بعد اسبوع من الاشتغال الصحفي المكثف بتحقيق الشرطة الاسرائيلية في فضائح شراء الكراسي في "الليكود"، وهبوط نسبة مؤيديه في الاستطلاعات، حصل ارئيل شارون على شيء من الهدوء من جانب واشنطن. فقد اعلنت الادارة الامريكية رسميا تأجيل "خريطة الطرق" الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل.
وبذلك تكون الولايات المتحدة قد تبنت موقف شارون، المؤيد لاخراج العملية السياسية من معركة الانتخابات، خلافا للرأي الفلسطيني والعربي و "الرباعية" الذين طالبوا استكمال "خريطة الطرق" في الحال وعرضها على الاطراف كوثيقة ملرمة.
في هذه الاثناء نشرت في اسرائيل تفاصيل اضافية عن صيغة ثالثة معدلة من "خريطة الطرق" الدولية لحل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، نوقشت في نهاية الاسبوع في اجتماع "الرباعية" في واشنطن، تتشدد بالاساس في مطالبها من الجانب الفلسطيني، وتعكس خلافات حادة بين ادارة الرئيس الامريكي بوش وشركائها في "الرباعية" – الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا.
وهذه هي الصيغة المعدلة الثالثة لـ "خريطة الطرق"، التي وصلت نهاية الاسبوع الى تل ابيب، "من مصادر غير رسمية" كما كتبت "هارتس" (22 ديسمبر). ذلك ان الادارة الامريكية – بموجب الصحيفة – تمتنع عن تسليم الوثيقة حتى بعد ان ناقشتها "الرباعية" في جلستها الاخيرة قبل ايام. ومن التوقع ان تُستكمل الصيغة النهائية للخطة وتسلّم الى الاطراف المعنية فقط بعد الانتخابات الاسرائيلية العامة وانتخاب حكومة جديدة هنا، تكون قادرة على التعقيب عليها.
وتقدم "خريطة الطرق" برنامجا مفصلا لاقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة حتى نهاية 2003 وتسوية دائمة نهائية حتى اواخر 2005. وتشترط الخطة أي تقدم في التنفيذ والانتقال من مرحلة لاخرى بما يتخذه كل طرف ازاءها من اجراءات.
وتتضمن الصيغة الجديدة فقرة لم تظهر في الصيغ السابقة، جاء فيها ان الدولة الفلسطينية يمكن ان تقوم فقط بعد ان يحصل الشعب الفلسطيني على قيادة "تكون مستعدة وقادرة على اقامة ديمقراطية نشطة مؤسسة على اسس التسامح والحرية". وتقول: "مع قيادة كهذه، وبوجود مؤسسات مدنية واجهزة امن اعيد بناؤها، يحص الفلسطينيون على تأييد الرباعية والاسرة الدولية الفعال لاقامة دولة فلسطينية مستقرة".
وتطالب الادارة الامريكية الاتفاق على ان القيادة الفلسطينية القادمة يجب ان تكون "نظيفة من الارهاب"، لكن الاوروبيين والروس والامم المتحدة يعارضون ذلك. وتوجه الصيغة الامريكية شروطها تجاه "الفلسطينيين" بشكل عام، اما الصيغة الاوروبية فتتحدث عن "السلطة الفلسطينية". ويعود الفرق الى محاولة الاوروبيين ابقاء رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في الصورة مقابل مطالبة ادارة بوش بتنحيته. ويعرض الامريكيون ايضا ان تتمتع الدولة الفلسطينية التي ستقوم في حدود مؤقتة بـ "مؤشرات على السيادة" فقط.
واشار الوف بن في "هارتس" الى تغيير اضافي في صيغة الخريطة تم خلافا لموقف اسرائيل، يتعلق بمبادرة السلام السعودية كما اقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت من مارس الماضي، حيث تعتبرها الخطة المعدلة احدى مرجعيات "خريطة الطرق" – الى جانب قرارات الامم المتحدة ومؤتمر مدريد ومبدأ الارض مقابل السلام والاتفاقات السابقة بين الاطراف. ويعارض رئيس الوزراء الاسرائيلي بشدة الاشارة الملزمة الى المبادرة السعودية بسبب دعوتها الى انسحاب اسرائيلي من جميع المناطق المحتلة والعودة الى حدود الرابع من حزيران 2967. وقد ورد في الصيغة السابقة ان الاطراف "ستراعي بشكل خاص" المبادرة السعودية، لكنها حصلت الان على مكانة جديدة اعلى.
وتبقي الصيغة الجديدة كما هي المطلب بأن ينشر الطرفان مخطوة اولى لتطبيق "خريطة الطرق" تصريحات متبادلة حول وقف العنف والتحريض المتبادلين. ويقول الوف بن في "هارتس" ان الصيغة الجديدة تضمن تسهيلات معينة لاسرائيل. فالصيغة المعدلة شطبت المكلب السابق بأن تكف اسرائيل عن عملياتها العسكرية في مناطق فلسطينية مكتظة – في اشارة او تسمية جديدة لعمليات الاغتيال الاجرامية التي تقوم بها قواتها الخاصة في الاراضي الفلسطينية. وقد اثار هذا البند خلافات حادة بين الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تبنتا سياسة الاغتيالات كوسيلة من وسائل "مكافحة الارهاب"، من جهة، وبين الاوروبيين والامم المتحدة، الذين يرفضون بشدة أي "انحراف عن الصيغة".
بالمقابل تشددت المطالب الامنية من الفلسطينيين، في "التصدي لكل من يشتغل بالارهاب" بعد ان كانت في السابق مقصورة على "تفكيك البنى التحتية للارهاب"، وكذلك البدء بالاعدادات لجمع الاسلحة غير المرخصة في المرحلة الاولى من التنفيذ. ولم تعرض الصيغة الاولى من "خريطة الطرق" اية مطالب امنية في المرحلة الاولى، باستثناء نشر بيان ضد "الارهاب" وتنفيذ اصلاحات في اجهزة الامن الفلسطينية. وبضغط اسرائيلي وافق اعضاء "الرباعية" على توجيه مطالب "واضحة ومتشددة اكثر" للجانب الفلسطيني.
وفي مسألة المستوطنات ظلت الخلافات بين الولايات المتحدة، التي ترى ان تجميد البناء في المستوطنات يجب ان يتم فقط بعد وقف شامل لاطلاق النار، وبين بقية الاعضاء في "الرباعية"، الذين يطالبون اسرائيل بتجميد فوري للمستوطنات بدون اية شروط. وكانت الصيغة السابقة من "خريطة الطرق" تضمنت مطلبا بأن يبدأ تجميد البناء في منطقة القدس، بينما تضمنت الصيغة الثالثة صياغة اقل الزاما.