المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*الباحثة النفسانية نبيلة اسبنيولي لـ "المشهد الاسرائيلي": هذه الظاهرة هي انعكاس مباشر للتربية على حل المشاكل من خلال العنف، وهذا انعكاس لعسكرة المجتمع وسياسة الحرب والاحتلال* العنف من قبل الطلاب ضد معلميهم، وأيضا بين الطلاب انفسهم*

تعجّ وسائل الاعلام الاسرائيلية في الايام الأخيرة بتقارير متواصلة حول ظاهرة العنف المتفشية في مدارس اسرائيل، وابرزها حالات اعتداء الطلاب على المعلمين، ولكن ليس هذا لوحده بل اعتداءات الطلاب على بعضهم بشتى الاشكال، من الجسدية وحتى الجنسية.

في يوم الاثنين من الاسبوع قبل الماضي نفذ المعلمون اضرابا لمدة ساعة واحدة في جميع مدارس اسرائيل احتجاجا على تنامي ظاهرة العنف، وجاءت هذه الخطوة في اعقاب الاعتداء على عدد من المعلمين في اماكن مختلفة خلال اسبوع واحد.

ففي احدى البلدات اليهودية رمى أحد طلاب مدرسة كيس نفايات من الحجم الكبير ملأه بالماء، من الطابق الثالث على معلمته وهي تقف في الطابق الأول، فاغمي عليها، وتم استدعاء سيارة الاسعاف، ولكن الحكاية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أحاط حوالي مئة طالب من المدرسة ذاتها بسيارة الاسعاف وحاولوا اعاقتها، وراحوا يغنون اغاني الفرح، ثم رشقوا بالحجارة سيارة الاسعاف بعد ان أقلت معلمتهم الى المستشفى، التي عانت على مدى ثلاثة ايام من شلل نصفي وموقت.

وبعد يومين من هذه الجريمة تم حرق سيارة معلمة في بلدة أخرى وتبين ان الفاعل هو أحد الطلاب. كما اشتكى أحد المعلمين من أن أحد الطلاب ثقب اطارات سيارته الأربعة. كذلك فإن أحد الطلبة اطلق لعبة نارية (صاروخ احتفالات) في اتجاه حارس فندق في مدينة طبريا فأصابه باصابات جدية، نقل على اثرها الى المستشفى للعلاج. وهكذا تستمر الاعتداءات دون ان تنظر اسرائيل للمشكلة من جذورها.

حسب المعطيات التي اعلنتها الشرطة الاسرائيلية في الآونة الأخيرة، فإنها في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2004 تلقت 74 شكوى من معلمين اعتدى عليهم طلابهم بأشكال مختلفة، في حين ان عدد الشكاوى المماثلة التي تلقتها الشرطة طوال العام 2003 لم تتعد 39 شكوى، بمعنى ان الرقم تضاعف وأكثر. ولكن كل هذا يتعلق باعتداءات الطلاب على معلميهم، أما اعتداءات الطلاب على بعضهم فقد تظهر قريبا، ولكن واقع الميدان، ومما تنشره الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية باستمرار، يظهر صورة قاتمة أكثر، فهناك ظاهرة الاعتداءات الجسدية التي تصل الى حد التعذيب السادي، ووصلت احيانا الى درجة القتل، بالاضافة الى ظاهرة الاغتصاب، ومنها الاغتصابات الجماعية.

ويفيد استطلاع للرأي نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" ان 92% من المعلمين واجهوا تصرفا عنيفا من قبل الطلاب، و45% من المعلمين اليهود و80% من المعلمين العرب قدموا شكاوى حول اعتداء طلاب على سياراتهم. و69% من المعلمين في مدارس المرحلتين الاعداية والثانوية واجهوا عنفا كلاميا من طلابهم و51% من المعلمين اليهود و55% من المعلمين العرب واجهوا عنفا من قبل اولياء أمور الطلاب. و60% من المعلمين يصرفون ربع الوقت الدراسي في معالجة مشكل عدم الطاعة في الدروس.

وتقول الباحثة النفسانية نبيلة اسبنيولي (من الناصرة) لـ "المشهد الاسرائيلي"، إن العنف في المدارس الاسرائيلية هو من اعلى المستويات في العالم، وعلى الرغم من هذا فإن وزارة التربية والتعليم في اسرائيل تحاول التنصل من مسؤوليتها، على الرغم من استفحال الظاهرة، كما شهدنا في الايام الأخيرة.

