عبر مسؤولون كبار في جهاز الأمن الإسرائيلي عن تخوفهم من أن يؤدي قرار الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) إلى تضاؤل فرص إعادة الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة، غلعاد شاليت. ونقلت صحيفة هآرتس، اليوم الخميس – 19.2.2009، عن المسؤولين الأمنيين قولهم إنه "يبدو أنه تضاءلت احتمالات التوصل إلى صفقة (تبادل أسرى مع حماس) وسيبقى شاليت سنوات أخرى في الأسر".
وأضافت الصحيفة أن المسؤولين في جهاز الأمن عبروا، أمس، عن تخوف من أن رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، تراجع عن الاستعداد الذي أظهره، حتى الأسبوع الماضي، لتسريع المفاوضات بهدف إنهاء "صفقة شاليط" خلال فترة ولايته التي ستنتهي في آذار المقبل.
ورأى مراسلا هآرتس العسكري، عاموس هارئيل، وللشؤون الفلسطينية، أفي سخاروف، في تحليل مشترك، أن "رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، يظهر الآن كمن يمسك بمقاليد عملية صناعة القرار خلال الأسابيع المقبلة". وأوضحا أن "أشكنازي، الذي يؤيد صفقة تشمل إطلاق سراح قسم من الأسرى (الفلسطينيين) الكبار الذين تطالب حماس بهم، امتنع حتى الآن عن التعبير عن موقف معلن من الخلافات" داخل القيادة الإسرائيلية.
وتجدر الإشارة إلى أن صياغة البيان الصادر عن مكتب أولمرت حول اجتماع الكابينيت جاءت ضبابية، ولم تشترط التوصل إلى صفقة تبادل أسرى قبل التوصل إلى تهدئة في القطاع، وإنما جاء فيه أن إسرائيل لا تجري مفاوضات مع حماس بهذا الخصوص، وهو موقف إسرائيلي تقليدي. لكن البيان اشترط "البحث في توسيع عمل المعابر لدى تحرير غلعاد شاليت" مع استمرار عمل المعابر بصورة جزئية. وأوضح عضو الكابينيت ووزير الداخلية، مائير شيطريت، أن إسرائيل لن تسمح بعبور مواد لإعادة إعمار غزة.
من جهة أخرى ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل تقترح على حماس البدء بمفاوضات فورية بوساطة مصر حول تحرير شاليت مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن لفترات طويلة بعد إدانتهم بالتخطيط وتنفيذ هجمات مسلحة ضد إسرائيليين. وأضافت الصحيفة أن الجانب الإسرائيلي قدم لحماس مؤخرا قائمة شملت أسماء مئات الأسرى الذين لم تظهر أسماءهم في قائمة الأسرى التي سلمتها حماس وطالبت بإطلاقهم. وتطالب إسرائيل حماس بتشكيل قائمة أسرى جديدة مؤلفة من 450 أسيرا، بينهم حوالي 100 أسير من القائمة التي سلمتها حماس وبقية الأسرى يكونون من القائمة البديلة التي أعدتها إسرائيل.
وأشار تحليل إسرائيلي إلى أن قرار الكابينيت، أمس، حول أولوية حدوث تقدم في صفقة تبادل أسرى مع حماس واستعادة شاليت غايته صيانة الردع الذي تعتبر إسرائيل أنها حققته من خلال عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية في قطاع غزة. وكتب محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني، رون بن يشاي، أن قرار الكابينيت "يعكس تخوفا مبررا من أن استسلاما إسرائيليا – مصريا لإملاءات حماس بخصوص قضية شاليت سيتيح للحركة تمويه تأثير الضربة التي منيت بها خلال عملية الرصاص المصبوب وستقوض الردع الذي حققته إسرائيل بواسطة العملية العسكرية".
واعتبر بن يشاي، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، أن موافقة إسرائيل على إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم مقابل شاليت "ستشكل محفزا قويا للغاية لخطف إسرائيليين في المستقبل وستتيح لحماس جر الجماهير خلفها في الشارع الفلسطيني، وهذه أمور تشكل خطرا داهما وواضحا على أمن دولة إسرائيل ومواطنيها في الآماد الآنية والمتوسطة والبعيدة".
من جهة ثانية رأى بن يشاي أن "قرار الكابينيت بخصوص تحرير غلعاد شاليت معناه أن حكومة إسرائيل مستعدة للصفقة لكن ليس بكل ثمن، ويبدو أنه خطوة تكتيكية، وثمة من سيقول إنه رهان، هدفها الضغط على حماس لتلين موقفها". وشدد الكاتب على أن "اتخاذ الكابينيت لهذا القرار المبدئي الآن يشكل سابقة ملزمة للحكومة الإسرائيلية المقبلة أيضا والحكومات التي ستعقبها". ولفت إلى أن المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله واستعادة الجنديين الإسرائيليين ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف استمرت سنتين ووافقت إسرائيل على "الثمن" الذي دفعته بعد تأكدها من أن الجنديين ميتان وامتنعت عن الاستجابة لطلب حزب الله في بداية المفاوضات بإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين إضافة على اللبنانيين.
وأضاف بن يشاي أنه "لذلك فإن إسرائيل مستعدة لإبقاء المعابر في القطاع مغلقة تقريبا حتى تتم التسوية بخصوص شاليت وحتى لو كلف ذلك المواجهة مع مصر وتشكيل خطر على الهدوء النسبي في القطاع". ويذكر في هذا السياق أن قرار الكابينيت تضمن بندا جاء فيه أنه في حال استمر إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه إسرائيل فإن إسرائيل ستدرس إمكانية إدخال قوات برية إلى القطاع مرة أخرى.
ويبدو أن التغيير في الموقف الإسرائيلي لم يكن بمبادرة أولمرت وإنما جاء بموجب توصيات من جهاز الأمن العام (الشاباك). وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قسم الدراسات في الشاباك أبلغ القيادة الإسرائيلية بأن مصر كانت قد تعهدت بتسريع حل قضية شاليت ومنع تهريب أسلحة إلى القطاع قبيل التوصل إلى التهدئة في شهر حزيران من العام الماضي، لكنها لم تحقق ذلك خلال فترة التهدئة التي انهارت في 19 كانون الأول الماضي واندلعت بعدها بأسبوع الحرب على غزة.