المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 837

بات في حكم المؤكد ان خطة الاصلاح الاقتصادي التي اعتمدتها حكومة شارون مؤخراً ستترك آثاراً سلبية للغاية على مجمل حياة المواطنين العرب في اسرائيل على المستويين الفردي والعام، ويقر المراقبون والاخصائيون الاقتصاديون ان من شأنها تعميق أَزمة سلطاتهم المحلية، المسؤولة الاولى عن تقديم الخدمات الحياتية المباشرة لهم. وتفيد دراسة مطوّلة اعدها "مركز مساواة" ان خطة الاشفاء الاقتصادية تمس بشكل كبير بالسلطات المحلية العربية وانها ستلحق اضراراً بها في العديد من المجالات..

 

وديع عواوده

 

بات في حكم المؤكد ان خطة الاصلاح الاقتصادي التي اعتمدتها حكومة شارون مؤخراً ستترك آثاراً سلبية للغاية على مجمل حياة المواطنين العرب في اسرائيل على المستويين الفردي والعام، ويقر المراقبون والاخصائيون الاقتصاديون ان من شأنها تعميق أَزمة سلطاتهم المحلية، المسؤولة الاولى عن تقديم الخدمات الحياتية المباشرة لهم. وتفيد دراسة مطوّلة اعدها "مركز مساواة" ان خطة الاشفاء الاقتصادية تمس بشكل كبير بالسلطات المحلية العربية وانها ستلحق اضراراً بها في العديد من المجالات ابرزها:

 

(1) إلغاء ميزانية التطوير للسلطات المحلية:

كان من المفروض ان تحّول وزارة الداخلية العام 2003 ما نسبته 25% من ميزانية التطوير للسلطات المحلية العربية، وفقا لقرار الحكومة من العام 2000. وهذه الميزانية (100 مليون شيكل سنويا) تشكل مصدراً رئيسياً لتطوير مشاريع حيوية داخل القرى والمدن العربية.

 

(2) تقليص الهبات المعطاة ضمن ميزانيات البنى التحتية الخاصة بمياه الصرف الصحي:

ضمن خطة المليارات الاربعة من العام 2000 صودق على منح السلطات المحلية العربية هبات خاصة تبلغ 50% من تكاليف إنشاء البنى التحتية لشبكة الصرف الصحي اسوةً بالسلطات اليهودية التي تحصل عليها منذ سنوات. السلطات العربية شرعت باستغلال هذه الهبات في العام 2002 فقط وبوتيرة بطيئة. وبموجب الخطة الاقتصادية سيتم تخفيض حجم الهبات من 50% الى 25% وهنا يُشار الى ان 50% من السلطات العربية لم تستكمل بعد انجاز هذه البنى التحتية وبالتالي فانها ستضطر للحصول على المزيد من القروض لتمويل ذلك، ما سيثقل كاهلها بفعل الديون الباهظة المتراكمة من سنة الى اخرى.

 

(3) تقليص الميزانيات المخصّصة لبناء المناطق الصناعية:

كانت الخطة الاقتصادية الحكومية قد نوهّت الى وجود 350000 دونم زائد ضمن الاراضي الصناعية. ويبدو ان معدي الخطة لم يأخذوا بالحسبان حقيقة النقص الحاد لمثل هذه الاراضي داخل مناطق نفوذ السلطات العربية. وحتى اليوم فان الناصرة وام الفحم والطيبة وباقة الغربية والطيرة وسخنين لا زالت تخلو من مناطق صناعية منظمة بالرغم من الارتفاع المتزايد بنسبة البطالة. وبالاجمال ستحظى السلطات العربية بـ 5% فقط من ميزانيات التطوير في الوزارات المختلفة. ويبلغ اجمال هذه الميزانيات المكرسة للسلطات المحلية العربية للعام 2003 - 709 مليون شيكل في الوقت الذي كانت الحكومة قد اقرت في 22.10.00 رصد 1,016 مليارد شيكل للعام المذكور. هذا عدا تقليصات في ميزانيات الصحة والرفاه والتعليم لكل السلطات المحلية بـ 20% بما في ذلك العربية منها. وتستند الخطة التي ترعاها وزارة المالية الى منطق يرى ضرورة اجراء تقليصات في الميزانيات وتقليل حجم تبعية الشرائح الفقيرة لمصادرالدعم الحكومية. غير ان الخطة لا تقترح بدائل مناسبة تخفف وطأة البطالة والفقر لدى المواطنين العرب في اسرائيل. وعلاوة على ذلك اقدمت الحكومة على اعتماد معايير مختلفة في اقرار التقليصات بالميزانيات المعدة للسلطات المحلية- اذ تم تقليص الميزانية العادية للسلطات العربية الواقعة في المرتبة الثالثة ضمن السلم الاقتصادي الاجتماعي (المكون من عشر درجات) بنسبة 20% وبنسبة 8% للسلطات اليهودية التي تقع في ذات الدرجة، كما اكد لنا شوقي خطيب رئيس اللجنة القطرية. واليوم تزعم وزارة المالية ان هذه المعايير تمت بلورتها في وزارة الداخلية التي تنفي ذلك وتعزو الامر الى المالية..! يذكر ان حجم التقليصات في الميزانيات العادية للسلطاات المحلية يبلغ 40-25% علما ان هذه تشكل 40% من مجمل ميزانية السلطة المحلية العربية ومن شأن ذلك تأزم حالة الحكم المحلي العربي بشكل غير مسبوق.

 

خطة لدمج السلطات العربية

يبلغ عدد السلطات المحلية العربية اليوم 83 سلطة من بينها 10 بلديات. وبموجب خطة دمج السلطات المحلية المنبثقة عن الخطة الاقتصادية الجديدة سيتم اختزال 67 سلطة محلية عربية في 22 سلطة! وتلتقي وجهات نظر الاغلبية الساحقة من الهيئات التمثيلية والفعاليات السياسية العربية في رفض خطة الدمج واعتبارها مشروعاً خطيراً يتوجب التصدى له. ولهذا الغرض عقد يوم دراسي في الناصرة الشهر الماضي حول القضية بادر اليه نواب التجمع الوطني الديمقراطي. كما عقد في الكنيست يوم دراسي مماثل مؤخراً دعا اليه النائب عصام مخول عن الجبهة الديمقراطية ومنتدى الوفاق المدني ومركز مساواة. وفي اليومين الدراسيين تحدثت الاغلبية الساحقة من النواب والرؤساء والباحثين العرب عن مخاطر الدمج وآثاره السلبية على المواطنين العرب. هؤلاء طعنوا بالخطة بالقول انها تقترح معايير للدمج لا تراعي التقييدات الموضوعية التي ربما تعيق عملية تطبيقها في الوسط العربي بنجاعة مثل الابعاد الجغرافية بين مجمعات سكنية صغيرة، والمبنى الاجتماعي الخاص لكل منها، وغياب التواصل الجغرافي بين السلطات المقترحة للدمج، ودمج سلطات كثيرة وابقاء مناطق النفوذ ضمن مسؤولية سلطة محلية اخرى، ما يحول دون توسع السلطات العربية. كما طرح المحاضرون في اليومين الدراسيين عين ماهل كمثال، فهي تقع في منطقة نتسيرت عيليت لكنها مقترحة للدمج مع اكسال ودبورية دون تواصل جغرافي معهما. كما يطعن معارضو الدمج بالخطة باعتبارها عاملا على إثارة الخلافات بين مجموعات سكانية او شرائح إجتماعية مثلما انها ستؤدي الى فصل مئات الموظفين العرب والى تقليص حجم ميزانيات الهبات وخلق مشاكل جديدة.

في حديث "للمشهدالاسرائيلي" علَّل النائب واصل طه اسباب معارضته لخطة الدمج قائلا: "بالاضافة الى ما ورد من تحفظات على فكرة الدمج تبين دراسات مهنية اطلعنا عليها ان عملية دمج السلطات المحلية في اوروبا وامريكا وكندا قد فشلت عندما فرضت على السكان من قبل الحكم المركزي، والعكس صحيح. وهنا في اسرائيل تحقق فكرة الدمج الفوائد للسلطة المركزية اكثر مما تخدم المواطنين بل تأتي على حسابهم لانها ستحاصر مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية بل انها خطة لتضييق الخناق على المواطنين العرب بدوافع سياسية تتعلق بالميزان الديموغرافي في اسرائيل".

رئيس مجلس جت السابق احمد ابو عصبة كان الوحيد الذي اتى بموقف مغاير اثناء اليومين الدراسيين إذ انتقد رد الفعل المعارض للخطة معتبرا اياه عجولا ولا يرتبط بالمصالح الحقيقية للجمهور العربي بقدر ما يعبرّ عن إعتبارات إنتخابية للرؤساء الذين يرون بالتغيير خطراً على كراسيهم واحتمالات إعادة انتخابهم. كما اشار الى مساهمة فكرة الدمج في محاصرة العائلية السياسية وفسح المجال امام الاحزاب العربية للنمو والتطور.

وزير الداخلية بوراز من جهته رفض التطرق الى هذه القضية خلال اليوم الدراسي المنعقد في الكنيست مكتفياً بالقول: "حولّت الموضوع الى لجان مهنية وانتظر رفع توصياتها بهذا الصدد حتى نهاية حزيران وسأقوم بتبنيها على الاغلب"

 

مدينة سخنين لا تزال قرية كبيرة

مدينة سخنين وحالة بلديتها اليوم وغداً هي عينة نموذجية لسائرالسلطات المحلية العربية. تعد هذه المدينة 25000 نسمة وتبلغ منطقة نفوذها 9300 دونم مقابل 183500 دونم للمجلس الاقليمي المجاور لها "مسغاف" والذي لا يتعدى عدد السكان التابعين له 13000 نسمة.

تأسّس المجلس المحلي في سخنين عام 1965 وتحول الى بلدية عام 1995 حيث زارها رئيس الحكومة الراحل اسحق رابين واعلن عنها مدينة. يبلغ عدد العاملين فيها 350 موظفاً. وبالرغم من مرور ثماني سنوات يكاد اهالي سخنين لا يلحظون فارقا واحدا بين مجلسهم المحلي السابق وبين بلديتهم الحالية. ويبرز ذلك بوضوح اليوم في مجال الرياضة فقبل ايام صعد فريق كرة القدم الى اعلى مرتبة بالدوري الاسرائيلي- الدرجة العليا - لكن الملعب البلدي في المدينة غير ملائم للعب ضمن هذه الدرجة. وهو بحاجة الى 7 ملايين شيكل على الاقل لجعله صالحا. في حديث "للمشهد الاسرائيلي" افادنا مدير عام بلدية سخنين قاسم ابو ريا ان البلدية وحدها عاجزة عن النهوض بهذا المشروع المستعجل ولذلك تم التوجّه الى رجال الاعمال والمؤسسات الاهلية في المدينة والوسط العربي لجمع التبرعات. ولا تختلف الاوضاع الثقافية عن الرياضة اذ بالرغم من كونها مدينة فلا نجد فيها سوى بيت واحد للشبيبة وقاعة مسرح مستأجرة ومكتبة عامة في مبنى مستأجر ومركز تربوي واحد يخدم كافة مدارسها. وبشأن التصنيع فقد وضعت نواة لمنطقة صناعية لسخنين في العام 2000 تبلغ مساحتها 130 دونما (مقابل 800 دونم لمسغاف- هذا عدا منطقة صناعية مشتركة لها مع مدينة كرمئيل). وبالرغم من تصنيفها من قبل وزارة الصناعة والتجارة كمنطقة مفضلة من الدرجة (أ) فانها تشمل ورشات عمل ومصانع خفيفة فقط تعود كلها الى ابناء سخنين وهي تعدم مصانع إنتاجية بحجم كبير. اما الحالة المالية فهي ضعيفة جدا والبلدية تقدم الخدمات الاساسية للمواطنين بشق الانفس لانها تنوء تحت وزر العجز المالي البالغ 55 مليون شيكل وتعاني من شح الدعم الحكومي وضعف الجباية الذاتية. وردا على سؤالنا حول الانعكاسات المحتملة للخطة الاقتصادية على بلدية سخنين قال مديرها العام ابو ريا: "هذه الخطة ستنعكس اولا على المواطنين وستزيد نسبة الفقراء بينهم مما يزيد من ازمتنا من حيث جباية الضرائب. كذلك أُبلغنا الاسبوع الماضي ان الهبة السنوية المقررة لنا من وزارة الداخلية للعام الجاري هي 16 مليون شيكل فقط بدلا من 20 مليون شيكل في العام 2002. كما تم محو ميزانية التطوير المرصودة لنا من وزارة الداخلية لهذا العام والبالغة 2 مليون شيكل. وهذا هو الحال بالنسبة للقروض والهبات للبنى التحتية وغيرها".

 

وكيف ستواجهون هذه الاوضاع؟

ابو ريا: "ليس امامنا من مفر سوى المزيد من تنجيع عمل البلدية وهذا يعني تحاشي انجاز مشاريع لم ترصد لها الميزانيات وعلى حساب الميزانية الجارية. وبالرغم من اننا لم نعين موظفين جددا في السنوات الاخيرة سنضطّر على ما يبدو الى فصل بعض العاملين في البلدية اليوم. كما اننا سنمارس الضغوطات على شركة الجباية من اجل رفع نسبة الجباية اكثر مما هي اليوم 40% علما انها كانت 25% في سنة 1998. وبدون ذلك لا ارى كيف سننجح في تقديم خدمات اساسية منتظمة للمواطنين وهنا اتحدث عن الخبز لا عن البسكويت. انا قلق جدا مما هو آت".

 

ولكن الا ترى ان جزءاً من ازمة بلدية سخنين وسواها هي من صنع ايديكم نتيجة سوء الادارة واحجام الناس عن دفع ضرائبهم؟

ابو ريا: "هذا صحيح ولكن لكل شئ توجد حدود اذ قامت شركة الجباية باتخاذ كافة الاجراءات ضد المدينين للبلدية من حجز على الحسابات والاملاك وقطع دورة المياه ولكن هناك شرائح اجتماعية غير قادرة على دفع الضريبة حتى لو وضعتها تحت حجر الرحى في معصرة للزيتون".

 

الدمج مع عرابة

وضمن الخطة الاقتصادية تقترح الحكومة دمج سخنين وعرابة في بلدية واحدة لكن سكان البلدين يعارضون الفكرة. رئيس بلدية سخنين مصطفى او ريا يقول بهذا الخصوص: "موافقتنا على الدمج مشروطة بان تغطي الحكومة ديون البلدين وهي طائلة. فنحن نعاني ازمة مالية خانقة وبسببها نقف على رجل واحدة اما عرابة فهي كسيحة ومجلسها المحلي لا يقوى على النهوض فكيف يضعون جسمين على رجل واحدة؟ ولذالك طالما يرمي الدمج لتوفير المصروفات على الحكومة ولا يخدم مصالحنا فنحن ضده".

وكان وفد من الرؤساء العرب برئاسة شوقي خطيب رئيس اللجنة القطرية قد التقى وزير المالية مئير شطريت مطلع الاسبوع لاطلاعه على خطورة الخطة الاقتصادية على العرب في اسرائيل. شطريت من جهته وعد بدراسة مطالبهم والتقائهم بعد ايام. في حديث "للمشهد الاسرائيلي" قال خطيب: "فوجئ الوزير من اعتماد معايير اكثر صرامة في تقليص الميزانيات للسلطات المحلية العربية وقد استجبنا لطلبه بتعليق برنامجنا الاحتجاجي ريثما يفحص مطالبنا. نحن لا نعتبر المظاهرات والاعتصامات هدفا بحد ذاته ولذلك منحنا الوزير فرصة إضافية مع العلم اننا لا نعول كثيراً على وعوده".

 

وفي حالة بقاء تصريحات الوزير في إطار الوعود فكيف ستواجهون الخطة الاقتصادية؟

خطيب:" هذه الخطة تشكل ضربة قاضية للسلطات المحلية العربية ومن المفضل ان تقولها الحكومة صراحةً لنا بانها ستوصد ابواب الخدمات للجماهير العربية وعندها سنباشر في برنامج كفاحي كبير لحماية حقوقنا."

 

 

المصطلحات المستخدمة:

كرة القدم, الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات