المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1439

النائب بشارة يرد في لقاء مع علاء حليحل على إدعاءات المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، الذي طالب لجنة الانتخابات المركزية بشطب "التجمع" ورئيسه: "كل ما جاء في التوصية وتقرير "الشاباك" هو افتراءات وتزوير.." 

اجرى اللقاء: علاء حليحل

* لقاء خاص مع النائب د. عزمي بشارة، رئيس "التجمع الوطني الدمقراطي"، أجري في برنامج "سياسي يتحدث" في راديو "الشاطئ"، يوم الثلاثاء الماضي، ويُنشر معظمه (الجمعة) في مجلة "الناس" * النائب بشارة يرد في هذا اللقاء على إدعاءات المستشار القضائي للحكومة الذي طالب لجنة الانتخابات المركزية بشطب "التجمع" ورئيسه: كل ما جاء في التوصية وتقرير "الشاباك" هو افتراءات وتزوير * وأيضًا: يتوقع من ثلاثة إلى أربعة مقاعد لـ "التجمع"، يرفض مقولة أنه أكل من صحن الشيوعية وبصق فيه، ويرى في اليسار الاسرائيلي يسارًا مزيفًا ولا يقوى على إستيعاب المثقفين العرب الجدد * ثم لماذا يردد البعض على التلفاز والراديو العبريين بأنه لن يتغير شيء في حالة شطب "التجمع"؟.. لمصلحة من؟!

وُلد عزمي بشارة في الناصرة في 22 تموز للعام 1956 ونشأ فيها. في عام 1974 أسس اللجنة القطرية للثانويين العرب، التي انتخبت من كافة المدارس العربية، وكان أول رئيس لها. في العامين1977-1975 كان طالبًا في جامعة حيفا. في العام 1976 مثل اتحاد الطلاب الجامعيين العرب الذي شارك في تأسيسه، في لجنة الدفاع عن الأراضي العربية، التي أعلنت يوم الارض يوم الثلاثين من آذار. كما شارك في تأسيس إتحاد الطلاب الجامعيين العرب ونشط في الحركة الطلابية العربية وأعتبر أحد رموزها البارزين في السبعينيات.

في الأعوام 1980-1977 أنهى دراسته في الجامعة العبرية في القدس. بين الأعوام 1986-1980 درس في جامعة هومبولدت في برلين، وتخرج منها بشهادة دكتوراة في الفلسفة بإمتياز. في العام 1995 أسس "حزب التجمع الوطني الديموقراطي". في الأعوام 1996-1986 شغل منصب رئيس قسم الفلسفة وقسم العلوم السياسية ومحاضر الفلسفة والدراسات الثقافية، في جامعة بير زيت. في الأعوام 1996-1990 عمل باحثًا في معهد "فان لير" في القدس، ومنسق مشاريع الأبحاث فيه. في العام 1996انتخب عضوًا في الكنيست الاسرائيلي للمرة الاولى كمرشح رابع في قائمة "الجبهة والتجمع"، وأعيد انتخابه للمرة الثانية على رأس قائمة "التجمع الوطني الديموقراطي" في التحالف مع الحركة العربية للتغيير، عام 1999، حيث رشح نفسه وقتها لرئاسة الحكومة وانسحب في نهاية الأمر.

في عام 1999 تعرض بشارة الى اطلاق النار والاصابة برصاصة مطاطية اثناء دفاعه عن بيت ضد أمر الهدم في مدينة اللد، كما تعرض بيته في الناصرة في اكتوبر 2000 الى اعتداء من مئات العنصريين المنظمين، وما زال يتعرض للتحقيق حول مسؤوليته عن هذه المظاهرات سوية مع شخصيتين عربيتين أخريين: الشيخ رائد صلاح وعبد المالك دهامشه. في السابع من تشرين الثاني للعام 2001 رفعت الكنيست الحصانة البرلمانية عن النائب بشارة، وذلك بعد تقديم النيابة العامة في اسرائيل لائحتي اتهام ضده، في الحادي عشر من تشرين الثاني للعام 2001، الاولى بسبب دفاعه السياسي عن حق الشعب الفلسطيني واللبناني في مقاومة الاحتلال والثانية بسبب مساعدته مواطنين عرب ولدوا قبل العام 1948 من الوصول الى مخيمات اللاجئين في سوريا لرؤية اقاربهم للمرة الاولى بعد 53 عاماً، واعتبرت هذه مساعدة على زيارة "أراضي العدو"- وما زالت المحاكمات جارية حتى اللحظة. في الثامن عشر من الشهر الجاري قدم المستشار القضائي للحكومة إلياكيم روبنشطاين للجنة الانتخابات المركزية، توصية مرفقة بتقرير من الشاباك الاسرائيلي، بشطب قائمة "التجمع" ورئيسها بشارة من قائمة الأحزاب المتنافسة للكنيست في الانتخابات التي ستجري في الثامن والعشرين من الشهر المقبل. لجنة الانتخابات ستحسم موقفها بهذا الصدد حتى السابع من الشهر المقبل.

لم أبصق في صحن الشيوعية

- أنت قضيت الكثير من السنوات في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، في سني حياتك الأولى وأيضًا في العديد من سنوات بلوغك وتشكلك. متى اكتشفت أن الشيوعية ليست الحل، وأن القومية بالذات هي الحل؟

"لم أكتشف أن القومية هي الحل، ولا أطرحها كبديل للشيوعية، ولا كأيديولوجيا كما يعتقد البعض. القومية هي إنتماء لتطوير المجتمع، وهي حاجة ضرورية لتأطيره، خلافا للطائفة والعائلة والعشيرة. بالنسبة للفكر الشيوعي، منذ جيل مبكر كان انتمائي وتوجهي نقديًا وكنت أطرح الأسئلة دائمًا، وأنا دخلت الشيوعية من منطلق كوني إبن الشعب المضطهد. دخلتها كتيار تحرري ونظرتي إليها تحررية، وكل ما هو غير تحرري فيها أثار نفوري، خاصة الأنظمة التي كانت والتوجه والتعامل مع الموضوع الديمقراطي. فيما بعد أثار الموضوع القومي لدي نقاشًا وأسئلة، خاصة في قضية فلسطين وكيف نشأت، وموقفنا حين كنت شيوعيًا من الحركة الصهيونية وقرار التقسيم والحركة الكولونيالية وهل توجد أمة عربية أم لا، ودور الرجعية العربية وما إذا كانت المسؤولية تقع عليها أم على الصهيونية، وتقلُب الموقف في التعامل مع هذه الانظمة بحسب تقلب موقف الاتحاد السوفييتي في حينه... آلاف الأسئلة... شغلتني في البيت، في النقاشات مع والدي عندما كنت شابًا وشغلتني في القراءات ودفعت بي الى التنقيب عن تيارات أخرى يسارية غير الشيوعية.. أعتقد أنه في جيل مبكر، في بداية العشرينيات، حسمت هذا الموضوع نهائيًا. ثم جاء الانفتاح على التيار القومي العربي أثناء وجودي في الخارج.

"ولكنني أعتقد أن الامر يتعلق بتوجهك الأساسي للموضوع، إذا كان عائليًا أو طائفيا. الايديولوجيا ليست مقدسة. إذا كان المبدأ هو الحرية أو المساواة، فأنت منفتح بالضرورة وبالتدريج للتعبير عنها بأشكال مختلفة. ليس من منطلق لا أغير حزبي كما أنني "لا أغير سجائري". فإذا اكتشفت أن التعبير عن مبدئك الأخلاقي لم يكن صحيحًا، كمبدأ الحرية والمساواة وسعادة الانسان، وهو مبدأ أساسي جدًا في أي فكر فلسفي، فقد تختلف أشكال التعبير. لا أعتبر القومية بديلا. نحن نحاول وضع الفكر الخاص بنا."

- هناك ادعاء في جدالات بين "الجبهويين" و"التجمعيين" أرجو توضيحه. الادعاء يقول إنك تربيت داخل الحزب الشيوعي الاسرائيلي وتعلمت على حسابه، وبعد أن حصلت على مآربك، تركته...

"(يضحك).. بالتأكيد أقول إن جيلي في ذلك الوقت أعطى الحزب الشيوعي أكثر مما أخذ. أنا لا أتنكر لتلك الفترة التي كانت جزءًا مني ومن نضالاتي. ولا أعتقد أن لأحد مساهمة أكثر مني في تلك المرحلة، وأكثر من جمال زحالقة وأكثر من إميل حبيبي، الذي توفي وهو خارج الحزب، أو آخرين من الناس الذين كانوا في الحركة الشيوعية وبعث بهم ستالين إلى سيبيريا.. ألم يكن لهم دورهم.. يعني، هل الحركة الشيوعية هي عائلة وواحد قام وترك العائلة؟.. الموضوع لا يُقاس هكذا إطلاقًا. أنا أعتقد أن هذا الطرح هو أساس الأخطاء. يعني من يتعلم هنا في الجامعة يأخذ مآربه ويتنكر لاسرائيل؟.. هل تعرف أن من يتعلم الطب تصرف عليه الدولة، غير قسط التعليم، حوالي 15000 ألف دولار في السنة؟.. هذا الكلام يشبه الكلام الذي تتحدث به إسرائيل اليوم معنا: أنت تأكل من الصحن وتبصق فيه! هكذا كلام عيب.. كل الشعب في ألمانيا الشرقية تعلم في الشرقية ووقف ضد الشيوعية، وكل الشعب السوفييتي أيضًا وقف ضد الشيوعية... نحن درسنا على حساب الناس في ألمانيا الشرقيّة، على حساب دافع الضرائب. من يتكلم بهذا الكلام لا يعرف ماذا تعني الدولة ولا ماذا تعني الضريبة ولا الحزب ولا الشعب، ويصعب النقاش السياسي معه."

اليسار الاسرائيلي مزيّف واستعلائي

- من تابع مسيرتك في السياق الاسرائيلي، يعرف أنك كنت مقبولا جدًا عند اليسار الاسرائيلي الراديكالي، وحتى عند ما يسمى باليسار الصهيوني. اليوم، أعتقد أنك توافقني، الوضع تغير. حتى ميتسناع، "حمامة العمل البيضاء"، قال إنه لن يقبل بـ "التجمع" شريكا في حكومة يسارية. هل تحول عزمي بشارة إلى قومجي متطرف ترفضه هذه الأوساط، وهل هناك مجال مستقبلي لتعاون عربي يهودي في داخل "التجمع"؟

"عند وصول رابين إلى السلطة، كطفرة، كان هناك إنتعاش لطبقة وسطى وحركة "بوست صهيونية"، وأعتقد أنه في تلك الفترة كانوا يبحثون عن مثقفين عرب ليحاوروهم. لكن على فكرة عندها كنت أتحدث بنفس أحاديث اليوم، لكن الفرق أنني كنت عندها أكاديميًا. عندما دخلتْ لهجة السياسي الذي يبني حركة شعبية ويتحدث بنمط شعبه ويأتيهم من القرية العربية، ليس بصورة الأكاديمي وإنما بالسّمار والشوارب، وهو نفسه لا يتغير، لكن لغته سياسية وهو ممثل لآلاف لهم مصالح يومية، أعتقد أنه يوضع على المحك أكثر. المشكلة معي عند قسم من هؤلاء الناس وليس كلهم. فقسم منهم ما زالوا اصدقاءنا وما زالوا يدافعون عنا، منهم بروفيسور مردخاي كرمينتسير، أهم بروفيسور جنائي وحقوقي، ويوآف بيلد ولم ينسوا من هو عزمي بشارة. ففي النهاية نحن نتحدث عن صناعة صور عن طريق استهلاك الاعلام والاشخاص الذين أتحدث معهم ليسوا مستهلكي إعلام. المشكلة مع الباقي أنهم لا يستطيعون أن يفرضوا عليّ وصاية أخلاقية. أن عزمي بشارة لا يرضى بأن يأتي واحد منهم من فوق ويريه أنه دمقراطي أكثر منه. أسهل عليهم أن يتعاطفوا مع فلسطيني وطني غير دمقراطي أو مع إسلامي أصولي، من أن يتعاطفوا مع عزمي بشارة، لأنه لا يقبل أن يقولوا عنه إنه رغم تطرفه إلا أننا نتعاطف معه. يا سيدي، إذا قلت عني إنني متطرف فإنني لا أريدك أن تتعاطف معي. لديهم نزعة لأن يقولوا إنهم يدافعون عن آرائك مع أنهم لا يوافقون معك، كمقولة فولتير، ولكنهم في النهاية يمارسون مدح أنفسهم. أنا لا أقبل هذا النوع من الدفاع: لا تشوه صورتي ولا تتعاطف معي. فيأتي مثلا يوسي سريد ويقول إنه على الرغم من أن عزمي بشارة هو مع سوريا إلا أنني... لأ يا سيدي، أنا لست مع سوريا. هذا ما يزعجهم في هذا الجيل الشاب والجديد من المثقفين العرب. هم مسموح لهم أن يكونوا قوميين مع دولة اليهود والصهيونية، أما أن يكون عربي قوميًا فهذا ممنوع، لأنه يصبح عندها قومجيًا ومتطرفًا. لماذا لا أستطيع أن أكن قوميًا ودمقراطيًا ومتنورًا؟.. الكتاب الوحيد الذي يُدرّس في الجامعات الاسرائيلية عن التنوير هو كتابي، فماذا تريدون؟.. يبقى لديهم الاعلام لتشويه الصورة، ولكن الاعلام هو وهمي وحبله قصير. هناك الكثير لديهم ممن شعبية في الاعلام ولكن ليس لديهم أصوات أو قاعدة شعبية.

"كما أعتقد أن موقفنا من موضوع دولة المواطنين أزعجهم. موقفنا في حق المقاومة أيضًا أزعجهم. لكن كيف يمكن أن تكون ضد الاحتلال وألا تكون مع شرعية المقاومة. كلمة "ضد الاحتلال" هنا مزيفة.. إذ كيف يمكن أن تكون ضده وفي نفس الوقت ترفض أن يقاوم الشعب الاحتلال، يعني كيف ذلك؟

"بالنسبة لدمج اليهود في "التجمع". موقف "دولة لجميع مواطنيها" هو موقف لليهود والعرب. نحن نقول إن هناك أغلبية يهودية في البلاد ونريد حقوق الأقلية. واضح أننا نخاطب الأغلبية من أجل تحقيق ذلك، ومن أجل العيش معهم. ونحن عندما نقف ضد استهداف المواطنين فإننا نقف ضد استهداف المواطنين اليهود لأنهم مواطنون معنا. لا يصح أن أطالب بالمساواة معهم وأن أطالب لهم بالموت. مش معقول... ولكن من يحدد التعاون المشترك هم الطرف اليهودي اليساري، ما إذا نضجت الظروف لتشكيل تيار يوافقنا على مواقفنا. لا نريد منهم أن يصبحوا قوميين عربًا، ولكن من منطلقاتهم هم ومصلحتهم، وأن يتحالف هذا التيار معنا في إطار واحد، كحزب ثنائي القومية. لم نكن ولا مرة ضد هذا الأمر. ولكن نحن نرى ضمن طاقتنا المحدودة حاليا، كقوميين عرب دمقراطيين، نرى مهمتنا الأولى تنظيم المجتمع العربي على أساس دمقراطي وتعزيز الأقلية العربية لتكون قادرة على الصمود في المطالبة بحقوقها اليومية. وتعزيز موقف الهوية لأننا نعتبره أساسًا في المرجعيات الاخلاقية للشاب والفتاة العربيين في المستقبل. هذه أولوياتنا لكن طاقاتنا محدودة. لا نستطيع أن نصرف مجهودنا في تل أبيب ونتانيا، ولكن إذا كان هناك شركاء يهود في أي مطلب نضالي محدد فنحن مستعدون للمشاركة معهم في هذا المطلب، ما يسمى بنضال "أد- هوك". البعض سيقول عن هذا الكلام إن عزمي بشارة غيّر من كلامه. كلا، نحن لم نغير، ولكن ماذا بوسعي فعله مع من لم يفهم ما قلناه منذ البداية؟"

دمقراطية في الجوهر، يهودية في الطابع

هناك لائحتا إتهام ضد بشارة في المحاكم الاسرائيلية، بتهمة التضامن مع منظمات إرهابية وبتهمة تنظيم زيارات للمواطنين العرب إلى سوريا، وهي بلد عدو كما تعرفها إسرائيل. قبل أسبوع قدم المستشار القضائي توصية للجنة الانتخابات بشطب بشارة و"التجمع" من الترشح لانتخابات الكنيست المقبلة.

- في رد "التجمع" على توصيات روبنشطاين كتبتم: "نحن نريد تحويل إسرائيل من دولة يهودية في جوهرها ودمقراطية في طابعها، إلى دولة دمقراطية في جوهرها ويهودية في طابعها". كيف يمكن فعل ذلك دون مواجهة الصهيونية رأسًا برأس، ودون تجاوز محدوديات الدمقراطية الاسرائيلية؟.. والشق الثاني من السؤال: هل توافق على التقدير أن الاستمرار في طرحك النظري والفعلي سيؤدي في النهاية إلى القضاء على دولة إسرائيل وتحويل اليهود إلى أقلية في المنطقة؟

"اليهود هم أقلية في المنطقة وباعتقادي أن عليهم أن يدركوا ذلك. هذه حقيقة. هذه منطقة عربية وهم أقلية، ولكن نحن لا نتحدث عن المنطقة، نحن نتحدث عن الدولة. اليهود أغلبية في الدولة والدولة تعبير عنهم، ومن هذا المنطلق نحن نقبل بأن طابع الدولة يهودي. ولكن نحن لا نستطيع تبني الموقف الصهيوني القائل إن اليهودية هي جوهر الدولة الخ.. عندها نصبح صهاينة. ومعك حق، هذه المعركة وهذا الموقف هو صدامي مع الصهيونية. نعم، طبعًا. نحن لسنا صهاينة. أصلا، المعركة على الأرض هي صدام مع الصهيونية. تاريخنا كله كان مليئًا بالصدامات مع الصهيونية، وكان كل تقدم لنا دائمًا هو تراجع في الطابع الصهيوني لاسرائيل، وهذا أمر جيد ولا أرى فيه أية مشكلة. وإذا أصر المستشار القضائي ووراءه المؤسسة الاسرائيلية على التناقض بين الدمقراطية والصهيونية فهم الخاسرون على المدى البعيد، وعندها يصبح "التجمع" تفاصيل. لأن موقفهم العالمي مبني على أمرين، وفقط على أمرين: أولا، أنهم يعتبرون أنفسهم الدمقراطية الوحيدة في المنطقة، وثانيًا، على إحتكار دور الضحية تاريخيًا. بدون هذين العنصرين تصبح إسرائيل دولة كولونيالية عادية لا تحظى بالتعاطف الدولي معها ولا بالدلال.

"نحن حريصون - ومن منطلق حرصنا على مستقبل الجماهير العربية - أن نتعامل مع هذه المعركة بمنتهى الجدية. نريد أن يبقى "التجمع" في إطار القانون وفي إطار البرلمان. وروبنشطاين نفسه يقول إن "التجمع" هو تيار سياسي أساسي على الساحة وقد يكون الأساسي على المدى المتوسط، وربما في الانتخابات هذه. هم يقولون إن وجود "التجمع" في الكنيست قوّاه كثيرًا وقوّى تمثيله في البرلمان وهم يريدون محاربته ويقولون ذلك. هذه المعركة يجب ألا ننسحب منها إطلاقًا. يجب أن يكون هناك التفاف جماهيري وتضامني حول "التجمع" مما يصعب عليهم هذه اللقمة ويصعب عليهم ابتلاعها، أن تكون أكبر من أن تُبتلع بهذه السهولة. القضية الأساسية الآن هي التفاف جماهيري واسع حول قضية "التجمع" وليس الشخص. لأنه في حالة نجاح المستشار القضائي للحكومة فان هذه ضربة شديدة للعمل السياسي للجماهير العربية وتراجع كبير لقدراتنا على المدى البعيد، لأن هذه كرة ثلج لن تقف هنا، تبدأ بـ "التجمع" وربما تنتقل إلى الجمعيات أيضًا، وكل ما يعبر عن إرادة ورغبة ذاتية، وربما تمتد إلى أحزاب أخرى. ورأينا اليوم ما حدث مع صحيفة "صوت الحق والحرية". ومطلوب أيضًا تضامن دولي وتنوير في الشارع الاسرائيلي. نحن نعمل الآن بشكل حثيث جدًا على هذا الموضوع. صوتنا حُرم من الوصول إلى الشارع الاسرائيلي بسبب إبعادنا عن الاعلام وبسبب التحريض الدموي الأرعن وسيطرة اليمين على الشارع. الشارع الاسرائيلي ليس بريئًا، بل قومجي وشوفيني وضالع في عملية إضطهاد شعب آخر. وبالتالي هناك حواجز كثيرة جدًا في الوصول إلى الجمهور وسنبذل كل جهد ممكن، حتى لو تنازلنا عن بعض العقد النفسية في بعض الحالات، على الأقل من منطلق "هل بلّغت؟". لا تقولوا لم أرَ ولم أسمع."

- سأنحو الآن إلى المنحى العيني والعملي في هذا الموضوع: فيما لو استجابت لجنة الانتخابات لطلب روبنشطاين، هل تعتقد أن المحكمة العليا ستلغي قرار الشطب، وفيما لو شطبت العليا قائمة "التجمع"، ماذا ستفعلون؟ دعوة للمقاطعة؟ نشاط سري؟ حزب جديد؟

"من الجيد توضيح الاشكاليات الاجرائية. أولا، وربما هذه أول مرة تُقال، نحن معنا حتى يوم الجمعة القادم، موعد تقديم اعتراضاتنا على ادعاءات المستشار القضائي للحكومة. نحن لا ننام الآن، ونحاول تحضير رد مفصل بآلاف الصفحات على إدعاءات روبنشطاين، وفيه مجمل نشاطنا. يعني، تريدون ما يفكر به عزمي بشارة.. هذه كل كتبه وكل مقالاته ومقالات غيره، ونحن نبعث لكم كل خطابات ومحاضرات النائب بشارة بالعربية، إسمعوا الحلو فيها واسمعوا المر. أنا أعتقد أننا سنحتاج إلى شاحنة كبيرة لحمل (50) نسخة من هذه الملفات إلى القدس. عندما تصل إلى القدس سنطلب من أعضاء اللجنة الاطلاع عليها. يعني هل سيشطبون القائمة من دون الاطلاع على ما نفكر به ونقوله؟ وإذا صوتوا مع شطب القائمة مع كل ذلك، وللأسف هناك أصوات في حزب "العمل" هي انتهازية جدًا مثل ميتسناع، يعني هل تعتقد أنه قصد التصريح الذي ذكرته سابقًا.. ميتسناع لديه مستشارون استراتيجيون يقولون له ما يفعل وما يقول، وهم مستشارون إعلاميون ويقولون له إنه من الأفضل الآن أن تهاجم عزمي بشارة و"التجمع" فهذا مقبول؛ نتيجة لهذه الانتهازية يمكن أن تكون أغلبية لشطب القائمة وأن نذهب للعليا. ماذا نتوقع من العليا؟.. أتوقع من العليا أن تتصرف كالعليا ولا شيء آخر. لا أستطيع أن أذهب إلى العليا وأتوقع أن أخسر. نحن نتوقع أن نربح. من سمع أمس (الاثنين) برنامج موشيه هنغبي (في ريشت بيت) وهو قضائي مهم، سمع أن كل ما يدور اليوم هو كلام فارغ، وكرمينتسر يقول ذلك وأمنون روبنشطاين، معلم روبنشطاين في القانون الدستوري. لم أسمع أي خبير قانوني جدي إلا وقال إن هذا كلام فارغ.

"سؤالك الأخير حول ماذا سنفعل لو خسرنا المحكمة فأنا لا أتعامل معه، أنا لا أتعامل مع ‘ماذا لو‘. نحن سنربح هذه المحكمة."

الشعرة الفاصلة بين التساهل والتواطؤ

- كان لي حديث مع عدة أشخاص من طواقم إعلامية في أحزاب عربية وسألت: هل ستدعون لمقاطعة الانتخابات لو شطبوا "التجمع". فأجابوا: بالعكس، هو من يجب أن يدعو مصوتي "التجمع" للتصويت لباقي الأحزاب العربية..

. "يعني أن نصوت لهم.. يعني (بتهكم) إحتجاجًا على شطب "التجمع" سنصوت "جبهة" و"حركة إسلامية".. يعني عظيم جدًا.. أنا أفكر في أن نستقيل من مرة ونلغي "التجمع" من مرة.. (يضحك بتهكم).. هذا المنطق يبدو جميلا ومش بطال... شوف، أنا لست ضد هذا الموقف لمعلوميتك، من يفكر هكذا فهذا اجتهاده، لم نكن غير هيك ولا مرة. هذا ليس سيئًا. السيء هو أن تتبرع بتصريحات كالتالي، دون أن يسألك أحد. فجأة نراك في التلفزيون: ‘حتى لو شطبوا أية قائمة منا فسنصوت‘. لكن أحدًا لم يسألك. بعدين لماذا تقول حتى لو شطبوا أية قائمة منا، فأنت غير مهدد بالشطب. يعني هل تأخذون تهريجات كلاينر وكاتس على محمل الجدية (مطالبهما بشطب الطيبي ودهامشة- ع.ح.)؟ كلاينر وكاتس طلبا شطبي أيضًا ولا أتعامل معهما بجدية. أنا أتعامل بجدية مع المستشار القضائي، والمخابرات التي وراءه. وكل الصحافة تتعامل مع هذا فقط بجدية، فلماذا القول ‘لو شطبوا أية قائمة منا‘، قُل ‘لو شطبوا التجمع‘. ثم لماذا تقول، لم يسألك أحد. إذن من تُطمئن في أقوالك هذه؟.. تُطمئن حزب ‘العمل‘، أي أن يصوت مع شطب ‘التجمع‘. طيب ليش؟.. نحن معتمدون على أن حزب ‘العمل‘ سيصوت ضد شطب ‘التجمع‘ فقط إذا اقتنع بأن هذا سيؤثر على معسكره عن طريق تراجع التصويت في الساحة العربية. ليس هناك سبب آخر يدفع حزب ‘العمل‘ للتصويت ضد الشطب. فإذا طمأنتَ ‘العمل‘ كل يوم في الراديو والتلفزيون بأن نسبة التصويت لن تقل، بل سيزيد الحماس أكثر بعد شطب ‘التجمع‘، فإن ‘العمل‘ سيصوت مع الشطب."

- هناك افتراض ضمني في كلامك بأن بعض الأحزاب العربية تجلس الآن في الخفاء وتحك بيديها بسرور لأنهم سيشطبون ‘التجمع‘..

"يعني أتمنى لهم النجاح وأن يكونوا الآن مشغولين في التعييد على الناس وعلى بعضهم البعض، ويفركوا أيديهم إلى جانب الدفايات بسبب البرد وليس لسبب آخر. أتمنى ذلك. أنا أعزّهم بالفعل وأتمنى لهم النجاح حقًا، ووجود ‘التجمع‘ هو ربح لهم لأنه حسّن من أداء كل الأحزاب ورفع نسبة التصويت الوطني لكل الأحزاب. وأنا أفكر أن وجوده في المستقبل ورفع الروح الوطنية هي رفع الروح لكل الأحزاب. مجرد وجود حزب عربي وحيد يقول للناس ‘صوتوا لي أو لبقية الأحزاب العربية‘. لا يوجد حزب آخر يقول هذا الكلام غيرنا. وأنا أتصور أن وجود ‘التجمع‘ يرفع من نسبة التصويت. أي كلام باتجاه طمأنة المؤسسة الحاكمة بأنه إذا شطبتم ‘التجمع‘ فإنه لن يحدث شيء، يثير استياءنا جدًا. وأتصور أن الجمهور العربي يستاء منه، وأتصور أن المستمع يتساءل ‘شو هالحكي هاذا؟‘، حتى المستمع العربي من غير ‘التجمع‘. وَلَوْ.. نحن عرب ولدينا تعاضد وتعاطف وفزعات لبعضنا البعض وهذا أمر جيد في المجتمع الشرقي، على عكس المجتمعات في الغرب. يوجد شيء عند العرب يؤدي إلى النفور من هذا الكلام المذكور. يعني شو إنتي عم تحكي؟.. أنت تقول في الراديو والتلفزيون بالعبري إنه مهما حدث فإن الحال ماشي؟.. ‘بزنس آز يوجوال‘؟.. يعني مثل حركة ‘الأرض‘ في الستينيات؟ نحن أكبر من حركة ‘الأرض‘ بخمس أو ست مرات ومن ناحية التجربة والتاريخ والوعي. بعدين شعبنا غير ما كان عليه في الستينيات. يعني نحن في حكم عسكري؟.. هكذا ستمر الأمور ببساطة؟.. كل ذلك بدلا من أن يقفوا ويقولوا إنه ليس في حساباتنا إطلاقًا أن يشطبوا أحدًا منا أو يُمنع من خوض الانتخابات بتهم سياسية أيديولوجية فكرية. نحن لا نتحدث في نهاية الأمر عن تُهم جنائية وغيرها. هناك شعرة صغيرة جدًا تفصل التساهل عن التواطؤ، ويجب أن نكون حذرين في هذه المرحلة وأن نسمع فقط كلامًا تضامنيًا، منا مع غيرنا ومن غيرنا معنا."

ماذا يريد "الشاباك"؟

- "الشاباك" قدم تقريرًا أُلحق بتوصية روبنشطاين ترد فيه بعض التفاصيل أريد إستيضاحها معك: هل تلتقي بقيادات حماس وهل تعرب عن كونك جزءًا من نشاطاتهم؟

"لا. لا قاطعة. كل من يعرفنا ويعرف أفكارنا يعرف أن هذا بعيد عنا جدًا. من ناحية مسؤوليتنا أمام جماهيرنا وبعيد جدًا من ناحية الموقف. موقفنا معروف تجاه نوع العمليات التي تستهدف المدنيين حيث أعلن موقفنا منها ألف مرة، وكتبت عنها مطولا، ولي فصلان طويلان عن هذا الموضوع. نحن لم نكن نخرج كل يوم في استنكارات بالعبرية لكي نعجب الناس، ولكن حتى عندما لزم فإننا فعلناه بالعبرية والعربية والانجليزية. طبعًا كنت في اجتماعات في الخليل ونابلس ورام الله، مثلي مثل غيري، ولا أدري في بعض الحالات من أي تنظيم يكون قسم من المجتمَع إليهم.

"ولكن أن يقال إنني أعتبر الكنيست أداة لمحاربة إسرائيل فهذا تشويه. أنا أعتبر الكنيست أداة لمحاربة الاحتلال. هناك فرق. وهم يشوهون بهذه الطريقة. وجودي في الكنيست هو وسيلة من أجل تحقيق أهدافنا وليس هدفًا."

- هل يحضر "التجمع" لبناء جيش من الشبيبة لتحرير فلسطين؟ هل يضع "التجمع" نصب عينيه تفتيت إسرائيل من الداخل؟

"هذا لا يستحق الرد. يعني يقولون إزالة إسرائيل وإقامة دولة فلسطين من البحر إلى النهر. كيف؟ بالمخيمات الصيفية. شوف هالأداة العظيمة لتهديم إسرائيل. وأين، في "واحة السلام". وأكثر ما يزعجني في هذه الأكاذيب هي أننا نبدو في النهاية أغبياء. يعني عندما تقول للشباب في المخيمات إن اليهود يخدمون في الجيش ولذلك لديهم الانضباط والمسؤولية وقدرة تحمل ونحن هذه الحلقة مفقودة عندنا، عندها تتحول إلى شخص يود أن يبني جيشًا. هذا أسلوب حقير في التزوير وسنفضحهم بالكامل."

- هل حياتك في خطر؟

"أحاول ألا أفكر في هذا الموضوع وأنا سعيد أن الراديو لا يصل إلى القدس لئلا تسمعك زوجتي. ولكن: في الشارع نفسه عملوا حملات تعبئة ولم نعد نستطيع التجوال في أماكن كنا نستطيع التجوال فيها في الماضي، وهذا نتيجة لوجود كم هائل من زعران اليمين المنفلتين في الشوارع. ولكن ما يهمني أن جهاز المخابرات الاسرائيلي يصل به الوضع إلى كتابة (5) صفحات من الأكاذيب، وما هي الخطوة التالية؟.. إذا كانت الغاية تبرر الوسيلة إلى هذه الدرجة، فما هي الوسيلة القادمة. هذا ما يقلقني في الحقيقة وأريد للناس أن تعرفه."

أقل من ثلاثة مقاعد - فشلٌ!

- ما هي توقعاتك لـ "التجمع" في هذه الانتخابات؟

"من ثلاثة إلى أربعة مقاعد، وأنا لم أسمع حتى الآن إلا قلة قليلة جدًا تقول غير ذلك. كل الاستطلاعات تقول ذلك ومن ضمنها الاستطلاعات التي تقوم بها أحزاب أخرى. النزعة الدائمة هي أن ‘التجمع‘ في المكان الأول أو الثاني باستمرار. أي أنجاز أقل من ثلاثة مقاعد أعتبره فشلاً."

- في الاستطلاع الذي أجراه بروفيسور سامي سموحه ود. أسعد غانم حصل "التجمع" على مقعدين فقط. في حديث سابق لي مع د. غانم قال إن "التجمع" ارتفع بالذات حيث عوض الأصوات التي انتقلت مع الطيبي من التحالف في العام 1999. ما رأيك؟

"لا أريد أن أعلق على موضوعية ما يفعله السيد أسعد غانم بشكل عام، وتقييمي الأكاديمي لها، ولكن قد يأتي اليوم الذي أقيمه بشكل أكاديمي. أهم شيء أن الاستطلاع جرى في تشرين الأول الماضي. وحتى لو قبلت بالنتائج فأنا لا أفرح، لأن ‘التجمع‘ خسر أصواتًا بسبب التحالف مع الطيبي، وربح أصواتًا أخرى. إذا قمنا بالتوازن في هذا الأمر أعتقد أننا سنخرج "راس براس". عدد الذين أتوا يساوي عدد الذين ذهبوا، وهذا ما ستكتشفه الأحزاب الأخرى. حزب مع حزب يصنع جرفًا، ولكن حزبًا مع فرد لا يصنع ذلك."

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات