المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ابحاث ودراسات
  • 1962

يتعامل الكثير من المنظرين في حقل الفلسفة السياسية مع ظاهرة تعدد الزوجات بأنه حق من الحقوق الثقافية، ويدّعون أن على المحاكم احترام هذا الحق وحمايته. الادعاء المركزي الذي يطرحه هؤلاء المفكرون هو عدم تفوق حضارة على حضارة أخرى، لذا لا يتوجّبُ على المحاكم فرض قيم ليبرالية غربية على مجموعة ثقافية لا ترى نفسها شريكة في هذه القيم. ترفض الأدبيات النسوية، بغالبيتها، هذا التوجه وتدعي أنه يُثَبِّتُ ويرسّخ علاقات الهيمنة داخل المجتمع الأبوي.

 

يتعامل الكثير من المنظرين في حقل الفلسفة السياسية مع ظاهرة تعدد الزوجات بأنه حق من الحقوق الثقافية، ويدّعون أن على المحاكم احترام هذا الحق وحمايته. الادعاء المركزي الذي يطرحه هؤلاء المفكرون هو عدم تفوق حضارة على حضارة أخرى، لذا لا يتوجّبُ على المحاكم فرض قيم ليبرالية غربية على مجموعة ثقافية لا ترى نفسها شريكة في هذه القيم. ترفض الأدبيات النسوية، بغالبيتها، هذا التوجه وتدعي أنه يُثَبِّتُ ويرسّخ علاقات الهيمنة داخل المجتمع الأبوي. سأحاول من خلال هذه المقالة الموجزة الوقوف عند تعقيدات هذه المسألة، وسأدعي أنه، ومن حيث المبدأ، يجب فرض حظر على التمييز بين الرجال والنساء، وحظر على المساس بحقوق الإنسان الأساسية، انطلاقا من كونها مبادئ فوقية سائدة. كما سأدعي أنه من الضروري في بعض الأحيان فحص الدوافع التي تقف وراء عمليات التشريع أو قرارات المحاكم. ففي بعض الحالات تقوم المحاكم بترسيخ التمييز بين مجموعات ثقافية مختلفة تحت مظلة الادعاء بأنها "تدافع عن حقوق النساء". وتُوَفّر قرارات المحكمة الإسرائيلية العليا في قضية لم شمل العائلات، والتي تتضمّن تمييزا بين المواطنين اليهود والعرب، توفر مثالا واضحا على مدى التعقيد في هذه المسألة.

 

"المتزوج الذي يتزوج امرأة أخرى، والمتزوجة التي تتزوج من رجل آخر- يحكم عليهم بالسجن لمدة خمسة أعوام". هذا ما تنص عليه المادة 176 لقانون العقوبات، 1977، والتي تصنّف تعدد الزيجات كمخالفة جنائية عقابها السجن الفعلي. ومما لا شك فيه هو أن تصنيف "تعدد الزيجات" كمخالفة جنائية جاء في الأساس، بغرض الردع من ضعضعة مؤسسة الزواج الأحادي، التي تشكل أحد أركان النظام الاجتماعي في الدولة. هذا ما اعتمده المشرّع لدى سن القانون، وهذا ما كان- وما زال- موقف المحاكم في فرضها للقانون على مرتكبي المخالفة .

 

تنتشر ظاهرة تعدد الزوجات في البلاد في صفوف المواطنين العرب واليهود على حد سواء، بما في ذلك في صفوف المهاجرين اليهود من اليمن. على الرغم من ذلك فمما لا شك فيه هو أن هذه الظاهرة تلقى رواجا أكبر في صفوف السكان البدو في النقب. وحسب التقديرات التي نشرتها وزارة الصحة في العام 2001، فهنالك 36% من النساء العربيات البدويات في النقب متزوجات من رجل متزوج من أكثر من امرأة واحدة.

تطرقت المحكمة للقيمة الرّدعية لعقوبات السجن التي حُكمت على من أدينوا بهذه المخالفة، وحددت أكثر من مرة أن "الحديث لا يقتصر على المتهم الماثل أمام المحكمة فقط، بل، وبالأساس، بضرورة ردع الآخرين، كي لا يقوموا بنفس الفعلة، وحتى لا تَعُم الفوضى بكل ما يتعلق بمؤسسة الزواج في الدولة". بُعَيدَ سن القانون تساهلت المحكمة في العقوبات، وتسامحت مع مرتكبي المخالفات. استعرضت المحكمة في "قضية جوده" سياسة العقوبات المتساهلة التي تم تبنيها بعد سن القانون وشددت على ضرورة تشديد العقوبات، بعد التنامي في حجم ظاهرة تعدد الزيجات في الدولة في تلك السنوات. وحددت المحكمة ما يلي: "علينا أن نُظهِر لكل من قد يرتكب هذه المخالفة، أن الدولة لن تتساهل مع كل من يخالف القانون".

 

 

ناقشت المحاكم في الكثير من الحالات مسألة سياسة العقوبات المثلى ضد مرتكبي هذه المخالفة، وحددت مرارا وتكرارا أن الهدف الأساسي للقانون هو لجم ظاهرة تعدد الزيجات. وأضافت المحكمة: "لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال عقاب لا يشمل الحبس الفعلي. ولا يتلاءم قضاء العقوبة بالعمل لصالح الجمهور مع هذه المخالفات، ولا يلبي هدف فرض العقوبة". وفي قضية أخرى حُدد أن السجن مع وقف التنفيذ- هو الآخر- لا يتلاءم مع هدف فرض العقوبة على من ارتكب هذه المخالفة. وأضافت المحكمة: "لا قيمة لعقوبة السجن مع وقف التنفيذ بخصوص مخالفة تَعَدُّد الزيجات".

 

على الرغم من ذلك، لا تثابر المحاكم في تطبيق قانون العقوبات، ولا تظهر تَجانُسا في سياسة العقوبات ضد هذه المخالفة. فمن ناحية، تعود المحكمة وتشدد على الأهمية التي توليها للقضاء على ظاهرة تعدد الزيجات بغية المحافظة على مؤسسة الزواج الأحادي، ومن ناحية أخرى، وعندما تقدم على فرض العقوبات من أجل ردع الآخرين من ارتكاب المخالفة (السجن الفعلي لمدة خمسة أعوام) تكتفي المحكمة بتطبيق الحد الأدنى من القانون، وتتَّبع سياسة فيها الكثير من التساهل تجاه مرتكبي المخالفة. ومن الواضح أن لا علاقة بين العقوبات الخفيفة التي تفرضها المحاكم وبين تحقيق غاية الردع. فمثلا في "قضية دبس" حكم رئيس محكمة الصلح في الناصرة على متهم أدين بمخالفة تعدد الزيجات بالسجن لمدة 24 شهرا، 18 منها فقط فعلية. ويُعتَبَرُ قرار الحكم هذا أحد أقسى الأحكام التي فُرِضَت على ارتكاب مخالفة تعدد الزيجات حسب المادة 176 لقانون العقوبات، وربما كان أقساها. في المقابل، وجدت المحاكم في قضايا أخرى ضرورة تخفيف الأحكام التي تصدرها بدرجة أكبر. فمثلا في "قضية جوده" دحضت المحكمة العليا استئناف المتهم على العقوبة التي فرضت عليه وحكمت عليه بالحبس الفعلي لمدة 12 شهرا. في قضية أخرى حكمت المحكمة على المتهم بالسجن الفعلي لمدة 5 أشهر، والحبس مع وقف التنفيذ لمدة 12 شهرا. وفي حالة أخرى حَكمت المحكمة على المتهم بالحبس مع وقف التنفيذ لمدة 18 شهرا، واقتصر الحبس الفعلي على 6 أشهر.

 

وبجانب الرغبة في حماية مؤسسة الزواج الأحادي، لا شك أن تعدد الزيجات يمس بشكل خطير وقاس بحقوق النساء اللاتي يشاركن في هذه المنظومة. ولا تتجاهل المحكمة المساس بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة نتيجة تعدد الزيجات، وهو المبدأ الذي تم ترسيخه في قانون مساواة حقوق النساء-1951. ومنذ مدة ليست طويلة حددت المحكمة أن الحظر على "البيغاميا" يحمل بين طياته هدفا اجتماعيا مهما وهو الدفاع عن الزوجة الأولى. واعترفت المحكمة بأن من واجبها الدفاع عن المرأة الأولى في مواجهة التمييز وانعدام المساواة والمكانة المتدنية. واعتمدت قرارات الحكم التي أصدرتها المحاكم على أبحاث أجريت في صفوف النساء البدويات، والتي خرجت بنتيجة مفادها أن "النساء يحملن أحاسيس قاسية بخصوص الحياة في عائلة متعددة الزوجات. وتنبع عوامل الإحباط والعدوانية بين نساء الزوج الواحد من المعاملة المميِّزة للرجل، وغيرة كل امرأة على مكانتها"

 

بالإضافة للإسقاطات النفسية والاجتماعية لتعدد الزيجات، والتي تشكل بحد ذاتها مساسا بكرامة المرأة، تمس الظاهرة كذلك بحقوق الإنسان الأساسية للنساء المشاركات في الخلية العائلية متعددة الزوجات. ويؤدي زواج الرجل من امرأة أخرى إلى تفكيك جزئي- إذا لم يكن كاملا- للزواج الأول، من خلال المساس بحق النساء في الحياة العائلية الكاملة والسليمة. ويمس تعدد الزيجات بالحق في الخصوصية والحميمية والاستقلال الذاتي للوحدة العائلية التي اعتُرِفَ بها كحق سام من قبل المحكمة العليا. بالإضافة إلى ذلك، يحصل داخل المنظومة التي فيها تعدد الزوجات مساس بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للنساء المشاركات فيها. ويؤدي تعدد الزيجات إلى توزيع دخل الرجل بين النساء والأولاد في الخلية العائلية "البوليغامية"، ويمس بحقوق النساء في ميراث الزوج بعد وفاته.

ويمس تعدد الزوجات كذلك بحق النساء في الحياة الكريمة وفي الحد المعيشي الأدنى. ودحضت المحاكم أكثر من مرة دعاوى لضمان الدخل رفعتها نساء يعشن داخل إطار عائلة "بوليغامية"، سواء كن متزوجات أو محظيّات (المحظية: الامرأة التي تعيش مع رجل دون زواج رسمي وتعتبر كأنها زوجته). السياسة التي تتبعها المحاكم هي عدم الاعتراف بالمرأة التي تطالب بمخصصات ضمان الدخل من التأمين الوطني كـ"زوجة"، ومنعها بذلك من الحصول على المخصصات المعدة أصلا للمساعدة في توفير الحد المعيشي الأدنى لمن يطلبها.

وكوسيلة إضافية للقضاء على هذه الظاهرة، ألحقت المحكمة إليها قانون المواطنة- 1952 الذي تُمَكِّنُ المادة 7 فيه من لم شمل العائلات على ضوء منح المواطنة الإسرائيلية لأحد الأزواج، في حال لم يملك سوى أحدهما هذه الجنسية. عند البت بطلبات لم الشمل حسب هذا القانون، تتبنى المحكمة بشكل أوتوماتيكي سياسة وزارة الداخلية التي ترفض الطلبات في الحالات التي تشمل الزواج "البوليغامي". بالإضافة، فقد تنامى رفض طلبات لم الشمل بعد سن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل- 2003 الذي يمنع المواطنين الإسرائيليين من تقديم طلبات جديدة لمنح مكانة لأزواجهم أو زوجاتهم من مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة. ويمنع هذا التعديل كذلك منح مكانة في إسرائيل لكل من لم يتقدم بطلب كهذا حتى تاريخ 12.5.2002. وتدّعي الدولة أن هذا القانون سُن لغرض أمني وهو الحيلولة دون قيام مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة الذين حصلوا على مكانة في إسرائيل بتنفيذ عمليات ضد أمن الدولة. ويسري هذا القانون على مجموعة سكانية "مشبوهة" حتى بشكل ارتجاعي، ويسلب المواطنين حقوقهم الدستورية على أساس الانتماء القومي. وفي الالتماس الذي قدم للمحكمة العليا ضد هذا القانون تم الادعاء بأن القانون يمس في الحق الدستوري لكرامة الإنسان؛ وفي الحق الدستوري للمساواة؛ وفي الحق الدستوري بالحرية الشخصية للفرد لممارسة حياة عائلية حسب ما يرتئيه؛ وفي الحق الدستوري بالخصوصية، والحق الدستوري في الإجراء العادل.

 

السؤال الذي سأتمحور حوله هو مدى شرعية توظيف هذا التعديل الذي تقوم به المحاكم بغرض القضاء على ظاهرة تعدد الزيجات. هذا السؤال ليس نظريا البتة، فقد شرعت المحكمة العليا في الآونة الأخيرة، وبشكل مكثف، برفض طلبات لم شمل العائلات بادعاء أن قبولها سيؤدي إلى الاعتراف بتعدد الزيجات. فمثلا رفضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في تاريخ 26.10.2005 التماسا للم شمل العائلات تقدم به مواطن عربي من مدينة اللد، وهو متزوج من خمس نساء، وله منهن 39 ولدا. ودحضت المحكمة هذا الالتماس بعد أن تبين لها أن الحديث يدور عن زواج "البيغاميا". وفي حالات أخرى صادقت المحاكم على قرارات وزارة الداخلية رفض طلبات للم شمل العائلات.

وفي معرض دحضها للالتماسات التي قُدّمت ضد وزارة الداخلية أشارت المحكمة في أكثر من مناسبة إلى أن الاستجابة للم شمل العائلة في حالة ارتكاب الزوج الإسرائيلي لمخالفة "البيغاميا"، من شأنها المساعدة بشكل غير مباشر على ارتكاب المخالفة، وتشجيع القيام بها.

 

وبالفعل، يساهم رفض طلب لم شمل العائلة بدافع منع المصادقة على الزواج "البوليغامي" للزوج، في القضاء على الظاهرة وردع الآخرين من تنفيذ المخالفة. وعلى الرغم من ذلك، يمس الرفض بحقوق أساسية للمرأة، والتي قدم طلب لم الشمل من أجلها. المرأة التي تتحول إلى زوجة ثانية أو إضافية لا تقوم غالبا بهذا الأمر طواعية. وفي بعض الأحيان لا تملك معرفة مسبقة بطبيعة الحياة العائلية التي تنتظرها. وبعد رفض طلبها، تضطر هذا المرأة التي لا تملك جنسية إسرائيلية، والتي تُقدّم في بعض الأحيان طلب لم الشمل بعد أن أنجبت أولادا لزوجها، تضطر إلى العودة إلى بيت أبيها. الأمر الذي يمس كذلك بحقها في الحياة العائلية المتكاملة والسليمة، وفي الاستقلال الذاتي للخلية العائلية. وفي بعض الأحيان تضطر هذه المرأة للعودة إلى بيت أبيها لوحدها مبقية أبناءها مع أبيهم في إسرائيل، وفي بعض الأحيان يعود أبناؤها معها إلى بيت والديها. في جميع الأحوال، تتمخض عن هذا المساس بالزوجة والأولاد أبعاد اقتصادية واجتماعية هائلة، ولا تتمكن المرأة من مواجهتها في الكثير من الأحيان.

 

على هذا النحو، تحولت قوانين المواطنة المذكورة أعلاه إلى أدوات ناجعة في مكافحة تعدد الزيجات. وتفوق نجاعة هذه القوانين الأداة المركزية التي وضعت منذ البداية بغرض مكافحة هذه الظاهرة ألا وهي المادة 176 من قانون العقوبات 1977. لكن علينا أن لا ننسى أن الأداتين تختلفان عن بعضهما البعض من حيث الغاية. فالغاية من المادة 176 لقانون العقوبات هي منع ارتكاب مخالفة تعدد الزيجات بهدف القضاء عليها. أما قانونا المواطنة فقد سُنا لغايات "ديمغرافية" و"أمنية"، ويؤديان إلى سلب حقوق دستورية من طالبي لم الشمل وحرمانهم من ممارسة الحق الأساس في حياة عائلية كاملة وسليمة. يشكّل استخدام قانون معين بغرض تحقيق غاية قانون آخر تعزيزا لاستقرار وضمان تطبيق سلطة القانون. لكن تطبيق قوانين المواطنة بغرض تحقيق غاية قانون العقوبات هو خلط بين أمور لا يمكن خلطها، ويشكل خطوة تنبعث منها رائحة الأخذ باعتبارات غير موضوعية في تطبيق القوانين.

 

ولا ابتغي هنا توجيه سهام النقد نحو الجهد الذي يُبذل من أجل القضاء على ظاهرة تعدد الزيجات، وما ابتغيه هو التعبير عن التحفظ من إضفاء الأهلية والشرعية لقوانين عُنصرية ومميِّزة، بذريعة أنها تستعمل للردع من ارتكاب المخالفة المذكورة في قانون آخر. ومن المفترض أن يكون التطبيق المتتالي والمنهجي لقوانين مختلفة وضعت لغايات مختلفة بغرض القضاء على ظاهرة سلبية، في اتجاهين معاكسين. فكما تطبق المحكمة بشكل تام تعليمات قوانين المواطنة من اجل إضفاء الأهلية على مخالفة تعدد الزيجات، يتوجب عليها أن تقوم بفرض كامل لتعليمات قانون العقوبات الذي سُنّ بشكل صريح بغرض المنع والردع من ارتكاب مخالفة تعدد الزيجات.

 

وللخلاصة، وكما أشير أعلاه، تمس ظاهرة تعدد الزيجات بشكل جوهري بحقوق النساء لذا يتوجب استعمال الأدوات القانونية من أجل القضاء عليها. ومن وجهة نظري، فإن الادعاء بوجوب عدم تدخل الدولة بالحقوق الثقافية للأقلية هو ادعاء غير مقبول. وما يعنيه عدم التدخل هو الإبقاء على المس بحقوق النساء اللاتي تعشن داخل العائلة "البوليغامية". يتوجب كشف علاقات القوة التي تقف من وراء تعريف المصطلحات واستعمالات اللغة، حيث ترتكز الهيمنة في تعريف الحق الجماعي على علاقات الهيمنة لمجموعة معينة داخل المجموعة الثقافية. من هنا، تستوجب التعريفات واستعمالات اللغة إلغاء وتحييد علاقات الهيمنة هذه. وسيؤدي تحييد كهذا إلى طرح مقولة قيمية وهي أن المساس بحقوق النساء يمثل مساسا بالحق الجماعي لجميع أعضاء المجموعة- نساء ورجالا.

 

وعلى الرغم من ذلك، وعلى أساس مبدأ المساواة هذا، لا يمكن الموافقة على النهج الذي تتبعه المحاكم التي تعمل على تأصيل انعدام المساواة القومية بين المواطنين العرب واليهود، من خلال القوانين العنصرية، ومن خلال استعمال المصطلحات التي تبدو وكأنها تدافع عن حقوق النساء. يمس حظر لم شمل العائلات بالرجال العرب وأبنائهم لكنه يمس بالأساس بالنساء العربيات. إن النهج الذي تتبعه المحاكم في ملفات لم شمل العائلات يرتكز على قاعدتين، الأولى تتمثل في قانوني المواطنة المذكورين أعلاه، والثانية هي النهج الذي ينظر إلى تعدد الزيجات كحق ثقافي محمي. عمليا، تعتمد هاتان القاعدتان على مواصلة علاقات الهيمنة وعلى تثبيت التمييز. فالأولى تعمل على التمييز بين اليهود والعرب، بينما تعمل الثانية على التمييز بين الرجال والنساء. ولا اعتقد أن أيًا منهما تتحلى بالشرعية. وفي المقابل يتحلى قانون العقوبات بحد ذاته بشرعية تنبع من كونه أداة ردع تبتغي دعم وتعزيز غاية شرعية وهي حماية النساء من المساس بمبدأ المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان الخاصة بهن. والجدير بالذكر أن سريان مفعول قانون العقوبات يفترض أن يكون كونيّا، أي أن يُفرض على كل من يرتكب مخالفة تعدد الزيجات دون فرق في الدين أو القومية.

_____________________

 

(*) الكاتبة محامية تعمل في مركز "عدالة" لحقوق العرب الفلسطينيين في إسرائيل.

 

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, اللد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات