بذريعة عملية المستوطنين: طوفان من الكراهية العنصرية والتحريض الفاشي على مواقع التواصل الاجتماعي
*حملة التحريض الأكبر تحت شعار "كره العرب قيمة"!*
كتب سليم سلامة:
طوفان جارف من الكراهية العنصرية، بل الفاشية، ضد الفلسطينيين أينما كانوا، غمر إسرائيل خلال الأسبوعين الأخيرين بشكل خاص، ولم يكن اختطاف المستوطنين الثلاثة، ثم العثور على جثثهم مقتولين، سوى "البطاقة الرسمية" التي أتاحت صعود كل هذا الحقد إلى ما فوق السطح فأماطت اللثام عن الوجه القبيح، الحقيقي، وهيأت الأجواء المواتية لهذا الفلتان غير المسبوق. وهو ما عبر عنه أحد العقلاء في أحد التعقيبات على صفحات التواصل الاجتماعي حين قال مخاطبا جموع العنصريين والفاشيين: "الخطف والقتل لم يكونا سوى ذريعة بالنسبة لكم للتعبير عن الآراء العنيفة والظلامية ذاتها التي تتبنونها من قبل أيضا، مع زيادة فكرة / مبرر الانتقام الآن كي لا يكون القتل عبثيا تماما"!
وكان من بين التجليات الأبرز لهذا الطوفان، بالطبع، ما دار على شبكات التواصل الاجتماعي التي تم إنشاء عشرات المجموعات الجديدة عليها في غضون ساعات قليلة جدا خصصت، جميعها وبصوت واحد، للدعوة إلى "الانتقام" لاختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، فاتحة الأبواب على مصاريعها لسيول من عبارات الشتم والتحريض الناضحة حقدا وكرها عنصريين، بل الدعوات المباشرة والصريحة إلى تنظيم وتنفيذ حملات وشن اعتداءات، فردية وجماعية، ضد الفلسطينيين، سواء في داخل إسرائيل أو في أنحاء الضفة الغربية.
فقد جرى هذا كله ـ ولا يزال يجري ـ من دون أن يساور عشرات آلاف المشاركين في هذه الصفحات أي خوف أو قلق يمكن أن يدفعهم إلى بذل ولو أدنى جهد لتمويه تفاصيلهم الشخصية أو التستر عليها، بما في ذلك أسماؤهم الصريحة وصورهم الشخصية، بل مقاطع الفيديو بالصوت والصورة. جرى هذا كله دون أي رقيب أو حسيب، علما بأن ثمة في إسرائيل قوانين تحظر التحريض العنصري، فضلا عن القانون الجنائي في كل ما يتعلق بصريح التحريض على الاعتداء والقتل، وعلما بأن لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة، سواء الشرطة أو "جهاز الأمن العام" (الشاباك) بشكل خاص، وحدات مهنية خاصة لمراقبة ومتابعة مختلف الحراكات على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن كل من أصيب بالدهشة، أو حتى مجرد المفاجأة، من الظهور العلني الكاسح لطوفان الكراهية والحقد العنصري هذا من المؤكد أنه لا يعرف ولا يتابع ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية التي غدت العنصرية فيها، منذ سنوات، ظاهرة "عادية ومألوفة" ضد نشطاء اليسار الإسرائيلي، ضد المهاجرين الأفارقة أو ضد المثليين جنسيا، وضد الفلسطينيين أينما كانوا بصورة خاصة وأساسية!
وقد درجت الأجهزة الأمنية والقضائية الإسرائيلية على تبرير عجزها وتلكؤها، بل تواطئها الصريح، في كل ما يتصل بالتعامل مع هذه الحملات العنصرية العلنية والمكشوفة، سبل مواجهتها ومحاصرتها ومعاقبة القيمين عليها والمشاركين فيها، متذرعة بـ"الخشية من المس بحرية التعبير"!! ويؤكد على حقيقة هذا العجز / التلكؤ / التواطؤ ما يقوله موظفون كبار في وزارة العدل (المسؤولة عن النيابة العامة للدولة وعن مكتب المستشار القانوني للحكومة) عن أن ثمة "زيادة كبيرة في شكاوى المواطنين إلى وزارة العدل حول تصريحات وتفوهات عنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي" مقابل "السياسة التقليصية" التي تعتمدها الوزارة في شأن التحقيق في مثل هذه الشكاوى ثم في تقديم لوائح اتهام في أعقابها.
ولكن، يبدو أن طوفان التحريض العنصري الذي غمر دولة إسرائيل في الأيام الأخيرة لم يترك أمام الأذرع الأمنية والقضائية المعنية أي مجال لمواصلة التزام الصمت وغض الطرف والتهرب من مسؤولياتها، فاضطرها إلى الإعلان ـ ولو تصريحا، على الأقل ـ عن عزمها "تغيير السياسة"، كما صرحت وزارة الأمن الداخلي والشرطة. وهذه الأخيرة، مثلا، كتبت على صفحتها الرسمية الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك: "في أعقاب الأحداث الأخيرة في إسرائيل، نشرت تصريحات وتفوهات تحريضية خطيرة في أنحاء الشبكة العنكبوتية، وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، تحمل مضمونا يحرّض على العنف والعنصرية، بما في ذلك دعوات إلى المس بأناس أبرياء. وتبعا لهذا، وتنفيذا لطلب المستشار القانوني للحكومة والنائب العام للدولة، قرر رئيس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة الشروع في التحقيق بهذه الشبهات"!
وفي أعقاب ثبوت تورط اثنين من الموظفين العاملين في وزارة العدل ذاتها (!!) في نشر مثل هذه التفوهات والدعوات العنصرية، اضطرت المديرة العامة لوزارة العدل، إيمي بلمور، إلى توجيه رسالة شخصية مباشرة إلى جميع موظفي الوزارة والعاملين فيها، نشر نصها الكامل على موقع الوزارة على الشبكة العنكبوتية، أعلنت من خلالها عن توقيف الموظفين المذكورين عن عملهما وعن أن وزيرة العدل، تسيبي ليفني، بادرت إلى إنشاء "خط ساخن" في الوزارة لاستقبال شكاوى الجمهور، حيال "التصعيد الخطير في تجليات التحريض والعنصرية خلال الأيام الأخيرة".
وقالت المديرة العامة للوزارة إن "ظاهرة العنصرية ـ من أي نوع كانت وضد أية فئة وجهت ـ هي ظاهرة بشعة ينبغي شجبها واستنكارها"!! فهل تؤمن هذه المديرة، حقا، بأن هذا ما يتعين على وزارتها (وزارة العدل)، بكل هيئاتها وأذرعها المسؤولة عن تطبيق القوانين وفرضها، فعله؟ الشجب والاستنكار؟؟ وإذا كانت مديرة وزارة العدل تكتفي بالحديث عن الشجب والاستنكار، دون التأكيد على اعتماد سياسة واضحة وحازمة لا تهاون فيها بشأن ضرورة القبض على المحرضين العنصريين ومعاقبتهم، فهل ثمة خير يمكن أن يرتجى من هذه المؤسسة الحكومية والرسمية في هذا المجال؟
ونستعرض هنا أبرز المجموعات والصفحات التي ظهرت أو التي صعّدت من تحريضها العنصري خلال الأسبوعين الأخيرين على شبكات التواصل الاجتماعي:
"شعب إسرائيل يطلب الانتقام"!
المجموعة الأكبر والأبرز من بين المجموعات التي أنشئت على مواقع التواصل الاجتماعي كانت المجموعة الفيسبوكية التي أطلقت على نفسها اسم "شعب إسرائيل يطلب الانتقام" والتي بلغ عدد أعضائها، بعيد يومين فقط من إعلانها، أكثر من 32 ألف شخص، غالبيتهم الساحقة من أبناء الشبيبة، من الجنود في الجيش الإسرائيلي وآخرين ممن ملأوا الصفحة الخاصة بالمجموعة على شبكة الفيسبوك بصورهم الشخصية وهم يحملون يافطات مختلفة الأشكال والأحجام تدعو إلى "الانتقام من العرب"، تحرض عليه وتشجعه، من قبيل: "دعونا نرشّهم"! و"كره العرب ليس عنصرية، بل قيمة"!
ونشر أعضاء هذه المجموعة على صفحتها فيضا من الصور لشعارات ورموز الوحدات العسكرية المختلفة في الجيش الإسرائيلي، مما يؤكد أن جنود الجيش وغيره من قوى الأمن الإسرائيلية أعضاء مركزيون وفاعلون في هذه المجموعة.
وتوجه القيمون على المجموعة إلى رواد الصفحة وأعضاء المجموعة يشجعونهم على: "صوّروا أنفسكم مع عبارة "شعب إسرائيل يطلب الانتقام"، سواء كتبتموها على أوراق أو على أجسادكم أو أي شيء آخر، وانشروها هنا.... وأنتم أيضا، أيها الجنود، صوروا أنفسكم وانشروها هنا مباشرة، أو أرسلوها إلينا ونحن نقوم بتجميعها كلها في ألبوم واحد"!
وقد قوبلت هذه الدعوات بترحاب واستجابة واسعين جدا، وحين أراد القيمون على المجموعة التوضيح بأن "كثيرين جدا يسألون هنا ماذا نعني بالانتقام؟ وما إذا كان المقصود قتل أبرياء؟ وجوابنا هو: نحن الأكثر يمينية في أفكارنا وآرائنا ومواقفنا، لكن هدف المجموعة هنا هو الانتقام لدماء المخطوفين..."، انبرى لهم عدد كبير من زوار الصفحة وأعضائها معترضين فكان من بين التعقيبات: "ليس ثمة عربي بريء، على الإطلاق .... إنهم يتعلمون منذ سن مبكرة كيف يكرهوننا ويحاربوننا.... أنا أقول إنه ينبغي تحطيمهم جميعا، لأن أصغر طفل بينهم أيضا يكبر ليصبح مخربا، هذا هو الواقع"!!
وعقب الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي على مشاركة عدد كبير جدا من جنود الجيش في هذه المجموعة وصفحتها الفيسبوكية بالقول إنه "أمر خطير لا ينسجم مع ما هو متوقع من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي"!! متعهدا بـ"معالجة صارمة لكل حالة يعلم بها القادة العسكريون"!!
"عصابة اليهود"
أما المجموعة الأكثر "جرأة" من بين عشرات المجموعات التي أنشئت، فكانت مجموعة أطلقت على نفسها اسم "عصابة اليهود"، التي استخدمت كلمة اليهود بالعربية، لكن بأحرف عبرية (وليس الكلمة العبرية: "يهوديم"). فقد دعت هذه المجموعة، جهرا وصراحة، إلى "قتل العرب"، دون أن تعير أدنى اهتمام أو أدنى اعتبار لأي من هيئات الدولة ومؤسساتها وأذرعها ودون أن يبدي أعضاؤها والقيمون عليها أي حذر، تحسب أو خوف من أي إجراء تحقيقي أو عقابي يمكن أن يتعرضوا له جراء مواقفهم ودعواتهم الصريحة للقتل. وإيغالا في استهتارهم بهذه الهيئات والمؤسسات والأذرع الرسمية المختلفة، قام القيمون على هذه الصفحة بنشر تفاصيل عينية عن "المواقع الجغرافية" التي يتواجد فيها "مقاتلو العصابة"، كما يسمون أنفسهم، ساعة بحثهم عن العرب ومطاردتهم في الشوارع، مرفقة بشعار رئيسي متكرر: "إذبح العرب"!!
وكتب القيمون على هذه الصفحة: "نحن في حالة حرب... يا مقاتلي اليهود من مختلف أنحاء البلاد، عليكم الانطلاق فورا إلى تنفيذ العمليات. نحن قوة عصية على اللجم. وما حصل في القدس (خطف الفتى محمد أبو خضير وقتله ـ س. س.) هو شيء لا يذكر مقارنة بما سنفعله لاحقا. الليل هو صديقنا"!!
وقد حظيت هذه الصفحة بإعجاب نحو أربعة آلاف شخص قبل أن تقوم إدارة شبكة الفيسبوك بإغلاقها، غير أن القيمين عليها أعادوا فتحها من جديد.
وتبين، أيضا، أن المبادر لإنشاء الصفحة الفيسبوكية لهذه المجموعة يدعى تيم فورتمان، وهو الشخص ذاته الذي أنشأ صفحة أخرى ويتولى إدارتها تحت اسم "عقوبة الإعدام للمخربين"، واستطاعت خلال يومين تجنيد أكثر من 13 ألف متابع.
وكان قد نشر في هذه الصفحة تعليق يقول: "الذين خطفوا الشبان الثلاثة ليسوا مخربين. إنهم عرب، ببساطة شديدة. فهناك عرب يكرهون اليهود علانية، هناك عرب يلاحقون البنات اليهوديات، هناك عرب يمارسون الإجرام، هناك عرب يقذفون الحجارة والزجاجات الحارقة، وهناك عرب يطلقون الرصاص / يطعنون / يتفجرون / يختطفون. أما القاسم المشترك بينهم جميعا فهو: إنهم عرب!"!!
ثم أضاف: "إن دولة إسرائيل تشجع قتلة الإسرائيليين ـ الأمة العربية ـ وتمنح العرب الملاعين تمييزا تصحيحيا. نحن اليهود سنوقف هذا التدهور وسنقضي على هذا الوباء الخبيث"!!
تنظيم "منع الاختلاط"
هذا التنظيم ليس جديدا وكذلك صفحته الفيسبوكية أيضا، علما بأن نشاطه لا يقتصر على الفيسبوك فقط، بل يقوم بأعمال ميدانية عديدة ومختلفة. وهو تنظيم أقامه أحد نشطاء اليمين الإسرائيلي المتطرف يدعى بنتسي غوفشطاين. ويطلق على هذا التنظيم بالعبرية اسم "لهفا"، وهو اختصار لـ: "لمنع الاختلاط في البلاد المقدسة". ويعتبر هذا التنظيم، في عرف عديد من المتابعين والمراقبين الإسرائيليين، "المحرّض الأكبر" على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، نظرا لمثابرته ونشاطه المنظم. وقد وضع له هدفا يتمثل في "إنقاذ فتيات من الشعب الإسرائيلي تم التغرير بهم وارتبطن بعلاقات مع أغراب"!
ويعدّ متابعو صفحة هذا التنظيم على شبكة الفيسبوك (هذه الصفحة افتتحت في تشرين الثاني الأخير) ما يزيد عن 35 ألف شخص يشاركون، سوية مع القيمين على الصفحة، في نشر مواد تحريضية عنصرية ومتطرفة ضد المواطنين العرب، بصورة دائمة ومتواصلة. وكان من بينها، خلال الأسبوع قبل الأخير، مثلا: "ماذا تقولون الآن؟ ها قد قتلوا لكم 3 أخوة، 3 يهود، 3 أولاد لم يروا الدنيا بعد. هل لديكم أي مبرر؟ إن هذا القرف ليس سوى ذنبنا ومسؤوليتنا نحن، طالما لم نتخلص من هذه الحيوانات من دولتنا! لن نستسلم ولن نتنازل! عليكم أن تفهموا: العربي الجيد هو العربي الميت!! إنها الحرب وسننتقم!!"!
جيش الرب (تساهل)
هذه الصفحة على شبكة الفيسبوك تحت اسم "جيش الرب (تساهل ـ جيش الدفاع الإسرائيلي)" تحظى بإعجاب ما يزيد عن 21 ألف معجب ومتابع. وقد نشرت عليها خلال الأيام الأخيرة دعوات كثيرة جدا وصريحة تماما للاعتداء على العرب "الأبرياء"، أيضا.
وكتب مدير هذه الصفحة: "إذا لم تقم الحكومة بالانتقام لدماء إخوتنا الثلاثة الأعزاء، فأنا مستعد لتنظيم عمل كبير جدا وسأكون بحاجة إلى مؤازرتكم. إنني بحاجة إلى أشخاص جديين جدا"!
وكانت هذه الصفحة قد عبرت، مرارا، عن تأييدها ودعمها للجرائم التي تقترفها حركة "تدفيع الثمن" ("تاغ محير") ضد المواطنين العرب، سواء في داخل إسرائيل أو في المناطق الفلسطينية.
"كلنا نؤيد الموت للمخربين"!
أكثر من 71 ألف شخص يسجلون إعجابهم بهذه المجموعة ويتابعون صفحتها الفيسبوكية تحت اسم "كلنا نؤيد الموت للمخربين"، علما بأن مؤسسي هذه المجموعة والقيمين على صفحتها يصرحون بأنهم من أتباع الحاخام الفاشي مئير كهانا وبأنهم يقصدون العرب جميعهم بكلمة "المخربين"!!
وفي الأسبوع الماضي، وجه القيمون على هذه الصفحة ـ وهم الذين درجوا، منذ العام 2011، على الدعوة إلى الاعتداء على العرب وعلى "نشطاء اليسار" ـ السؤال التالي إلى زورا الصفحة والمشاركين فيها: "ماذا كنتم ستقولون لوالديّ عامر أبو عيشة" (أحد الشابين الفلسطينيين اللذين ادعت إسرائيل بأنهما اللذان اختطفا المستوطنين الثلاثة)؟ وكان من بين الإجابات على هذا السؤال: "يجب جرّهما من الخليل إلى ساحة رابين (في تل أبيب) بواسطة شاحنة كبيرة، ببطء شديد، ثم استخدام دمهما لطلاء الدرجات في الساحة"!!