يدل التعاون بين الليكود وأحزاب "البيت اليهودي" و"الاتحاد القومي" و"قوة يهودية" على الشرعية التي تحظى بها العنصرية في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة. فإذا كان الليكود قد خرج في الماضي بشكل قاطع ضد الكهانية، فإن الخطوط الحمراء لم تعد قائمة اليوم. أرييه درعي كذلك اختار أن يغمز باتجاه إيتمار بن غفير، وهو موقف لا سابق له في تاريخ قيادته. بالإمكان القول إن التصريحات الوضيعة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الانتخابات السابقة حول "تدفق العرب الى الصناديق"، قد تحولت الى واقع سيء. التصريحات والآراء العنصرية أصبحت مألوفة تماماً في أعلى المستويات الجماهيرية الإسرائيلية.
لكن بنظري فإن الحدث الأخطر والأصعب في الدورة الانتخابية الحالية- حتى الآن- هو بالذات تصريح بيني غانتس، رئيس قائمة "أزرق أبيض"، الذي قال فيه بأنه خلال توليه لمنصب رئيس أركان الجيش "رجعت أجزاء من غزة إلى العصر الحجري". من هذه الناحية، فإن غانتس والمنحى الذي يجسده ويمثله هو أخطر من العنصرية الفظة التي تعاقد معها نتنياهو. أخطر لأن ذلك يتجلى في القدرة على تشجيع وتنفيذ سياسة تمس مساً شديداً بحق الناس بالحياة، كمال الجسد، المسكن، خدمات الصحة الأساسية، تزويد المياه الجاري، الكهرباء، البنى التحتية وغيرها. إذا كان هذا المقياس، فإن غانتس، على ضوء أقواله هذه التي أدلى بها بلهجة فخورة واضحة، هو أحد أخطر الشخصيات في إسرائيل، ليس أقل من إيتمار بن غفير.
لا بد هنا من توضيح الفروق بين العنف الذي يولده قائد سياسي مثل بيني غانتس مقابل عنف أحزاب اليمين المتطرف على أشكالها. فبينما يؤطر اليمين المتطرف كعنصري ويقابل بالاستنكار والمعارضة في حلبات مختلفة، لا سيما الدولية منها، يمثل غانتس التيار المركزي اللائق، القيمي والسليم. وهو يحظى بتأييد مؤسسات إعلامية مركزية وبصورة معتدلة وموقرة. حتى هؤلاء الذين يدعون بأنهم يمثلون مواقف يسارية، مثل حزب ميرتس، صرحوا بأنه من الممكن أن يدعموا غانتس في ترشحه لرئاسة الحكومة. الحديث إذاً عن عنف مفروغ منه في إسرائيل، أكثر نوع شرعي ومقبول، عنف لا نتحدث عن ضحاياه الذين لا يعدهم أحد أو يأخذهم بعين الاعتبار. إذا كان غانتس يفتخر بتنفيذ سياسة إجرامية كهذه في الماضي، وإذا كان من الواضح لنا الآن أنه لا يوجد في المجتمع الإسرائيلي أية آلية أو صوت يمنع هكذا سياسة في المستقبل بل أن منفذيها يكافأون بجمهور ناخبين كبير، فإن احتمال تعيين غانتس رئيساً للحكومة يخبئ بين طياته خطراً حقيقياً.
هناك جانب آخر للخطر الذي ينطوي عليه انتخاب غانتس رئيساً للحكومة وهو ينبع من الخطاب الجماهيري الكاذب في إسرائيل. ففي لعبة الأقنعة الإسرائيلية تعتبر قائمة "أزرق أبيض" حركة وسط- يسار ستحاول التوصل الى حل سياسي، خلافاً لليمين- مؤيدي بيتار، المستوطنين وما إلى ذلك. لكننا نعرف بأن هذا ليس أكثر من تنكر ذاتي جمعي وقد سبق أن تفجر في وجوهنا: فقد عاد إيهود باراك، قائد اليسار في حينه، من مفاوضات السلام مع القيادة الفلسطينية بالشعار الكارثي "لا شريك". ما زال اليمين الإسرائيلي يستخدم هذه العبارة حتى اليوم كلما طرحت إمكانية لإجراء محادثات للتوصل الى حلول مناسبة للمصالحة. والحق، بهذا المعنى، مع اليمين- "فإذا عرضتم أنتم في اليسار كل شيء ولم تنجحوا، واذا كنتم تقولون لا شريك، فمن الواضح بأنه يجب مواصلة سياسة السيطرة واستخدام القوة". واستمراراً لنفس المنطق: إذا كان بيني غانتس، المعتدل والمقبول على اليسار الإسرائيلي، يفتخر بالقوة التي استخدمها في غزة ضد السكان فلا بد أن نتنياهو اليميني سيقوم باستخدام قوة أكبر خلال المواجهات العسكرية. من سيدفع ثمن هذا الخطاب الإسرائيلي الكاذب هم أهالي غزة طبعاً.
كيف حصل اذاً بأن بيني غانتس، حتى بعد اعترافه بتنفيذ جرائم ضد سكان غزة، يعتبر بديلاً لائقاً لحكم اليمين؟ يبدو أن الهوية الأشكنازية ما زالت تأسر قلوب فئات واسعة في المجتمع الإسرائيلي. بيني غانتس يمثل بخلفيته الثقافية "ملح البلاد"- عسكري بمستوى عال، طويل، أزرق العينين، إسرائيلي. إسحاق رابين موديل 2019. لكن على غرار التغاضي عن عنف "جيل المؤسسين" من قبل اليسار الإسرائيلي الذي يعتبر بأن الصراع بدأ باحتلال 67، ولن تسعفه الأبحاث والشهادات حول التطهير الإثني منذ 1948، فإن عنف بيني غانتس يبقى شفافاً. كم هو مريح، إذا ما تغاضينا عن تصريح غانتس المروع حول العصر الحجري والجرائم ضد أهالي غزة، التأفف برياء إزاء أثر اتفاقية نتنياهو مع اليمين المتطرف.
__________________________
(*) ناشط إسرائيلي يساري. المصدر: موقع "هعوكتس" (اللسعة) الإلكتروني النقديّ، شبكة الإنترنت.
المصطلحات المستخدمة:
الكهانية, التيار المركزي, باراك, بيتار, الليكود, بنيامين نتنياهو