(*) يشمل هذا العدد من "أوراق إسرائيلية" (*) تفصيلات الخطة الخماسية للجيش الإسرائيلي، المسماة "خطة تيفن 2012"، بحسب ما أعلن عنها الناطق العسكريّ الإسرائيليّ، والتي من المقرّر أن يبدأ العمل فيها في سنة 2008.
من شأن القراءة المتأنية للتعليقات المنشورة على الخطة ذاتها ولأخرى تتعلق ببعض الخلفيات والتداعيات، والمكتوبة بأقلام بضعة خبراء ومعلقين عسكريين إسرائيليين، أن توضّح أبرز مداليلها.
أيًا تكن هذه المداليل فإن ما يستوقفنا منها هو ما يلي:
1- ولدت "خطة تيفن 2012" في سياق استخلاص دروس الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، وهو ما تدل عليه، على نحو خاص، التفصيلات المتعلقة بالقوات البرية وتشكيلات الاحتياط، غير أنها "تعرض اتجاهات مركزية للأعوام العشرة المقبلة في ميادين تعاظم قوة أذرع الجيش وتشكيلات القوات وتحسين القدرات في مناحي التدريبات واحتياطيات الذخيرة وشراء الأسلحة والوسائل القتالية والتسلح، سواء بشأن مواجهة محتملة في الدائرة القريبة أو بشأن رؤية متقدمة على أعتاب احتمالات مواجهة في الدائرة الثانية أو الدائرة الثالثة، إذا ما اقتضى الأمر". وإنّ هذه الاتجاهات هي محصلة السيناريوهات الإسرائيلية المتوقع حدوثها في تلك الأعوام بشأن "التحديات المقبلة"، والتي سرعان ما يتبين أنها [التحديات] مجموعة من المخاطر التي ترى المؤسسة العسكرية أنها تتربص بإسرائيل في المستقبل القريب والبعيد.
ووفقًا لما نشر عن مداولات "ورشة هيئة الأركان العامة"، التي عقدت في مجرى الإعداد لهذه الخطة، فإن "التحديات المقبلة" في نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هي التالية:
- إحباط خطر تحوّل دولة إسلامية معادية ليست محاذية لإسرائيل إلى قوة نووية مهدّدة (خصوصًا إيران، وأيضًا باكستان إذا ما وقعت في قبضة الإسلام المتطرّف)؛
- اندلاع حرب مع سورية التي تعاظمت قوتها في الأعوام القليلة الفائتة بموجب تقديرات الاستخبارات في إسرائيل؛
- انفجار جولة حربية أخرى مع حزب الله، الذي تشير آخر التقويمات الإسرائيلية الاستخباراتية إلى أنه يملك في جنوب لبنان وحده آلاف الصواريخ ذات مدى يتراوح ما بين 40 كيلومترًا إلى 110 كيلومترات، كما توجد جنوبي الليطاني المئات من القاذفات والصواريخ المضادة للدبابات، والمئات من الصواريخ المضادة للطائرات، والعشرات من المدافع المضادة للطائرات وكمية كبيرة من العبوات الناسفة؛
- وقوع مواجهة مع الفلسطينيين؛
- جمود العلاقات مع مصر ما بعد حسني مبارك.
وهناك احتمال بأن تتحقق السيناريوهات السالفة مجتمعة، أو كلاً على حدة.
كما أسمعت في الورشة السالفة ذاتها ملاحظات هامشية بشأن احتمال انتهاء عهد السلالة الهاشمية في الأردن وحصول تغيير جوهري في السعودية وإعلان انتفاضة من قبل المواطنين العرب في إسرائيل.
وقد سبق لمعلق الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس"، أمير أورن، أن رأى في معرض تعقيبه على مداولات تلك الورشة أنه جراء "هذه السلسلة الطويلة والشديدة الوطأة من المشكلات، التي يحتمل أن تخرج إلى حيّز التطبيق، يتعيّن على إسرائيل أن تبني ما بين ثلاثة إلى خمسة جيوش مختلفة. غير أنّ إسرائيل لا تملك ما يكفي من المال والمتطوعين لمثل ذلك، لذا فإنّ الحلّ العمليّ هو بناء جيش متعدّد الأهداف يكون بالوسع نقله من مهمة إلى أخرى بعد إخضاعه لعمليات ملاءمة بسيطة" ("هآرتس"، 24 آب 2007).
2- ثمة تركيز في "خطة تيفن 2012" على "العنصر البشري". ويأتي ذلك في أعقاب الجدل الحامي الوطيس الذي أشعلته الحرب الأخيرة حول طابع الجيش الإسرائيلي وتركيبته وحول "ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية" ونطاقها ودوافعها الحقيقية. ومع أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة منفصلة، فقد ارتأينا أن من الضروريّ أن نلمّ بالقليل من تفصيلاته، خصوصًا تلك التي تشي بالتغيرات التي يتعرّض لها المجتمع الإسرائيلي، على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية، وتنعكس على الجيش.
3- إذا كان التركيز على العنصر البشريّ يستهدف، بالأساس، استعادة المكانة المركزية للجيش في إسرائيل باعتبارها "دولة في حالة حرب دائمة" فإنّ التركيز، الموازي والمكمّل، على "بناء قوة" هذا الجيش يتخذ مما يسميه معظم الخبراء والمعلقين بـ"تلاشي نافذة الفرص" مبررًا بليغًا للدعوة المحمومة إلى أن لا تتعدى غاية الجيش الإسرائيلي مسألة "الدفاع عن إسرائيل وسكانها". ومعنى ذلك أن تكون وجهة الجيش هي الحرب أولاً، ودائمًا. وقد خفّ معلق صحيفة "هتسوفيه" العسكريّ إلى تأويل ذلك باستغراق الجيش، على مدار الأعوام الخمسة عشر الفائتة، في "دفع عمليات سياسية قدمًا، أو طرد يهود من بيوتهم"، في إشارة إلى خطة "فك الارتباط" مع قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية.
ويبقى السؤال الذي تطرحه هواجس من هذا القبيل- قبل أي سؤال آخر يتعلق بكيفية استنفاد إسرائيل للفرص التي يدور الحديث بشأنها- هو: هل كان هناك، فعلاً، تقصير في استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب؟ وهل الفشل العسكريّ خلال الحرب على لبنان راجع فقط إلى التقصير في الاستعداد لها، من ناحية الجهوزية اللوجستية والاستخباراتية، أم إلى تغيّر طبيعة الحرب الما بعد حداثية وجوهر استعداد الخصم لها؟.
4- بطبيعة الحال هناك عدة "عوامل مساعدة" أخرى تقف خلف اعتماد خطة خماسية للجيش الإسرائيلي، علاوة على نتائج الحرب على لبنان، لعلّ أكثرها أهمية هو عامل زيادة المساعدات العسكرية الأميركية. وهو عامل شديد الأهمية، في نظرنا أيضًا، لكونه يوضح ماهية العلاقات الإسرائيلية- الأميركية والدور [الوظيفي] الموكول إلى إسرائيل في خضم الأوضاع العالمية والإقليمية الراهنة.
ولدى العودة إلى ما يقوله معلق "هآرتس"، أمير أورن، في هذا الصدد، بالإمكان أن نشير إلى أنّ انعدام "دستور أمنيّ" إسرائيليّ لا يعني انتفاء وجود قوانين أساس تحكم النظرية الأمنية، ومنها قانون أساس بديهيّ في عمل الجيش هو "عدم جواز الخصام مع أميركا". ويؤكد أورن أنه لا توجد عملية عسكرية مهمة تقوم بها إسرائيل دون أن تتفاهم بشأنها مع البيت الأبيض، ومن المفضل أن يكون هذا التفاهم مسبقًا. وتترتب على هذا القانون حاجة إسرائيلية إلى "أخذ الاعتبارات الأميركية السياسية والعسكرية في الاعتبار" حتى وإن كانت بمثابة اعتبارات قاهرة بالنسبة لإسرائيل.
أخيرًا، لا بدّ من إيراد ملاحظة تتعلق بعملية إعداد هذه "الورقة". فقد حرصنا على تقديم مجموعة من التعليقات التي كانت في الجوهر منحصرة حول الطبيعة الهجومية أو الدفاعية الواجب على إسرائيل تبنيها في العقد المقبل، وأخذت دروس حرب لبنان حيزًا مهمًا خلالها. ومن ذلك، على سبيل المثال، مناقشة أضرار الاعتماد فقط على التكنولوجيا وضرورة العودة إلى التركيز على العنصر البشري. وكذلك التوقف عند البعد الاقتصادي، الذي بات على ما يبدو حاسمًا في مسألة تبني الحلول التكنولوجية أو عدم تبنيها.
وقد يتمثل الاستنتاج الوحيد الذي خرج به أصحاب هذه التعليقات في أن المستقبل يتطلب امتلاك المزيد من القوة. غير أنّ ذلك لا يعني، بحال من الأحوال، عدم وجود استنتاج آخر يتوازى معه ويناقضه، مفاده أن "حماية إسرائيل ممكنة، لكن فقط عبر السلام"، يؤمن به كثير من الإسرائيليين، لكنه لا ينعكس على أداء أصحاب القرار.
وإنّ مجرّد ذلك يثبت أن إسرائيل لم تكن في حيرة من أمرها أكثر مما هي حاليًا.
وبالمناسبة فإنّ هذه الحيرة وجدت تعبيرًا لها، حتى في بعض سياقات التقرير المرحليّ للجنة فينوغراد التي تتقصّى وقائع الحرب على لبنان، وذلك من خلال التطرّق إلى بضعة أسئلة وضعتها الحرب على نار حامية من الجدل. ومن ذلك، مثلاً، تنويه اللجنة بأنه بعد خمسة وعشرين عامًا خالية من الحروب وقعت حرب هنا (حتى وإن كانت من نمط مختلف). "وقد أعادت هذه الحرب إلى مركز النقاش والتفكير أسئلة حادة فضّل المجتمع الإسرائيلي، في أجزاء منه، أن يتهرّب منها. الجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزًا للحرب لأنه، من ضمن أمور أخرى، تبلور لدى قسم من المسؤولين في المؤسستين السياسية والعسكرية التفكير بأن عصر الحروب قد انتهى وأنه يوجد لدى إسرائيل والجيش الإسرائيلي ما يكفي من الردع في سبيل الحؤول دون أن تشنّ عليها حرب حقيقية. وبحسب هذا التحليل لم تكن هناك ضرورة للاستعداد للحرب، لكن لم تكن هناك في الوقت ذاته ضرورة للبحث بحماس عن مسارات تفضي إلى اتفاقات ثابتة وبعيدة المدى مع جيراننا".
وطالبت اللجنة بمراعاة كون أسئلة من هذا القبيل "هي الأسئلة المركزية التي تطرحها حرب لبنان الثانية، أبعد من فحص تقصيرات الإدارة والجهوزية، وأبعد من تفحص عيوب القرارات". وأضافت "غير أن هذه الأسئلة لا تندرج ضمن التفويض الممنوح للجنة تحقيق كهذه أو غيرها. إنها أسئلة تقف في قلب وجودنا هنا كدولة يهودية وديمقراطية. وسيكون من الخطأ الفادح أن يقتصر فحص دروس الحرب في لبنان على تفحص العيوب والإخفاقات التي تكشفت خلالها"، على ما أكدت اللجنة.
_____________________
(*)"الحرب أولاً ودائمًا- الخطة الخماسية للجيش الإسرائيلي، تيفن 2012". بأقلام: نخبة من أبرز الخبراء والمعلقين العسكريين الإسرائيليين. إصدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، تشرين الثاني 2007 [في إطار سلسلة "أوراق إسرائيلية"، رقم 42]. هذا المقال ظهر كتقديم للإصدار.