المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1636

* بوش "لم يسقط عن الكرسي" لدى سماعه أقوال شارون وعزمه الواضح على اغتيال الرئيس الفلسطيني * الصحافي الأكثر قربًا من شارون، أوري دان،  لم ينجح في كتابه "أسرار أريئيل شارون" الصادر أخيرًا بإبعاد صفة "الدموية" عن تاريخ رئيس حكومة إسرائيل السابق * 

(*) الكتاب: "أسرار أريئيل شارون"

(*) المؤلف: أوري دان

(*) الناشر: دار "يديعوت أحرونوت" للنشر، 2006، 412 صفحة

 

 

 

في أثناء زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي، أريئيل شارون، لواشنطن في 14/4/2004 ولقائه الرئيس الأميركي، جورج بوش، تخلّص شارون من وعده بعدم المس بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وراح يتحدث في اللقاء ذاته عن "مساعدة الله" للمسّ بعرفات.

 

هذا ما كتبه الصحافي الإسرائيلي أوري دان في كتابه "أسرار أريئيل شارون"،  الصادر مؤخرا في إسرائيل عن "دار يديعوت أحرونوت للنشر"، مؤكدًا أنه "فقط في 14 نيسان/ أبريل 2004 نجح شارون بالتحرر من تعهده لبوش، الذي أطلقه في آذار/ مارس 2001، بعدم المس بعرفات. وخلال لقاء في البيت الأبيض قال شارون لبوش إنه لا يعتبر نفسه ملتزمًا أكثر بذلك الوعد الذي نجح الرئيس الأميركي في إنتزاعه منه أثناء لقائهما الأول" عندما فاز حزب الليكود بالانتخابات العامة وشكّل شارون حكومته الأولى.

وبحسب دان، وهو أحد أكثر المقربين من شارون منذ سنوات الخمسين ورافقه في الكثير من سفراته وبينها زيارة البيت الأبيض في نيسان/ أبريل 2004، فإن بوش رد على شارون قائلا إنه "ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بأيدي القوة عليا، بأيدي الله" وأجاب شارون "ربما يتوجب أحيانا تلقي مساعدة الله".

 

وتابع دان أن بوش "لم يسقط عن الكرسي" لدى سماعه أقوال شارون وعزمه الواضح على اغتيال الرئيس الفلسطيني. وأضاف أن بوش لم يمنح شارون أبدا ضوءا أخضر لتصفية عرفات لكنه لم يفرض عليه عدم المس بعرفات. وأشار دان إلى أن شارون شعر بعد هذه المحادثة القصيرة مع بوش "وكأنه تحرّر من عبء ثقيل" واعتبرها محادثة بالغة الأهمية، خصوصا أن بوش وشارون كانا قد تفاهما في لقائهما الأول على أن لا يفاجئ أحدهما الآخر. وقد برر شارون تحرره من التزامه بعدم المس بعرفات بأنه يأتي "على ضوء تطورات محتملة في الحرب (الانتفاضة) المستمرة".

وكشف دان في كتابه عن أن الجيش والمخابرات الإسرائيليين كانا قد أعدا خطة للقبض على عرفات، الذي كان محاصرا في مقره في المقاطعة في رام الله، بأمر من شارون بعد عملية انتحارية وقعت في أيلول/ سبتمبر 2003، لكن تسريبات من جانب موظفين وسياسيين إسرائيليين لمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية حالت دون تنفيذ الخطة.

وردد شارون عدة مرات في أذن دان العبارة التالية "أتمنى أن أكون قائد سَرية أو كتيبة عسكرية وأرغب في تسوية الأمر في المقاطعة بنفسي". ولفت دان إلى أن مسؤولين في الإدارة الأميركية، وخصوصا وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، كانت تطالب في كل مرة اقتربت فيها القوات والجرافات الإسرائيلية من المقاطعة بعدم التعرض بأذى لعرفات. لكن في إحدى المحادثات بينهما وبعدما كرر دان السؤال لماذا لا يتم القبض على عرفات أو قتله قال له شارون "دعني أعالج الموضوع بطريقتي يا أوري". وقبل أسبوع من وفاة عرفات في مستشفى برسي العسكري قرب باريس كان دان قد أيقن أن الرئيس الفلسطيني مشرف على الموت، وكتب في مقال نشره في صحيفة "معاريف" يوم 4.11.2004 يقول إن "كتب التاريخ ستذكر رئيس الحكومة أريئيل شارون كمن اغتال ياسر عرفات من دون أن يقتله".

وأضاف دان في السياق ذاته أنه خلال العام 2005 زار شارون فرنسا والتقى الرئيس جاك شيراك. وبعد وقت قصير من انتهاء اللقاء وجه دان سؤالا لشارون بعد عودته إلى الفندق الذي نزلا فيه "هل من الجائز أن يكون موت ياسر عرفات، الذي حظي بدعم ورعاية فرنسا، قد ساهم في أن يفرش لك شيراك بساطا أحمر عندما التقاك في الإليزيه؟". ورد شارون على ذلك قائلا "لماذا يتوجب علينا الانشغال بالتاريخ. من الأفضل أن ننشغل بالمستقبل... هذا (موضوع) يتعلق بالماضي".

 

يشار إلى أن المسؤولين الفلسطينيين يتهمون إسرائيل منذ مرض الرئيس الراحل عرفات في تشرين الأول/ أكتوبر 2004 وحتى اليوم بتسميم عرفات، كما أن التقرير الطبي الذي أعده أطباء المستشفى الفرنسي، والمؤلف من 500 صفحة، لم يشر بوضوح إلى سبب التدهور المتسارع لحالته الصحية ومن ثم الوفاة، فيما تذكّر الفلسطينيون حالة مشابهة عندما سممت إسرائيل القيادي السابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وديع حداد.

 

 

غزو لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا

 

 

الأمر البارز في جميع صفحات كتاب "أسرار شارون"، البالغ عددها 412 صفحة، هو أن دان يبدي تعصبا أعمى لشارون، ويهاجم سياسيين وصحافيين إسرائيليين لمجرد أنهم وجهوا انتقادا لشارون فيما يهاجم بشدة خصوم شارون السياسيين والعسكريين داخل الجيش الإسرائيلي. ولم يعارض دان شارون سوى في موضوع واحد هو خطة فك الارتباط، التي تم تنفيذها في صيف العام 2005 وانسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بعد تفكيك المستوطنات هناك.

وبرز تعصب دان لشارون بشكل كبير في فصول الكتاب التي تحدثت عن غزو لبنان في حزيران/ يونيو 1982 وعن مجزرة صبرا وشاتيلا وهاجم تقرير لجنة كاهان الإسرائيلية حول المجزرة والتي أوصت بألا يتولى شارون منصب وزير الدفاع. كذلك رافق دان شارون في معظم سفراته إلى الولايات المتحدة لحضور جلسات المحاكمة التي نظرت في دعوى شارون ضد مجلة "تايم" الأميركية التي حمّلت شارون مسؤولية المجزرة.

ورغم أن إسرائيل تذرعت بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن شلومو أرغوف لبدء غزو لبنان إلا أن دان يلقي الضوء في كتابه على أن شارون كان يعد مسبقا لهذا الغزو. وأفاد دان بأن شارون، الذي كان وزير الدفاع في حكومة مناحيم بيغن الثانية، اقترح عليه في أيلول/ سبتمبر 1981، أي قبل تسعة شهور من محاولة اغتيال أرغوف، أن يشغل وظيفة مستشاره الإعلامي. وقد برر شارون هذا العرض بأنه "من المتوقع أن نخرج إلى حرب في لبنان ويمكنك أن تساعدني فقط كموظف رسمي".

وقبل أسبوع من وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا اغتيل الرئيس اللبناني بشير الجميّل في مكتبه في بيروت. وكتب دان أن "مواطنا لبنانيا أرسلته المخابرات السورية هو الذي وضع القنبلة في مكتب بشير الجميّل وفجرها عن بعد في اللحظة التي عرف فيها أن بشير يجلس في مكتبه".

وبحسب دان فإن علاقة بشير الجميّل بإسرائيل بدأت منذ العام 1976 عندما حضر لأول مرة إلى تل أبيب ومنذ ذلك الحين توطدت العلاقات بين الجانبين وكلفت إسرائيل أفرادًا من جهاز الموساد وضباطًا من الجيش الإسرائيلي بتدريب قوات الكتائب اللبنانية وأن "الموساد هو أبو الكتائب وأمها".

وأضاف دان أن عددا من القادة الإسرائيليين، بينهم بيغن وشارون، وجهوا انتقادات للكتائب عموما ولبشير الجميّل خصوصا لأنهم لا يتعاونون مع الجيش الإسرائيلي، لا أثناء حملة الليطاني في جنوب لبنان في العام 1978 ولا أثناء غزو لبنان في 1982، في محاربة قوات المنظمات الفلسطينية في لبنان.

وغداة اغتيال الجميّل توجه شارون يرافقه دان إلى بلدة بكفيا اللبنانية لحضور "سلسلة اجتماعات" مع عائلة الجميّل وضباط الجيش الإسرائيلي. وتحدث شارون خلال هذه الاجتماعات عن "تخوفه" من أن يقوم أكثر من ألفي مقاتل فلسطيني، كانوا لا يزالون في بيروت الغربية بعد خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من بيروت، باستغلال الوضع بعد اغتيال الجميّل لشن هجمات.

وأمر شارون الجيش الإسرائيلي أن يزج بقواته باتجاه بيروت الغربية فيما قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، رفائيل ايتان، خلال الاجتماع مع قيادة الكتائب، إنه بسبب مقتل مئات الجنود الإسرائيليين خلال اجتياح لبنان فإنه يجدر "أخيرا" أن تنضم الكتائب للحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وقال دان في كتابه إن شارون كان يتطلع، من خلال محاربة المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات، إلى أن لا يتم تدمير "الإنجازات التي حققتها إسرائيل في لبنان" وقد مرر شارون تحذيره هذا إلى الإدارة الأميركية.

وبعد أيام قليلة من الاجتماع في بكفيا دخلت قوات الكتائب اللبنانية إلى مخيمي صبرا وشاتيلا واقترفت المجزرة فيما القوات الإسرائيلية كانت منتشرة على حدود بيروت الغربية.

ومع بدء الكشف عن هول المجزرة بدأ دان يتلقى اتصالات من مراسلي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية الذين وجهوا إصبع الاتهام لشارون. وهاتف دان شارون، الذي كان في منزله يقضي عطلة رأس السنة العبرية. لكن شارون رد عليه قائلا إن "الجيش الإسرائيلي لم يدخل إلى هناك بتاتا ويجري فحص ما الذي حدث هناك"، في المخيمات الفلسطينية. كذلك رفض شارون اقتراح دان بتشكيل لجنة تحقيق وادعى أن لا علاقة له بالمجازر. ورغم أن العالم كله كان يرى المشاهد المروعة للمجزرة على شاشات التلفاز صرخ شارون بدان "دعني أرتاح قليلا بالعيد وقد أصدرت التعليمات المناسبة... رئيس هيئة الأركان سيرد على الأسئلة وإذا كانت هناك ادعاءات ضد الحكومة فإن العنوان هو مناحيم بيغن".

 

 

تدمير مستوطنات يميت في سيناء

 

 

يعتبر شارون "أبو الاستيطان" ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب وإنما أيضا في الجولان وسيناء، وهي المناطق التي احتلتها إسرائيل في "حرب الأيام الستة" في العام 1967. وينقل دان في كتابه جملة عن شارون لدى إطلاقه مشروع الاستيطان. قال شارون لدان "لقد نجحت بالحصول على مصادقة وزير الدفاع موشيه ديان بنقل قواعد تدريب للجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية". وشجع شارون بعد ذلك عناصر في اليمين الإسرائيلي على القدوم للاستيطان بالقرب من هذه القواعد العسكرية وإنشاء البؤر التي تحولت بعد سنوات قليلة إلى مستوطنات.

كذلك ساهم شارون بشكل كبير في بناء المستوطنات في سيناء وبينها الكتلة الاستيطانية يميت. وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر كان على إسرائيل الانسحاب من سيناء وإعادتها لمصر وإخلاء المستوطنين فيها. ورغم أن إسرائيل أبقت عددًا من المستوطنات على حالها بعد إخلاء مستوطنيها إلا أن شارون أصر على هدم البيوت والبنية التحتية في كتلة المستوطنات يميت.

وقال شارون في رده على سؤال لدان حول سبب تدمير هذه الكتلة الاستيطانية بالذات إن الهدف هو منع 100 ألف مصري من القدوم للسكن فيها بعد إخلائها لأنها قريبة من الحدود مع إسرائيل وتحسبا من تسلل مصريين إلى داخل إسرائيل الأمر الذي سيجعلهم "خطرا أمنيا".

 

 

*****

 

يعرض كتاب أوري دان وجهة نظر شخصية ومتعصبة لشخص شارون. رغم ذلك فإن الكاتب لم ينجح في إبعاد صفة "التاريخ الدموي" عن شارون بسبب طبيعة النشاط العسكري لشارون منذ العام 1948. فقد خصص دان جزءا من الكتاب للعمليات العسكرية الدموية التي بادر إليها شارون بعد إنشائه "الكتيبة 101" منذ أواسط سنوات الخمسين في الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وفي قطاع غزة الذي كان تحت الحكم المصري. وقد عرفت هذه العمليات بـ"عمليات الانتقام" وقتل خلالها مئات الفلسطينيين بزعم محاربة الفدائيين الفلسطينيين.

إن منظور شارون، وفقا لكتاب أوري دان، لا يشمل مصطلحات مثل "مفاوضات" أو "هدنة" أو "تسوية" وإنما يشمل تنفيذ هجمات محدودة ضد العرب، وخصوصا الفلسطينيين، بهدف "جباية ثمن" مقابل التسلل إلى البلاد من جانب فدائيين أو مجرد أفراد غير مسلحين.

ونقل دان عن شارون قوله في هذا السياق إنه "في كل صدام مسلح بيننا وبين العرب يتوجب علينا تحقيق ردع مطلق، وبعد أن تغلبنا على العدو يتوجب أن يسود الهدوء في ميدان القتال، ويجب أن نجعل العرب يفتقدون الرغبة تماما بشن حرب ضدنا وأن يكون واضحا لهم أن احتمالات نجاح العدو ميئوس منها مسبقا".

 

ويظهر من الكتاب أيضا أن شارون لا يملك منظورا سياسيا، بمعنى أنه لا يعرف حل الأمور بشكل سياسي أو دبلوماسي، حتى عندما تولى رئاسة الحكومة. وتشير دراسات إسرائيلية عديدة صدرت في السنوات الأخيرة، بينها كتاب "سهم مرتد" للصحافيين رفيف دروكر وعوفر شيلح، إلى أنه كانت هناك عدة مناسبات لوقف الانتفاضة الفلسطينية الثانية إلا أن شارون كان يصر دائما على تصعيد المواجهة ظنا منه أنه يمكن الحسم، علما أن المحللين العسكريين الإسرائيليين يجمعون على أن إسرائيل لم تحسم معركة ولم تعد قادرة على ذلك منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

 

ومع صدور الكتاب كان قد مرّ أكثر من عام على غياب شارون الذي دخل في مطلع العام الماضي في غيبوبة عميقة ولم يتمكن أيضا من وداع صديقه مؤلف الكتاب الذي توفي قبل صدور الكتاب بشهرين...       

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات