المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 953
  • برهوم جرايسي

أفاد تقرير صحافي نُشر في إسرائيل، نهاية الأسبوع الأخير، بأن السنة المنصرمة 2018 شهدت ارتفاعاً حاداً في عدد الأخبار الصحافية التي قررت الرقابة العسكرية الإسرائيلية شطبها كلياً وحظر نشرها. وسجل عدد هذه الأخبار الصحافية المحظورة رقماً هو الأعلى خلال السنوات الأخيرة، باستثناء سنة 2014 التي شن خلالها الجيش الإسرائيلي عدوان "الجرف الصامد" على قطاع غزة (بين 8 تموز و26 آب من تلك السنة). كما سُجل، في العام المنصرم أيضاً، ارتفاع حاد في عدد الأخبار

الصحافية التي تدخلت الرقابة العسكرية فيها، سواء بالشطب الجزئي أو بإدخال تعديلات. وكانت نسبة الشطب والتعديل في الأخبار التي قُدمت إلى الرقابة العسكرية خلال العام 2018 الأعلى منذ بدء رصد هذه المعطيات في العام 2011.

ووفقاً للمعلومات، التي قدمتها الرقابة العسكرية مؤخراً، استجابة لطلب موقع "محادثة محلية" (سيحاه مِكوميت) الذي نشر تقريراً عن الموضوع يوم 15 الجاري و"مجلة 972+" و"الحركة لحرية المعلومات"، فإن الرقابة العسكرية تدخلت، خلال العام 2018، في 2712 خبراً صحافياً بصورة جزئية بينما شطبت 363 خبراً آخر بصورة كلية ومنعت نشرها تماماً، أي بمعدل خبر واحد في اليوم.

منذ بدء رصد المعطيات حول تدخل الرقابة العسكرية في الأخبار الصحافية المقدمة إليها، في العام 2011، لم يُسجل هذا العدد من الأخبار التي استخدمت فيها الرقابة مقصّها، جزئياً (بالشطب الجزئي والتعديل) أو كلياً (بالشطب الكلي)، سوى في العام 2014، إبان عدوان "الجرف الصامد" على قطاع غزة، إذ تدخلت الرقابة العسكرية حينها في 3122 خبراً بالشطب الجزئي والتعديل ومنعت نشر 597 خبراً، منعاً تاماً.

وبالمقارنة مع السنة السابقة، 2017، يتبين أن عدد الأخبار الصحافية التي تدخلت فيها الرقابة العسكرية جزئياً في العام 2018 كان أكبر من نظيره في العام 2017 بـ 625 خبراً، بينما شطبت كلياً في العام 2018 عدداً من الأخبار يزيد بـ 92 عمّا شطبته كلياً في العام 2017.

في المجموع، حظرت الرقابة العسكرية خلال السنوات الثماني الماضية نشر 2661 خبراً، بصورة كلية.

في المقابل، سجل عدد الأخبار الصحافية التي قدمتها وسائل الأعلام الإسرائيلية المختلفة إلى الرقابة العسكرية، مسبقاً قبل النشر، انخفاضاً حاداً ووصل إلى الرقم الأدنى خلال السنوات الثماني الماضية.

تراجع الاهتمام الإعلامي بالقضايا "الأمنية"

من المعروف أن أنظمة الطوارئ الانتدابية تُلزم أية وسيلة إعلامية بتقديم أية مادة صحافية تتعلق بما يسمى "الأمن القومي" إلى الرقابة العسكرية قبل نشرها، علماً بأن مفهوم "الأمن القومي" هذا يشمل مجالات عديدة جداً، بما فيها العلاقات الخارجية، تجارة السلاح، الاعتقالات الإدارية، أنشطة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية المختلفة، إضافة إلى كل ما يتعلق بـمنظومة "الحكم العسكري" في المناطق الفلسطينية وغيرها الكثير. في مثل هذه الحالات، تستطيع الرقابة العسكرية إدخال تعديلات/ تغييرات في نص المادة الصحافية ومعلوماتها، شطب أجزاء منها أو شطبها كلياً ومنع نشرها. وتقضي قوانين الرقابة العسكرية بمنع وسيلة الإعلام من الإشارة أو التلميح إلى تدخل الرقابة العسكرية في المادة الصحافية. ورغم ذلك، تعمد وسائل إعلامية مختلفة، خلال السنوات الأخيرة خصوصاً، إلى الإشارة إلى تدخل الرقابة العسكرية، من خلال استخدامها عبارات مثل "سُمح بالنشر" أو "سمحت الرقابة العسكرية بالنشر".

ورغم ما تفرضه مقتضيات الأحكام القانونية الخاصة بالرقابة العسكرية من صرامة وتشديد، إلا أن القرار بشأن أي المواد الصحافية يتم تقديمها لمعاينة الرقيب العسكرية يبقى بين يديّ المحررين في وسيلة الإعلام ووفقاً لاعتباراتهم.

خلال العام الماضي، 2018، قدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة إلى الرقابة العسكرية 10938 مادة صحافية، أي أقل حتى من العدد الأدنى الذي سُجل خلال العام الذي سبقه، 2017، وبلغ 11035 مادة صحافية. هذا الانخفاض التدريجي المستمر في عدد المواد الصحافية المقدمة إلى الرقابة العسكرية، إلى جانب الارتفاع المستمر في عدد المواد الصحافية التي قررت الرقابة العسكرية شطبها تماماً وحظر نشرها كلياً، يشكلان دليلاً على أن وسائل الإعلام المختلفة تطور، ذاتياً، مهارات لافتة في عملية تحديد المواضيع التي يمكن أن تثير حساسية الرقابة العسكرية واهتمامها، مقابل المواضيع التي يمكن أن تتغاضى (الرقابة) عن نشرها، رغم واجب تقديمها إليها مسبقاً، بمقتضى النص القانوني. وقد يشكلان، من جهة أخرى، أيضاً، دليلاً على تراجع حاد في مدى اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بالقضايا التي تندرج في إطار مفهوم "الأمن القومي" الواسع، مقارنة بالقضايا الأخرى.

ارتفاع ملحوظ في عدد المواد المحظورة كلياً

أفادت المعطيات التي قدمتها الرقابة العسكرية، كما وردت في التقرير الصحافي، بأن نسبة المواد الصحافية التي شطبتها الرقابة العسكرية بالكامل، بالمقارنة مع نسبة المواد التي أجرت فيها تعديلات فقط، قد سجلت خلال العام المنصرم، 2018، ارتفاعاً ملحوظاً فبلغت 3ر3%، مقابل 4ر2% بالمتوسط خلال السنوات السبع السابقة منذ بدء رصد المعطيات.

الارتفاع في عدد المواد الصحافية التي تدخلت فيها الرقابة العسكرية جزئياً، بالشطب الجزئي أو بالتعديل، مقابل الانخفاض في عدد المواد الصحافية التي قُدمت إليها، انعكس في تسجيل رقم قياسي في نسبة المواد الصحافية التي خضعت للتعديل أو للإلغاء الكلي خلال العام المنصرم، 2018: 1ر28%، مقابل 26% في العام 2014 و3ر21% في العام 2017.

يشار هنا إلى أن الرقابة العسكرية لا تقدم أية معلومات بشأن المواضيع التي "تدخلت" فيها، سواء بصورة جزئية أو كاملة، لكن يمكن الافتراض بأن الارتفاع الجدي في العام 2018، كما ذكر أعلاه، ناجم عن النشاط العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي المكثف ضد أهداف إيرانية في سورية ولبنان، وربما أيضاً عن نشاط الوحدة العسكرية السرية التي عملت في قطاع غزة لفترة طويلة قبل أن يكتشفها رجال المقاومة هناك في تشرين الثاني 2018، وهو ما أدى إلى تصعيد عسكري آنذاك.

رقابة عسكرية على الكتب وأرشيف الدولة

إلى جانب عملها في مجال مراقبة المواد الصحافية ـ الإعلامية ذات العلاقة بـ"الأمن القومي" في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، تخوّل "أنظمة الطوارئ الانتدابية" مؤسسة الرقابة العسكرية، أيضاً، صلاحية مراقبة الكتب الصادرة في دولة إسرائيل والمصادقة عليها. وفي هذا المجال، أفادت المعطيات بأنه من بين 83 كتاباً قُدمت إلى الرقابة العسكرية خلال العام 2018، قبل نشرها، تدخلت الرقابة في الجزء الأكبر منها (49 كتاباً) ولم تسمح سوى بنشر 39 كتاباً دون أي تدخل من طرفها (شطب أو تعديل). أما في العام السابق، 2017، فقد تدخلت الرقابة في 53 كتاباً من بين 84 قُدمت إليها قبل النشر وسمحت بنشر 31 كتاباً من دون أي تدخل.

منذ بداية العام 2016، بدأت الرقابة العسكرية تتدخل، أيضاً، في قرارات مؤسسة "أرشيف الدولة" في إسرائيل، كجزء من عملية فتح أبواب الأرشيف ومواده أمام الجمهور الواسع. قبل ذلك، كان مسؤولو "أرشيف الدولة" وحدهم أصحاب الرأي والقرار في أي المواد من الأرشيف يمكن إتاحتها لمعاينة الجمهور وأيها ينبغي إبقاءها طي السرية لما تتضمنه من معلومات "قد تشكل خطراً على أمن الدولة وعلاقاتها الخارجية". ويعني تفويض الرقابة العسكرية صلاحية إضافية في هذا السياق وضع عائق إضافي آخر، جديد، أمام إمكانية إطلاع الجمهور الواسع والباحثين المعنيين على مواد مختلفة من أرشيف الدولة.

وفي المعطيات، سُجل انخفاض ملحوظ في عدد الملفات التي جرى تحويلها من أرشيف الدولة لمعاينة الرقابة العسكرية خلال العام 2018 مقارنة بالسنتين اللتين سبقتاها ـ 2908 ملفات في العام 2018 مقابل 5213 في العام 2017 و7770 ملفاً في العام 2016.

وكعهدها في السنوات الماضية، رفضت الرقابة العسكرية هذه السنة أيضاً الكشف عن عدد الملفات الأرشيفية التي تدخلت فيها، ناهيك عن مواضيعها بالطبع.

رقابة مضاعَفة

أشار تقرير موقع "محادثة محلية" إلى أن الحصول على معطيات من الرقابة العسكرية حول عملها وحجم تدخلها في المواد الإعلامية المختلفة المنشورة في إسرائيل "يشكل تحدياً"، وخصوصا في ضوء تأكيد الرقابة العسكرية، كل سنة من جديد، على حقيقة أن أحكام "قانون حرية المعلومات" لا تسري عليها وأنها معفية، بالتالي، من واجب تنفيذ تعليماته ومن تزويد أية جهة كانت بأية معلومات تخص عملها.

ورغم تأكيدها هذه الحقيقة، أبدت الرقابة العسكرية خلال السنوات الأخيرة بوجه خاص استعداداً لتقديم بعض المعلومات في هذا المجال، طبقاً لاعتباراتها ولما تراه هي مناسباً.

لكن السنتين الأخيرتين تحديداً شهدتا تراجعاً في موقف الرقابة العسكرية وتضييقاً للمجالات التي تبدي استعداداً لتزويد المعلومات عنها. ففي السابق، كانت الرقابة العسكرية تقدم معلومات عن نسبة المواد الأرشيفية التي حظرت الرقابة العسكرية فتحها أمام الجمهور والباحثين المعنيين وإتاحة اطلاعهم عليها، دون الإفصاح عن مضامينها بالطبع، إضافة إلى معلومات أخرى حول عدد الحالات التي توجهت فيها الرقابة العسكرية بمبادرتها هي إلى وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة لمطالبتها بحذف أو تعديل مواد صحافية تم نشرها دون تقديمها إلى الرقابة مسبقاً.

أما خلال السنتين الأخيرتين، فقد توقفت الرقابة العسكرية عن تقديم هذه المعلومات بزعم أنها (الرقابة) "لا تجمع هذه المعلومات ولا تحتفظ بها"، كما ادعت الرقيبة العسكرية الحالية، المقدم أريئيلا بن أفراهام (التي بدأت تزاول مهمات منصبها هذا قبل سنتين)، في رسالة جوابية وجهتها إلى موقع "محادثة محلية" في العام الماضي.

رداً على هذا الادعاء، طالبت مديرة "الحركة لحرية المعلومات"، راحيل إدري، بإلزام موظفي "وحدة الرقيب العسكري" (التابعة لقسم "الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي") بالعودة إلى تسجيل ورصد التوجهات والطلبات المختلفة المتعلقة بأرشيف الدولة "من أجل ضمان وصول المعلومات إلى الجمهور". غير أن وحدة الرقيب العسكري لم تكلف نفسها حتى عناء الرد على طلب مديرة هذه الحركة (التي تشكل ذراعاً رسمية أقيمت وتعمل بموجب "قانون حرية المعلومات"). وعقبت إدري على ذلك بالقول إنه "من الواضح للجميع أن مؤسسة الرقابة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ملزمة بالانتقال إلى طريقة تفكير متجددة وخارج الصندوق، وخاصة في عصر المعلوماتية الحالي". وأضافت إدري: "إنها رقابة مضاعفة بمعنى ما ـ في المرة الأولى يراقبون ويمنعون النشر؛ وفي المرة الثانية يحجبون المعلومات عن حجم الرقابة ومجالاتها".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات