كتب أنطوان شلحت:
بعد مطالعة معظم ردود الفعل الاسرائيلية المكتوبة على رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التي انطلقت حتى قبل إعلان نبأ الوفاة، يصعب على المرء التحرّر من إنطباعين متصلين:
الأول: أن أكثر ما أزعج الاسرائيليين، بل وأقضّ مضاجعهم، في شخص الراحل الكبير هو رفضه المتواصل وإصراره المثابر على عدم المماشاة مع الإملاءات الإسرائيلية لعملية التسوية مع الفلسطينيين، خصوصًا بعد أن انطلقت في طريق المفاوضات، التي لم تكن مشقوقة من قبل أوسلو.
برنامج تلفزيوني: رئيس الموساد "رامبو الذي يسير والسكين بين أسنانه"
كتب حلمي موسى:
كشف برنامج تلفزيوني إسرائيلي الضرر الذي أصاب جهاز "الموساد" جراء إصرار رئيس الحكومة أريئيل شارون على تعيين الجنرال مئير داغان رئيسا لهذا الجهاز. وأشار البرنامج إلى أن الجهاز الاستخباري الذي كان بين الأجهزة الأنجع في العالم يعاني من مشاكل شديدة في العامين الأخيرين بعدما ترك ما لا يقل عن مئتين من الكوادر صفوفه، بينهم سبعة رؤساء أقسام.
وأثار التحقيق ضجة كبرى في إسرائيل بسبب ما كشف عنه من تحذيرات تلقاها شارون من قادة استخبارات سابقين. كما أن العاصفة هبّت جراء التقدير الكبير الذي تكنه المؤسسة السياسية والحالة الشعبية في إسرائيل لهذا الجهاز الذي طالما نظر إليه على أنه الذراع الأطول لإسرائيل في العالم.
وفي برنامج "عوفدا" (حقيقة) الذي تعده وتقدمه إيلانا ديان جاء أن مئير داغان لم يحاول سوى ان يثني واحدا فقط من بين المئتي كادر عن الاستقالة، هو مسؤول قسم "تيفل" (المسؤول عن العلاقات الخارجية في الموساد). وأشارت إلى أن أهم استقالة بين هذه الاستقالات هي التي قدمها إيلان مزراحي، نائب رئيس الموساد.
وأوضح التقرير أن التعيينات الجديدة التي أقدم عليها مئير داغان لملء الفراغ أثارت انتقادات هي الأخرى. وأشار إلى أن النقد موجه على وجه الخصوص الى الرجلين الثاني والثالث في هرمية القيادة في الموساد، لأنهما من ذوي الخبرة العملياتية لا الاستخبارية. ولكن ربما كان ذلك ينبع أصلا من رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلية في إعادة الدور العملياتي للموساد في هذا الوقت بالذات. ولهذا السبب عيّن صديقه مئير داغان صاحب الخبرة العملياتية الواسعة سواء من خلال عمله تحت قيادة شارون في قطاع غزة ضد الخلايا الفدائية أو في لبنان في قيادة الوحدة الاستخبارية المعروفة ب"504". ويوضح التحقيق أن داغان كان يكثر من الحديث في المداولات الداخلية في الموساد عن وجوب التركيز على البعد العملياتي.
وقالت إيلانا ديان في التحقيق إن رجال الموساد صاروا يسمّون هذا الاندفاع نحو الجانب العملياتي ب"فيلم رعب داغان ومعاونيه". وذكرت أن أول شيء طلبه داغان حال توليه مهام منصبه هو قائمة بأسماء قادة حماس في جميع أنحاء العالم. وأوضح داغان لمعاونيه أن هؤلاء في نظره أهداف للاغتيال. وأشار التحقيق إلى أن قادة الموساد أخبروا داغان أن ليس كل هؤلاء القادة من العيار الثقيل فتراجع عن الخطة الأولية ولكنه لم يتراجع عن الاتجاه العام.
وكشفت ديان في التحقيق أن المعارضة لتعيين داغان لم تقتصر على جهات إسرائيلية بل تعدتها إلى جهات خارجية. وقالت إن لقاءً عُقد بين داغان ورئيس الاستخبارات المركزية الاميركية السابق جورج تينيت انتهى بمقاطعة تينيت لداغان لشهور طويلة.
وأشار التحقيق إلى أن عددا من كبار المسؤولين الأمنيين حذروا شارون من تعيين داغان رئيسا للموساد. وأفاد أن هؤلاء حذروا في الأساس من أن تعيين داغان يخلق سابقة إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يُعيّن فيها رئيس الموساد بشكل سياسي لا مهني. فداغان من بين نشطاء الليكود وقد عمل رئيساً لطاقم انتخابات أرييل شارون عام 2001. كما أن رئيس الشاباك السابق عامي أيالون أوضح لصديقه داغان أن هذا التعيين "مشبوه".
وقد كشف التحقيق ماضي داغان المهووس بالعنف في قطاع غزة وفي لبنان والأساليب التي كان يستخدمها. وركز التحقيق على الدور البارز لداغان في عمليات تفجير السيارات الملغومة والاغتيالات في لبنان. وروى التحقيق للمرة الأولى عن عمليات بادر إلى التخطيط لها داغان في لبنان ورفضها رئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغن.
وعرض التحقيق لرجال خدموا في ميليشيات العملاء في الجنوب اللبناني ممن كانوا يتلقون الأوامر من داغان. وقال أحدهم إن "الشيفرة" بينه وبين داغان كانت تفيد أنه إذا قال له "لا تدع المخرب يهرب" فهذا يعني اتركه يمش وأطلق النار عليه.
ويعرض التحقيق داغان بوصفه "رامبو الذي يسير والسكين بين أسنانه" وأنه لم يتغير. وتنقل ديان عن عدد من قادة الأمن السابقين قولهم إنه ليس هناك الآن في الموساد "قائد مسؤول".
ورأى الكثير من المعلقين الإسرائيليين أن برنامج "عوفدا" حول الموساد ورئيسه أشار إلى أن إيلانا ديان تعرف الكثير مما لا يمكنها أن تروي في برنامج تلفزيوني يخضع لمعايير مهنية وأمنية. ولذلك أكثرت من استخدام عبارات مثل أن "هذا الرجل جاء ليقتل"، وأن داغان "يضرب بقوة، يطلق النار بسرعة وأحيانا لا يأخذ أسرى" وكذلك أن "القصة الحقيقية مشلولة". وهي تصف داغان بأنه الرجل "الذي أعطب عنده الإحساس بالخوف". وتنقل عن أحد معارفه القول إن "من يضع السكين بين أسنانه لا يترك في الرأس مكانا للعقل".
كشفت دراسة عسكرية إسرائيلية جديدة ("هآرتس"، 16/11 و"يديعوت أحرونوت"، 17/11/2004) أن رئيس الحكومة الحالي أريئيل شارون اقترح عشية حرب حزيران عام 1967 عندما كان قائداً لفرقة على رئيس الأركان آنذاك، اسحق رابين، تنفيذ انقلاب عسكري. وتشير الدراسة، الصادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية والتي نشرت في كتاب بعنوان "أصدر الأمر يا أشكول" (ليفي أشكول هو رئيس الوزراء الاسرائيلي في تلك الفترة)، إلى أن هذا الاقتراح جاء في حديث ثنائي وعلى صيغة "السيطرة على الحكم من أجل اتخاذ القرار" بشنّ الحرب، لا أكثر.
*الباحثة النفسانية نبيلة اسبنيولي لـ "المشهد الاسرائيلي": هذه الظاهرة هي انعكاس مباشر للتربية على حل المشاكل من خلال العنف، وهذا انعكاس لعسكرة المجتمع وسياسة الحرب والاحتلال* العنف من قبل الطلاب ضد معلميهم، وأيضا بين الطلاب انفسهم*
الصفحة 747 من 1047