابات في المقابل هي انتخابات اليمين.

مرت إسرائيل بعملية تحول منذ تلك الحرب على غزة. فاليمين المحافظ انقرض واستبدل بالكهانية. أصبحت قيم الكهانية هي القيم الواضحة التي يؤمن بها أكثر من نصف الإسرائيليين اليهود، كما حصلت الكهانية على رئيس حكومة ووزراء ومكاتب حكومية، من التربية وحتى الثقافة.

إن تصريحات مثل "الحفاظ على الأغلبية حتى بثمن المساس بحقوق الإنسان"، و"يجب تربية التلاميذ بأنه لا وجود للاحتلال"، و"لا سبب لأن يستمر عودة، غطاس أو زعبي في كونهم مواطنين في إسرائيل"، ليست تصريحات لمئير كهانا بل لأعضاء الائتلاف في آخر أربع سنوات. الكهانية حصلت على دولة.

ما نشهده من حولنا اليوم هو صحوة اليمين المحافظ بعد أن حرم من قوته. وخلافاً لليمين الفاشي الذي تحركه العاطفة الملتهبة وتقديس الشعب والدولة، فإن النفعية هي التي تحرك اليمين المحافظ (التي ينظر اليها كـ"نضوج ومسؤولية" أو "براغماتية" ولو أنها تقترب في كثير من الأحيان من الانتهازية). وإن بيني غانتس، موشيه يعلون، يائير لبيد وغابي أشكنازي أعادوا بناء اليمين المحافظ، أو بكلمات أخرى الليكود القديم.

ماذا كان ذلك الليكود الريفليني (بالإشارة الى رئيس الدولة الإسرائيلية) القديم؟ كان يميناً يعيش في تناقض، فقد أعلن عن التزامه بقيم الإنسانية الديمقراطية لكنه برر نظام القمع المعادي للإنسانية والديمقراطية، إن كان بشكل تام أو جزئي. وهذا التناقض بين القيم والأعمال (وعملياً بين الاعتبار الأخلاقي والنزعات الحيوانية) كان السبب من وراء عدم بقاء هذا اليمين وهلاكه. فقد كان عليه أن يقرر- إما وقف الاحتلال للحفاظ على قيمه وإما استبدال قيمه بقيم بإمكانها تبرير الاحتلال أخلاقياً. وهذا ما فعله القادة- استبدلوا قيمهم بقيم الفاشية العنصرية التي تنافس الإنسانية الديمقراطية، وكفوا عن كونهم يميناً محافظاً. أما المعسكر فتشتت بين أحزاب الوسط وأحزاب اليمين الكهاني، بعضهم بقبضة مرفوعة، وبعضهم بشعور بسيط بالغثيان.
يتخيل المحللون السياسيون أن تحالف مرشحي الوسط هو مثل الميسر الذي ينقل الأصوات الناعمة من كتلة اليمين إلى كتلة الوسط- يسار. بالإمكان الافتراض بأن قسما من الأصوات سينتقل بالفعل من الليكود الى معسكر غانتس لكن ذلك لن يكون انتقالاً من كتلة الى أخرى إنما من يمين فاشي إلى يمين محافظ: غانتس الذي كان في حرب غزة العام 2014 مسؤولاً بشكل مباشر عن مقتل 1392 إنساناً لم ينخرطوا في القتال (ومن بينهم 180 طفلا ورضيعا تحت سن الخامسة)؛ يعلون الذي كان وزير دفاع تلك الحرب، والذي أوضح من جانبه أن الفلسطينيين يستحقون بأفضل حالة "حكماً ذاتياً"- وهي عبارة تجميلية رائجة في اليمين يقصد بها بانتوستانات في جيوب تنعم بما يشبه الحكم المحلي محاطة بمناطق ج الخاضعة لسيطرة إسرائيل التي تقرر إجراءات العبور بين الجيوب وتدخلها متى يحلو لها، تماماً مثل البانتوستانات في جنوب أفريقيا؛ ولبيد الذي صرّح بأن "من يخرج سكيناً أو مفكاً يجب إطلاق النار عليه لقتله" وأوضح العام الماضي أن صاحب الحقوق الحصري في القدس هو الملك داود، وأن إسرائيل سوف تسيطر دائماً على الأراضي "أمنياً" (أي عسكرياً بلغة من يخضعون لتلك السيطرة). هؤلاء ليسوا ساسة يسار ولا وسط إنما يمين محافظ. بين المرشحين للحكم لم يبق إلا اليمين، يمين غانتس، لبيد، يعلون وأشكنازي المحافظ الذي يعيش في التناقض الذي عاشه الليكود التاريخي، بين القيم الإنسانية الديمقراطية والقمع على أرض الواقع، ويمين الليكود و"البيت اليهودي" الكهاني الملتزم بقيم الفاشية العنصرية.

وهذا ممتاز. لماذا؟ إذا فاز يمين غانتس المحافظ، فقط عندها سيستطيع اليسار الإيديولوجي أن يشير مرة أخرى الى التناقض الذي يعيشه هذا اليمين بين قيمه وأفعاله. وقد أدى هذا في العقد الأخير الى تبديل القيم، وفي المرة القادمة سيكون ذلك بعد أن جرب نفس الجمهور تبديل القيم. ربما بعد التجربة سيجرب وقف القمع. هذا يتعلق طبعاً باستعداد اليسار الإيديولوجي للاعتراف بأنه لن يأتينا أي مسيح مخلص من المجتمع الدولي ليشير إلى التناقض وإلى أنه سيؤول حتماً الى سيطرة الكهانية الفاشية العنصرية إذا لم تتم تسويته بواسطة إنهاء القمع.
______________________
(*) كاتب إسرائيلي. المصدر: شبكة الإنترنت.

المصطلحات المستخدمة:

الكهانية, موشيه يعلون, يائير لبيد, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات