المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سكان البلدة يشعرون بالصدمة والمرارة. وغالبيتهم يرفضون الاشتباهات التي تربط الثلاثة من جلجولية بواحدة من أخطر الحالات التي يرتبط فيها عرب من إسرائيل بالنية للمس بيهود * الحالات التي يضلع فيها مواطنون عرب في "المخالفات الامنية" هامشية من الناحية الاحصائية، وما زال "التابو" على مثل هذه الأعمال صلبًا. ولكن بعد الاعتقالات في جلجولية والاتهامات الخطيرة بشكل خاص، أعاد الرئيس الاسرائيلي، موشيه قصاب (الاثنين 31/3)، نداءه للقيادة العربية "لنبذ" ما وصفه بضلوع المواطنين العرب في النشاطات "الارهابية".

ألقى "الشاباك" وشرطة منطقة الساحل و"حرس الحدود" الاسرائيلي، قبل حوالي ثلاثة أسابيع، القبضَ على ثلاثة شبان عرب من إسرائيل من قرية جلجولية، يُشتبه في تخطيطهم لتنفيذ عملية تفجيرية، بواسطة سيارة مفخخة وإدخال "إنتحاري" لتنفيذ عملية تفجيرية داخل إسرائيل. وبالاضافة، يُشتبه في تفعيل الثلاثة لمختبر متفجرات في قريتهم؛ وهذا هو المختبر الأول لتنظيم "عسكري" فلسطيني يُكشف عنه في إسرائيل. وقد ألغي يوم الاثنين 31 آذار الأمر بمنع النشر عن القضية، وقُدمت صبيحة الثلاثاء الاول من نيسان لائحة إتهام ضد المشتبه بهم الثلاثة في المحكمة المركزية في تل أبيب. وادعى ممثلو النيابة في المحكمة (الثلاثاء)، أنها "تملك الأدلة لإثبات الادانة، من بينها الاعترافات وإعادة تمثيل ما جرى، والأدلة المادية على وجود مختبر للمتفجرات".

وبحسب الاشتباه، فإن الثلاثة شُغلوا على يد ناشط من "الجهاد الاسلامي"، نمر خليل، من طولكرم، واستعانوا بالهويات الاسرائيلية من أجل التنقل بين إسرائيل والمناطق المحتلة، من أجل جمع المعلومات ومن أجل تجاوز حواجز الجيش الاسرائيلي في خط التماس (وذلك في سعيهم، بحس الاشتباه، لتحضير الوسائل لتنفيذ العمليات في إسرائيل). وبحسب إدعاءات "الشاباك"، فإن المشتبه بهم الثلاثة، الذين أعتقلوا في الحادي عشر من آذار، قالوا في تحقيقهم إنهم كانوا ينوون تنفيذ العمليات "بدوافع أيديولوجية".

والثلاثة، محمد مصري (المشتبه به رئيسًا للخلية)، فاضل عابد وأيمن أبو كشك، معروفون للعناصر الأمنية الاسرائيلية في أعقاب إلقائهم لزجاجات حارقة على سيارات بجوار جلجولية، في "أكتوبر 2000". ويتضح من التحقيق أن الثلاثة خططوا لتفجير السيارة المفخخة إلى جانب واحدة من بوابات قاعدة عسكرية في "تسريفين"، بعد أن اختار مصري المكان. وبحسب الشك، فإن السيارة بُرمجت لتنفجر عن طريق هاتف محمول. بالاضافة، تزوَّد أعضاء الخلية بهويات إسرائيلية مزورة، للتساعد بها وإدخال "الانتحاري" إلى داخل إسرائيل.

ويتضح من التحقيق أن مصري زار طولكرم في نهاية 2002، وهناك تعرّف على خليل، وفي واحد من لقاءاتهما طلب منه، بحسب الاشتباه، أن يساعده في إدخال سييارة مفخخة إلى داخل إسرائيل، وأيضًا أن يهتم في أيجاد مكان مزدحم لتفجيرها.

وفيما بعد، اقترح خليل أن يحضر مصري في قريته سيارة مفخخة بنفسه، لكن مصري قال إنه يستصعب ذلك.

وبحسب أقوال قائد منطقة الساحل في الشرطة الاسرائيلية، عميحاي شاي، تقرر في النهاية أن "خليل سيهتم بجلب الانتحاري، ينضم إلى العبوات التي سيحضرها مصري من أجله في جلجولية، ومن هناك يسهل الخروج لتنفيذ عملية تفجيرية". وبعد الموافقة على الخطة، التقى مصري مع ناشطين آخريْن من "الجهاد الاسلامي" من طولكرم، وجّهاه في كيفية تحضير العبوات التفجيرية، وأعطياه ألفي شيكل. وبحسب الاشتباه، اهتم مصري في الأسبوع التالي بشراء المواد لتحضير العبوات. كما يُشتبه في أن مصري توجه إلى صديقه أبو كشك، وطلب منه أن يساعده في أيجاد مكان ملائم لتفجير السيارة المفخخة. وإلى جانب محطة الباص بالقرب من "تسريفين"، إختيرت أيضًا المحطة المركزية في بيتح تكفاه كهدف للتفجير، يقولون في الشرطة. وقد علم رجال "الشاباك" والشرطة باختيار الأمكنة بمساعدة رسومات خرائط، وفيها مسارات السفر إلى الأهداف المختارة، والتي أكتشفت، بحسب الاشتباه، بين أغراض مصري.

