المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1476

تحريض "دموي" ضد العرب في اسرائيل على خلفية الاعتقالات الاخيرة * الموقف العام لدى المواطنين العرب في اسرائيل، على اختلاف احزابهم ومؤسساتهم القيادية، وعلى رأسها "لجنة المتابعة العليا"، لا يؤيد "العمليات الانتحارية"، بل ان بعض قادة العرب في اسرائيل، وفي اعقاب الكشف عن محاكمة مواطنين عرب بتهم" امنية"، توجهوا على الملأ الى التنظيمات الفلسطينية المختلفة طالبين ان "لا تقحموا شبابنا في مثل هذه الاعمال". وبعد الكشف عن اعتقال الشبان الثلاثة من كفر مندا قال رئيس المجلس المحلي، محمد زيدان، انه "على الرغم من ان الشبان ما زالوا مشبوهين، الا ان على العرب في اسرائيل معرفة الحدود وعدم تخطيها"!

بلال ظاهر

اشتدت في الاسبوعين الاخيرين حملة التحريض المركزة وغير المسبوفة التي يواجهها المواطنون العرب في اسرائيل في السنتين الاخيرتين على وجه الخصوص، والتي يمسك بخيوطها هذه المرة أيضاً،و كما جرت العادة، السلطات الرسمية من جهة، ووسائل الاعلام الرسمية والشعبية من الجهة الاخرى.

وسائل الاعلام الاسرائيلية، التي اصبحت شريكاً كاملا في هذه الحملة لطبيعة السواد الأعظم مما تنشره حول الموضوع، وضعتها تحت العنوان الصارخ التالي: "عرب اسرائيل والارهاب". هكذا كان عنوان صحيفة "هآرتس"، التي خصصت صفحة كاملة في عدد الجمعة (4/4)، لتغطية انباء الكشف عن اعتقال ثلاثة شبان عرب من قرية كفر مندا للاشتباه بانتمائهم لتنظيم تابع لحركة "الجهاد الاسلامي".

وكانت محكمة الصلح في عكا سمحت يوم الخميس 3/4 بنشر نبأ اعتقال ثلاثة شبان من كفر مندا منذ 17 اذار الماضي، هم ابراهيم عبد الحميد ومحمد عبد الحميد ومحمود عبد الحليم، يشتبه، بحسب النيابة العامة، بقيامهم بتشكيل خلية تابعة للجهاد الاسلامي والتخطيط لتنفيذ عمليات تفجيرية في منطقة حيفا.

مصادر جهاز "الشاباك" وشعبة المباحث في الشرطة الاسرائيلية تدعي أن بداية الاتصال بين الشبان المذكورين و"الجهاد الاسلامي" جرت في السعودية، عندما تواجد محمود عبد الحليم هناك، قبل عدة اشهر، لأداء العمرة، والتقى بأحد النشطاء في "الجهاد"، من قطاع غزة. ويزعم رئيس شعبة المباحث المركزية في الجليل، الياهو فوكس، ان "مهمة هذا الشخص تتلخص في تجنيد اشخاص للجهاد الاسلامي. وقد وفر لعبد الحليم طرقاً للاتصال به. وهنا (في البلاد) جرى تجديد الاتصال وتحول الناشط الى قائد خلية في الجهاد".

وتضيف المصادر الامنية الاسرائيلية ان الاتصال بين عبد الحليم ومجنده جرى بالاساس بواسطة الهاتف، إذ طلب الاخير منه تجنيد اشخاص اضافيين وانشاء خلية تابعة للجهاد الاسلامي. وبموجب هذه المصادر، توجه عبد الحليم الى ابراهيم ومحمد عبد الحميد وجندهما.

وقال فوكس لصحيفة "هآرتس": "هذا تنظيم متميز، لأن التنظيمات السابقة كانت مقتصرة على ان يقوم عرب اسرائيليون بمساعدة "الانتحاري" في تدبر اموره داخل البلاد، بينما هنا توجد خلية مستقلة لتنفيذ عمليات، خلية اسرائيلية، تتلقى المساعدة من جهات خارجية".

وتزعم مصادر في الشرطة و"الشاباك" ان الثلاثة اعترفوا بأنهم عاينوا مواقع لتنفيذ عمليات. ويدعي ضابط الشرطة الاسرائيلي فوكس بأن "الثلاثة خططوا لتنفيذ عملية كبيرة، لكنهم لم يقرروا ما إذا كانوا ينوون تنفيذ عملية اطلاق نار ام وضع عبوة ناسفة ام القيام بعملية انتحارية، ولم يقرروا ماذا يطلبون من "الجهاد": ان يزودهم بسيارة مفخخة او عبوات ناسفة او بنادق كلاشينكوف".

مراسل "هآرتس" يضيف زعماً آخر هو ان الشبان الثلاثة تدارسوا امكانية الحصول على السلاح من مواطنين بدو في النقب، وان ذلك قد يكون بالتنسيق مع الجهاد الاسلامي. ورغم ان لائحة اتهام لم توجه ضد الشبان الثلاثة، الا ان مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية اصدر بياناً خاصًا بادر فيه الى ادانة الشبان قبل بدء محاكمتهم، كما صعَّد البيان من حملة التحريض على المواطنين العرب.

وجاء في البيان الزعم التالي: "اننا امام قضية خطيرة تورط فيها عرب اسرائيليون في الارهاب، لتضاف الى سلسلة طويلة من القضايا التي تم الكشف عنها خلال الاشهر الاخيرة، وهي تشهد بصورة واضحة على نوايا عرب اسرائيليين في تنفيذ عمليات في شمال البلاد (...) ان خروج الكثير من الفلسطينيين لأداء فروض دينية يشكل ارضية خصبة لتجنيدهم على يد منظمات ارهابية".

من جانبهم، ينفي الشبان الثلاثة الشبهات المنسوبة اليهم، وكما يقول عاطف عبد الحليم، والد محمود، فإن ابنه "لا يمكن ان يتورط في قضية كهذه. انه لا يستطيع ان يرى منظر الدم. قلت ذلك لأحد المحققين: انني اعرف ابني جيدًا. لكن المحقق أجابني: "انت لا تعرف ماذا يدور في مخيلة ابنك".

وهو يضيف ان الشرطة لم تسمح لذوي الشبان برؤيتهم والتحدث اليهم، ويقول: "ربما تحدثوا مع احد ما من المناطق الفلسطينية، لكنهم بالتاكيد لم يقصدوا القيام بما ينسب اليهم".

اما مؤنس عبد الحليم، ابن عم محمود والذي رافقه الى الديار الحجازية، فيقول انه ومحموداً التقيا هناك بشبان فلسطينيين "..جلسنا معهم وتبادلنا الحديث لعدة دقائق بعدها تركناهم، وحتى اننا لم نحصل على ارقام هواتفهم".

يقول جابر عبد الحميد، شقيق ابراهيم، ان "هجمة اجهزة الأمن تأتي من اجل التغطية على ما اقترفته الشرطة في تشرين اول (اكتوبر) 2000".

توقيت النشر يخدم السلطة الاسرائيلية

بعد كل عملية تفجيرية تقع داخل الخط الاخضر يعلن قادة في الشرطة ان منفذ العملية تلقى مساعدة من احد المواطنين العرب في اسرائيل. هذا ما حدث ايضاً بعد عملية نتانيا في مطلع الاسبوع الماضي، إذ كتبت صحيفة "هآرتس": "علمت الشرطة ان المخرب جاء على ما يبدو من جهة الغرب وليس من منطقة الطريق رقم 57 المؤدية الى داخل نتانيا من جهة خط التماس. وقدر المسؤولون في الشرطة انه بسبب انتشار (قوات الامن) الواسع في مناطق خط التماس، من الجائز ان المخرب دخل الى اسرائيل قبل ذلك ببضعة ايام"، في اشارة الى ان متفذ العملية امضى ايامه هذه في احدى البلدات العربية داخل اسرائيل".

واضافت الصحيفة على لسان مصدر كبير في الشرطة الاسرائيلية: "في نهاية الامر، لا شيء مغلق بإحكام، وبإمكان كل شخص غير مسلح الدخول الى اسرائيل بسهولة والحصول هنا على الحزام الناسف".

5 "قضايا امنية" يكشف عنها في اسبوع واحد!

خلال الاسبوع الماضي تعمدت السلطات الاسرائيلية الكشف عن خمس "قضايا امنية"، تتعلق باعتقال شبان عرب من اسرائيل، كان آخرها قضية الشبان الثلاثة من كفر مندا. لكن هذا "الكشف" لم يكن محض صدفة. وقد اكده محرر شؤون العرب في اسرائيل في "هآرتس"، يئير اتينغر، في مقال تحليلي نشر يوم الجمعة (4/4)، جاء فيه ان "الشاباك، والشرطة والنيابة العامة والمحاكم تريثوا في الاعلان عن الشبهات ضد الشبان الذين تم اعتقالهم في الاسابيع الاخيرة، وتقديم لوائح اتهام واصدار الاحكام الى ما بعد يوم الارض - وربما ارادوا القيام بذلك قبل النشر المتوقع لاستخلاصات لجنة اور، حول احداث اكتوبر 2000".

وفي توقيت متزامن مع الكشف عن اعتقال الشبان من كفر مندا، رفعت المحكمة يوم الخميس (3/4)، حظر النشر المفروض على قضية امنية اخرى تتعلق بالشاب عاطف زيدان من القرية ذاتها. المثير في هذه القضية ان موضوع الحظر يكمن في النشر حول قرار حكم بالسجن لمدة 24 سنة بحق زيدان صدر قبل شهر. وقد ادين زيدان بوضع عبوة ناسفة على خط سكة حديد في العام 2001 ووافق على اصطحاب شاب اراد تنفيذ عملية انتحارية في حيفا.

من جهة ثانية سمحت المحكمة بالكشف عن وجود ثلاثة معتقلين عرب من قرية جلجولية، بأيدي الاجهزة الامنية الاسرائيلية، تشتبه بانتمائهم الى "الجهاد الاسلامي". وادعت هذه الاجهزة ان الثلاثة خططوا لتنفيذ عمليات داخل اسرائيل وانهم اقاموا مختبرًا لصنع عبوات ناسفة. والثلاثة هم: محمد مصري، قائد الخلية وفق الادعاءات الاسرائيلية، وفاضل عابد وايمن ابو كشك. وقدمت النيابة العامة لائحة اتهام ضدهم.

وجاء في لائحة الاتهام ان ناشطاً في الجهاد الاسلامي، يدعى نمر خليل من طولكرم، جند الثلاثة الذين نووا، بحسب الادعاء، تفجير سيارة مفخخة قرب قاعدة عسكرية في تسريفيم (صرفند). وزعمت الاجهزة الامنية ايضًا ان نشاط هؤلاء الشبان جاء على خلفية ايديولوجية. واضافت لائحة الاتهام ان الثلاثة معروفون لأجهزة الامن الاسرائيلية، حيث قاموا في ايلول الماضي بقذف زجاجات حارقة باتجاه سيارات بالقرب من جلجولية.

وعلى الرغم من عدم ادانة المتهمين الثلاثة، باعتبار ان القضية ما زالت امام المحكمة، ورغم تأكيد اهالي المعتقلين عن قناعتهم ببراءة ابنائهم، الا ان مصدراً امنياً كبيراً ادعى امام وسائل الاعلام الاسرائيلية بأن "هذه القضية هي جزء من نزعة آخذة بالتفاقم في تورط عرب اسرائيليين في نشاط ارهابي في السنين الاخيرة".

وفي اليوم ذاته اصدرت محكمة اسرائيلية اخرى حكمًا بالسجن لمدة 300 سنة على كل من ابراهيم بكري وياسين بكري (21 عاما) من قرية البعنة، وذلك بعد ادانتهما بمساعدة جهاد حمادة، منفذ العملية الانتحارية في حافلة ركاب عند مفترق ميرون قرب صفد في 4 اب 2002.

الجدير بالذكر هنا ان هذه القضية بدأت باعتقال ستة من افراد عائلة بكري، ورافق ذلك حملة تحريض كبيرة ضدهم، حتى قبل البدء بمحاكمتهم. ولم تخمد حملة التحريض ضد عائلة بكري حتى بعد الافراج عن اربعة من المعتقلين. فقد صور الاعلام الاسرائيلي وكأن العائلة كلها متورطة في القضية، خصوصًا وان القضية تزامنت مع بدء عرض فيلم "جنين جنين"، الذي وثق احداث مجزرة مخيم جنين وقوبل بحملة شعواء من السلطات الاسرائيلية وصلت حد منع عرضه وتقديم دعوى قضائية ضد مخرجه الممثل محمد بكري، ابن عائلة بكري من البعنة.

ولدى صدور الحكم على المتهمين واصلت الصحف الاسرائيلية تحريضها على عائلة بكري. وكتبت "هآرتس" ان "مساعدة العائلة لحمادة بدأت قبل ان يحضر العبوة الناسفة الى قرية البعنة". وعلى ما يبدو فان الجمهور في اسرائيل "استوعب" التحريض المتواصل، حتى ان والدة احدى ضحايا العملية قالت بعد صدور الحكم ان "قرار الحكم هو البداية. وسنعد الآن دعوى مدنية كبرى ضد جميع المتورطين وعائلاتهم".

قضية اخرى تم الكشف عنها في الاسبوع الماضي ايضًا، تتعلق بحكم اصدرته المحكمة المركزية في تل ابيب بحق ثلاثة شبان هم: نعمان ابو خبيزة (25 عاما) وحسين حجازي (28 عاما)، وكلاهما من مدينة الرملة، وحسن حجازي (25 عاما) من مدينة اللد. وحكم عليهم بالسجن بين 3 و 8 سنوات بعد ادانتهم بمساعدة عناصر من حركة "حماس" على اختطاف جندي اسرائيلي، واعداد عبوات ناسفة ووضعها في محطة حافلات.

ويشار الى ان التهم المنسوبة للثلاثة لم تخرج الى حيز التنفيذ، الا انهم، بحسب لائحة الاتهام التي قدمت ضدهم، اعترفوا بالتقائهم ناشطاً من حماس، طلب منهم تزيده بمواد كيماوية لاعداد عبوات ناسفة، كما طلب منهم العثور على ضباط في الجيش ليتم اختطافهم، وان احد الشبان الثلاثة قال انه عمل قبل عدة سنوات في منزل طيار في سلاح الجو الاسرائيلي في منطقة مستوطنة "موديعين".

الموقف العام: معارضة العمليات الانتحارية

الموقف العام لدى المواطنين العرب داخل اسرائيل، على اختلاف احزابهم ومؤسساتهم القيادية، وعلى رأسها "لجنة المتابعة العليا"، لا يؤيد هذه العمليات، بل ان بعض قادة العرب في اسرائيل، وفي اعقاب الكشف عن محاكمة مواطنين عرب بتهم" امنية"، توجهوا على الملأ الى التنظيمات الفلسطينية المختلفة مطالبينها ان "لا تقحموا شبابنا في مثل هذه الاعمال".

وفي اعقاب الكشف عن اعتقال الشبان الثلاثة من كفر مندا قال رئيس المجلس المحلي، محمد زيدان، انه "على الرغم من ان الشبان ما زالوا مشبوهين، الا ان على العرب في اسرائيل معرفة الحدود وعدم تخطيها".

من جهة ثانية يؤكد قادة الاحزاب العربية وكذلك "لجنة المتابعة" على ان نسبة المواطنين العرب المتهمين بقضايا "امنية" قليلة جدًا بل هامشية للغاية. الا انهم، في المقابل، يحاولون ايجاد الاسباب التي تدفع شابًا عربيًا الى القيام بنشاط كهذا، في اعمال القمع والتنكيل التي يتعرض لها شعبهم الفلسطيني في الاراضي المحتلة والتمييز والاجحاف اللاحق بالمواطنين العرب، علاوة على الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمس خصوصًا بالمواطنين العرب.

لكن من يتابع ما يقوله المسؤولون الاسرائيليون وما تنشره وسائل الاعلام في اسرائيل، وبشكل خاص بعد الصعود المتجدد لليمين الى الحكم في شباط 2001، يلمس ان وراء هذه الحملة نهجاً سياسياً واضحاً. وهو ما يؤكده البيان الذي اصدره مكتب رئيس الحكومة بعد الكشف عن اعتقال الشبان الثلاثة من كفر مندا، الذين ما زالوا قيد الشبهات ولم تقدم ضدهم بعد لائحة اتهام.

في اوضاع "طبيعية"، سيعتبر بيان كهذا تدخلا غير مبرر في الشؤون القضائية، وفيه تصعيد جديد اخر لحملة التحريض ضد العرب في اسرائيل، تعبيراً عن الرؤية الاسرائيلية اليمينية المعادية لكل ما هو عربي. ولعل ابرز دليل على ذلك تصريح رئيس الحكومة الاسرائيلية اريئيل شارون، في منتصف شهر اذار الماضي، في جولة له على مسار "الجدار الأمني الفاصل" مع عدد من وزراء حكومته، حيث اعلن: "ان الجدار الفاصل لن يصد الارهاب بشكل مطلق، اذ ان هناك نشاطًا متزايدًا من جانب عرب اسرائيل في العمليات الانتحارية".

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات