ليس هناك ما هو مفاجئ في السياسة الإسرائيلية تجاه القدس، فلماذا يبدو الناس والدول والحكومات كأنها متفاجئة؟.
السيادة على القدس هي جوهر الخلاف، ولا خلاف في ذلك!
أما في المسجد الأقصى، فرغم ما أعطت إسرائيل من عهود للمملكة الأردنية الهاشمية بالإشراف على الحرم القدسي، فإن ذلك كان له علاقة بما هو آنيّ، أما في المستقبل فإنه في أسوأ الأحوال تقبل إسرائيل المشاركة في السيادة على ساحة الأقصى، فوق أو تحت، ولها بالطبع سابقة المشاركة في السيادة على الحرم الإبراهيمي في الخليل، تلك المشاركة التي أفضت إلى تواجد فلسطيني محدود في الحرم بمبرر الأمن.
ليس هناك ما هو مفاجئ في السياسة الإسرائيلية تجاه القدس، فلماذا يبدو الناس والدول والحكومات كأنها متفاجئة؟.
السيادة على القدس هي جوهر الخلاف، ولا خلاف في ذلك!
أما في المسجد الأقصى، فرغم ما أعطت إسرائيل من عهود للمملكة الأردنية الهاشمية بالإشراف على الحرم القدسي، فإن ذلك كان له علاقة بما هو آنيّ، أما في المستقبل فإنه في أسوأ الأحوال تقبل إسرائيل المشاركة في السيادة على ساحة الأقصى، فوق أو تحت، ولها بالطبع سابقة المشاركة في السيادة على الحرم الإبراهيمي في الخليل، تلك المشاركة التي أفضت إلى تواجد فلسطيني محدود في الحرم بمبرر الأمن.
لقد جرت أولى نوايا المشاركة في السيادة على الحرم القدسي الشريف من جانب المستوطنين اليهود والفلسطينيين فور سقوط القدس، حيث أخذ يهود بإدخال الطوب لبناء جدار داخل المسجد الأقصى لاقتسامه، ولولا أن وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان أوقف العمل لربما نفذ اليهود هذه القسمة خصوصا أن ذلك يجيء في ذروة انتصار الدولة العبرية على الدول العربية.
لقد بكى دافيد بن غوريون طويلا أمام حائط البراق العام 1967، ثم ما لبث أن طلب من أحد الضباط بحضور رئيس البلدية، تيدي كوليك، توسيع الساحة مما يعني هدم حارة المغاربة بما فيها من مسجد وعقارات وبيوت، ولم يبق من الحارة غير هذه التلة التي يزيلونها الآن بعد 39 عاما على احتلال القدس.
وبن غوريون هو نفسه الذي كان زاهدا في منطقة الحرم، وقد آثر أن تحتل القوات الإسرائيلية العام 1948 ثلاثة أرباع القدس بدون البلدة القديمة التي بجانب المساحة الكلية المحتلة من القدس لم تعن له الكثير..
وكأن دموع العام 1967 هي دموع الفرح بتحرير القدس من الأغيار، أو هي دموع الندم، أو أي شيء من هذا القبيل، لكن المهم في المسألة كلها هي مسألة اختيار وقت ملائم وعدد سكان يهود يستطيع ليس فقط ضمان السيطرة على القدس وتهويدها بل السيطرة على ما تبقى من فلسطين وحتى من الدول المجاورة.
لقد طلب اليهود أن يصلوا في العهد الأردني في ساحة البراق، لكن لأسباب لها علاقة بالصراع وضياع ممتلكات المقدسيين في غربي القدس لم يتم لهم ما أرادوا.
ربما أن المسألة تتجاوز مجرد الصلاة، فلا أحد يغضب من عبادة قوم لله!
التاريخ السياسي للقدس ينبئ بشكل دقيق بنوايا المستوطنين اليهود تجاه القدس، وليست هناك فروق كبيرة بين المتطرفين اليهود والحكومات الرسمية إلا اختيار الوقت. ففي الوقت الذي استعجلت الجماعات اليهودية تنفيذ خططها كان للدولة أمام الرأي العام الدولي محاذير وضوابط لم تشأ الاستعجال، وقد كانت حادثة حريق المسجد الأقصى العام 1969 بمثابة كابحة للنوايا خصوصا مع ردود الفعل العربية والإسلامية الغاضبة.
لماذا رفضت إسرائيل خطة الحكم الذاتي المصرية قبل ثلاثة عقود؟
شملت خطة الحكم الذاتي المصرية عددا من البنود فيما يخص القدس نقرأ منها ما يلي:
* يجب أن تشمل صلاحيات القضاء لسلطة الحكم الذاتي كل المناطق الفلسطينية التي احتلت العام 1967م، بما في ذلك القدس الشرقية.
