المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعتبر مسألة العلاقات بين المجتمع وبين الجيش من المسائل الشائكة في أية دولة ديمقراطية من المفترض أن تكون فيها المؤسسة العسكرية ذراعاً للسلطة التنفيذية، تخضع لقرارات المستوى السياسي. فالجيش وباقي أذرع وأجهزة الأمن تنفذ سياسة يرسمها ويقرها منتخبو الجمهور، ومراقبة الجيش وقوات الأمن (التي تشمل أيضاً الشرطة وأجهزة المخابرات) هي مسألة مركبة وشائكة بشكل خاص، نظراً لأن الجيش يتمتع بمكانة خاصة، تنبثق عن أهمية قضية الأمن، وعن كونه خدمة أساسية للمواطن إضافة إلى استقلاليته (أي الجيش) البيروقراطية. في إسرائيل تنبع المشكلة أيضاً من المكانة الرفيعة التي يحتلها الجيش، وهذه المكانة هي نتاج النظرية الأمنية القائلة بأن "الدولة تواجه تهديداً وجودياً"... [قراءة حول مراقبة المستوى السياسي للمستوى العسكري]

تعتبر مسألة العلاقات بين المجتمع وبين الجيش من المسائل الشائكة في أية دولة ديمقراطية من المفترض أن تكون فيها المؤسسة العسكرية ذراعاً للسلطة التنفيذية، تخضع لقرارات المستوى السياسي. فالجيش وباقي أذرع وأجهزة الأمن تنفذ سياسة يرسمها ويقرها منتخبو الجمهور، ومراقبة الجيش وقوات الأمن (التي تشمل أيضاً الشرطة وأجهزة المخابرات) هي مسألة مركبة وشائكة بشكل خاص، نظراً لأن الجيش يتمتع بمكانة خاصة، تنبثق عن أهمية قضية الأمن، وعن كونه خدمة أساسية للمواطن إضافة إلى استقلاليته (أي الجيش) البيروقراطية. في إسرائيل تنبع المشكلة أيضاً من المكانة الرفيعة التي يحتلها الجيش، وهذه المكانة هي نتاج النظرية الأمنية القائلة بأن "الدولة تواجه تهديداً وجودياً"... [قراءة حول مراقبة المستوى السياسي للمستوى العسكري]

بقلم: نعومي هيماين- رايش *

"هناك حاجة لتحديد واضح لتوزيع الصلاحيات والواجبات والمسؤولية في شؤون الأمن بين [...] الحكومة ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة"- هذا ما أكدته في العام 1974 "لجنة أغرانات" (لجنة التحقيق الإسرائيلية الرسمية في حرب تشرين الأول- أكتوبر 1973). وقد ساهمت هذه اللجنة مساهمة مهمة في تنظيم العلاقات بين المستويين السياسي والعسكري، سواء من حيث قواعد ومعايير الرقابة العامة على الجيش، والتي أضحت منذ ذلك الحين شرعية، أو من حيث التأثير المؤسسي والقانوني.

تعتبر مسألة العلاقات بين المجتمع وبين الجيش، من المسائل الشائكة في أية دولة ديمقراطية من المفترض أن تكون فيها المؤسسة العسكرية ذراعاً للسلطة التنفيذية، تخضع لقرارات المستوى السياسي. فالجيش وباقي أذرع وأجهزة الأمن تنفذ سياسة يرسمها ويقرها منتخبو الجمهور، ومراقبة الجيش وقوات الأمن (التي تشمل أيضاً الشرطة وأجهزة المخابرات) هي مسألة مركبة وشائكة بشكل خاص، نظراً لأن الجيش يتمتع بمكانة خاصة، تنبثق عن أهمية قضية الأمن، وعن كونه خدمة أساسية للمواطن إضافة إلى استقلاليته (أي الجيش) البيروقراطية.

في إسرائيل تنبع المشكلة أيضاً من المكانة الرفيعة التي يحتلها الجيش، وهذه المكانة هي نتاج النظرية الأمنية القائلة بأن الدولة تواجه تهديداً وجودياً. وقد تبلورت بمرور السنوات وسائل رقابة رسمية وغير رسمية للسلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، على الجيش وذلك في أعقاب تغييرات طرأت على النظرية الأمنية وتبدل القيادات وفي ضوء عبر ودروس استخلصت من الحروب. وقد ساهمت في شكل خاص لجان التحقيق التي عالجت مواضيع أمنية، في بلورة إطار قانوني ومعياري للرقابة السياسية على قوات الأمن. ومن بين هذه اللجان، لجنة أغرانات (1973)؛ لجنة كاهان (1982) التي أقيمت في أعقاب مذابح صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان؛ لجنة لانداو (1986) التي فحصت أساليب التحقيق في جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك)؛ لجنة شمغار (1995) التي حققت في أداء الجهات المسؤولة عن حماية رئيس الحكومة اسحق رابين؛ لجنة أور (2000) التي بحثت في قضية الصدامات بين الشرطة والمواطنين العرب خلال أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2000.

تطوّر سياسة إسرائيل الأمنية

تنسب نظرية إسرائيل الأمنية إلى دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الأول، فهو الذي أرسى سماتها وحدد أهداف المؤسسات المسؤولة عن المحافظة على الأمن. وكان بن غوريون قد شغل طوال خمسة عشر عاماً منصب رئيس الحزب المتنفذ ومنصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وقد وفرت له هيمنة حزبه أرضية راسخة ومستقرة من أجل وضع سياسة من منطلق إدراك ما يتيحه انتخاب حزبه ("مباي") المتكرر من نفس طويل.

نظرية بن غوريون الأمنية استندت إلى الفرضية القائلة بأن إسرائيل تخوض صراعاً مستمراً وطويلاً لم تؤد حرب 1948 إلى حله أو تسويته. فقد كان أحد مشتقات هذا الصراع نشوء خطر وجودي دائم نظراً لأن هدف الدول العربية هو تدمير دولة إسرائيل.

أحد الأوائل الذين تطرقوا في أبحاثهم إلى "الدولة التي تعيش في حالة حرب مستمرة"، كان هارولد لاسويل، الذي أرسى مصطلح “garrison state”، أي "دولة حامية". في أعقاب هذا الوصف رأى يغئال ألون في دولة إسرائيل "دولة قلعة". ووفقاً لهذا النموذج فإن لمسألة الأمن دورا مركزيا في صيرورة الدولة، ومن هنا يغدو الخبراء في الشؤون الأمنية متنفذين في الدولة. وعلى ما يقوله رؤوبين بدهتسور فقد نجح بن غوريون في خلق إجماع حول نظريته الأمنية وفي جعل الجمهور يؤمن بسلم أولويات يرتكز إلى هذا المفهوم، أو هذه النظرية، والتي تتضمن تخصيص ميزانية ضخمة للأمن.

في عهد حكم بن غوريون كان هناك فصل بين السياسة وبين الجيش، بيد أن هذا الفصل استهدف في شكل أساسي منع تأثير الأحزاب على المؤسسة العسكرية وإبقاء السيطرة المطلقة في يد
بن غوريون وحده، الذي استبدل الرقابة المدنية والبيروقراطية على الجيش برقابة كاريزماتية تنحصر في شخصه فقط. فقد عارض بن غوريون لفترة طويلة إقامة لجنة وزارية لشؤون الأمن، ولم تتشكل مثل هذه اللجنة سوى في العام 1953، ومع ذلك فإنها لم تكن دائماً على إطلاع بما يجري. كذلك لم تتدخل الحكومة والبرلمان (الكنيست) بصورة عامة في أنشطة المؤسسة الأمنية، وكانت القرارات تتخذ في محافل مقلصة اقتصرت المشاركة فيها على المقربين فقط.

أحد التجليات البارزة لتفوق المؤسسة العسكرية في بداية عهد الدولة تمثل في عرف إشراك رئيس هيئة الأركان العامة في جلسات الحكومة وجلسات اللجنة الوزارية لشؤون الأمن، وذلك على قدم المساواة مع سائر أعضائها وليس كخاضع لهم. وقد نبع هذا الأمر فيما نبع عنه، من عدم الوضوح في مسألة توزيع الصلاحيات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، وكذلك بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وبناء عليه كان للأخير تأثير بالغ على قرارات الحكومة. ولكن الجيش فقد بمرور السنوات المكانة المستقلة التي منحها له بن غوريون.

الإطار القانوني للجيش

أمر أنظمة السلطة والقضاء الذي صدر في العام 1948 خوَّلَ الحكومة المؤقتة، في ذلك الوقت، إقامة "قوات مسلحة برية وجوية وبحرية" (البند 18)، واستناداً إلى هذا الأمر سنت الحكومة أمر "جيش الدفاع الإسرائيلي". مصدر هذا التشريع كان خاطئاً، لأن الجهة التي كانت مخولة بسن أمر له مكانة تشريع دائم هي "مجلس الدولة المؤقت" الذي أصبح لاحقاً "الكنيست"، وليس الحكومة المؤقتة. وقد انطوى هذا القانون- التشريع المذكور- على محاولة لتنظيم العلاقات بين المستويات الثلاثة (رئيس الحكومة، وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة)، وحددت للمرة الأولى سلطة المستوى المدني على الجيش. مع ذلك لم تحدد الحكومة باعتبارها الجهة المخولة بإدارة شؤون الأمن، وفي العام 1968 فقط سُنَّ قانون أساس الحكومة الذي نص على صلاحية هامشية للحكومة بمراقبة المؤسسة الأمنية.

بعد حرب "يوم الغفران" (1973)، وفي أعقاب نشر استنتاجات لجنة أغرانات (التي حققت في تقصيرات الحرب المذكورة) تم في العام 1976 سن قانون أساس الجيش، والذي يحدد مكانة المؤسسة العسكرية داخل الإطار السياسي.

قنوات رقابة المستوى السياسي على المستوى العسكري

هناك في إسرائيل عدة قنوات رقابة على المستوى العسكري. من الناحية الرسمية، تعتبر الكنيست هي السلطة العليا من بين السلطات الثلاث، لكونها منتخبة وتستمد قوتها من المواطنين. وتتولى الكنيست مراقبة السلطة التنفيذية، وبالتالي فإنها، من الناحية المبدئية، هي التي يجب أن تراقب المؤسسة الأمنية وبضمنها الجيش، وتتم هذه المراقبة بواسطة تقديم استفسارات في اجتماع الكنيست وكذلك من خلال عمل لجنة الخارجية والأمن. قدرة وإمكانيات مراقبة أعضاء الكنيست للجيش تعتبر محدودة عملياً، نظراً لأنهم لا يستطيعون مجاراة المؤسسة الأمنية في كمية ونوعية المعلومات ذات الصلة من أجل ممارسة رقابة عملية.

هذا الوضع أخذ يتغير في الواقع سواء بفضل قنوات معرفة معلوماتية غير رسمية، مثل معرفة أعضاء الكنيست الشخصية برجالات عسكرية تستطيع مدهم بالمعلومات، أو قنوات رسمية مثل "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي. ويعمل هذا "المجلس" بموجب المادة السابعة في قانون الحكومة 2001، وهو جزء من مكتب رئيس الحكومة، ومهمته تقديم تقارير للحكومة ورئيسها حول ما يجري في المجال الأمني والتوصية حول سياسة معينة. وهكذا باستطاعة المستوى السياسي الحصول على معلومات أمنية غير مرتبطة بالمعلومات المتوفرة في حوزة الجيش.

تصف الكنيست بشكل دوري الوضع القائم على أنه "حالة طوارئ"، وهي تستطيع بحكم مهمتها هذه استخدام "أنظمة حالة الطوارئ". كذلك فإن إقرار ميزانية الدولة يتيح للكنيست القدرة على ممارسة تأثير معين على الجيش.

فيما بعد أدخلت في قانون أساس الحكومة (1992) تعديلات على الأوامر المتعلقة بالرقابة المدنية على الجيش. وقد نص البند (50) من القانون (قانون أساس الحكومة 2001، بند 39) على أن أنظمة حالات الطوارئ لا تستطيع منع توجه أو لجوء لهيئات قضائية، ولا تجيز المس بكرامة الإنسان. هذا التعديل نال تدعيماً عقب تكريس (تحصين) قوانين الأساس ذات الصلة بحقوق الفرد والتي لا يمكن تغييرها استناداً لمفعول أنظمة الطوارئ. كذلك ينص البند (40) في قانون أساس الحكومة الحالي على أن الدولة مخولة بشن حرب بناء على قرار حكومي فقط، وأن على الحكومة أن تطلع لجنة الخارجية والأمن والكنيست بكامل هيئتها على هذا القرار في أسرع وقت ممكن.

هناك هيئات أخرى تراقب المؤسسة الأمنية وهي مؤسسة مراقب الدولة، الذي يضمّن تقريره عرضاً حول الجيش أيضاً، وجهاز المحاكم الذي يتفحص، من خلال التماسات تقدم له، قانونية أنشطة أذرع وأجهزة الأمن. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه أتيحت منذ العام 1986 إمكانية الاستئناف إلى المحكمة العليا على قرارات المحاكم العسكرية التي كانت حتى ذلك الوقت هيئة مغلقة وتتمتع باستقلالية.

لجان التحقيق

تقع لجان التحقيق في الحيز بين المجال القضائي والمجال السياسي. وقد أقيمت في إسرائيل خمس لجان تحقيق تعلَّقت بالمؤسسة الأمنية:

- لجنة أغرانات التي تفحصت في العام 1973 جهوزية الجيش قبل اندلاع حرب "يوم الغفران".

- لجنة كاهان التي أقيمت في العام 1982 في أعقاب مذابح صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان.

- لجنة لانداو التي أقيمت في العام 1986 وتفحصت أساليب التحقيق في جهاز الأمن العام (الشاباك).

- لجنة شمغار التي أقيمت في العام 1995 في أعقاب اغتيال إسحق رابين وتفحصت أداء المسؤولين عن حماية رئيس الحكومة.

- لجنة أور التي حققت في أداء الشرطة خلال أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2000.

اللجان الثلاث الأولى ترأسها رؤساء المحكمة العليا في تلك الفترة، فيما ترأس لجنة أور نائب رئيس المحكمة العليا. لجنة أغرانات كانت لها مساهمة مهمة في مأسسة العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، بينما أضفت اللجان الأخرى مغزى قضائيا على المسؤولية الحكومية فيما يتعلق بأنشطة أجهزة الأمن. الحروب التي اندلعت منذ العام 1967 فصاعداً عززت الرقابة الرسمية في القضايا العسكرية..

النتائج البعيدة المدى لحرب "الأيام الستة" شكلت تحولاً في توثيق الرقابة على المؤسسة الأمنية، حيث كان أحد التغييرات الأولى بعد الحرب الفصل بين منصب رئيس الحكومة ومنصب وزير الدفاع (لغاية ليفي أشكول كان رئيس الحكومة يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع).

بعد حرب "يوم الغفران" شكلت لجنة تحقيق رسمية برئاسة رئيس المحكمة العليا شمعون أغرانات، بحثت في موضوع توزيع الصلاحيات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة. إقامة هذه اللجنة كانت حالة شاذة في نظام التحقيقات العسكرية، إذ كانت هذه التحقيقات حتى ذلك الوقت من صلاحية الحكومة، التي كانت هي التي تختار المعلومات التي تريد كشفها للجمهور. ومع أن معظم التوصيات الجوهرية- البنيوية- التي قدمتها لجنة أغرانات لم تطبق في واقع الأمر (طبقت التوصيات الشخصية)، إلاّ أن أهميتها (أي اللجنة) تمثلت في النافذة التي فتحتها أمام الرقابة العامة الخارجية العلنية على المؤسسة الأمنية. فبناء على توصيات اللجنة تم بعد سنتين سن قانون أساس الجيش الذي ينظم علاقات القوى بين المستويات الثلاثة: الحكومة،
وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة. وينص القانون على أن "الجيش يخضع لسلطة الحكومة" (بند 2 أ)، وأن الوزير المسؤول عن الجيش من طرف الحكومة هو وزير الدفاع (بند 2 ب)، فيما يخضع رئيس هيئة أركان الجيش لسلطة الحكومة ويتبع وزير الدفاع (بند 3 ب).

تجسيد السلطة السياسية على الجيش، تم بعد حرب لبنان الأولى، إذ أكدت لجنة التحقيق التي شكلت في أعقابها، على أن المستوى السياسي له مسؤولية غير مباشرة عن المجزرة التي ارتكبت في مخيمي صبرا وشاتيلا.

تحديد الصلاحيات المخولة لكل مستوى من المستويات الثلاثة يؤثر على درجة مسؤولية كل مستوى من هذه المستويات. وعلى سبيل المثال فقد ارتأت لجنة أغرانات عدم تحميل المستوى السياسي أية مسؤولية، نظراً لأنه لم تعط له صلاحيات تتيح له التدخل في النشاط العسكري. ولأنه (أي المستوى السياسي) لم تتوفر لديه تقديرات استخبارية خاصة أو ذاتية، فإنه لم يكن باستطاعته بلورة موقف مختلف عن موقف المستوى العسكري.

لجنة كاهان التي شُكلت للتحقيق في مذابح صبرا وشاتيلا انتهجت توجهاً مختلفاً حيث حمّلت المستوى السياسي مسؤولية شخصية غير مباشرة عن الأحداث الدامية والتي كان باستطاعة المستوى العسكري، وفقاً لما خلصت إليه اللجنة، منع وقوعها. وتدل المسؤولية الشخصية غير المباشرة التي حملتها اللجنة لوزير الدفاع في ذلك الوقت، أريئيل شارون، على الإقرار بالصلاحيات الواسعة المخولة له فيما يتعلق بالجيش. ويمكن أن نلاحظ بشكل واضح من خلال توصيات اللجنة، أن درجة المسؤولية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بحجم الصلاحيات، وبمقدار ما تكون صلاحيات المستوى السياسي تجاه الجيش واضحة وواسعة أكثر، فإن مسؤوليته عن أعمال المستوى العسكري وقرارات هذا الأخير تكون أكبر.

خلاصة

تطورت رقابة المستوى السياسي على المستوى العسكري في إسرائيل بصورة تدريجية، سواء من ناحية رسمية، عن طريق بناء إطار قانوني يتيح الرقابة، أو عن طريق إجراء تغييرات في القواعد والمعايير الاجتماعية، التي ترى اليوم في الرقابة على الهيئة الأمنية عملاً مشروعاً. لجان التحقيق الرسمية التي تشكل مدماكاً مهماً في قدرة المواطنين على ممارسة الرقابة، تضطلع بدورٍ مركزي في بلورة هذه المعايير. فلجنة أغرانات لم تفتح فقط المؤسسة الأمنية أمام الرقابة العامة، وإنما دقت أيضاً مسامير دستورية في صورة قانون أساس الجيش الذي صيغ في أعقاب توصياتها. صحيح أن درجة الرقابة منوطة بمركزية الجيش في المجتمع، وأنها تتأثر بالوضع الأمني الذي تمر به الدولة، ولكن هناك أمثلة تدل على أن أزمة كبيرة قد تتكشف في أوقات السلام أيضاً. بناءً على ذلك فإن مراقبة الجيش مسألة مهمة لكل دولة معنية بالمحافظة على مبادئها الليبرالية؛ وعندما يكون الجيش والأمن مركزيين إلى هذا الحد في حياة الدولة نجد أن حاجة ملحة تنشأ لوجود خطوط موجهة واضحة بحيث توفر إجابةً إزاء الحالات المتكررة التي يتم فيها استخدام هذه المؤسسات.

____________________________

(*) نعومي هيماين- رايش- باحثة في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية". والمقالة أعلاه ظهرت في العدد رقم 53 (آذار 2007) من مجلة "برلمانت" (برلمان) الصادرة عن المعهد. ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات