المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثارت "ضجة كبرى" في اسرائيل طوال الاسبوع الماضي، على خلفية اعلان وزير الدفاع شاؤول موفاز ورئيس الحكومة اريئيل شارون، عن انهما لن يمددا ولاية رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي موشيه يعالون التي ستنتهي من الناحية القانونية في التاسع من تموز (يوليو) القادم، ولكن سرعان ما تبين ان هذه الضجة ليست اكثر من زوبعة في فنجان، انطفأت بالسرعة ذاتها التي ظهرت بها.

ولكن في هذه الزوبعة تكشفت اشياء وأشياء، وجمعت بين التناقضات الغريبة العجيبة، مثل اقصى متطرفي اليمين الاسرائيلي مع اقصى اليسار الصهيوني، مما يثبت ان اسرائيل لا تزال متوحدة حول البقرة المقدسة، "الأمن". كما ان هذه الضجة كشفت أكثر فأكثر الجانب الشخصي والعلاقات الشخصية في سدة الحكم الاسرائيلي على الصعيدين السياسي والعسكري، وحتى ان هذه العلاقات تنعكس مباشرة على آلية اتخاذ القرارات الحساسة.

ففي منتصف ليلة الثلاثاء/ الاربعاء من الاسبوع الماضي اصدر موفاز بيانه حول القرار المذكور، وكان الوقت كافيا على ما يبدو، لكي تصدر كبرى الصحف الاسرائيلية في صبيحة اليوم التالي بعناوين صارخة حول "حالة من الهيجان والصدمة" في قيادة اركان الجيش الاسرائيلي حول هذا القرار، الذي موعد تنفيذه سيكون قبل اسبوع من واحد من تنفيذ خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة واقصى شمالي الضفة الغربية، حسب الموعد المحدد سلفا.

ومنذ ساعات الصباح الأولى شهدنا تصريحات حادة يطلقها اقصى اليسار الصهيوني واقصى اليمين المتطرف على حد سواء، يطالبون بالغاء القرار، وتمديد ولاية يعالون، ومنهم من سارع الى الاعلان عن مشروع قانون جديد يقضي بأن تكون ولاية رئيس الاركان خمس سنوات بدلا من ثلاث سنوات.

اكثر من رئيس اركان للجيش الاسرائيلي، مثله مثل قادة اجهزة امنية ومخابراتية، كانوا يكشفون عن جدلهم السياسي وهم لا يزالون يلبسون البزات العسكرية. ونذكر منهم، رئيس الاركان الاسبق رفائيل ايتان، الذي قاد الحرب العدوانية على لبنان، وكانت هويته اليمينية معروفة. كما ان ايهود باراك، وعلى الرغم من تاريخه الدموي، إلا انه خلال سنوات توليه منصب رئاسة الاركان كان الجميع يتحدث عن وجهته السياسية بعد خلع البزة، وهي حزب "العمل". ومثله خلفه، امنون ليبكين شاحاك، ذو التوجهات اليسارية الصهيونية، وايضا خلفه شاؤول موفاز، ذو التوجهات اليمينية المتشددة، حتى ان شكل تعيين الأخير كان من خلال خرق النهج الذي كان متبعا حتى ذلك الحين، وهو تعيين نائب رئيس الاركان رئيسا للاركان، إلا ان رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو اقصى متان فلنائي من منصبه نائبا لرئيس الاركان، نظرا لتوجهاته السياسية، وعين بدلا منه موفاز، وايضا في تلك الفترة شهدنا ضجة كبيرة.

لكن حين يجري الحديث عن يعالون، وهذه الزفة السياسية، فإنه من الصعب وضعه في خانة. فقبل سنوات عدة كتب بعض المحللين السياسيين عنه بأنه يتميز في تغيير موقفه حسب المزاج العام، والمزاج الحكومي، وقد برز هذا بحدة حين كان رئيسًا لجهاز الاستخبارات العسكرية منذ العام 1995، خلال آخر فترة حكومة رابين وحكومة بيريس، ومن ثم خلال حكومة بنيامين نتنياهو، وكيف انه كان يقلب تقاريره حول السلطة الفلسطينية وسوريا.

وهذا الأمر لم يتوقف اطلاقا عند يعالون، ففي الاسابيع الأخيرة سرّب "المحيطون" به معلومات لوسائل الاعلام تهدف الى ابراز صورته "المعتدلة". وبرز هذا في حادثتين بحسب تلك التقارير، الأولى بعد عملية معبر المنطار "كارني"، حين قال محللون ان يعالون طلب من شارون الانطلاق بعملية واسعة النطاق في جميع انحاء قطاع غزة، وسارع "المقربون منه" للقول ان هذه فكرة شارون، وان يعالون عارضها.

والثانية تتعلق باطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين، إذ سُرّبت إلى الكثير من وسائل الاعلام أبحاث داخلية ابرز فيها ان يعالون يؤيد اطلاق سراح قدامى الاسرى ومن بينهم من نفذ عمليات قتل فيها إسرائيليون. وقد احتد هذا الخلاف من على صفحات الجرائد ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة، وبلغ ذروته في تصريحات "ضابط كبير جدا" في قيادة الاركان لاذاعة الجيش الاسرائيلي دافع فيها عن مبدأ اطلاق سراح قدامى بحدة، والمحت وسائل اعلام لاحقا ان "الضابط الكبير جدا" لم يكن إلا يعالون نفسه.

بطبيعة الحال لم يغير يعالون جلده السياسي، وألمح بعض المحللين الى ان ما يقف وراء هذا التغيير في مواقف يعالون خلافه الشخصي مع موفاز.

أراد تمديد ولايته

بعد يومين من ظهور الضجة، اكدت مختلف وسائل الاعلام ان يعالون طلب من موفاز وشارون تمديد ولايته بعام اضافي اسوة برؤساء اركان سابقين، إلا ان موفاز وشارون وافقا على تمديد لمدة نصف سنة، وكان الرد من يعالون "صارما" على حد الوصف الاعلامي، بأنه إما يتم التمديد لعام كامل او لا يتم اطلاقا. وهو الأمر الذي اعتبره شارون وموفاز تهديدا لهما وقررا انهاء الولاية بموعدها القانوني.

بدأ يعالون خدمته العسكرية في العام 1968 لمدة ثلاث سنوات بموجب الخدمة الاجبارية، وعاد الى الجيش في حرب اكتوبر في العام 1973، كجندي احتياط، وبعد الحرب قرر الانتقال الى الجيش النظامي، وبدأ يتلقى الدورات التعليمية، ومعها يترقى في المهمات والمناصب.

الحادث الابرز في حياة يعالون العسكرية كان يوم السادس عشر من نيسان (ابريل)- يوم مشاركته في عملية الاغتيال الارهابية للقائد الفلسطيني خليل الوزير، ابو جهاد. وتؤكد عائلة الشهيد وجهات أخرى ان يعالون نفسه هو الذي أطلق النار على ابو جهاد.

في العام 1992 ترقى يعالون الى رتبة عميد وتولى قيادة جيش الاحتلال في الضفة الغربية، وفي العام 1995 تم ترفيعه الى رتبة لواء وتولى رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية، وفي العام 1998 تولى قيادة منطقة الوسطى في الجيش الاسرائيلي، وفي العام 2000 اصبح نائبا لرئيس الاركان، وفي العام 2002 اصبح رئيسا للاركان.

في الاسبوع الحالي من المنتظر ان يعلن شارون وموفاز عن هوية رئيس هيئة الأركان القادم، وهو واحد من اثنين، نائب رئيس الاركان الحالي وقائد سلاح الطيران السابق دان حالوتس، والنائب السابق لرئيس الأركان جابي اشكنازي. وترجح وسائل الاعلام ان حالوتس هو الأوفر حظا في تسلم هذا المنصب الرفيع، إذ أنه يحظى بدعم شارون نفسه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات