كشفت دراسة عسكرية إسرائيلية جديدة ("هآرتس"، 16/11 و"يديعوت أحرونوت"، 17/11/2004) أن رئيس الحكومة الحالي أريئيل شارون اقترح عشية حرب حزيران عام 1967 عندما كان قائداً لفرقة على رئيس الأركان آنذاك، اسحق رابين، تنفيذ انقلاب عسكري. وتشير الدراسة، الصادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية والتي نشرت في كتاب بعنوان "أصدر الأمر يا أشكول" (ليفي أشكول هو رئيس الوزراء الاسرائيلي في تلك الفترة)، إلى أن هذا الاقتراح جاء في حديث ثنائي وعلى صيغة "السيطرة على الحكم من أجل اتخاذ القرار" بشنّ الحرب، لا أكثر.
وهذا ليس اتهاماً لشارون بل هو إعلان رسمي لأقوال قدّمها شارون لمؤرخي الجيش ونشرت في الكتاب الذي استندت إليه مقالة المعلق الأمني في "هآرتس" أمير أورن. وحسب ما جاء في الكتاب فإن شارون قال لمؤرخي الجيش، "بعد اللقاء الأول مع (رئيس الحكومة ووزير الدفاع) ليفي أشكول، أشعر لزاماً القول إنني شخصيا، وتحدثت بذلك مع رئيس الأركان آنذاك، شعرت أننا أكثر من مرة تساءلنا حول إمكانية أن يسيطر الجيش على الحكم في إسرائيل، وهل سيكون هناك وضع يتخذ فيه الجيش القرارات من دون الحكومة، وكنت أقول إن ذلك مستحيل أن يحدث في إسرائيل. ولكن بعد اللقاء في الثامن والعشرين من أيار قلت لرئيس الأركان ولآخرين إنه نشأت هذه المرة أوضاع تتطلب حدوث ذلك وهو ما يمكن ان يستقبله الناس بالترحاب. وهذا يعني أن السيطرة على الحكم، ليست برغبة في السيطرة على الحكم، وإنما للرغبة في اتخاذ القرار، القرار الأساسي، فإن بوسع الجيش اتخاذه من دون الحكومة، ولا أدري إذا وافقني الرأي أم لا ولكنني أعتقد أنه رأى الأمر بطريقة مشابهة".
وهذه ليست المرة الأولى التي يشار فيها إلى شارون ورغبته في قلب السلطة في إسرائيل. فقد سبق لأكثر من رئيس حكومة بينهم مناحيم بيغن أن أعرب عن خشيته من أن يجد نفسه ذات يوم في مقرّ رئاسة الحكومة الإسرائيلية مطوّقاً بدبابات شارون. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها كتاب رسمي إسرائيلي وباعتراف شخصي من شارون إلى هذه الحقيقة. والواقع أن شارون يبرر ميله هذا بالرغبة في اتخاذ القرار وليس بالسيطرة على الحكم. وثمة من يعتقد أن هذا الميل للسيطرة على القرار رافق شارون في كل سنوات حياته العسكرية والسياسية وجعله يستخدم أساليب ملتوية لتحقيق ذلك. ويرى المعلقون الإسرائيليون أن حرب لبنان وتطورها من عملية محدودة لأربعين كيلومتراً إلى احتلال دموي لعاصمة عربية عبّر بجلاء عن هذا الميل.
وقد توصّلت الدراسة التي أعدها قسم التاريخ في هيئة الأركان إلى هذه النتيجة. وللمرة الأولى يؤكد اقتراح قدمه شارون لرابين بوجوب السيطرة على الحكم من اجل اتخاذ القرار بشن الحرب و"سجن أعضاء الحكومة في "غرفة مجاورة" إلى أن تتمكن هيئة الأركان من التوجّه إلى إذاعة إسرائيل وبثّ البيان".
وتذكر صحيفة "هآرتس" نقلا عن الدراسة أن شارون الذي كان في ذلك الحين رئيساً لقسم الإرشاد والتوجيه في هيئة الأركان وقائداً لواحدة من الفرق الثلاث في المنطقة الجنوبية قال ما يلي:"أنا لا اعتقد أن أحداً ما قد تحدث حول أمور عملية يمكن القيام بها ولكن الوضع المتبلور (...) في اللقاء الأول لم ننه الحديث حول المسألة وبعد لقاء الثاني من حزيران (مع الحكومة) بقينا للتحدث وقلت إننا لو قمنا في مرحلة معينة بالقول لأعضاء الحكومة: قراراتكم تشكل خطرا على دولة إسرائيل ولذلك عليكم أن تدخلوا الى الغرفة المجاورة وان يتوجه رئيس هيئة الأركان لإذاعة إسرائيل ويبث البيان لتقبلوا ذلك بشعور من الارتياح. هذا كان شعوري في ذلك الحين".
وتقتبس الدراسة عن محادثة جرت العام 1965 قول رئيس الأركان رابين لرئيس الحكومة اشكول حول قراره بتعيين شارون رئيساً لقسم التوجيه وليس قائد منطقة "كاختبار آخر" له على أمل أن يفعل "الزمن ما لم يفعله العقل". رابين قال لاشكول إن سلفه في رئاسة هيئة الأركان تسفي تسور كان صمد أمام مناشدات بن غوريون له لترقية شارون إلى رتبة لواء.
وفي فصل مثير حول زيارة رابين لإيران قبل بدء أزمة أيار 1967 تكشف الدراسة النقاب عن أن الشاه ضغط على إسرائيل لمناوشة القوات المصرية في سيناء ودفع مصر لسحب المزيد من قواتها في اليمن. رابين قال بعد ذلك إن عدم استجابته لطلب الشاه أثار لديه شعوراً بالندم والخجل من ذلك. وبعد محادثاته في طهران ألمح لقادة هيئة الأركان أن هذه الخطوة مصلحة إيرانية إسرائيلية مشتركة. وتشير الدراسة إلى أن الإيرانيين همّ الذين غذّوا الاتحاد السوفياتي بالمعلومات الاستخبارية الزائفة حول عزم إسرائيل على مهاجمة سوريا حتى يتسبّب ذلك بأزمة تدفع الجيشين المصري والإسرائيلي للتصادم الأمر الذي يخفف الضغوط في الخليج العربي.