وتضيف اسبنيولي قائلة، هناك عدة عوامل تؤثر على تنامي العنف داخل المجتمع، وايضا داخل المدارس، فالأبحاث تؤكد ان طلبة المدارس هم جزء من المجتمع ويتأثرون بما يجري فيه. والأمر الآخر هو كيفية التربية، وبشكل خاص التربية على كيف يتم حل المشاكل، وغيرها من العوامل. وفي حالة اسرائيل، فإن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع عسكري، اعتاد على ان يحل مشاكله، او يصل الى اهداف يريدها، من خلال العنف، ولهذا فإن العنف هو ظاهرة سائدة في المجتمع الاسرائيلي. فليس غريبا ان حركات السلام في اسرائيل، والى جانب جمعيات تعمل في مجال حقوق الانسان، تنادي بالغاء التجنيد الاجباري في اسرائيل، لمدة ثلاث سنوات للشبان وعامين للشابات، فالشاب والشابة، ومباشرة بعد انهاء دراستهما المدرسية، يتوجهان الى ميدان العنف والحرب والاحتلال والقتل، وهناك يتلقيان ثقافة عنف خطيرة تنتقل مباشرة الى داخل المجتمع المدني.

وتتابع اسبنيولي: لقد رأينا حالات قتل فيها جنود اسرائيليون، إما في الخدمة او انهم انهوها لتوهم، افرادا في المحيط القريب منهم، وحتى افرادا من عائلاتهم، وهناك حالة لأحد الجنود الذي قتل فتاة فلسطينية في غزة في الماضي، قتل صديقته بسبب خلاف بسيط. كما إن اسرائيل تحيي في هذه الايام ذكرى اغتيال يتسحاق رابين، وتتزامن الذكرى مع تهديدات بالقتل لرئيس الحكومة الحالي ومسؤولين سياسيين على خلفية "خطة الفصل"، ورأينا من على شاشات التلفزة كيف ان شبانا لا يكترثون بما حصل وحتى ان بعضهم يبرر الاغتيال والتهديدات، وهذا ايضا انعكاس للتربية والتثقيف على العنف، وعلى سبيل المثال، فإن الجيش الاسرائيلي يتفاخر بأن غالبية الشبان المجندين حديثا يطلبون الالتحاق بوحدات قتالية أكثر من اية وحدات أخرى، لأنهم يعتقدون ان وحدات كهذه تشبع رغباتهم المخزونة في دواخلهم.

وحول المستقبل، تقول اسبنيولي، من الواضح ان هناك ظهورًا لأجيال جديدة تتجه للعنف، أو فيها نسب العنف عالية، وهذا لا يبشر خيرا في المستقبل، فهذه الاجيال ستكبر وتنمو وتربي الاجيال التي من بعدها على ما هو اعنف، ولحل هذه الظاهرة يجب ان ننظر الى الأساس، بمعنى استمرار الاحتلال وسياسة الحرب والعداء، وطالما ان الاحتلال قائم، طالما ان عسكرة المجتمع مستمرة، فإن هذا سيواصل انعكاسه على المجتمع المدني.

وتضيف اسبنيولي، ليست ظاهرة العنف لوحدها بل هناك ظاهرة العنصرية، فهذه الظاهرة التي ظهرت وتوطدت ضد العرب في البلاد، امتدت لتشمل قطاعات في داخل المجتمع اليهودي، فها نحن نشهد اليوم مظاهر متجددة ضد فئات يهودية، ففي الماضي كنا نعرف عن عنصرية ضد اليهود الشرقيين، أما اليوم فاصبحنا نعرف عن عنصرية تجاه المهاجرين من اثيوبيا، أو حتى تجاه المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق.

لقد اعتادت اسرائيل على البحث عن كل الظواهر السلبية في خارجها، لدى "العدو الذي يهدد الكيان"، ولكنها لم تبحث في جذر مشاكلها، لأن الوصول الى الحقيقة المعروفة ينسف الكثير من الأفكار والمخططات التي بنت نفسها عليها، من اجل تحقيق اهداف ساستها الذين اعتقدوا أن بامكانهم أن يحرقوا ملعب الغير ولا يطالهم اي سوء.

إننا نشهد بصورة شبه يومية كيف أن العنف الذي تمارسه إسرائيل في المناطق المحتلة يوميا، يعكس نفسه باشكال أخرى في داخل مجتمعها هي.

لقد جرى مسح دولي قبل ثلاث سنوات، وظهر من نتائجه ان اسرائيل تتربع في خانة أكثر الدول العشر بالنسبة للعنف بين القاصرين، وكل ما فعلته اسرائيل في هذا المجال هو التلاعب بالمعطيات لاخراج نفسها من هذه الخانة أو الابتعاد عنها قليلا، وقد تكون نجحت في هذا ظاهريا، كما تقول معطيات العام 2003، ولكن الوتيرة التي نشهدها الآن، وفي هذا العام، تؤكد ان اسرائيل ستعود الى اعلى اللائحة السوداء في هذا المجال.

ولكن اسرائيل موجودة ليس فقط على هذه اللائحة الدولية السوداء، بل انها موجودة بقوة على لائحة الاتجار بالنساء، ولائحة تبييض اموال العالم السفلي، عالم الاجرام والمافيات الدولية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات