المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مع حلول عيد الفصح العبري هذا العام (بدأ يوم الثلاثاء)، تكشف مستوى الفقر في اسرائيل. ولعل أبرز ظواهر الفقر برزت هذا العام في المؤسسات والجمعيات التي توزع وجبات الطعام على المحتاجين.واصبحت ظاهرة توزيع هذه الوجبات منتشرة جدا وتكاد لا تخلو منها مدينة او بلدة في انحاء اسرائيل

كتب: بلال ظاهر

أكد خبراء الاقتصاد الاسرائيليون أن إعلان وزير المالية الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، عن خفض الضرائب لمن يتقاضى أجرا شهريا حتى 10000 شيكل، ما هو الا أداة تجميل يغطي فيها على فشله في السياسة الاقتصادية التي طرحها خلال العام الماضي من خلال خطتين اقتصاديتين. فقد ادت هاتان الخطتان الى اتساع دائرة الفقر في اسرائيل كونهما مستا جدا بالشرائح الاجتماعية الضعيفة في اسرائيل بتعرضهما الى مخصصات الرفاه التي تمنحها الحكومة للمواطنين. وجاءت هاتان الخطتان، ايضا، الى جانب هجوم يكاد يكون كاسحا على حقوق العاملين ترافق مع محاولة كسر شوكة نقابة العمال العامة الاسرائيلية (الهستدروت)، التي اضطرت خلال فترة طرح الخطتين الى التنازل عن الكثير من مطالبها ووصلت إلى حد الموافقة على فصل عاملين من عملهم. ويصب كل هذا باتجاه رأسملة الاقتصاد الاسرائيلي، الذي خطا بسرعة كبيرة في هذا الاتجاه خلال فترة رئاسة نتنياهو للحكومة الاسرائيلية في السنوات 1996-1999. ففي هذه الفترة اصبح النهج الاقتصادي لارباب العمل من اجل تحقيق ارباحهم يقضي بفصل العاملين بادعاء النجاعة، ما زاد من اتساع دائرة البطالة بشكل قياسي. واجتمع هذا النهج، مع تولي نتنياهو وزارة المالية في حكومة اريئيل شارون الثانية، الى جانب التقليصات في ميزانية مختلف الوزارات لصالح تضخيم ميزانية الامن وبناء جدار الفصل العنصري، والركود الاقتصادي مع اندلاع انتفاضة الاقصى والاعلان عن اسرائيل، عالميا، انها ليست المكان الآمن للاستثمار او للسياح مثلا..

وعادة ما تكون الاعياد(اليهودية) مناسبة لقيام العائلات الاسرائيلية بالمشتريات. لكن مع حلول عيد الفصح العبري هذا العام (بدأ اليوم الثلاثاء)، تكشف مستوى الفقر في اسرائيل. ولعل ابرز ظواهر الفقر برزت هذا العام في المؤسسات والجمعيات التي توزع وجبات الطعام على المحتاجين. بل ان مصرفا كبيرا، هو بنك ديسكونت، اعلن عن استعداده لتلقي تبرعات من المواطنين في فروعه ليقوم بدوره بتوزيعها على المحتاجين. واصبحت ظاهرة توزيع هذه الوجبات منتشرة جدا ولا تخلو منها مدينة او بلدة في انحاء اسرائيل.

وكشفت مجموعة من الجمعيات الخيرية ان هناك مواطنين يتلقون وجبات طعام من اكثر من جمعية، لكنها اكتشفت ايضا ان هناك مواطنين محتاجين لا يتلقون مثل هذه الوجبات من اي من الجمعيات. وتبين ان السبب هو الخجل الذي يشعرون به من استجداء الطعام. وقال احد المسؤولين في جمعية في القدس الغربية ان هناك مواطنين يرفضون فتح باب بيتهم لمندوبي الجمعية الذين يوصلون الطعام الى بيوت الأسر المحتاجة. ويضطر مندوبو الجمعية الى ترك صندوق الطعام امام باب البيت ويقومون بقرع الباب، من دون انتظار الرد، وانما فقط لاعلام سكان البيت بان الطعام قد وصل. وتأتي هذه المشاهد بعيدة للغاية عما يشاع عن انتعاش في الحركة الشرائية واقبال الاسرائيليين على شراء الاجهزة الكهربائية على انواعها.

وأفادت صحيفة "هآرتس"، اعتمادا على تقارير وزارة الرفاه الاجتماعي، بان اكثر من مليون اسرائيلي سيتلقون هذه السنة تبرعا على شكل وجبات طعام لعيد الفصح، ما يشكل زيادة بنسبة 50% مقارنة مع العام الماضي.

وتستنتد تقديرات وزارة الرفاه الى تقارير وصلتها من 119 جمعية خيرية اعلنت انها ستقدم صناديق مليئة بوجبات الطعام الى 266 الف عائلة، مقابل 169 الف عائلة تلقت مثل هذه الصناديق عشية الفصح في العام الماضي.

المحتاجون نوعان

تفرق الجمعيات الخيرية بين نوعين من المحتاجين: اولئك الذين ولدوا مباشرة الى الحياة في ضائقة واولئك الذي يعرفون على انهم "الفقراء الجدد". و"الفقراء الجدد" هم الذين اصبحوا فقراء في السنتين الاخيرتين. وعادة ما تكون أسباب الانزلاق الى الفقر دفعات لتسديد قروض الاسكان العالية وفصل احد الزوجين من العمل. وقال احد مدراء الجمعيات ان "اشخاصا كثيرين هم الجيل الثاني او الثالث الذين يعيشون في ضائقة في العائلة وهم يعلمون ماذا تعني مخصصات الرفاه والعاملة الاجتماعية. انهم لا يخجلون من وضعيتهم هذه، اذا لا خيار امامهم ببساطة. ولكن اكثر من يعاني هم اولئك الذين فقدوا املاكهم. وانا اراهم يتجولون عدة ايام خارج مقر الجمعية قبل ان يجرأوا على الدخول وطلب المساعدة". ويصف "الفقراء الجدد" الدخول الى مقر احدى الجمعيات والمكوث فيه لتناول وجبة طعام بانه "اكثر اللحظات صعوبة على الاطلاق".

وقال مدير جمعية خيرية في مدينة حيفا لمراسلة "هآرتس": "الانسان الذي لا يجد طعاما في بيته، لديه سبب للخجل. انها حرب من اجل البقاء. اريد ان يعلم الجميع ان هناك اشخاصا جائعين، وليدركوا حجم الضائقة".

يشار الى ان السلطات المحلية هي التي توجه المحتاجين الى الجمعيات الخيرية للحصول على وجبات الطعام، وذلك لأن الجمعيات الخيرية تطلب من المتوجهين اليها احضار وثائق بهذا الخصوص من قسم الخدمات الاجتماعية في السلطة المحلية.

مستخدمو السلطات المحلية

على الصعيد ذاته يواصل عدد كبير من مستخدمي السلطات المحلية في اسرائيل العمل في وظائهم، غير انهم لا يتلقون رواتبهم بسبب الازمة المالية الحاصلة في هذه السلطات. وقالت تقارير صحفية ان هؤلاء العاملين يواجهون حالات اليأس ولم ينجح تحويل وزارة المالية لراتب شهر واحد، عشية الفصح، من اخراج هؤلاء العاملين من يأسهم ومن ضائقتهم.

في مدينة اللد، على سبيل المثال، لم تدفع البلدية الرواتب منذ خمسة شهور. وقال احد الموظفين في البلدية انه لم يشهد وضعا ماليا سيئا الى الحد الذي يواجهه هذه السنة منذ 18 عاما عندما بدأ بالعمل في البلدية. واضاف ان البلدية لم تدفع الرواتب منذ عيد رأس السنة العبرية في ايلول الماضي. ومنذ ذلك الحين مرت اعياد كثيرة لكن البلدية لم تسدد ولو راتبا واحدا خلالها.

واضاف: "طوال السنوات الماضية سمعت عن اشخاص يتوجهون الى مقرات الجمعيات الخيرية للحصول على وجبات الطعام. وها انا ذا في العام 2004 اتوجه الى احدى هذه الجمعيات لاحصل على الطعام. ليس اننا اعتدنا ذلك، لكننا اصبحنا نشعر بالضياع والانهيار. ولا نعرف ما يخبئه المستقبل". وروى الموظف ان احدى بناته، وهي جندية، قالت له: "أعلم ان وضعك المالي سيء. دعني أبقى خلال العيد في القاعدة العسكرية"، فيما توجه ابنه البالغ 14.5 سنة، دون علم الاب، الى لجنة البيت وعرض عليهم ان يدهن حيطان البناية ليحصل على بعض المال.

لكن الوضع بين العرب في اسرائيل أصعب بكثير. فقد قالت مديرة قسم خدمات الرفاه في مجلس محلي المشهد، انها لم تتقاض راتبها منذ 23 شهرا!! وقالت ان وزارتي الداخلية والرفاه لا تفعل شيئا لوقف تدهور الاوضاع المالية للسلطات المحلية. كذلك الهستدروت لا تفعل شيئا ولا حتى نقابة العاملين الاجتماعيين.

لائحة اتهام علنية ضد شارون

على ضوء هذا الوضع، بعث مستخدمو السلطات المحلية برسالة الى رئيس الحكومة الاسرائيلي، اريئيل شارون، تحت عنوان "لائحة اتهام علنية". وبعثوا بنسخ عنها الى نتنياهو والى وزير الداخلية ابراهام بوراز.

ويذكر ان وزارة المالية كانت وعدت بتحويل مبلغ من المال الى السلطات المحلية لتسديد راتب شهر واحد عشية الفصح العبري. وتبين ان وزارة المالية حولت مبلغ 385 مليون شيكل لجميع السلطات المحلية. لكن المستخدمين في كثير من السلطات المحلية التي تواجه ازمة مالية، وبالتالي لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور طويلة، تلقوا نصف راتبهم فقط.

واتهم مستخدمو السلطات المحلية في "لائحة الإتهام" المذكورة شارون بانه "فك الارتباط مع الشعب (الاسرائيلي). وانه قاد الدولة الى هوة سحيقة اخلاقيا واجتماعيا". وكتبوا في الرسالة ايضا: "لقد وعدت قبل اسبوع ان يتم دفع رواتبنا. قلت كلمتك، التي كانت ذات قيمة كبيرة في الماضي. بفمك قلت ان علينا ان نكون انسانيين. لكن الكلام شيء والافعال شيء آخر".

وتابعت الرسالة الى شارون: "انت، الذي حظيت بلقب البلدوزر، لم توقف البيروقراطية، استسلمت وتركت جنودك ينزفون في الميدان. لن نغفر لك ابدا لانك عاملتنا بهذا الشكل السيء مقابل المعروف الذي صنعناه لك. ونعدك ان لا تتركك خيبة املنا منك، وخصوصا غدا، عشية العيد عندما تتخم انت وابناء عائلتك فيما نحن جياع".

وقال المستخدمون في الرسالة لنتنياهو: "انك تمارس ضدنا ارهابا اجتماعيا وتستخدمنا كرهائن في معاركك السياسية مقابل وزارة الداخلية. جعلتنا جياعا في محاولة لتحتل الحكم. انك تمارس ضدنا ابتزازا من اقسى نوع. ربما انك تفهم شيئا بالاقتصاد، لكنك لا تفهم شيئا بالانسانية. ربما تكون شخصا عقلانيا، لكننا نبحث عن قائد يكون انسانا ويمتلك المشاعر قبل كل شيء، والا لكنا انتخبنا حاسوبا ليقودنا بشكل عقلاني. اذ انه بموجب تفكيرك العقلاني لا حق بالوجود لمن لا يملك رأس المال وانت بنفسك قلت ان من ليس لديه المال لا حق له بانجاب الاولاد".

وقال المستخمون في رسالتهم الى وزير الداخلية، بوراز:" اقوالك بان من لم يتلق راتبه شهرا لن يصاب بسوء التغذية تفضح تفكيرك. انت بالتأكيد لا تعيش معنا، نحن الذين كنا الطبقة المتوسطة حتى الانتخابات الاخيرة، هذه الطبقة التي ادعيت انك تمثلها".

وانتهت الرسالة بالقول: " عندما يكبر اولادنا ويتوجهون للدراسة سوف نهتم بان نذكرهم من المذنب في تكريس الفجوات ومن الذي جعل اباءهم يفقدون كرامتهم. وسوف تظهر اسماء كل واحد منكم في هذه القائمة البائسة". ووقع المستخدمون كالتالي: "نتمنى لكم عيدا مليئا بالطعام! مستخدمو السلطات المحلية والمجالس الدينية الجائعون، بذنبكم".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات