صدرت عن "مدار" الورقة الحادية عشرة من سلسلة "اوراق اسرائيلية"، بعنوان "ما بعد الانهيار: مسيرة اوسلو – النجاحات والفشل"، تتضمن ترجمة لمجموعة من المقالات بأقلام عدد من السياسيين الاسرائيليين والاميركان ممن كانت لهم صلة بالمسيرة المنقطعة، وبضمنهم رون بونداك، يئير هيرشفيلد، داني روتشيلد، دان مريدور، يعقوب بارسيمانطوف، دافيد بروديت، افرايم ياعر، بيل كلنتون، شمعون بيريس، اسحاق رابين وغيرهم.
قدم محرر السلسلة محمد حمزة غنايم للورقة الجديدة بكلمة جاء فيها:
"خصص هذا العدد من "اوراق اسرائيلية" لاتفاقيات أوسلو لإطلاع القراء على المعلومات المتعلقة بما آلت إليه في أيامنا هذه، وكذلك للبحث فيها من زوايا تحليلية مختلفة، في ضوء ما صنعته مواجهات اكتوبر 2000 واجتياح "السور الواقي" العسكري في 29 آذار 2002.
كتب الكثير في إسرائيل عن "إخفاقات وأخطاء وجرائم" اوسلو، وبخاصة بعد أن شرعت حكومة ارئيل شارون بتدمير غالبية رموزها الحاضرة على الأرض. في أساس هذه الكتابات قناعة إسرائيلية راسخة بأن "الانهيار الكبير" نجم عن مجابهات اكتوبر 2000 وما تلاها من عمليات فلسطينية داخل إسرائيل، جاءت كلها بفضل "يد اسرائيل السخية تجاه الفلسطينيين في كامب ديفيد". بوقوع عملية "فندق بارك" في نتانيا في ليل الاجتياح، "طفح الكيل"، فتحركت جيوش شارون لإعادة احتلال معظم مناطق السيادة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بهذا الشكل او ذاك.
في مواجهة هذه النظرة التبريرية، نطالع في هذه "الأوراق" وجهات نظر اسرائيلية مغايرة ترى ان انهيار مسار التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين بدأ قبل ذلك بكثير، وهناك من يردّه إلى نوفمبر من العام 1995، وبالتحديد – الى الرابع منه، يوم سقط اسحاق رابين مغدورا برصاص المستوطن يغئال عمير. حجب اغتيال رابين - كما تكتب بروفيسور يولي تمير، مَن أشغلت منصب وزيرة في حكومة ايهود باراك (1999-2001) - عن عيون معظم الاسرائيليين إمكانية تقييم اتفاقيات أوسلو بشكل صحيح: "كل ما بوسعنا القيام به الآن هو الحكم على هذه الاتفاقيات من خلال النظر في الواقع الذي نشأ بعد رابين، والتساؤل حول ما كانت ستؤول إليه الأمور لو لم يُقتل رابين، وهل كنا سنعيش اليوم بسلام مع جيراننا؟"
في واقع الصدام المأساوي الحالي، ستبقى هذه الأسئلة دون أجوبة الى الأبد. ولم يعد هناك سوى قلّة فقط تتذكّر مضمون اتفاقيات أوسلو والإنجازات العديدة التي أتت بها، وعلى رأسها الاعتراف المتبادل والاتفاق على إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من خلال الفصل، وإقامة دولتين تعيشان بسلام جنباً إلى جنب. عَبر اتفاقيات أوسلو تعهد الفلسطينيون والإسرائيليون بالتخلي عن حلم الوطن الكامل والقبول بتقسيمه. ومع اننا واجدون لدى الشعبين من لا يزال متشبثاً بكامل الوطن، لكن غالبية الناس قبلت موقف "دولتين لشعبين" كموقف أساسي تعتمد عليه التسوية النهائية.
وكما في كل اتفاقية سياسية، احتوت اتفاقيات أوسلو على عدد لا بأس به من الإخفاقات والأخطاء. هناك، في اسرائيل، من سيعدّد من بينها غض النظر عن "استمرار التحريض الفلسطينيي" و "تسلّح المنظمات الإرهابية"، وهناك، في فلسطين، من سيشدد على حقيقة توسيع المستوطنات وانتشارها في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك، لدى كل الاطراف، من سيعزو فشل الاتفاقيات الأساسي إلى انعدام القدرة على بناء الثقة بين الشعبين.
كل اتفاقية سياسية تعتمد بالأساس على الثقة المتبادلة بين الأطراف المتداولة. لكن مقتل رابين ضعضع الثقة بشكل كبير، وخيّب أمل الكثيرين في الجانبين بقرب انتهاء الصراع. "نحن إذاً – تكتب يولي تمير - بصدد اتفاقية انتُزعت منها الروح المستفيضة التي بثها فيها الرجل الذي وقع عليها، نعاين الحرف الميت ونتساءل: هل كان له ان ينجو من القتل؟"..
يطرح كل واحد من الكتاب في هذا العدد وجهة نظر خاصة به. منهم من شارك في صياغة هذه الاتفاقيات، كالرئيس الامريكي بيل كلينتون والدكتور الاسرائيلي يئير هيرشفيلد، ومنهم من يقوم بتحليلها من منظور البعد الزمني، سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
هذا التنوع في المواقف هدفه تقديم معلومات موسعة للقراء لكي يتسنى لهم الحكم على هذه الاتفاقيات وفق اعتباراتهم ورؤاهم. أمر واحد يتضح جلياً من جميع ما ورد في هذا العدد: تقديم اتفاقيات أوسلو والمبادرين إلى عقدها كـ "مجرمين يجب محاكمتهم"، هي ليست محاولة لتقييم الاتفاقيات أو نقدها، إنما استمرار للتحريض الذي سبق مقتل رابين.
واضح ان هذا التحريض المتواصل يشكل خطراً حقيقياً على حرية النقاش في دولة إسرائيل، وهو أسلوب لردع وترهيب كل المصممين على مواصلة السير على "طريق رابين"، رغم انهم يبدون احيانا وبعد ما جرى مثل بقايا "قبيلة منقرضة" يكاد وجودها في هذا الواقع الدامي يكون وهميا.".