لا توجد لدى العائلات العربية التي ثكلت أبناءها في أحداث هبة أكتوبر 2000 توقعات عالية أو خاصة عشية نشر نتائج تحقيق "لجنة أور" في القريب. فقدت هذه العائلات ثقتها باللجنة منذ زمن – حين تبين أن اللجنة ستحقق في سلوك "كل الأوساط"، وحين رفض طلبها بالحصول على مكانة رسمية في التحقيق، وبخاصة – حين تبين لها أن القتلة لن يعاقبوا. حاليًا، تتأهب العائلات لمواصلة النضال.
لا توجد لدى العائلات العربية التي ثكلت أبناءها في أحداث هبة أكتوبر 2000 توقعات عالية أو خاصة عشية نشر نتائج تحقيق "لجنة أور" في القريب. فقدت هذه العائلات ثقتها باللجنة منذ زمن – حين تبين أن اللجنة ستحقق في سلوك "كل الأوساط"، وحين رفض طلبها بالحصول على مكانة رسمية في التحقيق، وبخاصة – حين تبين لها أن القتلة لن يعاقبوا. حاليًا، تتأهب العائلات لمواصلة النضال.
عند سؤال حسن عاصلة من قرية عرابة عن "توقعاته" استعدادًا للنشر المرتقب لنتائج التحقيق الذي قامت به على مدار العامين الماضيين "لجنة أور" – التي عمل جاهدًا هو وأصدقاؤه لإقامتها – يتضح، حقيقة، أن لا توقعات لديه. "سيرضينا أن ينال أولئك الذين قتلوا أبناءنا عقوبة الإعدام"، يوضح الناطق باسم العائلات العربية، التي قتل أبناؤها في أحداث أكتوبر 2000، محذراً. "رجال الشرطة تصرفوا بما يخالف القانون الإسرائيلي ويخالف القانون الدولي. إنهم مجرمو حرب. حين توجد جريمة قتل - يوجد قاتل، يجب محاكمة القتلة، إلا أن اللجنة لن تمس حتى موضوع المسؤولية عن القتل. نحن، بالطبع، جاهزون نفسيًا، واجتماعيًا وسياسيًا لمواصلة النضال. كل الخيارات مفتوحة أمامنا".
ادى الضغط الذي مارسه عاصلة ولجنة أسر الشهداء، بواسطة قيادات العرب في إسرائيل، قبل سنتين ونصف، الى أن توافق الحكومة الاسرائيلية على تشكيل لجنة تحقيق رسمية للوقوف على حقيقة أحداث هبة أكتوبر.
ولكن، ما دام الحديث عن لجنة يرأسها القاضي تيودور أور، فإن خيبة الأمل ليست أمرًا جديدًا على أبناء الأسر. في صيف 2002 أوشكت اللجنة أن تعلن يأسها، إلا أن أعضاء لجنة المتابعة العليا ومحامي "عدالة"، المركز من أجل حقوق العرب في إسرائيل – وهما هيئتان تنطقان باسم الجماهير وباسم الأسر أمام اللجنة – حالوا دون ذلك في اللحظة الأخيرة.
تشي أقوال عاصلة حول لجنة أور بتوقعاته المستقبلية (مواصلة النضال)، وتنطق عن موقفه الآني (الاغتراب والخيبة). في المرحلة الأولى من عمل اللجنة، استمدت الأسر قدرًا كبيراً من العزاء من اللجنة الرسمية وأمدتها بمعلومات هامة.
الموقف المحفور في ذاكرة الأسر أكثر من غيره، وقع في 21 يناير 2001، قبيل الشروع بالمداولات العلنية للجنة. بحضور أبناء الأسر، حاملين صور أبنائهم، قدم رئيس "لجنة المتابعة" لائحة اتهام لدولة إسرائيل نيابة عن الجمهور العربي. إلى جانب المئات من الشهادات والأدلة القضائية عن أحداث أكتوبر، والتي عولت عليها اللجنة كثيرًا، حملت هذه الوثيقة قيمة رمزية بنظر العائلات وبنظر الجمهور العربي، لمجرد رفعها إلى الهيئة الرسمية.
أطلق النار عليه في عنقه
ذروة توتر أخرى وفرها حسن عاصلة، حين قدّم للجنة شهادة مثيرة ومؤلمة عن استشهاد ابنه، أسيل عاصلة، أمام عينيه. ظروف استشهاد كل من أسيل عاصلة وعلاء نصار، وكلاهما من عرابة، هي على ما يبدو الأكثر خطورة وإثارة للقلق من بين حالات القتل التي وقعت خلال أحداث هبة أكتوبر. عاصلة، الذي كان تلميذاً متفوقاً في الصف الثاني عشر وعضو في لجنة الشبيبة اليهودية - العربية "بذور السلام"، استشهد مع نصار في كرم الزيتون المشرف على حلبة مواجهة نشبت بين شبان من قريتهما مع أفراد الشرطة. وبينما ظروف مقتل نصار غير واضحة تمامًا، يظهر من خلال الشهادات بشكل قاطع أن عاصلة لم يشترك في المواجهات قط، بل شاهدها من بعيد، غير أن ثلاثة من أفراد الشرطة قاموا بملاحقته وأطلقوا الرصاص الحي عليه من مسافة قريبة، حين كان مستلقيًا على الأرض في كرم الزيتون.
وأبلغ والده اللجنة أنه شاهد أفراد الشرطة يقبضون على ابنه وكيف أن أحدهم رفع البندقية كي يضربه بطرفها السفلي. وسقط أسيل مضرجاً بدمائه. "لم أره بعد ذلك، ولكني سمعته يصرخ "أبي، أبي". وبعد مرور ثوان سمعت صوت رصاصة بين الأشجار ورأيت الثلاثة الذين كانوا يلبسون الزي الخاكي يغادرون المكان".
في شهادته المثيرة داخل قاعة اللجنة عرض حسن عاصلة صورًا وكتابات لابنه حول موضوع السلام والتعاون بين اليهود والعرب. وقال إن "كل واحد من بين الذين سقطوا هو عالم بحد ذاته... ليس أقل من أسيل"، ولكلٍّ منهم أحلامه بالمستقبل، "غير أن يداً آثمة قطعت هذا الحلم". عند ذلك عرض صورة لجثة ابنه، يسيل الدم من عنقه، وأضاف: "هذا هو التذكار الذي أبقته لنا هذه اليد".
إلى جانب التعاون مع اللجنة، ومنذ اليوم الذي تسلمت فيه الأسر كتاب التعيين، امتعضت هذه منها. انضمت الأسر الى قيادة الجماهير العربية في المطالبة بشطب مهمة فحص "سلوك المحرضين والمنظمين للمشاركين في الأحداث ومن كافة الأوساط" من كتاب التعيين. طالبوا بأن تتركز اللجنة في ظروف قتل أبنائهم فحسب.
قالت "عدالة" أن ثمة خللاً قانونيًا في هذا النص، إلا أن هذه الدعوى رفضت. وفيما بعد طالبت الأسر، بواسطة "عدالة"، بالحصول على مكانة رسمية داخل اللجنة، شبيهة بتلك التي منحتها بريطانيا لأسر 13 قتيلاً كاثوليكيًا من ارلنده الشمالية، وذلك في لجنة التحقيق التي فحصت أحداث "يوم الأحد الدامي" التي وقعت في 1972. "لجنة أور" رفضت ذلك.
من المواقف الصعبة التي واجهتها اللجنة، في مارس 2001، كان انقضاض عبد المنعم أبو صالح على الضابط غاي رايف، لحظة إدلائه بشهادته أمامها. فقد لكمه أبو صالح في رأسه وجرحه، كما قام أبناء الأسر الآخرون بقذف الضابط بما طالته الايدي. أبو صالح، مواطن من سخنين، هو والد وليد أبو صالح، أحد شهيدين سقطا في الحوادث التي أطلق فيها رايف الرصاص الحي عليهما (لم يتم تشريح جثة الابن غير أن طبيبًا فحصها وخرج بانطباع أنه قد أصيب برصاصة حية كما أن صورة أخذت لها عززت هذا الانطباع). في أعقاب الحادثة اتهم أبو صالح بالاعتداء، فأدين وحكم بستة أشهر خدمة. حاليًا يقول: "إذا لم يتم تقديم غاي رايف للمحاكمة، مع كل الذين أطلقوا النار، فإن ثقتنا بالديموقراطية في إسرائيل وبجهازها القضائي منتهية، عندها سنسلم أمرنا إلى الله وحده".
توقفوا عن حضور المداولات
بعد الحادثة التي وقعت في قاعة المحكمة تغيب أبناء الأسر عن المداولات تدريجيًا. في البداية، احتجاجًا على الآلية التي استجدت بعد الهجوم على رايف – جناح مصغر للجمهور، خصصت فيه أماكن محدودة للعائلات فقط، مع حراسة مشددة أكثر وحائط زجاجي واقٍ. واصل عدد من أبناء الأسر المجيء إلى المداولات بالفعل، ولكن بعد إتمام المرحلة الأولى من عمل اللجنة، وبعد أن أرسلت 14 إنذارًا، بعضها أرسل إلى مسؤولين عرب، قالت الأسر بأنها فقدت ما تبقى من ثقة لها باللجنة. وبرأيها، دلل الإنذار الموجه إلى المسؤولين العرب على محاولة اللجنة تحويل مسؤولية قتل الأبناء إلى الجانب العربي، أو بالعكس، على محاولة لخلق توازن مع مسؤولية رجال الشرطة والمستوى السياسي. "فقدت الثقة في اللحظة التي بعثوا فيها الرسائل"، يتذكر حلمي بشناق من كفر مندا، شقيق رامز بشناق الذي أردي قتيلاً خلال الأحداث، "أدركت أننا امام محاولة لإيجاد متهمين يهود ومتهمين عرب، لخلق توازن مصطنع".
لم تكن الخيبة أقل، في نظر الأسر، من حقيقة أن من بين أفراد الشرطة الذين أنذروا هناك ثلاثة فقط ينسب إليهم إطلاق النار على المتظاهرين، واحد منهم فقط له ضلوع، بقدر عال من التأكيد، في إطلاق النار على أحد القتلى. توقعت الأسر أن تقوم اللجنة برصد القتلة، لا أن تنسب التهم وتحاكم من أمروا بإطلاق الرصاص الحي فقط. وحسب ادعائها، لم تبذل اللجنة جهدًا في جمع القرائن، مثلاً، بواسطة فحوصات بالستية لقطع سلاح في استخدام الشرطة، كما تركت العديد من أفراد الشرطة يخرجون دون المساس بهم، حتى وإن صادقوا أمامها على قيامهم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
يقول عاصلة بأنه فقد الثقة باللجنة: "عندما بدأ بالمثول أمامها شهود يحوم شك قوي على أنهم الذين قاموا بإطلاق النار، بيد أن اللجنة لم تحقق معهم بجدية". وحسب أقواله، "شهد شرطي بأنه شاهد شرطياً آخر باسم شمعوني يقف فوق رأس أسيل عاصلة ساعة احتضاره. وحين مثل شمعوني أمام اللجنة لم ينطق إلا بجملة قصيرة: "لم أر ولم أسمع". اللجنة امتنعت حتى عن طرح سؤال واحد يدلل على رغبة حقيقية بالتحقيق".
لم تنذر اللجنة أي شخص بخصوص مقتل أسيل عاصلة وعلاء نصار. وحسب ادعائها، في غالبية الحالات لم يعثر على أدلة كافية من أجل إدانة رجال الشرطة بإطلاق النار بهدف القتل، ولا تعرف ملابسات مقتل غالبية الشهداء. وفي وقت سابق ادعت الشرطة ووحدة التحقيق مع رجال الشرطة، أن السبب الأساسي في انعدام المعلومات منوط برفض الأسر السماح بقيام تشريح جنائي (فقط أربع من 13 جثة تم تشريحها). معظم الأسر تقول أن أحدًا لم يتوجه إليها بمطلب كهذا.
في كل الأحوال، في المرحلة الثانية من عمل اللجنة، في الصيف الأخير، لم يحضر أحد من أفراد الأسر إلى قاعة لجنة التحقيق. وهي قاعة استأجرت في الناصرة خصيصًا، وإليها بثت المداولات على شاشة تلفزيون في دائرة مغلقة، ظلت هي الأخرى مهجورة غالبية الأيام. عمليًا، منذ فبراير 2001 بدا عزوف الجمهور العربي برمته عن مداولات لجنة أور، وحتى وسائل الإعلام العربية (باستثناء "صوت إسرائيل" بالعربية) لم تكلف مزيدًا من المراسلين والمصورين للذهاب إلى مبنى محكمة العدل العليا في القدس الغربية.
حين سئل عاصلة ما إذا كان يتوقع على الأقل أن تنشر اللجنة نتائج مرضية حول الفلسطينيين العرب مع الدولة، أجاب بالنفي. "كل الشهادات التي قدمت لها تخلو من العمق ولا تمس جوهر المشكلة"، قال. "من الواضح لي أن النتائج التي ستتمخض عن اللجنة ستفيد بالأساس في إعادة تنظيم جهاز الشرطة. هذه فقط نظرة إستراتيجية، وتقنية على أداء الشرطة، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين وسائل قمع الوسط العربي لا غير". لذلك، "أشعر أننا في بداية الطريق، هنالك مسؤولية ثقيلة على أكتافنا، لا خيار لنا، من غير الممكن أن نتراجع. شعار النضال سيظل مرفوعًا حتى النهاية".
قادوا النضال لمقاطعة الانتخابات
أسر الشهداء العرب – 12 إسرائيليًا وفلسطيني واحد من سكان دير البلح – هي كالكتلة المرصوصة، وفي السنتين ونصف الأخيرة باتت تحظى بمنزلة مرموقة بين الجماهير العربية. فقد اكتسبت قوة سياسية لا يستهان بها، وهي مرتبطة كذلك بقرارات جماهيرية لا تتصل مباشرة مع أحداث أكتوبر. وفضلاً عن النضال من أجل إقامة اللجنة، وقفت الأسر على الجبهة في حملة جماهيرية أخرى، هي من أهم ما مر على العرب في اسرائيل منذ خريف 2000: مقاطعة الانتخابات لرئاسة الحكومة في مطلع العام 2001. إلى هنا حالفها الحظ - %80 من أصحاب حق الاقتراع العرب تغيبوا عن الصناديق. "تحولت الأسر إلى أسرة واحدة متراصة تحيا ألمها، دائمة الحركة، ولها نظرة إلى المستقبل"، يقول عاصلة، ويضيف "نحن نعول على الإنسان العربي، وسوف يكون لنا دور مركزي في كل ما يتصل بالعلاقات المستقبلية بين اليهود والعرب في هذه البلاد".
مباشرة بعد الأحداث أعرب الوزير متان فلنائي، في لقاء مع قيادة الجماهير العربية، عن حزنه من موت الشبان الثلاثة عشر، وكذلك رئيس الحكومة السابق إيهود براك الذي بعث ببرقيات "تعزية واعتذار" إلى العائلات (قبل موعد الانتخابات لرئاسة الحكومة في فبراير 2001 بيومين). وبعد فترة وجيزة من وقوع الأحداث حاول الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب المبادرة إلى زيارات تعزية لبيوت الشهداء الثلاثة من الناصرة، وتوجه لأجل ذلك إلى رئيس البلدية، رامز جرايسي. المبادرة فشلت. جرايسي قال، بأن العائلات طلبت منع الزيارات تحسبًا من أن يذكر فيها ما يمس كرامة الرئيس الاسرائيلي، كما أن مجرد وجود رجال الأمن سوف يؤدي إلى تأجيج النفوس.
من بين ما يمتعض منه أفراد العائلات عدم حصولهم على تعويضات من الدولة الرسمية على قتل شرطتها لأبنائهم. في المقابل، يذكرون عددًا من العروض السخية لدفع تعويضات وهبات مالية كانوا قد تلقوها – ورفضوها. في الأسابيع التي عقبت أحداث أكتوبر رفضوا عرضًا تقدمت به جهات فلسطينية، وهو الحصول على هبة كالتي تحصل عليها أسر القتلى الفلسطينية في الانتفاضة. لاحقًا رفضوا عرضًا تقدم به مندوبون من قبل الرئيس العراقي، صدام حسين، يحصلون بموجبه على دعم مالي مقداره مليون دولار لكل أسرة (قبل أشهر معدودة أفاد جهاز الشباك أيضًا أن هذا العرض وصل إلى أفراد الأسر). عرض إضافي جاء، وفق أقوال الأسر، عشية الانتخابات الخاصة لرئاسة الحكومة، في فبراير 2001، من مبعوثين من قبل من كان رئيسًا للحكومة ومرشحًا لفترة رئاسة ثانية، إيهود براك. الأسر، والتي بتأثير منها دعت لجنة المتابعة العليا إلى مقاطعة الانتخابات، رفضت العرض المقدر بملايين الشواقل للأسرة الواحدة. براك ينفي أن يكون عرض كهذا قد قدم.