صادق وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، الأحد 6/2/2005 على التقرير الذي رفع إليه الأسبوع الفائت، وأعدته لجنة رسمية عينها شخصيا، يوصي بتحفيز الشبان الفلسطينيين في اسرائيل على تأدية ما يسمى بـ "الخدمة الوطنية"، كبديل للخدمة العسكرية الاجبارية التي لا تطبق عليهم بموجب القانوني الاسرائيلي.
وكان موفاز قد عين هذه اللجنة برئاسة مدير عام وزارة الأمن السابق، دافيد عبري، لفحص امكانية فرض "الخدمة الوطنية" على الشبان الذين ليسوا ملزمين بالخدمة العسكرية، وفي هذه الحالة الشبان العرب، والشبان اليهود (الحريديم). وان يتطوع هؤلاء الشبان في اعمال مدنية في مدنهم وقراهم، لمدة سنة كاملة مع احتمال تمديدها لعام آخر.
وكانت اللجنة المذكورة قد حاولت جاهدة دمج قياديين عرب في اسرائيل، وبشكل خاص لجنة المتابعة العليا لقضايا العرب (لجنة تنسيق عليا بين الاحزاب والحركات السياسية والاجتماعية)، إلا ان اللجنة فشلت في ايجاد شخصية واحدة توافق على العمل في اللجنة، وهذا بناء على الموقف الوطني العام الرافض لتأدية ما يسمى بـ "الخدمة الوطنية" كبديل للخدمة العسكرية.
وعلى ما يبدو فإن اللجنة كانت واعية لإشكالية وصعوبة تطبيق قانون ملزم للشبان العرب يفرض عليهم هذه الخدمة، لهذا اوصت اللجنة بتقديم محفزات مالية وغيرها كتلك التي يحصل عليها الجنود الاسرائيليون بعد انهاء خدمتهم العسكرية، ومن بينها محفزات مالية مباشرة، وتسهيلات في القروض الاسكانية، وتسهيلات في الدخول الى المؤسسات التعليمية العليا، وغيرها.
وحسب ما ذكرته صحيفة "هآرتس" فإن تطبيق هذا القانون سيكلف الخزينة الاسرائيلية ملايين الدولارات على المدى القصير، بمعنى انه سيكلف أكثر لاحقا، في حال نجح المشروع وتوسع، ولهذا فإن اللجنة ستفحص بداية مع وزارة المالية امكانية تطبيق هذه التوصيات.
وتقترح اللجنة إقامة مجلس تنظيمي، او مجلس جماهيري وسلطة رسمية للخدمة المدنية، التي تكون تابعة لديوان رئيس الحكومة. ومن بين مهمات هذا المجلس اجراء مفاوضات مع جهات بالامكان العمل فيها، مثل المؤسسات الصحية والتربوية والتنظيمات المختلفة، لتشجيع الشباب على الانضمام إلى الخدمة، وتصنيفهم ومنحهم التأهيل المهني وغيره من الأمور.
كما تقترح اللجنة اقامة لجنتين فرعيتين، الأولى للخدمة الوطنية والثانية للخدمة المدنية. وتعتقد اللجنة أن مصطلح "الخدمة المدنية سيخفف تحفظات المجموعات غير الصهيونية في البلاد". وعليه، فإنّ الخدمة "المدنية" مُعدّة لاستيعاب مجموعتي الهدف الأساسيتين، العرب واليهود الاصوليين، كمتطوعين فقط. وتقدر اللجنة حجم إمكانيات التجنيد لهذه الخطة من الحريديم بحوالي 9 آلاف شاب وشابة سنويا، ولم يكن بامكان اللجنة تقدير عدد العرب الذي بالامكان تجنيدهم.
وتقترح اللجنة ان تكون مدة الخدمة 12 شهرا، مع إمكانية تمديدها بعام إضافي. وستقدم اللجنة، التي ستشكل، اقتراحا مفصلا للأطر التي سيعمل فيها الحريديم والعرب، إلا أنّ أفكارا مختلفة طُرحت أثناء مداولاتها بهذا الصدد، من حيث تسيير خدمة قطاعية، حسب القطاعات، والقصد الذي تسعى اليه اللجنة هو تمكين تسيير خدمات مدنية في السلطات المحلية والتربية والرفاه الاجتماعي وجودة البيئة وغيرها، بالاضافة إلى الاعتراف بهذه الخدمة ضمن التطوع في إطار أجسام أخرى، مثل الشرطة الجماهيرية وجمعيات مختلفة تنشط ضمن مجموعات الهدف في مجالات التربية والصحة والرفاه.
الى جانب كل التحفظ من هذا المشروع، تجدر الاشارة إلى ما تقترحه اللجنة كاطر عمل، خاصة في السلطات المحلية، المجالس البلدية والقروية. فإذا نجحت هذه اللجنة في ادخال مشروع "التطوع" الى هذه السلطات، فهذا يعني ضربة قاصمة لسوق العمل في المدن والبلدات العربية. ولا شك في ان التطوع سيعني مباشرة الاستغناء عن ملاكات عمل ووظائف، وتسريح عدد من العاملين، علما ان السلطات المحلية العربية هي المشغل الأكبر في المدن والبلدات العربية، نتيجة فقدان المناطق الصناعية واماكن العمل الكبرى في الوسط العربي، تحت وطأة سياسة التمييز العنصري.
ومن الجدير ذكره ان قانون التجنيد الاجباري في اسرائيل ملزم للشبان والشابات اليهود والشبان العرب من ابناء الطائفة الدرزية، والشبان الشركس، ويستثني العرب والشبان اليهود الاصوليين. ولكن هناك حالات شاذة لمجموعات من "المتطوعين" العرب!!
وقد اثيرت مسألة "التطوع" في جيش الاحتلال الاسرائيلي من جديد في لجنة المتابعة العليا، بعد مقتل خمسة جنود عرب في عملية النفق الاخيرة في جنوب قطاع غزة، حين وردت معطيات تقول ان مجموع الشبان العرب المتطوعين في جيش الاحتلال وصل الى خمسمائة شاب، رغم ان الجيش الاسرائيلي يرفض تقديم معطيات دقيقة في هذا المجال، ولكنه يصدر معطيات بالنسب المئوية.
واقرت لجنة المتابعة الشروع بحملة توعية لعدم الانخراط في الجيش الاسرائيلي، "إذ لا يعقل ان يتطوع الفلسطينيون في الذراع الضاربة والقاتلة لشعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين".
أما من حيث "التطوع" في الخدمة المدنية فهناك ايضا حالات متفرقة، وهناك جمعيات يهودية صهيونية تعمل في الخفاء في المدن والقرى العربية تشجع على تأدية هذه الخدمة، لقاء محفزات وهمية، تضخمها السلطات الاسرائيلية لتسجيع الشبان العرب على هذه "الخدمة".
مخول: هذا برنامج لتدجين سياسي للشباب العرب وربما لتدجين إنتمائهم القومي والمدني
في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" قال عضو الكنيست عصام مخول، من كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير "إن هذا المشروع يراد منه ان يكون مهربا للحكومة من مسؤوليتها التاريخية عن التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب، بمعنى ان حكومة شارون تريد ان تغسل أيدي السياسة الاسرائيلية من خطيئة التمييز العنصري، ووضع المسؤولية عن هذا التمييز على الضحية، التي "لا تؤدي أية خدمة ولا يحق لها حقوق كاملة"، حسب ادعاءاتهم، للتستر على الحقيقة الكاملة، وهي أن التمييز ضد العرب هو فقط لكونهم عربا".
وأضاف "هذه هي المعركة الجوهرية وعلينا ان نخوضها حتى النهاية، لأن البرنامج الذي تطرحه اللجنة ويقف من ورائه شارون، وحرفيا كما جاء في "هآرتس"، هو برنامج لتدجين سياسي للشباب العرب، وربما لتدجين إنتمائهم القومي والمدني. ولذلك اعتقد ان لا مكان للترددات مع هذا المخطط، الخدمة المدنية، ولا مكان للبحث عن مسهلات، بمعنى الدعوى الى ان يكون برنامج الخدمة موضوعا من قبل هيئة عربية، يجب رفض الجوهر في هذا الموضوع جملة وتفصيلا، وبالمقابل نحن نستطيع تطوير فكرة العمل التطوعي من دون اي علاقة بهذا المشروع، بحيث يكون العمل التطوعي الذي ندفع باتجاهه عملا تطوعيا كفاحيا لاعادة بناء بيوت تهدمها السلطة، او اعادة زراعة مناطق زراعية تبيدها مؤسسات الدولة الرسمية. إن من يريد البحث عن خدمة وطنية، فهذه هي خدمتنا الوطنية، وليس عملا تدجينيا وتهجينيا".
وتابع مخول قائلا: إن السؤال المطروح هنا هو هل حكومة شارون مستعدة لأن تقول ان العرب سيحصلون على نفس التعامل في قضية الارض مثلا، مثل اليهود، بعد هذه الخدمة؟ هل لدى الحكومة ما تثبت فيه ان الشباب والمجموعات التي تخدم وتتطوع في الجندية تحصل على حقوق متساوية مثل اليهود؟ هذا المشروع هو مشروع عدواني تجاه الجماهير العربية يهدف الى تبرير التمييز وليس الى انهائه.
وعن شكل مواجهة هذا المخطط يقول مخول: لقد اتخذت لجنة المتابعة قرارا في هذا المجال قبل فترة، ولكن العمل المباشر ملقى على عاتق الأطر الشبابية، في حوار مباشر مع الشباب والجمهور العام، من اجل رفع مستوى الوعي الوطني، فدائما يترافق التراجع عن الانتماء الوطني والقومي والفكري مع البحث عن مخارج من اجل تأدية ما يسمى بـ "الخدمة الوطنية"، المعركة على عقول الشباب، وعلى الاطر الشبابية الفاعلة بين جماهيرنا العربية العمل لرفع الوعي عندهم وتحصينهم أمام مغريات سلطوية كهذه او تلك.