المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1176

قررت وزيرة المعارف في حكومة إسرائيل ليمور ليفنات تدريس «تراث» رحبعام زئيفي في المدارس الإسرائيليةـ اليهودية منها والعربية. وأثار قرار الوزيرة نقاشا في الوسط اليهودي، بين مؤيد ومعارض، في حين أثار القرار غضبا وسخطا ومعارضة شديدة في الوسط العربي.

 

قرار ليمور ليفنات وزيرة المعارف الإسرائيلية، بتدريس تراث رحبعام زئيفي، في المدارس، ينبع من هدف فكري عقائدي، فالوزيرة وهي من قادة الليكود تحمل أفكار الرجل، وتؤمن بمبادئه في أعماقها، وان كانت تتوارى وراء قناع زائف من الليبرالية أو الديمقراطية. فالوزيرة ترغب بأن تكسب أصوات اليمين المتطرف في مركز حزب الليكود في الانتخابات التمهيدية لترتيب قائمة مرشحي هذا الحزب، للانتخابات البرلمانية القادمة.

فمن هو رحبعام زئيفي هذا؟ هل هو شاعر كبير أم أديب عظيم؟ أم هو فيلسوف مشهور أم عالم ذائع الصيت؟ هل هو رجل سلام يحمل قيما إنسانية راقية، أم نبي من أنبياء اليهود؟ الجواب: لا كبيرة جدا. فلماذا اختارت الوزيرة تدريس تراثه؟

من هو؟

ولد رحبعام زئيفي في عام 1926 في مدينة القدس وانضم عام 1944 إلى منظمة «البلماح» العسكرية، وشارك في حرب 1948 برتبة ضابط في فرقة «يفتاح» وارتكب عامئذ مجزرة بلد الشيخ، قرب حيفا، وترقى في الجيش الإسرائيلي حتى نال رتبة جنرال عام 1964، وتولى قيادة المنطقة الوسطى في عام 1968 حيث قاد معارك ضارية ضد المقاومة الفلسطينية في الأردن، وفي مناطق الأغوار وترك الجيش في أواخر أيلول 1973، ولكنه عاد إليه مساعدا لرئيس الأركان بعد أسبوع من ذلك بسبب نشوب حرب أكتوبر.

عمل رحبعام زئيفي في السنوات 1974– 1977 مستشارا لرئيس الحكومة إسحاق رابين لشؤون المخابرات ومحاربة «الإرهاب»، وأسس في عام 1988 حزب «موليدت» الذي تبنى أيديولوجية «الترانسفير». ولكن هذا الحزب بقي هامشيا وتراوحت قوته منذ الكنيست الثانية عشرة حتى الكنيست الخامسة عشرة بين 2ـ 3 مندوبين، إلا أن رحبعام زئيفي عين وزيرا بلا حقيبة في حكومة إسحاق شامير اليمينية عام 1991، ثم استقال منها احتجاجا على موافقة شامير على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، كما عين وزيرا للسياحة في آذار 2001 في حكومة أريئيل شارون المتطرفة، ولكنه استقال في 16 تشرين الأول 2001 احتجاجا على سياسة شارون الذي لم يقتل ياسر عرفات أو يطرده، ولم يقض على السلطة الفلسطينية، وبعد يوم من استقالته أي في يوم الثلاثاء 17 تشرين الأول 2001 اغتالته مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق «هيات» في القدس العربية انتقاما لاغتيال قائدها أبوعلي مصطفى.

تراث الترانسفير

مارست إسرائيل سياسة الترانسفير، أي طرد العرب الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ومضاربهم وأراضيهم منذ بداية 1948، ونجحت في تلك الحرب بتدمير أكثر من خمسمائة قرية عربية وطرد سكانها إلى ما وراء الحدود، كما قامت بطرد وتهجير أهل المدن مثل يافا واللد والرملة وعكا (بقيت أقلية صغيرة من سكان هذه المدن) وصفد وطبريا وبيسان وعسقلان ( لم يبق أي عربي من سكانها)، كما هدمت بلدات كبيرة مثل الطنطورة وصفورية والزيب والبصة وقيساريا وغيرها.

ولكن قادة إسرائيل السياسيين ومن قبلهم زعماء الحركة الصهيونية، كانوا يتنكرون ويتبرؤون من هذه السياسة ويزعمون أن الملوك والرؤساء العرب والقادة الفلسطينيين هم الذين دعوا السكان العرب إلى ترك مدنهم وقراهم ليسهل على الجيوش العربية إبادة دولة اليهود. وفي عام 1985 بدأ الجنرال المتقاعد رحبعام زئيفي يتكلم علانية عما يسمى «ترانسفير عن طيب خاطر» للسكان الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. فماذا يعني زئيفي بترانسفير عن طيب خاطر؟

هل يتصور أحد أن يقف الفلسطينيون بالدور أمام مكاتب الهجرة ومكاتب الوكالة اليهودية ليأخذوا تعويضات عن بيوتهم وأملاكهم ويرحلوا إلى الدول العربية أو الأوروبية أو إلى كندا؟ زئيفي يعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث إذا شعر الفلسطينيون بأن حياتهم في مدنهم وقراهم قد تحولت إلى جحيم لا يطاق، بسبب البطالة والجوع والاضطهاد والملاحقة على أن يرافق ذلك إغراءات مادية، لكل من يوافق على فكرة الترانسفير.

وزئيفي يدافع عن نظريته العنصرية بقوله: «إن الصهيونية كلها هي صهيونية ترانسفير» و«إذا كان الترانسفير غير أخلاقي، فالصهيونية أيضا غير أخلاقية وإن ثمانين كيبوتسا لحركة شومير هتسعير (حركة محسوبة على اليسار الصهيوني) أقيمت على أنقاض ثمانين قرية عربية أو قبيلة بدوية عربية، إما اشتريناها أو طردنا سكانها أو هربوا أو مارسنا ضدهم الترانسفير القسري».

وأكد زئيفي في عدة مناسبات أن هناك فرقا بين الترانسفير (ماركة زئيفي) والترانسفير الذي دعا إليه الرابي العنصري مئير كهانا.

كهانا دعا إلى «ترانسفير بالقوة» يشمل فلسطينيي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، واعتمد في دعوته على التوراة والشريعة اليهودية.

وزئيفي دعا إلى «ترانسفير عن طيب خاطر» يشمل فلسطينيي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة (لا يشمل العرب في إسرائيل)، واعتمد في دعوته على تراث آباء الصهيونية وآباء حركة العمل العبري مثل إسحاق طبانكين، وبيرل كاتسنلسون، وبنيامين زئيف هرتسل، وحاييم وايزمان، وأوسيشكين، وموشيه شاريت، ونتان ألترمان وحتى إسحاق رابين.

ويروي أصدقاء ومعارف زئيفي أنه كان يردد بيتا من الشعر للشاعر الصهيوني اليميني المتطرف أوري تسفي غرينبرغ وهذا نصه «إسرائيل بدون الجبل ليست إسرائيل»، والجبل الذي يعنيه الشاعر هو جبل الهيكل أي المسجد الأقصى. وزئيفي كان يردد «أن إسرائيل بدون الجبل ليست إسرائيل» ويعني بالجبل المسجد الأقصى وجبال السامرة وجرزيم وعيبال والقدس والخليل.
كان رحبعام زئيفي يطالب في مقالاته التي نشرها في صحيفتي «يديعوت أحرونوت» و«معاريف»، وفي خطبه بحل المشكلة الديمغرافية في «أرض إسرائيل الكبرى» بدون التنازل عن أي شبر أرض من المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 وذلك بطرد أو نقل العرب إلى بلدان أخرى. وكان يصر على تحويل حياة العرب إلى جحيم لا يطاق حتى «يلموا شراشهم» ويرحلوا عن طيب خاطر.

وفي فترة انتفاضة الأقصى طالب بعمليات واسعة ورادعة، كما طالب علانية بطرد عرفات من فلسطين أو قتله، وطالب باغتيال مروان البرغوثي، وغيره من القادة.

ومن أقواله المشهورة التي برزت في مقالاته وتصريحاته نذكر ما يلي: «العمال الفلسطينيون في إسرائيل مثل القمل يجب التخلص منهم، العمال الفلسطينيون ينتشرون بيننا مثل السرطان» (محطة "بي. بي. سي"- تشرين الأول 2001)، «اليهودي الواحد يساوي ألف عربي» (الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي)، «نحن اليهود تربينا على أن حياة الإنسان قيمة عليا وبالمقابل فإن جيراننا العرب يتعاملون مع حياة الإنسان بشكل مختلف فهم يربون أطفالهم على الموت والقتل» (جريدة "معاريف"- 26 آب 2001)، «لا سلام إلا بالفصل بين الشعبين، اليهود في أرض إسرائيل والعرب في الدول العربية» (برنامج موليدت الانتخابي).

هذا نموذج من التراث الذي ترغب وزيرة المعارف الإسرائيلية في تدريسه للطلاب اليهود والعرب في المدارس. لكن هناك نقطة ضوء يجب أن نقولها ـ نكتبها لصالح رحبعام زئيفي، هذا الجنرال الذي يكره العرب كراهية لا حدود لها، وهذا السياسي اليميني المتطرف الذي رأى في إسحاق شامير وأريئيل شارون وبنيامين نتنياهو، سياسيين متخاذلين مع القيادة الفلسطينية ومفرطين بأرض إسرائيل. وهذه النقطة هي أنه كان يقول ما يؤمن به بدون مواربة وبدون نفاق سياسي أو نفاق اجتماعي وأن أقواله كشفت عن عورة القيادة الإسرائيلية والصهيونية. وهو كما كتب عنه الصحافي البارز عكيفا الدار، قال زئيفي بصوت عال ما فكر به قادة الليكود مثل عوزي لنداو وليمور ليفنات وتساحي هنغبي: «في أرض إسرائيل مكان لشعب واحد فقط هو شعب إسرائيل» ("هآرتس"- 23-1-2001).

هذا هو تراث زئيفي، عنصرية، وعداء سرمدي للعرب. وهذا ما تود وزيرة المعارف في حكومة إسرائيل أن تدرسه للطلاب اليهود والعرب في البلاد. فلماذا يصمت العرب؟ ولماذا يصمت الأوروبيون؟ ولماذا يصمت العالم؟ ولماذا يصمت الإسرائيليون الذين يزعمون بأن دولتهم واحة الديمقراطية ومنارة الحرية في الشرق؟.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات