المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1236

أظهر بحث شامل أجراه "مدى الكرمل"، المركز العربي للأبحاث الاجتماعية والتطبيقية، أن التصريحات العنصرية تجاه مواطني إسرائيل العرب ليست حكرا على  السياسيين والشخصيات العامة من اليمين فقط، بل إنها تضرب جذورها في أوساط أجزاء واسعة من الجمهور اليهودي.

البحث تحت عنوان "إسرائيل والأقلية الفلسطينية 2004"، هو الثالث الذي ينشره مركز مدى الكرمل، ويُركز على تعامل الجمهور اليهودي وسياسة السلطات تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.

 

 

يخلون مستوطنات يهودية؟ فليخلوا أيضا بلدات عربية

 

يهتم القسم الأول من البحث في مجموعة القوانين التي سنها الكنيست من أجل تقييد حقوق مواطني إسرائيل العرب في مواضيع الأراضي ولم شمل العائلات. هكذا مثلا، يعرض البحث تعديل قانون المواطنة، الذي صودق عليه هذا العام، والذي يهدف إلى تقييد عدد الفلسطينيين المتزوجين من إسرائيليين. كما يعرض البحث أيضا قانون الانتخابات للكنيست الذي صودق عليه في أيار الماضي والذي رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست والذي من شأنه المس في تمثيل الأحزاب العربية.

في السنة الماضية حاول أعضاء كنيست من اليمين أيضا تقديم اقتراحات قوانين تشجع طرد العرب. وفي 8 أيلول الماضي رفضت رئاسة الكنيست اقتراح قانون قدمه عضو الكنيست اريه الداد (الاتحاد القومي) والذي ينص على أنه في  كل حالة إخلاء مستوطنة يهودية يجب إخلاء بلدة عربية في إسرائيل ونقل سكانها إلى أراضي السلطة.

ووفقا لاقتراح القانون هذه، سيتم إخلاء السكان العرب إلى أراضي السلطة الفلسطينية. وبعد شهر على تقديم هذا الاقتراح، رفض الكنيست اقتراح قانون فك الارتباط الخاص بأعضاء الكنيست أوري أريئيل وتسفي هندل (الاتحاد القومي)، والذي يهدف إلى إخلاء سكان عرب من منطقة جنوب القدس. ويدعي معدو البحث أن لجنة السلوك في الكنيست تحولت، خلال رئاسة عضو الكنيست الداد لها، إلى أداة ووسيلة لمعاقبة أعضاء الكنيست وتقييد حرية كلامهم. هكذا، مثلا، قررت اللجنة في كانون الأول الماضي، حرمان عضو الكنيست عصام مخول ( من كتلة الجبهة الديمقراطية) من حق الكلام أمام هيئة الكنيست وفي اللجان لمدة عشرة أيام بسبب شكوى وزير ة التربية والتعليم، ليمور لفنات، من أنه نعتها بأنها " فاسدة" واستخدم تعبيرات "حكومة خنزيرية" و"حكومة دموية".

إضافة إلى اقتراح القانون، يدعي معدو التقرير أن مواطني إسرائيل العرب يعانون من الإجراءات التي تتخذها الوزارات. ويورد البحث من جملة الأمور، خطط تطوير النقب والجليل وقرارات وزارة الداخلية التي تهدف إلى تقييد المجال الحيوي للسكان العرب وتشجيع انتقال اليهود- بهدف إيجاد "توازن" مع الزيادة الديمغرافية العربية.

 

247 مسلما ماتوا في مكة: "إنه يوم عيد"

 

قسم آخر من التقرير ينشغل بالتصريحات والتفوهات العنصرية ضد العرب والمسلمين في وسائل الإعلام. وعلى سبيل المثال، اختارت المجلة الحريدية "ساعة جيدة" وصف موت 247 حاجا مسلما في مكة في السعودية في شباط 2004 بأنه حادث ايجابي ومُفرح.

فتحت عنوان "من أجل التغيير، الأضحى كان عيد فعلا"، كتبت المجلة: "هذه المرة يمكن فعلا وصف الحج إلى مكة بأنه عيد الأضحى، لأنه سقط هناك مئات جميلة من الضحايا، وبالنسبة لنا فإن هذا الأمر يُعتبر على الأقل عيدًا بعض الشيء". وفي أعقاب شكوى قدمها عضو الكنيست أحمد الطيبي (الحركة العربية للتغيير) أمر المستشار القضائي للحكومة في أيلول 2004 بفتح تحقيق ضد المجلة.

في أيار 2004 اقتُبس عن حزاي كالو، رئيس القسم اليهودي في الشاباك سابقا، في صحيفة "هآرتس"، وصفه الحركة الإسلامية بالسرطان. وهو قال "في رأيي، الحركة الإسلامية اليوم كالسرطان الذي يتفشى بين عرب إسرائيل، وأنا أعي شدة هذا التعبير. فالحركة الإسلامية تشكل دفيئة للإرهاب ويتعين معالجة أمرها عبر الاعتقالات، التحقيقات، المحاكمات وحتى إعلانها خارجة عن القانون".

 

"ماذا لديهم- خلل جيني أم نقص ثقافي"؟

 

لكن حصة الأسد في التقرير تحتله تصريحات السياسيين من اليمين. ففي شباط 2004 التقى وزير السياحة آنذاك، بيني أيلون، مع مجموعة من المسيحيين التبشيريين الأميركيين ودعاهم إلى محاولة تغيير دين المسلمين إلى المسيحية. وطلب أيلون منهم "اذهبوا من مسجد إلى مسجد، اجلبوا النور للمسلمين. لجميع المسلمين الذين نسوا أنه ممنوع القتل. حولوا المسلمين إلى مسيحيين مؤمنين وإلى أناس صالحين".

زعيم قسم "القيادة اليهودية في الليكود"، موشيه فايغلين، ألمح إلى مقارنة بين القردة وبين العرب واستخدم كلمات قاسية في وصف نبي الإسلام. وقال "لا يمكن تعليم القردة الكلام، ولا يمكن تعليم العرب أن يكونوا ديمقراطيين. لنا شغل مع أمة من السارقين والساطين. محمد، نبيهم، كان سارقا، قاتلا وكاذبا. العربي يدمر كل شيء يلمسه".

تفوه عنصري آخر خرج من فم نائب وزير الدفاع، زئيف بويم، الذي قال في احتفال لمناسبة 26 عاما على وقوع العملية ضد الحافلة على خط الساحل: "أنا أسأل نفسي ماذا يوجد في الإرهاب القاتل؟ ماذا يوجد في الإسلام بشكل عام؟ ماذا يوجد في الفلسطينيين بشكل خاص؟ فهل يتعلق الأمر بنقص ثقافي أم بخلل جيني؟ ثمة شيء غير واضح في هذا القتل المتواصل".

لكن العاصفة التي أثارها بويم لم تمنع رئيس لوبي مستوطني الضفة والقطاع في الكنيست، عضو الكنيست يحيئيل حزان (ليكود)، من الدفاع عن نائب وزير الدفاع عندما قال إن "بويم محق مائة في المائة في ضوء حقيقة أنه طوال عشرات السنين والعرب يرتكبون المجازر بحق اليهود. ممنوع تصديق العرب حتى وهم موجودون 40 سنة في القبر، عندهم هذا الأمر مجبول في دمهم، فقتل اليهود هو عمل يحصل يشكل طبيعي. هذا هو مغزى التعبير القائل بأنه ممنوع إدارة الظهر للعربي لأنه سيغرز فيه سكينا".

لقد كرر حزان كلامه هذا أمام عدسات التلفزة وأضاف بعد بضعة أشهر لـ"رزمة" التفوهات العنصرية عندما قال من على منصة الكنيست : "العرب هم ديدان. في كل مكان يدودون. من تحت الأرض، من فوق الأرض وبكل وسيلة. هؤلاء الديدان يمسون بالشعب اليهودي منذ 100 عام ونحن نمد لهم يد السلام؛ وطالما لم ندرك أننا نتعامل مع شعب من القتلة، الإرهابيين الذين لا يريدوننا هنا، لن يحل الهدوء". من جهته، وصف عضو الكنيست ميخائيل غورلوفسكي، زميل حزان في كتلة الليكود، وصف المواطنين العرب في إسرائيل بأنهم "طابور خامس" ودعا إلى "فك الارتباط أحادي الجانب" عنهم.

أما الوزير جدعون عزرا فكان له اقتراح جذري لاكتشاف الانتحاريين في المواصلات العامة: "الوحيدون الذين يمكنهم التمييز بين البدوي والعربي، وبين من هو من خارج المنطقة، هم البدو. لو كان حراس الحافلات من البدو خريجي الجيش الإسرائيلي لكان في وسعهم أن يكتشفوا بشكل أفضل من هم سكان الضفة وغزة ومن هم بدو المنطقة".

 

حرق القرآن؟ "افعلوا ذلك بحكمة"

 

 بدورهم "يسطع نجم" حاخامات ورجال دين في البحث باعتبارهم يتحلون بآراء مظلمة وعنصرية تجاه العرب. ففي آذار 2004 دعا بدهتسور بن عطيا، عضو المجلس الديني في بات يام، لإبادة المسلمين. وقال في مقابلة مع الصحيفة المحلية "زمان حولون بات يام" إن "المسلم الجيد هو المسلم الميت".

اسم الحاخام الرئيس لمدينة صفد، شموئيل الياهو، تصدر العناوين أكثر من مرة بفضل تفوهاته المثيرة للخلاف. فردا على سؤال حول ما إذا كان من الجائز النزول في فندق يعمل فيه عمال عرب، قال الياهو: "من المناسب قيام أحد ما بتنبيه المستهلكين بضرورة عدم الاستفادة من الخدمات التي يقدمها الفندق الذي يوظف عمالا عرب... في كل مرة أصل فيها إلى فندق كهذا لا أتناول الطعام بسبب مشاكل تتعلق بالحلال وبسبب مشاكل أمنية أيضا ومشاكل ذوقية. فإذا كانوا يحرصون على نظافة الطعام كما يحرصون على النظافة في قراهم، عندها الوضع صعب".

ردا على سؤال حول ما إذا كان يجب حرق القرآن الموجود بين يدي يهودي، قال الحاخام إلياهو: "كل كتب الكفر يجب إحراقها، وفي أيامنا هذه يجب الحذر في هذا الأمر لأن من شأنه إثارة اضطرابات ولذلك يتعين القيام بمثل هذا الفعل بحكمة". وعلى الرغم من الطلبات المتكررة والمختلفة، لم يقم المستشار القضائي للحكومة بإحالة الحاخام إلى المحكمة.

 

عائلة "الحمار": جنين، نابلس وطولكرم

 

حتى في الجامعات التي يفترض أن تكون "معقل التنوير"، أمكن العثور في السنة الماضية على تصريحات عنصرية. ففي أيار 2004 نُشر أن أحد التمارين في إطار مادة قانون العقوبات في كلية "أبواب القانون" تشمل مضامين عنصرية.

هذا التمرين يصف عائلتين متخاصمتين. العائلة الأولى، اليهودية، كان اسم الأب يعقوب واسم ابنته دينا. أما العائلة الثانية، العربية، فكان اسم الأب "حمار" وأبناؤه هم جنين، نابلس وطولكرم. وبعد شكوى تقدم بها عضو الكنيست عزمي بشارة، اعتذر المحاضر، القاضي المتقاعد الدكتور دان بيين، على مضمون التمرين وأوضح أنه لم يعرف به.

ينعكس التمييز أيضا في استطلاعات الرأي العام: ففي استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث الأمن القومي في أيار 2004، قال 55.3% من اليهود الذين سُئلوا إن العرب في إسرائيل يشكلون خطرا على أمن الدولة.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز يافه في العام 2004 أن 83% من مواطني إسرائيل اليهود يعارضون مشاركة المواطنين العرب في القرارات المصيرية مثل إعادة أراض.

فضلا عن ذلك، يُظهر التقرير أن مواطني إسرائيل العرب يصطدمون بمعاملة عنصرية ومميزة ضدهم في كل مجالات الحياة تقريبا: بدءًا من الدعوات التي صدرت ضد اللاعبين العرب في ملاعب كرة القدم، في أماكن السهر والترفيه وحتى في مكاتب شركات التأمين.

 

"إذا لم يتعاملوا بجدية فسنتوجه إلى المؤسسات الدولية"

 

مدير مركز "مدى الكرمل"، البروفيسور نديم روحانا، يقول: "قررت القيام بمتابعة سياسية للتشريعات، القرارات الحكومية، تفوهات أشخاص من النخبة واستطلاعات الرأي العام، التي تُظهر إلى أي حد يريد الجمهور اليهودي في دولة إسرائيل مغادرة المواطنين العرب للدولة، ومدى تشجيعه وجهة النظر التي تقول إن المواطنين العرب في إسرائيل هم ضيوف وغرباء".

   البروفيسور روحانا غير متفاجئ من المعطيات القاسية التي في التقرير ويحذر من أنه لن يكون أمام مواطني إسرائيل العرب من خيار سوى كشف وضعهم الصعب من خلال التوجه إلى المؤسسات الدولية. ويقول روحانا إن "التقرير يكشف صورة كئيبة جدا يظهر فيها المواطنون العرب كأعداء وأحيانا كأناس غير مرغوب فيهم، وكعائق أمام الدولة اليهودية. هذه النظرة جرى تبنيها من قبل المؤسسات الرسمية وبغطاء وتأييد النخبة والجمهور الواسع. المعطيات تبين أنه لا يمكن الدمج بين دولة يهودية ودولة ديمقراطية".

ويتابع "أحد الأهداف من وراء المتابعة السياسية هو الخروج إلى الرأي العام الإسرائيلي والدولي أيضا. وإذا لم يتعاطوا بجدية مع معطيات التقرير، فسنتوجه إلى المؤسسات الدولية. إذا واصلت إسرائيل اعتماد القوة والعنف فيمكنها ذلك، لكن ليس إلى ما لا نهاية، لأنها لن تستطيع مواصلة تقديم نفسها إلى العالم كديمقراطية".

من جهته، يتوقع أمير مخول، مدير عام " اتجاه"، الهيئة العليا للجمعيات العربية الأهلية في إسرائيل، أن يتضمن التقرير التالي معطيات أشد قسوة: "التقرير التالي سيتضمن عناصر أكثر عن العنصرية. الميل السائد في إسرائيل هو أن مكانة السكان العرب- الفلسطينيين في خطر. وموضوع الخطر هذا سيصبح ملموسا مع الأخذ في عين الاعتبار ما شاهدناه خلال جريمة القتل في شفاعمرو وتدنيس حرمة مسجد حسن بيك في يافا".

مخول يقول أيضا إنه ما من خيار سوى التوجه إلى هيئات دولية وعلى رأسها الأمم المتحدة: "يتعين على إسرائيل تقديم تقرير ضد العنصرية بعد أن وقعت على مواثيق دولية. عندما تقدم إسرائيل تقريرها، سنقدم نحن تقريرا موازيا يكون مستندا في أساسه إلى تقرير مدى الكرمل. وضع إسرائيل سيكون أسوأ إذا لم تقدم التقرير لأن ذلك سيشكل مؤشرا على أنه ثمة لديها ما تخفيه".

 

(*) إيتمار عنبري صحافي في جريدة "معاريف". والمقال ترجمة عباس اسماعيل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات