باللغة العامية الإنجليزية فإن "كلمة مؤلفة من أربعة حروف" هي كلمة بذيئة. إنه وصف سوقي لممارسة جنسية، وشخص مؤدب لن يستخدمها.
يتضح الآن أنه باللغة العبرية أيضا هناك كلمة مؤلفة من أربعة حروف، لن يستخدمها شخص مهذب، وخاصة في معركة انتخابية. كل من يتوخى الحذر (السياسي) سيبتعد عنها كما يبتعد عن النار.
هذه الكلمة هي: "سلام".
منذ أكثر من أسبوعين انتقلت الدعاية الانتخابية الإسرائيلية من الشارع إلى البث في التلفزيون والراديو.
نتيجة لذلك، انتقلت الانتخابات من أيدي السياسيين إلى أيدي "الخبراء": الإعلاميين، الكوبيرايتات و"الإستراتيجيين" على أنواعهم. إنها مجموعة ساخرة بطبيعتها. على الأغلب الإعلامي هو كالمرتزقة، مثله مثل المحامين. يقدم خدماته اليوم لحزب يساري، وغدا لحزب يميني. آراؤه الشخصية غير مهمة، "بيزنس إز بزنس".
عندما يخطط إعلامي لبث دعاية انتخابية، لا يكون هدفه شرح خط الحزب الذي استأجر خدماته، بل جذب أصوات لهذا الحزب. إنه يشبه خداع النظر في السيرك أكثر من المبشر.
تشبه الحملة الانتخابية الفستان: هدفها إظهار الأعضاء الجميلة وتغطية أو غمغمة الأقل جمالا منها. الفرق هو أنه بمقدور الإعلامي اختلاق أعضاء غير موجودة وبتر أعضاء موجودة. كل شيء وفق "احتياجات السوق".
أكثر ما يقلق الإعلامي هو إذا تحدث، لا قدر الله، المرشحون عن آرائهم الحقيقية وأفسدوا عليه مسرحيته. وكما قال لي إعلامي معروف: "بيع زعيم حزب هو كبيع معجون أسنان، غير أن هناك فرقا واحدا: لا يمكن لمعجون الأسنان أن يتكلم".
لذلك، لا تبين الحملة الانتخابية الكثير عن أهداف زعماء الأحزاب الحقيقية وعن أحزابهم. يجدر الافتراض مسبقا بأن معظم الأمور التي تظهر في الدعايات الانتخابية، مثلها مثل الاحتيال. إذا نشرت شركة تجارية في البورصة منشورا كاذبا كهذا، لكانت ستحاكم.
هل هذا يعني بأن الدعاية الانتخابية ليست مثيرة؟ على العكس، إنها تثقف كثيرا. فهي لا تعكس موقف الأحزاب الحقيقي، بل تعكس رأي الجمهور بشكل جيد. ولنكن أكثر دقة: رأي الجمهور كما يراه المهنيون، الذين يستعينون باستطلاعات الرأي اليومية، مجموعات الهدف، وغيرها.
على خلفية هذا الأمر يجب اختبار الدعايات.
أكثر الكلمات بروزا في الدعايات الانتخابية الحالية، هي الكلمة التي لا تظهر فيها، كلمة "سلام".
لن يفهم الأجنبي هذا الأمر. فإسرائيل موجودة في حالة حرب مستمرة. والدعايات بحد ذاتها مليئة بمسيرات حماس والإرهابية. التخوف من العمليات التخريبية يتزايد في إسرائيل أكثر من أي تخوف آخر. يقول المنطق، إن الحزب الذي يعد بإحلال السلام يجب أن يصل إلى ذروة من الشعبية. ويا للعجب: لم يطالب أي حزب هام بهذا التاج لنفسه. إضافة إلى ذلك: لا يهمس أي حزب بهذه الكلمة في دعاياته.
يتحدث حزب "كديما" عن الأمل، الأمل، الأمل، دون أن يشرح عن أي أمل يتحدث، أمل بماذا. يتحدث عن "القوة" وحتى عن "احتمال لخطوة سياسية". السلام يوك.
وصل "كديما" إلى ذروته في الفيلم الذي حاول فيه امتلاك هرتسل، بن غوريون، بيغن، شارون ورابين. يظهر هرتسل كمؤسس الصهيونية، بن غوريون يعلن عن قيام الدولة، بيغن يصنع السلام مع مصر، شارون يقطع القناة في حرب يوم الغفران ورابين يصنع السلام... مع الملك حسين.
الملك حسين؟ لحظة واحدة. ألم يوقع رابين اتفاقية مع منظمة التحرير الفلسطينية أولم يصافح ياسر عرفات؟ ألم يحز على جائزة نوبل للسلام بفضل ذلك؟ السلام مع الملك حسين كان عملا تم تنفيذه كتحصيل حاصل، بعد أن كان ملك الأردن حليفا غير رسمي طيلة 40 سنة. ولكن قرر "كديما" بأنه ممنوع، بأي شكل من الأشكال، إظهار عرفات. فسيتهمونه، لا قدر الله، بالطموح إلى سلام مع الشعب الفلسطيني!
من الممكن أن يتم إغواء عمير بيرتس بأن يتحدث عن السلام، إنما قام الخبراء بسد فمه قبل فوات الأوان. إنه يشعر بأمان أكثر عندما يتحدث عن أولاد بلا طعام ومسنين بلا مخصصات التقاعد.
من الواضح أن الليكود لا يتحدث عن السلام. أكثر ما يعرفه بنيامين نتنياهو هو دبّ الرعب. لهذا الهدف يخرج من مخزن السلع البالية بعض الجنرالات المستعملة، الذين يشهدون على أن حماس والسلطة الفلسطينية هما تهديد إستراتيجي على وجود إسرائيل، وكذلك أيضا قنبلة إيران المخيفة. فقط بيبي العظيم يعرف كيف يتعامل مع هذا الأمر. سلام؟ أضحكتموه!
أكثرهم تسلية هو ميرتس، الحزب الذي يترأسه يوسي بيلين، مخترع مبادرة جنيف. حملته الرئيسية تظهر رجالا ونساء يغرزون الأوراق في حائط المبكى. يتمنون أمنيات: امرأة تتمنى الحصول على لقب جامعي، رجل يتمنى الزواج من رجل، جدّ يتمنى الحصول على مال لشراء هدايا لأحفاده، مسيحية تتمنى بأن يعترف بها كيهودية، أم تتمنى إرسال أطفالها إلى روضة الأطفال، امرأة تتمنى الطلاق. وما هو الأمر الذي لا يتمناه أحد، حسب رأي إعلاميي ميرتس؟
لقد أصبتم: السلام.
ماذا يقول هذا عن الجمهور الإسرائيلي في شهر آذار 2006؟
إن معظم الإسرائيليين اليهود لا يؤمنون بالسلام. ينظرون إلى السلام كأمر خيالي، أمر لا أساس له على أرض الواقع. ينظر إلى الحزب الذي يتحدث عن السلام وكأنه يعيش في عالم الهذيان. الأنكى من ذلك أنه يمكن النظر إليه كحزب "يحب العرب". وما الذي يمكنه أن يكون أفظع من ذلك؟
إذن لماذا نقول "نعم"؟
نقول نعم لدولة يهودية فيها أغلبية يهودية كبيرة قدر الإمكان. هذا متفق عليه من قبل كل الأحزاب اليهودية. نقول نعم لرسم حدود إسرائيل الدائمة بخطوة أحادية الجانب، دون إجراء محادثات مع هؤلاء الفلسطينيين. لقد انتخب الفلسطينيون، كما هو معروف حركة حماس ويريدون القذف بنا إلى البحر. إذن ليس هناك ما نتحدث معهم عنه.
أية حدود؟
يكشف إيهود أولمرت تدريجيا عن نواياه. خارطته لن تفاجئ قراء هذه المقالة. إسرائيل الكبيرة التي يطمح إليها ستضم كل الأراضي المعزولة بين الجدار وبين الخط الأخضر. إضافة إلى ذلك فإنها تضم غور الأردن؛ القدس الكبرى التي تشمل كتلة معاليه أدوميم والمنطقة الواقعة بينها وبين المدينة (من خلال التنازل عن بعض الأحياء العربية المكتظة)؛ كتلة المستوطنات في أريئيل، ألفي منشي، موديعين عيليت وغوش عتصيون؛ و"مناطق أمنية خاصة". يشدّد أولمرت على عدم رسم خارطة واضحة، حيث سيكون من غير الواضح إلى أين سيتم نقل حدود الكتل الاستيطانية. لكن من الواضح أن النية هي ضم أكثر من نصف الضفة الغربية.
بعيني نتنياهو هذه خيانة بحتة، استسلام مخز للعرب. إنه يدعي في حملاته بأن حدود أولمرت هي حدود الكارثة. يرسم الليكود بالذات خارطة وفيها تمت إزاحة الجدار إلى قلب الضفة الغربية.
يوافق حزب العمل وميرتس، من الناحية المبدئية، على ضم الكتل الاستيطانية، لكنهما لا ينشران خرائط. يتكلم الحزبان بهمس عن تبادل الأراضي، دون تفصيل مواقعها. لا عجب في هذا: إنهما يطمحان، علنيا تقريبا، بالانضمام إلى الائتلاف بزعامة أولمرت، الذي سيتم تشكيله بعد الانتخابات. خارطة الائتلاف أهم من خارطة الضم.
والسلام؟ شششششش...
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, الخط الأخضر, موديعين, كديما, الليكود, بنيامين نتنياهو, عمير بيرتس