* البروفيسور إيال زيسر لـ"المشهد الإسرائيلي": هناك تسعة آلاف أسير فلسطيني، وإطلاق سراح 250 أسيرا، وهم بالتأكيد أسرى ليسوا من الوزن الثقيل الذين يطالب الفلسطينيون بإطلاق سراحهم، لا يبدو لي أمرا هاما * "إذا اندلعت حرب بين إسرائيل وسورية فإن هذا لن يتم لأن أحدا ما في كلا الطرفين خطط وبادر إليها وإنما نتيجة أخطاء وسوء فهم لتحركات قوات الطرف الآخر" *
كتب ب. ضاهر:
صادقت الحكومة الإسرائيلية "مبدئيا"، خلال اجتماعها الأسبوعي يوم الأحد (8/7/2007)، على إطلاق سراح 250 أسيرا فلسطينيا ينتمون إلى حركة فتح.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، لدى افتتاحه اجتماع الحكومة "لن أطلق سراح أسرى أيديهم ملطخة بالدماء، مثلما تعهدت في الماضي"، معبرا بذلك عن رضوخه لضغوط مارستها أوساط سياسية إسرائيلية ضد إطلاق سراح أسرى شاركوا أو خططوا لعمليات قتل فيها إسرائيليون.
ووصف المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، البروفيسور إيال زيسر، قرار الحكومة الإسرائيلية بخصوص إطلاق سراح الأسرى بأنه "علاقات عامة، ولن يؤثر على أحد في الشارع الفلسطيني وأيضا لن يؤثر على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".
وأكد زيسر لـ"المشهد الإسرائيلي" على أن "إسرائيل تريد أن تظهر بصورة جيدة أمام أوروبا والولايات المتحدة وأن تساعد قليلا عباس. لكني لا أرى أن لهذه الخطوة أية أهمية فعلية. فهناك تسعة آلاف أسير فلسطيني، وإطلاق سراح 250 أسيرا، وهم بالتأكيد أسرى ليسوا من الوزن الثقيل الذين يطالب الفلسطينيون بإطلاق سراحهم، لا يبدو لي أمرا هاما".
وقال أولمرت خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية إنه "تقرر فحص إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون في إسرائيل على أساس إنساني مثل أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية". كما تقرر إطلاق سراح أسرى توشك فترة محكوميتهم على الانتهاء.
ورأى زيسر أنه "من دون شك أن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى لا يساعد عباس، ومشكلته ليست بإطلاق أسرى وإنما عليه أن يحشد قوته وتحسين الأوضاع الداخلية في حركة فتح التي يتزعمها. عليه أن يحارب الفساد. ولا يبدو لي أنه يسير في هذا الاتجاه".
من جهة أخرى تطرّق زيسر إلى أحداث قطاع غزة والهجوم المسلح لعناصر حماس على مقرات أجهزة الأمن الفلسطينية وسيطرتها عليها. وقال "أعتقد أن الوضع في قطاع غزة خرج عن السيطرة وكانت النتيجة أن المسلحين من حماس شنوا هجومهم، وهذا ليس قرارا اتخذته قيادة حماس. لكن رغم أن هذا الهجوم لم يكن نتيجة قرار مخطط له فإنه يعبر عن توجهات حماس". واستبعد زيسر أن تكون أحداث قطاع غزة قد جاءت بإيعاز من جهات خارجية مثل إيران أو سورية. وقال "لا أرى مؤشرات لذلك، رغم أننا كنا دائما نتهم إيران وسورية لكني لا أعتقد أن هذا هو الوضع هذه المرة".
عن مخاوف اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وسورية أو بين إسرائيل وحزب الله
في سياق آخر تصاعدت في الآونة الأخيرة المخاوف من اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وسورية أو بين إسرائيل وحزب الله. وقد أجرى الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، مناورات عسكرية إسرائيلية واسعة في هضبة الجولان استمرت خمسة أيام.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيحاي أدرعي لـ"المشهد الإسرائيلي" إنه "تم التخطيط لهذه المناورات منذ فترة وشاركت فيها جميع الكتائب التابعة للواء غولاني النخبوي"، وذلك للمرة الأولى منذ سبع سنوات بالمشاركة مع وحدات برية أخرى وسلاح الجو الإسرائيلي. وأشار أدرعي إلى أن "موقع التدريبات العسكرية في الجولان كبير جدا وجرت فيه تدريبات عسكرية بصورة دائمة في الماضي". وأضاف أن "هذه التدريبات تأتي في إطار استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية، خصوصا أن لواء غولاني كان من أهم الوحدات في الجيش الإسرائيلي التي شاركت في القتال في هذه الحرب. وقد تعلم هذا اللواء الكثير من العبر المستخلصة من التحقيقات العسكرية التي جرت بعد الحرب".
وكانت تقارير صحافية إسرائيلية قد أفادت بأن هذه المناورات العسكرية تأتي "على خلفية التوتر بين إسرائيل وسورية" وأن الحكومة الإسرائيلية بعثت برسالة إلى دمشق جاء فيها أنه لا توجد خطط لمهاجمة سورية وأن هذه المناورات ليست إلا تدريبات دفاعية. وتعتبر إسرائيل أن تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بعد انتهاء حرب لبنان الثانية، حول استعداد سورية لاحتمال نشوب مواجهة مسلحة مع إسرائيل في حال عدم عودة الجانبين لمفاوضات سلام، صعدت التوتر بين إسرائيل وسورية.
من جهة أخرى عرضت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، صورا لما قالت إنها استعدادات عسكرية سورية شملت حفر خنادق وإقامة متاريس ترابية، التقطتها عند الحدود في الجولان. وقالت إن الجيش السوري أيضا يستعد لاحتمال نشوب حرب مع إسرائيل ويجري تدريبات إضافة إلى شراء أسلحة حديثة ومتطورة من روسيا.
وأشارت تقارير صحافية إسرائيلية إلى أنه رغم وجود خلافات في تقييمات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول احتمالات نشوب حرب بين سورية وإسرائيلية فإن هذه الأجهزة متفقة على أن التدريبات العسكرية السورية هي دفاعية وأنه لا توجد مؤشرات حول نوايا سورية هجومية ضد إسرائيل. لكن قسما من هذه التقييمات ترى أن سورية قادرة على الانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم خلال وقت قصير. وتخشى إسرائيل من أن تقود عملية تصعيد تدريجية إلى حرب خصوصا أن أحد السيناريوهات التي يتوقعها الإسرائيليون هو أن يتحسب السوريون من أن إسرائيل تخطط لمهاجمتها. وعبّر مسؤولون سياسيون إسرائيليون عن تخوفهم من أن يفسر السوريون سلسلة المناورات العسكرية الإسرائيلية في هضبة الجولان على أنها استعدادات متقدمة لهجوم يتم تنفيذه في الأشهر القريبة المقبلة ولذلك تم إرسال رسائل تهدئة للسوريين عبر قنوات دولية.
من ناحيته قال إيال زيسر، وهو الخبير في الشؤون السورية واللبنانية، بشأن التوتر عند الحدود بين إسرائيل وسورية "لا أعتقد أن حربا ستقع بين إسرائيل وسورية، لكن بالطبع علينا أن نكون حذرين، لأنه قد تقع أخطاء. وإذا اندلعت حرب بين إسرائيل وسورية فإن هذا لن يتم لأن أحدا ما في كلا الطرفين خطط وبادر إليها وإنما نتيجة أخطاء وسوء فهم لتحركات قوات الطرف الآخر. وتجنب حرب يقتضي التأكد من عدم حدوث أخطاء". ورغم ذلك اعتبر زيسر أنه في 15 آب الماضي بدأ العد التنازلي لحرب بين إسرائيل وسورية، وذلك لأن الرئيس السوري بشار الأسد قال عندها إنه "إذا لم يتم التوصل إلى سلام فستنشب حرب. وقد قال ذلك لأول مرة بشكل منظم، وهو دفعنا بذلك إلى مرحلة جديدة. لكننا غير متأكدين بعد ما إذا كان الرئيس السوري قد اتخذ قرارا بالحرب أم أنه طرح خيارا وبديلا لعدم وجود مفاوضات. علينا الانتظار ورؤية التطورات".
وشدّد زيسر على أن المناورات العسكرية في كلا الجانبين لا تعني أن الحرب أصبحت على الأبواب. وقال إن "التصعيد موجود بالأساس في وسائل الإعلام، فيما الجيش يستعد لاحتمال نشوب حرب وهذه مهمته. ما نراه الآن هو استعدادات عسكرية وهذا لا يعني بتاتا أن أحدا ما قرّر شن حرب". من جهة ثانية قال زيسر إنه "لا توجد لأي من الطرفين مصلحة في الحرب، ولا أرى ما يمكنهما أن يحققا من خلال الحرب".
في غضون ذلك تشير استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى وجود أغلبية بين الإسرائيليين تؤيد التوصل إلى اتفاق سلام مع سورية، فيما القيادة السياسية في إسرائيل لا تسير في هذا الاتجاه. وأوضح زيسر أن "هناك أغلبية كهذه بين الإسرائيليين لكن السؤال هو بأية شروط يوافق الإسرائيليون على التوصل لاتفاق مع سورية. والواضح هو أن هناك أغلبية تؤيد اتفاقا سياسيا لكن في كل ما يتعلق بالتنازل عن كل هضبة الجولان والانسحاب لحدود الرابع من حزيران 1967 تصبح هذه الأغلبية أقل. فالجميع يريدون السلام من دون دفع ثمن السلام. وفيما يتعلق بحكومة إسرائيل فإنه لهذا السبب بالذات هي تخشى من أن تؤدي عملية سياسية مع سورية إلى سقوطها. وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية ليست قوية بما يكفي لخوض مسار مفاوضات مع سورية. إضافة إلى ذلك فإن الأميركيين لا يريدون أن تفاوض إسرائيل سورية. فهم لا يريدون إعطاء جائزة للأسد. ومن الجهة الأخرى فإن هذا ليس سبب امتناع إسرائيل عن مفاوضة سورية وإنما السبب الحقيقي هو الصعوبات والمشاكل الداخلية التي تواجهها حكومة إسرائيل".
وفي سياق حرب لبنان الثانية، التي يصادف هذا الأسبوع مرور عام عليها، اعتبر زيسر أن "هذه الحرب لم تغيّر شيئا بشكل كبير. فما زالت هناك المشاكل والصعوبات ذاتها وكذلك التحديات ذاتها. صحيح أنّ هناك تدريبات عسكرية مكثفة أكثر لرفع مستوى أداء الجيش لكن هذا لا يعبر عن تغيير جوهري. فإسرائيل لم تحصل على دبابات أو طائرات مقاتلة جديدة في أعقاب الحرب".
واستبعد زيسر أيضا نشوب حرب أو مواجهة مسلحة بين إسرائيل وحزب الله وقال "أنا لا أعتقد أن أيا من الأطراف يريد حربا جديدة. لكن مثلما قلت عن الوضع مقابل سورية فإنه هنا أيضا ممكن أن يرتكب أحد الطرفين أخطاء وعندها ستكون النتيجة اشتعال الجبهة مع لبنان. وطالما أن هناك مشاعل من النيران فإنه يتوجب اتخاذ الحذر من اشتعال الجبهة خصوصا أن لا أحد يعتزم حدوث حريق كبير. وأنا أعتقد أن لا أحد يريد حربا الآن، بما في ذلك إسرائيل".