* تكون سلطة الحكم الذاتي مسؤولة عن السكان والأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا البند يسري على الأراضي التي ضمتها إسرائيل في القدس الشرقية إلى المستوطنات، وبعد إقامة سلطة الحكم الذاتي يخضع كل المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة لصلاحيات وسلطة الحكم الذاتي.
*مقر سلطة الحكم الذاتي القدس الشرقية.
لقد رفضت إسرائيل تلك البنود التي تقود الحكم الذاتي إلى دولة وتحافظ على القدس وتحميها من الاستيطان، وقد تنفست الصعداء لرفض الفلسطينيين الحكم الذاتي، ولو قبل الفلسطينيون لوضعت إسرائيل جملة عراقيل تعيق التنفيذ.
في اتفاقية الحكم الذاتي المعروفة باتفاقية أوسلو تم تأجيل عدة قضايا منها قضية القدس للحل النهائي. عندما قيل بتأجيل القدس، حتى تصفو النوايا وتتهيأ الفرصة لسلام دائم، لم يكن يدري المفاوض الفلسطيني حسن النوايا بأنه كان مبالغا في حسن الظن.
لم تكن اتفاقية أوسلو سيئة جدا في هذا البند لو كانت هناك نوايا إسرائيلية طيبة تجاه القدس، حيث نصت على إبقاء الوضع على ما هو عليه، لكن خلال السنوات الذهبية الأولى لأوسلو، شهدنا تصاعدا في حركة الاستيطان، كما شهدنا حادثة النفق العام 1996 وحادثة إغلاق بيت الشرق بعد ذلك... وكل ذلك بسبب تأويل حكومات إسرائيل لنصوص اتفاقية أوسلو كما يحلو لها!
لقد جاء الاستيطان في القدس وضواحيها ضمن السياسة الاستيطانية في الضفة الغربية خصوصا في الأماكن المفضلة للاستيطان الدائم في غرب الضفة الغربية وبشكل خاص في الكتل الاستيطانية، والتي لها مثيلات في القدس بالطبع.
فرغم ميل الحكومات الإسرائيلية الظاهر والتمثيلي إلى عدم السماح ببناء مستوطنات جديدة، إلا أنه من الصعب وصف ما حدث خلال حكم رابين وبيريس بشكل خاص على أنه تجميد كامل للبناء والتوسع في المناطق.
"لقد أوجدت الحكومة مدخلين يسمحان لها باستمرار التطور والبناء في المناطق وهما: الأول، تعريف الحكومة للمناطق الحيوية لإسرائيل في الحل النهائي (منطقة القدس الكبرى الممتدة من جنوب غوش عتصيون وحتى المناطق الواقعة شمال رام الله والبيرة)، وباستثناء المستوطنات الواقعة على طول الحدود الشرقية أو الغربية أو منطقة نابلس، فقد تركز أساس التطوير والعمل في هذه المناطق. ثانيا، كان هناك تصريح ببناء 12 ألف وحدة سكنية في مرحلة البناء 47. وبعد الانتهاء من بنائها وإسكانها، يصل عدد اليهود في الضفة وغزة إلى 150 ألف نسمة"(1).
وبالطبع لم يكن هناك من يراقب بدقة ما كان يحدث، والحقيقة أنه لا فرق بين تأسيس مستوطنة جديدة أو توسيع ما هو قائم لتصبح المستوطنة الموسعة مدينة كبيرة!
بالنسبة للقدس "فعندما اكتمل بناء هذه الوحدات أعلنت حكومة رابين (وليست حكومة نتنياهو أو شارون أو أولمرت)..."في السابع عشر من كانون الثاني العام 1995 عن خطة سنوية لبناء 15 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية (بسغات زئيف، نافيه يعقوب، غيلو، وهار حوما- جبل أبو غنيم) وثلاثة عشر ألف وحدة سكنية في مناطق القدس التي تقع خارج مناطق الضم لإسرائيل (في معالية أدوميم وبيتا وجفعون وهارادار وإفرات) وثلاثة آلاف وحدة سكنية في مختلف مناطق الضفة الغربية" (2).
وبالطبع فقد جاءت خطة البناء هذه استجابة لاستعداد حكومة إسرائيل لبدء مفاوضات مع الفلسطينيين حول الحل النهائي الذي تقرر أن يبدأ في أيار العام 1996م.
وكانت الخطة تهدف إلى خلق حقائق على الأرض تؤثر في حسم موضوعين على جدول الأعمال هما: ضمان السيطرة والسيادة الإسرائيلية في كل حدود القدس الموحدة وترسيم حدود الحل النهائي.
ليس هناك ما هو مفاجئ في السياسة الإسرائيلية تجاه القدس، فرغم ما بدا من دهشة لتقرير الاتحاد الأوروبي قبل عام، حين انتقد الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية في القدس من استيطان للمدينة وتغيير لمعالمها لإقرار سياسة الأمر الواقع، فإن هذا الانتقاد لم يعد يجد شيئا لأن إسرائيل ظلت ماضية في تنفيذ مخططاتها في تهويد المدينة الذي توج بالطبع بجدار الفصل العنصري!
ربما آثر بن غوريون وديان الاكتفاء بساحة البراق!
من بن غوريون إلى كامب ديفيد 1 إلى كامب ديفيد 2، وما قيل صراحة عن طلب إسرائيل تقاسم المسجد الأقصى، ما يدل على اختيار الوقت الملائم!
يعتقد اليهود أن ساحة المسجد الأقصى هي جبل الهيكل، كما يعتقدون أن الصخرة الموجودة في مسجد القبة هي صخرة كان اليهود يستخدمونها في تقديم القرابين.
ولما كان دورنا هنا هو ليس الرد العلمي، فهناك من هم مختصون من أديان مختلفة يمكن لهم الإدلاء برأيهم!
ما يجري في باب المغاربة ليس مفاجئا، فالهدف الرئيس من الأعمال الجارية الآن، كما ذكر د. نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ الفلسطيني "هو بمثابة إعلان تقاسم السيادة على الحرم القدسي مع المسلمين، كما يطمح اليهود إلى الكشف عن بوابة باركلي المخبأة تحت التلة المذكورة، وهي تقود إلى مسجد البراق داخل الحرم على بعد أمتار من باب المغاربة. وهذه البوابة كما يدعى في التراث اليهودي التوراتي هي إحدى بوابات الهيكل التي تعود حسب اعتقادهم إلى فترة هيرودس وجرى اكتشافها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد سميت وقتها باسم القنصل الأميركي في ذلك الوقت" (3).
الحفريات لم تتوقف يوما في القدس خصوصا تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، علما أن باطن الأرض وسقف المباني هي أملاك لمواطنين توارثوها أبا عن جد، فلو كان اليهود متأكدين أن بوابة باركلي هي إحدى بوابات الهيكل لما صمتوا كل هذه السنوات منذ احتلال القدس العام 1967!
في مقالة د. نظمي الجعبة المذكورة معلومة تقول "اليهود لم يكونوا يصلون في هذه المنطقة التي يسمونها ساحة "المبكى" بل على جبل الزيتون، وبسبب التسامح العثماني تجاه اليهود كرعايا للدولة سمح لهم بالصلاة في القرن السادس عشر".
ملكية المسلمين ثابتة حتى أن سلطات الانتداب البريطاني أقرت هذه الملكية قبل ثورة البراق وبعدها على أثر إحضار اليهود طاولات وكراس وتغيير وجودهم في المكان بناء على زيادة أعدادهم في القدس بسبب الهجرات اليهودية.
ما هي القدس في قضايا الحل النهائي؟
هل المقصود بالقدس كقضية من قضايا الحل الدائم في اتفاقية أوسلو للسلام القدس الشرقية؟ أم القدس بشقيها، خصوصا أن هناك أملاكا واسعة للفلسطينيين في الجزء الغربي المحتل؟
معروف أن العالم حتى الآن ينظر إلى القدس كقدس واحدة، ولم تعترف أية دولة بأن القدس هي عاصمة إسرائيل بما في ذلك الولايات المتحدة لحساسية الموضوع.
ورغم أن إسرائيل احتلت ثلاثة أرباع القدس العام 1948 إلا أنها لم تجرؤ على اعتبارها عاصمة، ولم تفعل ذلك إلا بعد العام 1967، أي بعد احتلال ما تبقى منها؟ فلماذا أجلت الإعلان بأنها العاصمة عشرين عاما؟
على الفلسطينيين أن يفعلوا النقاش عن القدس الكبرى حتى يستطيعوا ضمان حقهم في القدس الشرقية، هذا هو مجمل الحديث!
أما الحديث عن أحياء هنا أو مستوطنة هناك، أو اختزال القدس في ساحة الحرم على عظم هذا الأمر، فإن ذلك سيشجع إسرائيل على تهويد ما تبقى من قدس شرقية، ولم لا تفعل ذلك وهي فعلت ذلك في الضفة الغربية حين قصر الفلسطينيون الحديث على الضفة وغزة فقط فقاسمهم المستوطنون أرض الضفة، ولو كان الحديث عن فلسطين ككل لتقاسمنا فلسطين وليس فقط الضفة؟!
(رام الله)
_________________________
هوامش:
1، 2 - من كتاب شلومو غازيت "السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 1967 حتى العام 1997".
3 - من مقالة د. نظمي الجعبة في جريدة "الأيام"، 11/2/2007.