ويشكون في الجهاز الأمني الاسرائيلي بأنه وعشية نهاية شباط، أخبر مصري مشغليه أنه مستعد للعملية واتفقوا على أن يصل "إنتحاري" بعد بضعة أيام إلى مصري مع سيارة، وهو سيرشده إلى واحد من الأماكن التي اختارها. وبحسب الاشتباه، فإن المعتقل الثالث، فاضل عابد، ساعد مصري على أيجاد مكان اختباء يلتجئ إليه "الانتحاري" مع العبوات التي حضّرها. وبحسب إدعاء "الشاباك" والشرطة فإن العملية كان من المفترض أن تتم في نفس الفترة التي ألقي القبض عليهم فيها.

وضُبطت في المختبر في جلجولية حوالي 20 كغم من المواد المتفجرة، والأسمدة الكثيرة، التي أشتريت على ما يبدو من مشاتل في منطقة الساحل، وأيضًا على آلة خلط للمواد وبالونات غاز.

"جهاد إسلامي هنا؟"، سأل الأب!

ويؤكد اهالي المعتقلين ان ابناءهم ابرياء، ويشدد محمود مصري، على انه متأكد من أن إبنه محمد مصري بريء وأن الحديث يدور عن إعتقال غير مبرر، تمامًا مثل باقي أفراد عائلة المعتقليْن الآخريْن وسائر عائلات المعتقلين عامةً. "نحن مواطنو الدولة، أين يوجد هنا ‘جهاد إسلامي‘؟" يقول الأب، "نحن مصدومون".

ومثله، فإنَّ الكثيرين من سكان البلدة يشعرون بالصدمة والمرارة. وغالبيتهم يرفضون الاشتباهات التي تربط الثلاثة من جلجولية بواحدة من أخطر الحالات التي يرتبط فيها عرب من إسرائيل بالنية للمس بيهود. واجتمع في بيت جيران عائلة مصري، في الظهيرة، عدة نساء أمام جهاز الراديو، وبكينَ عندما قال مراسل "صوت إسرائيل بالعربية" إن "محمد مصري من جلجولية اعترف بضلوعه في المنسوب إليه". كما أن الخواطر ثارت أيضًا خارج بيت أيمن أبو كشك، حيث تجمع هناك جيران وأقرباء كثُر. "يحيكون لهم ملفًا"، قالوا.

ويعيش في بلدة جلجولية، التي تجاور مدينة "كفار سابا" و"بيتح تكفاه" وقلقيلية، حوالي 7500 إنسان. كلهم مسلمون، وفي العقد الأخير إزدهرت الحركة الاسلامية - الجناح الجنوبي، لكن "جلجولية هي غربية أكثر بكثير مما هي شرقية"، يقول توفيق خطيب، من البلدة وعضو كنيست سابق عن القائمة الموحدة. وبحسب أقواله، فإن إعتماد جلجولية على جيرانها اليهود –أماكن العمل التي تعرضها المدن المحيطة، وسيل الزبائن إلى الكراجات والمطاعم - خلق "بلدة ذكية" ومتعددة تعيش مع جيرانها في "تعاون يهودي عربي". وهو يذكر أيضًا أن "ميرتس" كانت القوة الثانية في البلدة، في الانتخابات الأخيرة.

في شقة محمد مصري، التي عاش فيها مع أخيه الصغير لؤي، ما زالت تبدو آثار ليلة الاعتقال والتفتيشات التي أجريت في الشقة بحثًا عن مواد متفجرة: الباب مكسور في غرفة النوم، سماعتا صوت من مسجل مفكوكتان، تنجيد ممزق لكنبة، خزف وحمام مكسّران.

واعتق أيضًا لؤي، إبن الثمنة عشرة والنصف، في تلك الليلة، وأخلي سبيله بعد مضي 16 يومًا بعد أن اقتنع محققو "الشاباك" بأنه لم يكن يعرف عن المؤامرة وعن المواد المتفجرة التي أخفيت في الغرفة المجاورة. ويرفض الأخ الصغير أن يروي ما حدث في الاعتقال. "‘الشاباك‘ قالوا لي ألا أتحدث"، أوضح.

وكان جد محمد مصري هاجر من مصر (ومن هنا إسم العائلة) ومنذ 1948 تعيش العائلة في جلجولية. وقد تزوج محمود من سميرة، من قرية جيّوس شرقي قلقيلية، ورزقوا في جلجولية بخمسة أبناء. وتسكن العائلة، بأجيالها الثلاثة، في عمارة متعددة الطوابق في قلب البلدة. "هذه عائلة صغيرة تعيش مثل أية عائلة أخرى في البلاد. لدينا علاقات مع كل من يود ذلك، من عرب ويهود"، يقول محمود مصري.

"كل ما حدث هو دواوين"، تقول باسمة أبو كشك، عمة أيمن أبو كشك. "نحن عرب إسرائيل نُصاب أيضًا في العمليات التفجيرية، ومن غير الممكن أن أيمن فعل شيئًا". وبحسب أقوالها، فإن إبن أخيها لم يهتم أبدًا بالسياسة: "هو لم يعرف القراءة والكتابة، وحتى أنه لا يعرف ما يُكتب في الجرائد".

مصري وأبو كشك هما صديقان يتشاطران بعض التفاصيل الشخصية: الاثنان أعزبان، يزيد عمراهما عن العشرين بقليل، يعيشان في بيوت العائلة، في شقق منفردة، يعملان منذ طفولتيهما في البناء بعد أن تسربا في مرحلة مبكرة من نفس المدرسة. وبحسب "الشاباك"، فإن مصري أرجع في إعترافه الاستعداد للمسّ بمواطنين أبرياء بأنه تديّن في السنوات الأخيرة. وصديقه أيضًا تديّن. كما أن الروابط العائلية التي لمحمد مصري في الضفة الغربية – مثل الكثيرين من الشبان الذين يحملون الهويات الزرقاء في جيله - كانت كافية في هذه الحالة لتجنيدهم، سوية مع صديقهما فاضل عابد، من أجل مساعدة منفذي العمليات المفترضة. هذه التفاصيل الشخصية العادية، لأول وهلة، تُستغل مرة أخرى بأيدي "الجهاد الاسلامي" بشهولة، بحسب الاشتباه.

"لا أعتقد أنه بالامكان أن يفعل أحد أكثر مما فعلت"، يقول محمود مصري عن إبنه. "فهو ولد في الواحدة والعشرين لا زلت أتعامل معه حتى اليوم كولد في الثانية عشرة، ما زلت ألاطفه إلى اليوم. أنا قريب منه جدًا، نجلس معًا ونتحادث. من غير الممكن أنه فعل شيئًا. لم أرَ ولو علامة صغيرة".

نداء إلى الأهل العرب لـ "الانتباه لأبنائهم"

وابرزت الصحف الاسرائيلية انباء الخلية والاحكام الصادرة في محاكم اسرائيلية بحق شبان عرب تدعي السلطات الاسرائيلية ان لهم ضلع في تنفيذ عمليات انتحارية داخل اسرائيل. وزار يئير اتينغر مراسل صحيفة "هآرتس" قرية جلجولية الى الجنوب من قلقيلية، وسجل حالة التوتر التي تسود لدى عائلات الشبان الثلاثة المتهمين بالضلوع في التخطيط لعمليات "انتحارية".

ويتضح من تحقيق صحفي أجرته صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، أن غالبية التنظّمات التي كشف عنها "الشاباك" بين المواطنين العرب في اسرائيل في السنتين والنصف الأخيرتين، للاشتباه في الضلوع في "الارهاب"، انتهت بتقديم لوائح إتهام وإدانات. هذا، على الرغم من أن تخفيفًا كبيرًا طرأ على خطورة بنود لوائح الاتهام، في عدد من الحالات. واتضح أن حالة واحدة فقط لم تُترجم إلى لائحة إتهام، من بين الحالات التي كُشف عنها في كانون الثاني- أكتوبر 2002 (وخلالها أعتقل 68 مواطنًا): في هذه الحالة المذكورة كان الحديث عن إلقاء زجاجة حارقة على دورية شرطة في شارع 444 إلى جانب جلجولية. واتضح (الثلاثاء 31/3) أن الثلاثة من جلجولية كانوا من وراء إلقاء هذه الزجاجة، بحسب الشبهات.

وما زالت الحالات التي يضلع فيها مواطنون عرب في "المخالفات الامنية" هامشية من الناحية الاحصائية، وما زال "التابو" على مثل هذه الأعمال صلبًا. ولكن بعد الاعتقالات في جلجولية والاتهامات الخطيرة بشكل خاص، أعاد الرئيس الاسرائيلي، موشيه قصاب (الاثنين 31/3)، نداءه للقيادة العربية "لنبذ" ضلوع المواطنين العرب في النشاطات "الارهابية".

ويقول عضو الكنيست السابق، توفيق خطيب: "لا توجد وسائل إستخباراتية وقانونية، لدى القيادة العربية، وهي لا تملك سوى الشرعية الجماهيرية". وبحسب رأيه، فإن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية استغلت هذه الشرعية و"نشطت بشكل أيجابي في السنتين الأخيرتين في ندائها للتنظيمات المختلفة بعدم الأيقاع بشبان عرب في الحرب الفلسطينية"، لكن "هذه التوجهات لا تلقى الاصغاء عند الجميع، بنفس القدر". لذلك، يعتقد، "يبدو أن على قوات الأمن أن تنتبه أكثر، وعلى الأهالي أن ينتبهوا لأبنائهم، لأنهم هم من يرون أبناءهم كل صباح ومساء. من جهة ثانية، سيكون هناك دائمًا من سيحاول تجنيد شبان عرب، ويجب أن يراقب أحد ما ذلك"؟!

المصطلحات المستخدمة:

حرس الحدود, شاي, هآرتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات