أيام سيئة: بين الكارثة واليوتوبيا
تأليف: ارئيئله أزولاي وعادي اوفير
سلسلة "شاكوش"، منشورات "رسلينغ"
208 صفحات، تل ابيب 2003
في هذه "الايام السئية" التي تجتاح اسرائيل يبدو الواقع مثل تدهور لا نهاية له، والأمل كأنه تطلّعٌ الى الوراء. أيُّ تقدم للأمام يرتسم كأنه ذهاب نحو كارثة جديدة، بعد ان تسلطت التوجهات القوموية على السياسة والثقافة بشكل كلّي تقريباً، جاعلة من الفلسطينيين عدواً بشعاً، ومجندة المجتمع الاسرائيلي برمته لتخليد نظامِ احتلالٍ قمعي، ولدفع مشروعٍ استيطانيٍّ كولونيالي الى الامام، يسرّع عملية سفك الدماء ويتغذى عليها.
يعرض هذا الكتاب – بلغة المؤلفَين – "فسحة من الهدنة المدنية من الخطاب القوموي السائد". وهو يضم مقالات كتبت في ايام "كان لم يزل ممكناً فيها أن نتخيل كيف ستبدو نهاية الاحتلال". اما نهاية الاحتلال في هذا الكتاب فلا تبدو على شكل نهاية تاريخية للصراع بين الفلسطينيين واليهود، ولا كنهاية للحرب او العنف، بل كتفكيكٍ للبنية المشوِّهة لعلاقات القوى الكامنة في اساس هذا كله.
جاء في التقديم: "ظِلُّ الاحتلال يرافق فصول الكتاب كأنه ظِلُّ كارثة. ومقالاته تعالج الظل وليس الكارثة نفسها، وتتتبع أثر تصوراته وآثاره، وتحلل الحيَل البهلوانية في التصورات المحذرة من اقتراب او ابتعاد الكارثة مثل ثقب اسود، كما لو كانت حدثاً لا يمكن احتواؤه. هنا تتصل الكارثة القومية بكارثتين كونيتين صوريتين: الاولى حقيقية (كارثة التوأمين) والاخرى لم تكن موجودة ابداً (الانتقال الى الفية جديدة)".
في ظل الكارثة تتكشف، بنوع من الأمل اليائس، الخطوط العريضة لليوتوبيا، التي تحاول المقالات هنا رسم ملامحها: "ذات يوم ستقوم هنا دولة مزدوجة القومية، يعيش اليهود والفلسطينيون فيها جنباً الى جنب، كمواطنين متساوين".
الى ان يتحقق ذلك، تتصدى فصول الكتاب لمهمة من نوع مختلف: البحث في نهاية الاحتلال، وليس "النهاية التاريخية للصراع". والتطلع الى نهاية البنية المشوهة لعلاقات القوى الكامنة في اساس كل ما يجري، وليس نهاية الحرب او العنف. ولا عجب، فجميع هذه المقالات مكتوبة خلال السنوات الخمس الاخيرة، "عندما كان بالامكان ان نحلم بزوال مصدر الشر كله – الاحتلال".
اليوم تغيرت زاوية النظر الاسرائيلية الى الامور. وذلك ليس عائداً الى تواجد اسرائيل الآن في حالة حرب مع الفلسطينيين، ولا "لأننا يئسنا من الفلسطينيين وأدركنا ان لا أحد هناك نحاوره، وانه لا صلح مع ناس يؤيدون ارهاب الانتحاريين. تم ذلك بفضل التغيير في الموقع الذي نحتله داخل الحقل الثقافي والسياسي في اسرائيل. الجرف القوموي والمعادي للديموقراطية في المجتمع الاسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الاقصى، وتراجع مؤسسات وانماط العمل المدنية، ابقتنا في منطقة تكاد تكون معزولة داخل الخطاب السياسي في اسرائيل، ينحشر فيها اليوم ما لا يزيد عن بضع عشرات الالاف من اليهود الاسرائيليين، الذين ما زالوا يصرون على الاحتفاظ بخطاب مدني حتى عندما تثور على السطح اسئلة تمس الهوية القومية.
يخصص المؤلفان الفصل الاول لتفحص قاموس المصطلحات الاساس السياسية في "الانسان" و"المواطن" و"الهوية المدنية"، ويكتبان ان القوموية المتصاعدة والتعصب الديني واشكال العنف الجديدة، التي انبتتها هذه النظم الايديولوجية، لا بد من فهمها على انها سيرورات مدمجة غير متناقضة، وتفسيرها باعتبارها نتائج عمليات العولمة، التي تبلور انماطها في الاداب الاجتماعية. وفي هذا السياق – يكتب المؤلفان – يجب فهم الاستعداد المتزايد في الغرب لتفعيل قوة (امريكية) لفرض قانونه في كل مكان يتمردون عليه فيه.
"في اطار الفهم الايديولوجي لعلاقات القوى الكونية الذي تجذَّر بعد كارثة التوأم، والتي وضعت بكل بساطة الاخيار امام الاشرار، والتنور امام الظلام، يبدو ان النضال الفلسطيني للتحرر (بشكله الحال) بات بلا امل". كيف؟ "ان هيمنة الحركات الاسلامية على النضال الفلسطيني واصرارها على ارهاب الانتحاريين باعتباره سلاحاً ناجعاً ضد "العدو الصهيوني"، غذّت الصورة المجردة للايديولوجيا الامريكية بل اسهمت في اظهار مقاومة السلطة الاستعبادية كما لو نبتت من داخل ذراع منظمة الارهاب العالمي. بهذا الشكل يطمس السياق السياسي والكولونيالي للاحتلال ويفسَّر الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني كجبهة صراع تاريخي بين حضارات".
والنتيجة؟
ان نهاية الاحتلال بنظر المؤلفين هي نهاية للبحث المحموم والعنيف عن الحدود الضائعة، ونهاية للفانتازيا التي حفرتها عميقاً في وعي واجساد الاخرين. نهاية الاحتلال هي تقييد للذات وتحرر من وهم القدرة على وضع حد نهائي من جانب واحد، مادي، سياسي او ثقافي، بين اسرائيل والفلسطينيين: "نهاية الاحتلال ليست تلك الخطوة البطولية زعماً الكامنة في الانفصال عن الفلسطينيين وتركهم يجابهون مصيرهم لوحدهم، داخل خارجٍ متخيَّل ومستحيل. نهاية الاحتلال هي الاستعداد لاحتواء الفلسطينييمن كجيران، كمواطنين، وهي ايجاد ظروف فيها يستطيع الفلسطينيون ان يحتووا بنفس الطريقة اليهودَ الاسرائيليين".
المؤلفان، ارئيلة ازولاي مدرسة للثقافة التشكيلية والفلسفة المعاصرة في جامعة بار ايلان ومدرسة الفنون كامير اوبسكورا. فيلمها الاخير "ملاك التاريخ" عرض في مهرجان السينما في البندقية. مؤخراً صدر لها عن منشورات MIT كتاب بعنوان "فاترينا الموت".
عادي اوفير استاذ الفلسفة في جامعة تل ابيب. كان مؤسس مجلة "نظرية ونقد". صدر له مؤخراً كتاب جديد بعنوان "عبادة الحاضر: مقالات في الثقافة الاسرائيلية المعاصرة".