تحت عنوان "بوميرانغ"- "السهم المرتد"، أصدر صحافيان إسرائيليان بارزان كتابا جديدا استعرضا فيه كل ما دار خلف كواليس المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل اللتين ذرتا الرماد في أعين الإسرائيليين وحرك قياداتهما الخوف والإيمان الأعمى بالقوة فقط، منذ اندلاع الانتفاضة الثانية.
الكتاب هو من تأليف الثنائي رفيف دروكر، المعلق السياسي للقناة التلفزيونية العاشرة والذي سبق أن اصدر كتابا هاما عن رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك بعنوان "هراكيري" (صدرت ترجمته العربية عن "مدار") وعوفر شيلح، المعلق في "يديعوت احرونوت" وهو الآخر أكاديمي ومؤلف لأربعة كتب آخرها "الطبق والفضة".
يقول الكتاب إن القيادة وأغلبية الشعب الإسرائيلي غير مقتنعين أن ما شهدته البلاد منذ أيلول 2000 ليس سوى حرب لا بد منها، وأن القول بأننا في هذه الحرب دحرنا الإرهاب مخالف للحقيقة. وتتجلى بين صفحات الكتاب استنتاجات قاطعة أنه كان بالإمكان الحيلولة دون وقوع هذه الحرب او وقفها في مرحلة مبكرة. ويضيف الكاتبان "لو جاء شخص وقال لاريئيل شارون عشية تسنمه مقاليد رئاسة الوزراء انه في العام 2005 سيقود إسرائيل إلى انسحاب احادي من غزة وشمال الضفة ولبناء جدار سيترك 94 بالمائة من الأرض خلفه والى النظر نظرة عاجزة لتصاعد قوة "حماس" ومن ثم توصيف ذلك بأنه انتصار لكان شارون يعتقد أن مجنونا يمثل أمامه".
واعتمد "بوميرانغ" على تحقيق معمق وقراءة شجاعة لما جرى في المشهد الإسرائيلي استنادا الى مئات المقابلات والوثائق السرية ويوميات شخصية للمسؤولين الذين يعرضون الحقيقة دون رتوش.
كما يستعرض الكتاب كيفية صناعة القرارات وسط شروحات مستفيضة عن الاعتبارات والخلافات الشخصية والدسائس التي لازمت القادة الإسرائيليين كاشفا حقائق جديدة كثيرة. ويلقي المؤلفان الضوء على قيام القادة بتسويق رواية مغلوطة وكاذبة للإسرائيليين ويلفتان الى الليلة التي كاد فيها الاحتلال اأن يجهز "خطأ" على الرئيس الراحل ياسر عرفات. ويركزان على اهدار إسرائيل لكافة فرص تغيير وجه المواجهة نتيجة اتباع مواقف غير مسؤولة وهلامية قادت بالتالي الى ولادة خطة فك الارتباط. ويرى الكتاب أن القيادة الإسرائيلية وقعت اسيرة الجمود الفكري والخوف والإيمان الأعمى بالقوة حينما خرجت عام 2000 لإحراز الانتصار في "الحرب الأهم منذ حرب الاستقلال" وما لبثت ان عادت خالية الوفاض وبيدها فشل وثكل.
وأشار الكتاب الى أن الإسرائيليين عادوا وأعربوا اليوم عن استعدادهم لقبول ما رفضوه عشية الانتفاضة، وهو الانسحاب من الأغلبية الساحقة من الأراضي المحتلة عام 67 بما في ذلك القدس الشرقية إلى جانب قبولهم بعودة رمزية للاجئين. واضاف "لكن ذلك تم بعد وقوع الف ضحية من الإسرائيليين وثلاثة الاف فلسطيني". ويقول المؤلفان ان ثمة أخطاء وفوضى كبيرة وقعت في الجانب الفلسطيني ايضا لافتا الى الفرق الجوهري بأن هناك مجالا لفهم ما جرى للفلسطينيين كونهم يرزحون تحت الاحتلال. وأضاف "السلطة في إسرائيل تصرفت بموجب أهوائها وليس وفق إملاءات العقل.. لقد خرج شارون باحثا عن الحل والحسم العسكريين فوجد نفسه يفر من غزة واصفا ذلك بالانتصار. خرج لتقويض اتفاقات أوسلو فوجد نفسه يبني جدارًا ملاصقًا لتخوم الخط الأخضر الذي طالما كرهه اشد الكره. اما موفاز وديختر ويعالون الذين خرجوا من اجل كي وعي الفلسطينيين بالدبابة والصاروخ فقد وجدوا امامهم "حماس" تستبدل "فتح" فيما دعا 48 من الإسرائيليين إلى التفاوض مع الأولى بحسب استطلاع رأي جرى في مارس/آذار الماضي".
كما استعرض الكتاب إخفاق وخطورة وعدم أخلاقية هدم منازل الفلسطينيين وتعذيبهم بالحواجز والقيام بتصفية قياداتهم. وتطرق الى انشغال القيادة الإسرائيلية بالرئيس الراحل عرفات وشيطنته وتكريس أوقات وجهود جمة بما يشبه الإدمان، للمس بمكانته وبه نحو التخلص منه. كذلك يستعرض الكتاب بشكل مفصل قيام القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل بوأد كل محاولة للتهدئة من جانب الفلسطينيين خاصة من جهة محمود عباس حينما اشغل رئاسة الحكومة.
حساب النفس
في مقدمة الكتاب لفت المؤلفان إلى أن القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لم تجريا حسابا علنيا للنفس بعد خمس سنوات من سفك الدماء مشيدا بالمحاولة الفلسطينية اليتيمة لمراجعة الحسابات التي أجراها نبيل عمرو، وزير الإعلام الفلسطيني السابق، حول رفض الحلول المعروضة وعسكرة الانتفاضة والتي عبر عنها في مقالات سدد ثمنا باهظا لقائها وذلك في اشارة الى الاعتداء عليه العام الماضي. ويهاجم الكتاب الرئيس الراحل عرفات و"غياب" قيادته للشعب الفلسطيني وما يسميه "إحجامه عن بناء المؤسسات وعدم استغلال أموال الدول المانحة للتخفيف عن المواطن الفلسطيني". في المقابل اتهم الكتاب إسرائيل بإغفال التزاماتها وتسويق السلطة الوطنية لا كدولة يكون وجودها حيويا للجانبين انما كـ"سلطة" متعاونة لانجاز مهمات إسرائيل في مكافحة الإرهاب بدون المحكمة العليا او مؤسسة "بتسيلم" لحقوق الإنسان. ويتطلع الكتاب وفق تصريح مؤلفيه إلى وضع الإصبع على أخطاء القيادة الإسرائيلية في السنوات الخمس الأخيرة من اجل تفادي خطأ يقود لحرب قادمة.
يقول الكتاب ان ايهود باراك الذي خصص 15 شهرا لانهاء النزاع مع الفلسطينيين ترأس اجتماعا امنيا جادا واحدا فقط الى جانب جلسة قصيرة لمجلس الوزراء المصغر. ويلفت هذا الفصل الى الخلل الكبير في شخصية باراك السياسي وعمله الانفرادي والمتسرع إضافة الى تعامله المتعجرف واللاإنساني مع الآخر. وفور تفجر قمة كامب ديفيد شرع باراك في بلورة شبكة الأمان الجماهيرية حيث اخذ يتحدث عن ضرورة توفير الشرعية الدولية والوحدة الداخلية في حالة انفجار المواجهة. ونوه الكتاب الى جريمة اغتيال الدكتور ثابت ثابت في طولكرم في 31 ديسمبر 2000 ما أجج نار الانتفاضة دون اي مبرر لافتا الى امكانية اعتقاله لو ارادوا حينما سافر عبر مطار اللد الإسرائيلي قبل أسبوعين من استشهاده.
يقول الكتاب انه في 12.02.01 دخل شاؤول موفاز، قائد أركان جيش الاحتلال، إلى مكتبه فوجد "مسدس دخان" على طاولته الى جانب ملفات المعلومات الإستخبارية التي تبلغه دوما. وكان المسدس يحمل اشارة الى وجود المعلومة المطلوبة لحسم الرئيس ياسر عرفات وربطه بالإرهاب حيث شمل التقرير "ورقة سرية حول لقاء عرفات بقادة الفصائل الفلسطينية من اليوم السابق في رام الله وتوبيخهم لهم لقلة عدد القتلى الإسرائيليين". واشار هذا الفصل الى ان الصحافيين كانوا منذ اندلاع الانتفاضة يثقلون على موفاز بالسؤال حول ثبوت ضلوع عرفات بما يجري ومدى مسؤوليته. ويقول المؤلفان انه في حال كان عرفات فعلا هو محرك الانتفاضة فعندها لا بد من معاملته كعدو اما اذا كان يسعى لركوب موجتها فانه يصبح جزءا من المشكلة ومن الحل ايضا. واضافا "غير ان موفاز لم يسأل هذا السؤال وكان يزعم من اليوم الاول ان عرفات يتزعم الإرهاب وكان يطالب قادة الجيش بأكثر عدد ممكن من القتلى الفلسطينيين يوميا بغية الحاق الهزيمة بهم متجاهلا تقارير الشاباك والاستخبارات العسكرية بأن الانتفاضة جاءت وليدة غليان شعبي تحتي". ويتابع هذا الفصل ان موفاز احتفظ بالورقة السرية التي تدين عرفات برأيه حتى تشرين الأول 2001 وعندها كشف عنها امام رئيس الحكومة الجديد اريئيل شارون في اعقاب العمليات التفجيرية في العمق الإسرائيلي. ويقول المؤلفان ان موفاز واصل الزعم بتزمت ان الانتفاضة ثمرة خطة او مؤامرة نسجها عرفات منذ ان عاد عام 1993 تطبيقا لنظرية "خيوط العنكبوت الواهية التي ورثها من حسن نصر الله". واشار الكتاب إلى ان قسوة الاحتلال واطلاقه يد البطش ضد الفلسطينيين بتوجيه من موفاز خلال الأشهر الأولى حولت الانتفاضة من ثورة شعبية إلى هجمة إرهابية ودموية.
ويستهل المؤلفان الفصل الثالث من الكتاب بالقول ان عاموس جلعاد، مدير وحدة الأبحاث داخل الاستخبارات العسكرية (أمان)، واصل التحدث عن الرئيس الراحل ياسر عرفات بلغة المضارع دلالة على إدمانه التحدث عن الرئيس الفلسطيني معتبرا اياه السبب الرئيس خلف الصراع منذ ان عاد للبلاد كـ"حصان طروادة". واردف الكتاب بالقول ان جلعاد اعتبر عمل الاستخبارات كالفن فيما رأى بعرفات ابداعه المفضل- "موناليزا من الجحيم". واضاف "كان جلعاد يقول ان رجل المخابرات يعشق العدو بيد انه لا يعترف أن هذا ما حدث له مع عرفات". ورأى الكتاب ان جلعاد هو اهم رجل استخبارات إسرائيلي بعد حرب اكتوبر 73 وانه قام بصناعة الواقع المراد من طرفه بدلا من وصفه مركزا على قصة "أعطينا عرفات كل شيء لكنه فتح بالنار". واعتبر الكاتبان ان جلعاد بهذه القصة وضع الأساس للدعم الواسع الذي منحه الجمهور الإسرائيلي للهجمات القاسية للاحتلال ضد الفلسطينيين. واتهم الكتاب جلعاد الذي تحكم بالمواد الاستخبارية انه وضع "كتابا ابيضا" شفهيا مليئًا بالدعاية أكثر بكثير من تحليل بارد ومتواضع للواقع. وأضاف "وقد انسجمت هذه النظرية مع توجهات موفاز العنيفة فكان أكثر نفوذا من رئيس الاستخبارات نفسه عاموس ملكا بل هو الرجل الثاني بالأهمية بعد شارون في الحرب مع الفلسطينيين".
الجيش و"الشاباك" انغمسا في عمليات التصفية
ويتحدث "بوميرانغ" عن انغماس الشاباك والجيش في عمليات التصفية والاغتيال بقيادة موشيه يعالون، نائب قائد هيئة الأركان ويوفال ديسكين، نائب رئيس الشاباك، دون بحث انعكاسات هذه العمليات ونتائجها على استمرارية الصراع الدموي.
كما يتحدث الكتاب عن قيام نائب رئيس الشاباك، يسرائيل حسون، في 25 مارس 2001 بزيارة بيت قائد الامن الوقائي جبريل الرجوب الذي اعرب عن استعداده هو وقائد التنظيم مروان البرغوثي للعمل على وقف الانتفاضة مقابل انسحابات وبوادر حسن نية إسرائيلية. وأوضح الكتاب ان السلطات الأمنية الإسرائيلية رفضت الإصغاء لمعلومات حسون وبعد شهرين تعرض بيت جبريل الرجوب في رام الله نفسه للقصف. وأضاف "الرجوب المصدوم بادر للاتصال برئيس الشاباك وصرخ متسائلا: هل تعتزمون قتلي؟ فأجاب ديختر بفظاظة: لو أردنا ذلك لما كنت تتحدث معي الآن.. أما يعالون الذي كان يعي هو الآخر بقاء الأمن الوقائي خارج المواجهة فقد أجاب بفظاظة ليست أقل: فليغير الرجوب منزلا..".
وأوضح الكتاب ان الاستخفاف بأصحاب التوجهات السلامية من الفلسطينيين "نبع من موقف قادة أجهزة الأمن الرافض للاستعانة بالفلسطينيين لتوفير الأمن، والفاعل لتحصيله بالبندقية".
وتحدث الفصل السادس عن كيفية بلوغ اريئيل شارون للسلطة بداية 2001 بعد ان تم تسويقه كشارون الجديد: مقل بالحديث، عميق ومصغ لنصائح مستشاريه. شارون الذي اعتبر مرة انه لا يتوقف عند الشارة الحمراء بات يسأل من جانبه اذا كان يسمح له الاجتياز وشارة الضوء الأخضر امامه. ويقول المؤلفان إن أغلبية الإسرائيليين شككوا بشعار شارون حول توفير الأمن والسلام غير أنهم أرادوا التخلص من ايهود باراك.
ويشير فصل خاص الى تأهب الإسرائيليين لما سيفعله شارون بالفلسطينيين بعد اعتلائه سدة الحكم لوقف الانتفاضة قبل ان تتكشف الصورة بأنه عاجز عن الوفاء بوعوده. واستذكر الكتاب قيام مستوطنة من مستعمرة عوفرا في مايو 2001 بمخاطبة شارون أثناء تقديمه العزاء لها بوفاة زوجها وابنها في عملية فلسطينية: "نحن لا زلنا ننتظر اريك إياه فأين هو؟..".
وازاء نجاح الفلسطينيين بتنفيذ أعمال المقاومة ازداد شارون حنقا واحباطا فبات يصب جام غضبه على الرئيس ياسر عرفات. ويقتبس المؤلفان النائب اليميني بيني ايلون بقوله ان شارون ابلغه في العام 2001 انه بصدد بلورة خطة مرحلية تفضي الى تصفية ياسر عرفات. لكن شارون قطع وعدا للرئيس الأميركي خلال زيارته الأولى لواشنطن بعدم المس بعرفات بعدما نقل السفير الأميركي معلومات عن نية الحكومة الإسرائيلية بهذا الخصوص. واشار الكتاب إلى أن شارون لم يكشف وعده لأجهزة الأمن حتى اضطر للبوح بذلك ازاء ضغوطاتها للمس بعرفات.
ويكرس الكاتبان الفصل العاشر لعملية اغتيال رائد الكرمي لافتين الى ندم المسؤولين الإسرائيليين عليها لاحقا سيما بعد عمليات الثأر التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى (انضمام الكتائب للعمليات الاستشهادية لأول مرة) على الفور.
وتحت عنوان " شمعون يعود للغابة النرويجية" يصف الكاتبان كيف شقت تفاهمات بيريس- ابو علاء طريقها نحو الزوال ما مهد لاستعار نار المواجهة في نهاية 2001 ومطلع العام التالي قبيل عملية "السور الواقي" التي افتقرت برأي الكتاب الى اي خطة وكونها استخدام القوة المفرطة بدافع الانتقام.
في المقابل رأى الكتاب ان اريئيل شارون حقق فوائد من العملية من خلال القاء القبض على وثائق في المقاطعة ساعدته في مهاجمة السلطة الفلسطينية في الحلبة الدولية واتهامها بالفساد والإرهاب إضافة الى توحيد الإسرائيليين من حوله بعد تصفية التناقضات التي تنازعت قلوب الإسرائيليين منذ أوسلو "فالآن عاد العدو عدوا وجيش الدفاع محتلا والمقود بين يدي شارون".
وتحدث الكتاب بإسهاب عن حملات الاعتداء وعمليات الحصار التي تعرض لها مقر الرئيس عرفات في رام الله والذي كاد ان يقتل في احداها لافتا الى ان شارون كان يرغب بإغلاق الحساب معه منذ اجتياح بيروت عام 1982 لكنه كان يستخدمه للتهرب من التحديات كما فعل عندما رفض المبادرة السعودية بحجة ان عرفات سيقوضها ولا امل بالتأمل فيها. وكشف الكتاب ان المؤسسة الأمنية والسياسية الحاكمة كانت قد بلورت مخططات لطرد عرفات او لتصفيته ولفت الى اقوال عاموس جلعاد حول ضرورة ايجاد طرائق "مبدعة" للتخلص منه.
ويصف الكتاب حجم التأثير الإسرائيلي على مواقف البيت الأبيض حيال الصراع. وتطرق في هذا الشأن إلى خطاب الرئيس بوش في يونيو 2002 والذي اكد على ضرورة استبدال الفلسطينيين قيادتهم فيقول "ولد هذا الخطاب من رحم حالة الارتباك التي لازمت النظام الأميركي نتيجة عجزه عن التحرك ازاء تصاعد سفك الدماء في الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل فتعرض الخطاب الى تغيير المسودة 27 مرة في اجتماعات سرية بين كوندليسا رايس ونائبها من جهة وبين رسل اريئيل شارون برئاسة دوف فايسغلاس الذين نعموا بتدليل غير مسبوق من قبل الأميركيين، من جهة أخرى".
واشار الكاتبان إلى أن عرفات صمد في موقعه رغم كل الضغوطات الأميركية وخلافا لتوقعات المراقبين ما ادخل المنطقة الى نقطة أعمق في دوامة الدم سيما بعدما عرقلت سياسات البطش الإسرائيلية محاولات محمود عباس للخروج منها. واشار الكتاب إلى أن استنكاف شارون عن مساعدة ابو مازن جاء ليس نتيجة عدم الإيمان باحتمالات نجاحه فحسب انما من كثرة الانذارات بوقوع عمليات فلسطينية وعدم الرغبة بالتخفيف على حياة الفلسطينيين وعدم الرغبة بوقف شهية الاستيطان ايضا. ولفت الكتاب الى ان أجهزة المخابرات الإسرائيلية كانت تبالغ في حجم الانذارات بوقوع عملية بهدف إبقاء الإسرائيليين تحت السيطرة بمساعدة الخوف الذي كان يبرر المضي في تضييق الخناق الشديد على الشعب الفلسطيني أملا في إخضاعه عسكريا.
أما خطة فك الارتباط فقد ولدت برأي الكتاب كرد عجول على مبادرة جنيف وإنها افتقدت أي تخطيط مسبق لليوم التالي للانسحاب من غزة رغم التصريحات المعلنة. كما ينوه المؤلفان إلى أن جدار الفصل العنصري سيتحول إلى منزلة حدود دولية للدولة الفلسطينية بشكل ملاصق تقريبا للخط الأخضر خلافا لنوايا أريئيل شارون.
ويلفت رفيف دروكر وعوفر شيلح الى تشابه حكومات إسرائيل في السنوات الأخيرة من ناحية فوضوية صناعة القرار واستنادها إلى الغرائز والجهل أكثر من احتكامها إلى العقل.
"خطة فك الارتباط هروب من غزة"
من ناحية أخرى يؤكد الكتاب ان خطة فك الارتباط التي اعلن عنها رسميا في ديسمبر /كانون اول 2003 قد شكلت ثمرة عدة اسباب ابرزها الهروب من قطاع غزة نتيجة فشل الاحتلال في اخضاع الانتفاضة وليس مبادرة سلمية. ويوضح ان ولادة الخطة نجمت عن اعتبارات سياسية داخلية في صلبها خوف رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون من انحسار شعبيته وخوفه من فقدان الحكم نتيجة فشله في تأمين الامن والسلام اللذين وعد بهما الاسرائيليين. ويورد المؤلفان ضعف شخص شارون جراء الشيخوخة والرغبة في إزاحة الاضواء الاعلامية المسلطة عليه بفعل فضائح الفساد التي تورط بها واسرته كسببين اضافيين لفك الارتباط الذي لا يعتبرانه خطة انما "قرار" متسرع نجم عن ضغوطات مختلفة. واضافا "ولم يقدر شارون على بلورة مدى قرار الانسحاب الاحادي وحدوده وتقدير اثمانه وانعكاساته ولم تدرس بدائل اخرى لكنه اعجب به كونه ينسجم مع ايمانه بقدرة اسرائيل على صياغة الواقع لوحدها وفرض الامر الواقع سيما وانه رغب بعدم اشراك الرئيس عرفات في أي شيء".
وينوه الكتاب إلى انه في نهاية العام 2003 استشعر الوزير المقرب من شارون ايهود اولمرت ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يوشك على تغيير موقفه وانه يبدو مختلفا في فترة رئاسته الجديدة عما كان عليه في الفترة الاولى. ويقول إن اولمرت احس بان شارون الذي كان تحدث عقب انتخابه رئيسا للمرة الاولى عن تنازلات مؤلمة بشكل مبهم وغير ملزم بات يقف امام شيء مختلف تماما. ورغم كونه ابنا لعائلة صهيونية طلائعية بيد انه ادرك منذ زمن طويل ان حلم ارض اسرائيل الكبرى قد مات. وبالنسبة له فإن شارون العمالي الجذور ورجل الامن الذي اعتبر ان اسرائيل الكبرى لم تكن بنظره ايدلوجيا انما مفهوم تكتيكي قد دنا اكثر من اي وقت مضى من التغيير الذي شهده بنفسه قبل سنوات. واعتقد اولمرت ان شارون بحاجة الى من يساعده في اجتياز الحاجز لكنه لم يتحدث بهذا الخصوص معه عدا القول على مسمعه بضرورة عمل شيء ما والان قرر انه حان الوقت ان يقوم بواجبه. ويشير الكتاب إلى أن التأشير النهائي من قبل شارون قد جاء خلال مؤتمر لرجال الاعمال عقد في تشرين ثاني 2003. في ذاك المؤتمر قال شارون في خطابه ان اسرائيل ستضطر الى الاقدام على خطوات احادية اذا لم تلق خيارات اخرى. وعندما انهى شارون خطابه وعاد ليجلس في مقعده همس في أذن اولمرت: لم ارك تقفز من مقعدك عندما قلت "خطوات احادية" فاجاب الاخير "لم اقفز ولكن بالتأكيد اصغيت". واشار الكتاب الى ان دوف فايسغلاس هاتف اولمرت في مطلع كانون اول 2003 وطب منه ان يستبدل ارئيل شارون في القاء كلمة خلال حفل احياء ذكرى وفاة دافيد بن غوريون فوافق على ذلك وعندما تسلم نص الخطاب المكتوب من قبل شارون انتقى جملتين فقط منه اولهما اقتباس من اقوال بن غوريون نفسه :"اذا خيرت بين دولة يهودية ديمقراطية وبين ارض اسرائيل الكبرى اختار الاولى"، فيما كانت الجملة الثانية: "من شارك في القتال من اجل ارض اسرائيل يستطيع ان يصنع تنازلات مؤلمة". وغداة ذلك كرر اولمرت اقواله في لقاء صحفي مع "يديعوت احرونوت" فتحدث للمرة الأولى عن انسحاب احادي الجانب وبعد النشر تلقى اولمرت مكالمة من فايسغلاس وشد على يده واثنى على شجاعته. ويستعرض الكتاب لقاء تم بعد ايام جمع بين شارون واولمرت الذي نصح الاول بان يقدم على عملية "كبيرة" كي لا يخسر مقود القيادة بعد سماعه بوضوح بان رئيس الحكومة يميل الى خطوة احادية. ويلفت الكتاب الى ان شجرة فك الارتباط قد تغذت من جذور مختلفة شخصية وبيئية منوها الى ان اريئيل شارون السياسي والامني لم يكن يوما ما رجل مبادىء انما رجل تكتيك وتنفيذ ويتأثر بحاشيته المعروفة ب"محفل المزرعة" التي حلت مكان المستوطنين سيما في شيخوخته. ويقول المؤلفان ان مقربي شارون حذروه من انهيار الاقتصاد اذا لم يبادر الى عملية سياسية جديدة تزيل بعض المستوطنات وهم يعون مدى اهتمامه بصورته في مرآة التاريخ. وينوه الكتاب بأن الحديث في البداية كان يجري حول ازالة عدد قليل من المستعمرات لافتا الى تغير المواقف المتشددة لدى شارون "البلدوزر" نتيجة تقدمه بالسن. وافاد الكتاب ان استطلاعات الرأي السرية حول انخفاض شعبيته كانت تتطابق مع نصائح المقربين والمساعدين سيما وانها اظهرت دعم اغلبية الاسرائيليين للانفصال عن الفلسطينيين. واوضح الكاتبان ان نجاح المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عمليات نوعية ضد الاحتلال في غزة وخارجها قد عزز قناعة الرأي العام بالانسحاب منها. كما اشار الكتاب الى دور مبادرة جنيف التي حظيت بدعم نسبة عالية من الاسرائيليين جراء اليأس من الاوضاع التي خلقتها الانتفاضة في دفع شارون نحو قراره اضافة الى ازدياد عدد الجنود الرافضين للخدمة في الاراضي المحتلة. كما يكشف الكتاب ان مساعدي شارون قد اهتموا باستحضار استطلاعات راي حول الموضوع الديمغرافي وعرضوها عليه ضمن مساعيهم لدفعه الى اتخاذ القرار بالانسحاب من غزة ومن مستوطنات في الضفة الغربية. كذلك يتطرق الكتاب الى قيام فايسغلاس ضمن المساعي المذكورة بتكرار احاديثه مع شارون حول اهمية الانسحاب الاحادي كـ"فورمالين" لتجميد الحل النهائي.