المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قهوة الفرح تحولت الى كأس من العلقم في كفر كنا

تقرير: وديع عواودة

يقولون تتعدد الاسباب والموت واحد، وهو حق على كل الناس وكأس تتناوب بالدوران فيما بينهم، غير انها تظل مرّة المذاق وأمر من العلقم حينما تتبدل الادوار فيفقد الوالد ولده وهو في ريعان الشباب، وبكره الوحيد. وتتعاظم الفاجعة وتغدو اشد ايلاما في ضوء ملابساتها وحيثياتها التي تعود بعيدا الى الوراء.. الى أيام التهجير والاقتلاع في النكبة الفلسطينية. من هذه الكأس المرّة تجرعت عائلة مقطرن من قرية كفركنا واهاليها عامة بعد ان قام اكثر من جاني على ما يبدو باغتيال ابنها رامي، ابن ال 32 عاما، الذي وقع ضحية الاحتيال والجشع واستباحة الدم.

وروى ذوو المغدور ان ابنهم كان قد خطب قبل عام ونصف العام فتاة من اقاربهم في مدينة اربد الاردنية التي وصلوا اليها بعد العام 48 اثر تهجيرهم من قريتهم الجليلية، عرب الصبيح . في الاردن عقد رامي قرانه على عروسه حياة مقطرن لكنه لم يتمكن من استقدامها الى البلاد بسبب معارضة السلطات الاسرائيلية بعد سن "قانون المواطنة" العنصري الذي يحظر على المواطنين الفلسطينيين عبر شقي الخط الاخضر او خارج البلاد من لم شملهم حتى لو جرى الحديث عن اسرة واحدة، ما ادى الى حرمان المئات من الازواج من الالتقاء. وازاء اخفاق محاولاته في استصدار التصاريح اللازمة لجلب عروسه التي ظل وفيا لحبها اخذ يبحث عن مخرج وعن "حبال الهوا"، كما قال عمه، الى ان وقع في شباك عصابة من طبريا حيث عرض عليه "صديقه"، الذي تعرف عليه في مكان عمله، بحل المشكلة لقاء خمسة الاف دولار قبل اربعة شهور.

لكن والد رامي ظل يرفض هذا العرض منذ خمسة شهور رغم توسلات وضغوطات نجله الى ان ضعف واستجاب لطلبه فسلمه المبلغ المطلوب طالبا اليه مرافقته الى المكان المتفق عليه لالتقاء الوسيط اليهودي الذي وعده بتسليمه تأشيرة الدخول لعروسه فور تسلمه الدولارات لكن رامي رفض انضمام الوالد المتشكك بطبيعة الوساطة. الاب الذي غلب على امره سلم الابن المبلغ ودعاه الى الحذر والبقاء على اتصال هاتفي معه فانطلق رامي الأسبوع الماضي وهو يكاد يطير فرحا تفاؤلا بحل مشكلته. وعن ذلك قال الأب لـ"المشهد الاسرائيلي": "نقل لي ابني ان "الوسيط" الطبراوي طلب اليه انتظاره مساء الاثنين (27/9) في موقع معين في الجولان واوصاه بان يلبس ثيابا بلون معين والتزود بالنقود طالبا اليه عدم اطلاع أهله على الموضوع باعتباره حساسا ومن شأنه المساس بالوزير الذي سيساعد في اصدار تأشيرة الدخول المرتجاة. فور سماعي القصة تصاعدت الشكوك في سري وحاولت بكل ما أوتيت من جهد ثنيه وحذرته من مغبة "اللعبة" لكنه اصر على ثقته بصديقه.."هذا صديقي الروح بالروح.."، قال. ولما ابلغته ان ذلك ربما يكلفه حياته لامني وكأنني اقف في طريق زواجه فضعفت ووافقت بقلب ثقيل وعلى مضض". وبحسب رواية الوالد فبعد ساعة من مغادرته البيت ابلغ رامي والده هاتفيا انه وصل الى المكان المحدد لاستلام التأشيرة في هضبة الجولان المحتل ولكن هذه كانت المكالمة الاخيرة اذ فشلت كل محاولات ابو رامي لتجديد الاتصال على الهاتف النقال الخاص بنجله فاستبد به الخوف فغادر بيت شقيقه المجاور الذي كان يحتفل بزفاف ابنه. وعند الساعة العاشرة ليلا اوقف الاهل الاحتفال بالعرس وانطلقوا للتفتيش عن رامي حتى ساعات الفجر دون جدوى. وقبيل ظهر اليوم التالي فجعوا بسماع نبأ من المذياع لا من الشرطة، حول عثور الشرطة على جثة في حرش "اودم" في الجولان ليتحول الفرح الى ترح ومأتم فقدمت القهوة المرة التي اعدت للفرح للمعزين في بيت العزاء وجلس هؤلاء على المقاعد المخصصة لحفل الزفاف. ولا تزال والدة رامي في المستشفى اثر تلقيها نبأ المصيبة. ومع اختلاط الافراح بالاتراح راح ابو رامي يرحب بقلب باك بوفود المعزين مولولا مكررا ترحيبه.. "اهلا بكم في زفة رامي" وهو يبدو كأنه لم يهضم ويستوعب كل ما حصل فاطلق بأعلى صوته آهات وصرخات مبللة بالمرارة والدموع "ليتني استبدل رامي..انكسر ظهري.. وهدم البيت على رأسي.. رامي حبيبي صار ذكريات"..

واستذكر الاب الثاكل على مسامعنا ما حصل بحسرة وألم فقال"لم أصدق قصة الوساطة التي عرضها زميل ابني في العمل (القاتل) في مدينة طبريا قبل بضعة شهور لكن الولد غلبته عاطفته ولهفته بلم شمل عروسه فأخذ يلح علي وكنت ارفض محذرا من غدرهم فلم يستجب لطلبي بمرافقتي له للقاء "الوسيط" او بتتبعه بسيارة اخرى وطلب ان يركن اليه فلم اتمكن سوى من الحصول على رقم هاتف الاخير الذي شكل طرف الخيط بالنسبة لتحقيقات البوليس. وعندما انقطع الاتصال به تيقنت مما كنت اخشاه وقلت لمن احاطني "راح الولد" وحصل ذلك في اليوم الذي كان من المفروض ان يذهب فيه رامي الى المحكمة الشرعية للمصادقة على عقد القران الذي كتب في الاردن. ومن جهتي ومن اللحظة الاولى لوقوع المصيبة عادت بي الذكريات للعام 1948 ، الى طفولتي المصعوقة عندما هجرنا من بلدنا واضطر معظم ابناء بلدي للرحيل الى الاردن وسوريا . تلك كانت البداية، بداية المشوار، يوم فرق جمع الاهل ايدي سبأ.. واليوم اعتبر ان قتل ابني قد حصل نتيجة الغدر واستغلال ضيق صاحب الحاجة ولكنني اوجه الاتهام الى الحكومة الاسرائيلية التي حرمت ابني من لم شمل عروسه، قريبتنا في الاردن، بدعوى ان ذلك ممارسة غير مباشرة لحق العودة ولذا اتهم وزير الداخلية ابراهام بوراز شخصيا بالمشاركة في قتل ابني بعد مبادرته لقانون المواطنة العنصري". يشار الى ان قرية كفركنا كانت قد شهدت قبل اربع سنوات عملية قتل مماثلة راح ضحيتها المرحوم فواز عباس.

واستنكر النائب عبد المالك دهامشة، ابن كفر كنا، تعامل الشرطة مع القضية وعدم التحرك السريع لكشف الجناة، خاصة وان هناك ادلة وشهادات لدى اقارب المغدور تشير الى اشخاص بعينهم، مشيرا الى التعتيم من قبل وسائل الاعلام الاسرائيلية على الجريمة. واضاف "لو كانت الصورة معكوسه لامتلأت قرية كفركنا بآلاف رجال الشرطة الذين لن يتورعوا عن تفتيش كل بيت وبيت فيها ولأقدمت الصحافة العبرية على كيل أبشع صفات الإجرام والقتل بحق أهالي كفركنا واتهامهم بالارهاب كما حصل في السابق".

واستذكر الشيخ سالم صقر، الامام التاريخي لكفر كنا، ان ابناء عشيرة الصبيح امتازوا بشجاعتهم ومساهماتهم في عقد رايات الصلح بين ذوي البين. الى ذلك بادر بعض اقارب الاسرة المصابة الى استكمال زواج ابن عم المغدور، بهاء مقطرن، دون أية مظاهر فرح.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات