المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عندما أعلن رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، عضو الكنيست ميخائيل إيتان، قبل حوالي سنة، وبعد تسلمه منصبه بوقت قليل، عن نيته تشكيل لجنة ثانوية خاصة تقوم باستكمال وضع دستور لدولة إسرائيل لقي اقتراحه شكوكاً وسخرية لدى الكثيرين، وذلك على ضوء أن كل المحاولات التي تمت خلال 54 سنة من عمر الدولة قد باءت بالفشل وعلى ضوء المعارضة الشديدة من قبل الأحزاب الدينية المتزمتة (الحريدية) لسن قوانين أساسية إضافية. ولكن إيتان لم يكتف بالإعلان عن ضرورة وضع دستور لدولة إسرائيل بل عمل من غير لأي لدفع هذه الفكرة إلى الأمام.

يرى إيتان أن اللجنة التي يترأسها، وهي لجنة الدستور والقانون والقضاء، سميت كذلك لأن لها مكانة خاصة في الإعداد للدستور. ويقول إيتان "خلافاً لمن سبقني في هذا المنصب فإنني لم أقبل أن تقوم المحكمة العليا بفرض الدستور على دولة إسرائيل بصورة صدفوية عن طريق فرض تشريعات ملزمة وأحكام قضائية. وإنما يترتب على الكنيست أن تستكمل تشريع القوانين الأساس". وفعلاً منذ شهر تموز/ يوليو قبل عامين وحتى اليوم، عقدت لجنة الدستور والقانون والقضاء (لم يتم تشكيل لجنة ثانوية) أكثر من 30 جلسة مطوّلة لم تحصل تقريباً على تغطية إعلامية. وشارك في الجلسات ممثلو وزارة العدل ( بينهم القائم بأعمال المستشار القضائي للحكومة، يهوشع شوفمان) وممثلو القضاة ( بينهم القاضي المتقاعد في محكمة العدل العليا، البروفيسور اسحق زامير) وممثلو المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (برئاسة البروفيسور أريك كرمون) وممثلون آخرون من المؤسسة الأكاديمية.

يعترف عضو الكنيست ميخائيل إيتان أن أحد الإعتبارات التي دفعته إلى العمل لدفع مشروع الدستور في هذه الأيام هو تشكيلة الإئتلاف الحالي، الذي لا يضم ممثلي الأحزاب الدينية الذين عارضوا سابقاً أية محاولة من الحكومة لسن قوانين أساس وهددوا بترك الحكومة. "توجد للإئتلاف الحالي ميزة مهمة وهي استعداد شينوي والمفدال للعمل معاً داخل الحكومة"، كما يقول إيتان. ويضيف "أن هذا التعاون سيدفع معظم الشعب الإسرائيلي للإتحاد".

وفعلاً، فمن مجمل أعضاء اللجنة الذين يشاركون في النقاشات يغيب معظم ممثلي الأحزاب الدينية المتزمتة والممثلين عمليًا من قبل عضو الكنيست أبراهام رابيتس (يهدوت هتوراة).

وكأن ذلك لا يكفي، فقد تغيب أيضًا ممثل الأحزاب العربية، عضو الكنيست عزمي بشارة، الذي شارك في بعض الجلسات، ولكنه كفّ عن حضور باقي جلسات اللجنة.

أبراهام رابيتس، عادة، هو السياسي الحريدي الوحيد الذي يشارك في نقاشات حول مواضيع دستورية. لكن مشاركته لا تشير إلى استعداد الحاخامات الحريديم لتبني هذه العملية أو نتائجها. وعندما سئل رابيتس عن سبب عدم مشاركة نظرائه من شاس في الجلسات أجاب مبتسماً: "يبدو أنهم يعتمدون عليّ". ويعترف رابيتس بشكوكه إزاء قدرة الكنيست على جسر الفجوة بين الآراء المختلفة وخاصة فيما يتعلق بموضوعي الدين والدولة وموقف الأحزاب الدينية والعلمانية منهما. ويضيف رابيتس: "مع ذلك فقد قررت المشاركة في الجلسات في هذه المرحلة أملاً في إمكانية أن يقبلوا موقفي بتضمين الدستور الإسرائيلي تعبيرًا قضائيًا عن العبارة المجردة دولة يهودية". وهذا أمر ضروري كما يرى رابيتس "كي نضمن أن لا ينشأ وضع تتدخل فيه وزارة التربية في المدارس الدينية، معتمدة على مبدأ ديمقراطية الدولة، ويجبروننا من خلال ذلك على أن نعّلم أولادنا مواد دراسية علمانية".

عضو الكنيست عزمي بشارة قال إنه توقف عن حضور الجلسات "لأن بعض أعضاء الكنيست اليمينيين أدخلوا على الجلسة جواً من الصراخ الحاد. في كل مرة قلت فيها إن على إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية وليس دولة يهودية ديمقراطية، بدأ أعضاء الكنيست في اليمين بالصراخ، وهكذا لايمكن إجراء نقاش موضوعي وجاد. أنا لا أطلب منهم تبني مواقفي ولكن على الأقل أن يمكنوني من طرحها".

ويعترف بشارة بخشيته من أن المبادرين إلى دفع موضوع الدستور يهدفون من خلال مشاركته في الجلسات إلى إعطاء شرعية من قبله لعملية كبيرة يسعون إلى تحقيقها. ومع ذلك يشير بشارة إلى أنه لن "يقاطع جلسات اللجنة. وإذا ما قبل رئيس اللجنة، عضو الكنيست ميخائيل إيتان، موقفي الداعي لإجراء نقاش موضوعي وجدي بدون استفزازات من قبل أعضاء الكنيست اليمينيين، فأنا على استعداد للعودة إلى الجلسات"، يؤكد.

بداية نبحث في القوانين الأساس القائمة

في المرحلة الأولى من العمل قرر عضو الكنيست ميخائيل إيتان إجراء فحص جذري لأحد عشر قانونًا قائمًا من القوانين الأساس، ومناقشة التعديلات المطلوبة فيها وبلورة اقتراحات حول هذه التعديلات المطلوبة وكذلك بلورة اقتراحات لتعديلات دستورية على القوانين الأساس، وفقط بعد ذلك يمكن البحث في مسألة القوانين الأساس الجديدة، مثل قانون أساس التشريع، وقانون أساس حقوق المحاكمة، وقانون أساس الحقوق الإجتماعية، ويكون الهدف النهائي بلورة دستور مكون من ثلاثة أجزاء: جزء المقدمة وجزء نظام الحكم (يعالج العلاقة بين السلطة والمواطن) وجزء حقوق الإنسان والمواطن.

وقد قرر إيتان أيضاً أن التصويت في اللجنة على التعديلات في القوانين القائمة والقوانين الجديدة يتم في المرحلة الثانية من النقاشات أي حتى نهاية 2004 وبداية 2005، وحتى ذلك الوقت من المنتظر عقد 30 جلسة إضافية للجنة تبحث في موضوع الدستور.

عضو الكنيست أوفير بينيس من حزب العمل يختلف مع إيتان في موقفه هذا، ويقول: "في اعتقادي أنه يجب أن تتم عملية التصويت مباشرة بعد الإنتهاء من إجراء النقاش حول كل واحد من القوانين الأساس، ولايمكن تأجيل التصويت حتى المرحلة الثانية لأنه خلال عملية النقاش تكون تفاصيل القوانين ماثلة في الذاكرة وكذلك الحجج مع وضد التعديلات. وسيكون من الصعب مراجعة المواقف في كل قانون وقانون بعد مرور ستة أشهر أو أكثر، عندها أخشى أن لا نجد أيدينا وأرجلنا".

الجلسة الأولى للجنة، والتي عقدت في شهر أيار/ مايو من العام الماضي، جرت في أجواء احتفالية وحضرها عشرة أعضاء كنيست وكان هناك إحساس ببدء عملية مهمة وذات احتمالات جيدة.

البروفيسور أوريئيل رايخمان، من المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، قال إن طاقماً خاصاً من قبل المركز يرئسه البروفسور أمنون روبنشتاين سيساعد اللجنة في أعمالها. والبروفيسور كرمون، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وعد بتقديم كل مساعدة ممكنة لدفع فكرة الدستور بالإتفاق.

بعد ذلك خصصت أربع جلسات لمناقشة الصيغة الحالية لقانون أساس الكنيست. وناقش أعضاء اللجنة وبمساعدة خبراء عمل تفاصيل القانون وبنوده المتعددة: هل من الممكن زيادة عدد أعضاء الكنيست أكثر من 120 عضوأ؟ (تم الإتفاق على أن لا مكان لإجراء تغيير كهذا)، وهل ثمة مكان للإقرار في الدستور بأن يكون مقر الكنيست في القدس (تمت الموافقة على ذلك)، ومتى يمكن للكنيست أن تمدد فترة ولايتها أكثر من أربع سنوات (اتفق على أن يكون ذلك فقط في حالات الطوارىء وبأغلبية 80 عضو كنيست، وهو ما يشبه كثيرًا الوضع القائم حاليًا)، ماذا سيكون مصير عضو الكنيست الذي يرفض حلفان اليمين ( لا يصبح عضو كنيست وبعد فترة معينة يتم استبداله بالذي يليه من قائمة حزبه في الإنتخابات . حاليًا لا توجد عقوبة كهذه في القانون القائم)، هل يمكن للكنيست أن تعقد جلسة إستجواب للمسؤولين الكبار قبل تعيينهم مثل رئيس هيئة الأركان أو محافظ بنك إسرائيل (إقترح تحديد قائمة مناصب ملزمة بالحصول على مصادقة الكنيست)، وقد اتفق كذلك على أن تمنح الكنيست صلاحية تشكيل لجان تحقيق رسمية (هذه الصلاحية هي فقط بيد الحكومة حالياً).

ناقشت اللجنة أيضاً، بصورة مطولة، الظروف التي يمكن فيها فصل عضو كنيست أدين بمخالفة جنائية. هل يمكن إبقاء الوضع على ما هو عليه حيث يتم فصل عضو الكنيست بعد إدانته في المحكمة فقط، أو أنه يجب الإكتفاء بفترة المحكومية ( اتفق على طرح هذه المسألة للتصويت).

في إحدى الجلسات، التي نوقش فيها قانون أساس الحكومة، مثل أمام اللجنة ثلاثة رؤساء وزراء سابقين، شمعون بيريس، بنيامين نتنياهو، وإيهود باراك. إثنان منهم، نتنياهو وباراك، أيدا استبدال النظام الحالي بنظام رئاسي. وقال باراك "إنه مقتنع بضرورة التغيير وآمل أن نصل إلى النظام الرئاسي عن طريق نقاشات ومداولات وليس بسبب أزمة إدارية صعبة في السلطة". واقترح استكمالاً للنظام الرئاسي أن يتم انتخاب 80 عضو كنيست في انتخابات إقليمية و 40 في انتخابات قطرية. وقال نتنياهو "إنه منذ زمن وهو مقتنع بضرورة الإنتقال إلى النظام الرئاسي ، لكن من أجل فعل ذلك ينبغي الأخذ بعين الإعتبار التوازنات والكوابح اللازمة".

لغم وراء لغم

خصصت اللجنة عدة جلسات مطوّلة لمناقشة قانون أساس الحكومة وذلك على الرغم من أن القانون الجديد – القديم قد تمت المصادقة عليه قبل ثلاث سنوات فقط (بعد إلغاء قانون الإنتخاب المباشر لرئيس الوزراء). وقد طرحت في الجلسات أسئلة صعبة، مثل ما إذا كان على رئيس الدولة تكليف رئيس الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وهل يمكن وضع رقابة قضائية على قرار رئيس الوزراء بتعيين وزير ما، في اية ظروف يمكن منع تعيين شخص ما في وظيفة وزير- هل فقط في حالة أن يكون هذا الشخص متهماً بجريمة وأدين عليها أو أن يكون أيضاً لمن قدّم بحقه لائحة اتهام ولم يتم بعد إدانته بها.

وقد ناقشت اللجنة مؤخراً موضوعاً آنيًا جداً وهو من سيخلف رئيس الحكومة إذا لم يستطع الإستمرار في تولي مهام منصبه وهل على رئيس الحكومة أن يقدم استقالته إذا قدّمت بحقه لائحة اتهام؟ وعلى خلفية توصية نائبة الدولة العامة، عيدنا أربيل، بتقديم لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء أريئيل شارون في قضية الجزيرة اليونانية، فقد أثار النقاش جدلاً خاصا.ً وقد تم الإتفاق، في نهاية النقاش، على أن يتولى القائم بأعمال رئيس الحكومة منصب رئيس الحكومة في حال غياب رئيس الحكومة. واتفق أيضاً على تقليص المدة المسموح بها غياب رئيس الحكومة ( 60 يوماً فقط وليس 100 يوم، كما هو معمول به اليوم).

وحول ما إذا كانت هناك ضرورة لتغيير بند القانون الذي يقر أن للكنيست الحق في إقالة رئيس الوزراء فقط بعد إدانته من قبل المحكمة وبعد أن توصي لجنة الكنيست وأن يكون ذلك بأغلبية الأصوات، قال عضو الكنيست أبراهام بورغ من حزب العمل إن ما يطبق على الوزراء في حال تقديم لائحة إتهام بحق أحدهم يجب أن يطبق على رئيس الوزراء أيضأ. وأضاف بورغ :" لا أريد أن يتولى منصب رئيس الوزراء شخص يجري بحث موضوعه في أجهزة القضاء". وقد عارض معظم أعضاء اللجنة موقف بورغ. وتقرر في النهاية فحص إمكانية أن يكون للكنيست الحق في اتخاذ قرار بمنح الثقة لرئيس الوزراء لكي يستطيع أن يواصل تولي مهام منصبه، في حال تقديم لائحة اتهام ضده.

وحول قانون أساس رئيس الدولة قررت اللجنة فحص إمكانية إلغاء البند الذي يلزم رئيس الدولة بالتوقيع الشكلي على وثائق الحكومة الرسمية، بدءاً من تعيين السفراء في الخارج وكذلك تعيين القضاة الجدد. وبهذا يتم تقليص الصلاحيات المتبقية لرئيس الدولة. وكذلك تم الإتفاق على إلغاء البند القائل بأن رئيس الدولة يتوقف عن كونه رئيساً للدولة مؤقتاً في حال وجوده في الخارج، وبدل ذلك يشار إلى أن لرئيس الدولة الحق في منح بعض الصلاحيات لنائبه في حال وجد ضرورة لذلك.

أربع جلسات خصصتها اللجنة حتى الآن لقانون أساس القضاء (سيشارك رئيس المحكمة العليا أهارون باراك في الجلسات القادمة). وكانت إحدى المسائل الرئيسية والتي شكلت جوهر الخلاف عملية تعيين القضاة وتأثير قضاة المحكمة العليا على هذا التعيين. وقال عضو الكنيست ميخائيل إيتان في إحدى الجلسات: "كنت عضواً في لجنة اختيار القضاة، هذه اللجنة تعمل ظاهرياً حسب أسس ومبادىء إدارية، ولكنها عملياً تعمل خلافاً للإدارة السليمة والقانون، وخلافاً للقواعد الأساسية أيضاً. وصلت إلى عضوية اللجنة بعد سنوات من عملي في السياسة وتبين لي أنهم يعينون القضاة بنفس الطريقة التي يعينون فيها ممثل الحزب في كركور (قرية في الشمال). توجد محسوبيات. هذه هي السياسة في عينها".

أما عضو الكنيست جدعون ساعر من الليكود فقد قال: "أريد أن أعرف ما هي مباديء القاضي وقيمه قبل أن أصوّت على تعيينه، أريد أن أعرف ما هي مواقفه أيضاً ولماذا يتوجب علي أن أعرف ذلك بعد تعيينه فقط؟".

اللجنة لم تشرع بعد ببحث القوانين الأساس التي تعالج الموضوع المعقد والحساس، ألا وهو حقوق الإنسان. في مرحلة كهذه ستكون هناك أهمية مضاعفة لغياب معظم ممثلي الأحزاب الدينية والعربية. وسيكون الاحتمال بأن تستطيع اللجنة والحالة هذه أن تعكس اجماعاً واسعاً ضئيلاً في هكذا ظروف.

من الصعب حالياً التقدير فيما إذا كانت مداولات اللجنة ستجني ثمارها أو أنها ستذهب أدراج الرياح. "المشي في موضوع الدستور كالمشي في حقل ألغام"، يقول إيتان. ويضيف "تستطيع أن تتقدم، تتجاوز اللغم الأول والثاني والرابع، وفي النهاية يحصل الإنفجار عند اللغم الأخير. علينا أن نكون مستعدين لذلك. هذه مهمة ليست سهلة ونحتاج إلى الكثير من الصبر وطول النفس. هذا جهد للمدى الطويل وليس سباقاً قصير المدى".

على كل حال يؤمن إيتان بأن الجهود لن تذهب سدى "نحن نستثمر في ذلك جهداً كبيراً، أقمنا موقعاً خاصاً على الإنترنت والذي يمكّن الجمهور من الإطّلاع على بروتوكولات اللجنة وأن يبدي رأيه فيها، وجدت أذناً صاغية عند رئيس الكنيست روبي ريفلين الذي شجعني كثيراً وخصص ميزانية كبيرة لمشروعنا، حوالي مليون شيكل. اعتقد من كل قلبي أنه حتى إذا لم يتم المصادقة على الدستور كله بسبب بعض البنود التي لايمكننا الجسر بين الخلافات حولها فإن جزءاً كبيراً من الدستور سيحصل على إجماع واسع. وهذا سيكون إنجازًا في غاية الأهمية".

المحاولات مستمرة منذ سنة 1950

بذلت جهود كبيرة بدءاً من الكنيست الأولى لوضع دستور لدولة إسرائيل ولكن حتى اليوم كل الجهود لم يكتب لها النجاح. في عام 1950 صادقت الكنيست على قرار هراري (نسبة إلى من بادر إليه وهو عضو الكنيست يزهار هراري)، والذي أشار إلى "أن الكنيست الأولى تلقي على لجنة الدستور والقانون والقضاء إعداد مشروع دستور للدولة. الدستور يتم بناؤه على شكل أجزاء بحيث أن كل جزء يشكل قانون أساس بحد ذاته، وهذه الأجزاء مجتمعه تقدم للكنيست وفي حال انتهت اللجنة من عملها تتحد الأجزاء جميعها لتشكل دستور دولة اسرائيل".

وهذا يعني أن الكنيست ومنذ 54 عاماً منحت لجنة الدستور والقانون والقضاء وضعية لجنة تأسيسية وليس لجنة تشريعية فقط. ومنذ ذلك الوقت سنت الكنيست أحد عشر قانون أساس، لكن لم يمنح أي من هذه القوانين وضعاً خاصا،ً بحيث لايمكن تعديله إلا بأغلبية كبيرة.

عندما عيّن دان مريدور وزيراً للعدل سنة 1988، قرر العمل لإستكمال سن القوانين الأساس حول موضوع حقوق الإنسان، وقد عقدت لجنة وزارية برئاسته سبع عشرة جلسة لمناقشة الموضوع، ولكن الأحزاب المتدينة أحبطت المبادرة.

البروفيسور أمنون روبنشتاين أيضاً بادر إلى طرح مبادرة بالتعاون مع رئيس لجنة الدستور حينها، عضو الكنيست أوريئيل لين، وقد أخذ نسخة إقتراح قانون أساس حقوق الإنسان التي تمت بلورتها في وزارة العدل وطرحها على طاولة الكنيست كإقتراح قانون خاص، وقد منحت الحكومة حرية التصويت لأعضاء الإئتلاف الحكومي وتمت المصادقة على القانون بالقراءة التمهيدية، وقام روبنشتاين بتجزئة القانون الأساس المطروح إلى أجزاء، وفي الفترة القريبة من إنهاء الكنيست الثانية عشرة لدورتها (في 1992) طرحها للمصادقة في الكنيست بالقراءات الأولى والثانية والثالثة، وصادقت الكنيست على قانون أساس احترام الإنسان وحريته، وقانون أساس حرية العمل. وقد قدّمهما روبنشتاين بالتعاون مع مريدور ولين.

رئيس المحكمة العليا أهارون باراك قال إن هذه الخطوة شكّلت إنقلاباً دستورياً نفذته الكنيست وأرست حقوق إنسان كثيرة بالحقوق الدستورية. هناك من اختلف مع باراك وقالوا إن ما حصل لم يكن إنقلاباً دستورياً، ومنهم، مثلاً، قاضي المحكمة العليا المتقاعد موشي لندوي الذي قال "رأيي أنه لم يكن هناك إنقلاب دستوري، كنت آمل من الكنيست عندما وضعت على رأسها قبعة السلطة التأسيسية، أن تكون مدركة إنها تشرع دستوراً للأجيال القادمة، ولكني لم أجد شيئاً من هذا مطلقاً".

أيضاً رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، عضو الكنيست ميخائيل إيتان، يعتقد أنه لم يكن هناك إنقلاب دستوري، "لأن القوانين المذكورة صودق عليها عن طريق الخداع. وأعرف شخصياً أن الكثير من أعضاء الكنيست عندما صوتوا لم يكونوا يعرفون مدى أهمية هذه القوانين. وهذه ليست الطريقة المناسبة للشعب الإسرائيلي لسّن دستور".

مرت اثنا عشر عاماً منذ المصادقة على القوانين الأساس المذكورة، ومنذ ذلك الوقت فشلت كل الجهود لإستكمال القوانين الأساس. تقريباً كل وزراء العدل الذين تولوا مناصبهم منذ ذلك الحين (دافيد ليبائي، تساحي هنغبي، يوسي بيلين) حاولوا تمرير قوانين الأساس بخصوص حريات الإنسان. ولكنهم جوبهوا بمعارضة شديدة من شاس ويهدوت هتوراة والمفدال.

الخلاف حول قانون أساس التشريع

إحدى نقاط الخلاف الأساسية التي برزت خلال مداولات اللجنة كانت حول قانون أساس التشريع. وزير العدل يوسف(تومي) لبيد، الذي يبارك جهود إيتان لتشريع دستور للدولة، يعتقد أنه يجب العمل على تشريع هذا القانون والذي ينبغي أن يحدد الوضع الخاص لقوانين الأساس (بناء على إقتراح لجنة نئمان التي أمرت الحكومة بتشكيلها، هناك ضرورة للحصول على أغلبية 61 عضو كنيست للمصادقة على قوانين الأساس في القراءات الثلاث، وبعد ذلك تكون هناك قراءة رابعة بأغلبية 70 عضو كنيست كي تتم المصادقة على هذه القوانين).

ويقول لبيد:" اعتقد أننا نملك الفرصة الآن أكثر من أية مرة لسن هذا القانون المهم، وإذا لم نعمل ذلك بالسرعة الممكنة فإن ذلك سيكون إضاعة فرصة بالغة الخطورة".

ولكن إيتان يختلف مع لبيد. وهو يقول: " لا يجب الإسراع في سن قانون أساس التشريع ويجب طرح كل قوانين الأساس أمام الكنيست جملة واحدة". أيضاً رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، البروفيسور أريك كرمون، يؤيد موقف عضو الكنيست إيتان ويعتقد أنه يجب السعي للحصول على إجماع واسع من كل طبقات الشعب فيما يخص المصادقة على الدستور.

(عن ورقة "الكنيست الاسرائيلية: ملامح واتجاهات" الصادرة مؤخرًا عن "مدار"، حاملة الرقم 20 في سلسلة "اوراق إسرائيلية")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات