المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

علاقات متوترة بين الحكومة والهستدروت تنذر بمزيد من الأزمات الاقتصادية * اضراب عام في 3 تشرين الثاني * نقابة العمال: ثلاثة شروط لالغاء الاضراب * الحكومة ستلجأ الى سن قوانين لمحاربة الاجراءات النقابية القامة..

كتب: بلال ظاهر

المسؤولون في الهستدروت كانوا على يقين تام بأن لقاءي (الخميس والجمعة الاخيرين) بين رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، ووزير المالية الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لن يتمخضا عن اي نتيجة تفضي الى وقف التشويشات في العمل التي بدأها المستخدمون في القطاع العام. فالهوة بين مواقف الطرفين يكاد يكون اتساعها لا نهائيا، وفي مساء الاربعاء الماضي دُعي أعضاء هيئة قيادة الهستدروت الى اجتماع طارئ في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، الخميس، قبل ثلاث ساعات من اللقاء بين بيرتس ونتنياهو. وتقرر في الاجتماع انه اذا لم يحصل اي تقدم في المحادثات بين ممثلي الهستدروت وممثلي المالية خلال عشرة ايام، اي حتى مساء يوم الثاني من تشرين الثاني، فسوف يتم الاعلان عن اضراب عام وشامل في كافة المرافق الحكومية في اسرائيل.

ولكن، والى أن يبدأ يبدأ الاضراب، سيواصل نحو 60 الف مستخدم حكومي التشويشات في العمل وثمة احتمال بانضمام قطاعات اخرى الى التشويشات. اما اذا بدأ الاضراب العام فان المشهد الاسرائيلي سيكون "رهيبا" بلا شك: تشويشات في تزويد الكهرباء والمياه وشل الحركة في مطار بن غوريون الدولي وفي الموانئ، وتشويشات في المواصلات العامة وقد يحصل نقص في تزويد الوقود، ويتوقف عمال النظافة في المدن والبلدات عن اخلاء القمامة ومفتشو السلطات المحلية عن تحرير مخالفات السير، وستعمل المستشفيات الحكومية والهستدروتية بشكل جزئي، وستتوقف رياض الاطفال عن العمل، وستغلق البنوك والمؤسسات الثقافية والنوادي.

وقد وضعت الهستدروت امام وزارة المالية ثلاثة شروط لالغاء الاضراب:

وقف كافة الخطوات التي تقوم بها المالية بخصوص سن قوانين تتعلق بصناديق التقاعد؛

وقف التغييرات البنيوية في المرافق الحكومية حتى يتم الاتفاق حولها مع المستخدمين؛

والتعهد بالامتناع من الناحية المبدئية عن سن قوانين من شأنها المس باتفاقيات العمل.

من جهته، قال نتنياهو انه لا يفهم السبب من وراء اعلان الاضراب وان "الحكومة لن ترضخ للضغوط والابتزاز".

وعلى الرغم من استمرار المحادثات بين الطرفين الا ان التقديرات تؤكد انه بدون تدخل جهة خارجية، مثل رئيس الحكومة اريئيل شارون، او رئيس المعارضة في الكنيست شمعون بيرس، فان المحادثات لن تثمر عن نتائج ايجابية، بل ان كل لقاء بين نتنياهو وبيرتس سيزيد من توتر العلاقات بين الطرفين. وقد قرر الطاقم النضالي لمستخدمي الدولة تصعيد التشويشات في العمل ابتداء من مطلع الاسبوع اذا لم يتم التوصل الى اية تفاهمات في اللقاءات بين ممثلي الهستدروت والمالية.

ومع اقتراب موعد الاضراب العام في الثالث من تشرين الثاني، وعلى خلفية المعاناة المحتملة للجمهور من جراء الاضراب، يعلق بيرتس اهمية كبرى على شرح موقف الهستدروت بان الاضراب لا يرمي للمطالبة برفع الاجور ولا للحصول على شروط عمل افضل وانما من اجل دفع الحكومة على الدخول في مفاوضات وابرام اتفاقيات لتسوية بعلاقات العمل، وليس من خلال سن قوانين واتخاذ قرارات انفرادية وخرق الاتفاقيات القائمة. وفي هذا السياق يرى بيرتس ان التشويشات والاضرابات المحدودة في العمل ليست ناجعة بشكل كاف وتثير غضب الجمهور على المستخدمين وحسب.

بالمقابل فان الاضراب العام والشامل سوف يثقل على كاهل الجمهور بشكل كبير، لكن ذلك سيؤدي الى حسم الامور. وقال بيرتس: "لا يمكن الاستمرار في اشعال حرائق صغيرة. يتوجب وضع نهاية لذلك، لمصلحة الجميع".

وقد تم تحديد موعد بدء الاضراب العام في اوائل الشهر القادم لسببين: الاول يكمن في استنفاذ المحادثات الجارية مع وزارة المالية، والثاني هو عدم المس في احتمالات قوائم حزبَي "عام إحاد" و"العمل" في انتخابات السلطات المحلية التي ستجري الاسبوع القادم.

ويشيرون في الهستدروت الى نمط معين تسير الامور بموجبه فيما يتعلق بعلاقات العمل. فوزارة المالية تعرض اقتراحات بصورة انفرادية ومن ثم تقوم الحكومة باقرارها. عندها تعرب الهستدروت عن معارضتها لاقتراحات المالية وتعلن نزاع عمل، بعدها تطرح المالية اقتراحها على جدول اعمال الكنيست بصورة مشروع قانون بهدف تجاوز إجراء مفاوضات مع الهستدروت ونقابات المستخدمين ومن اجل فرض الامر الواقع، وعلى اثر ذلك تشرع الهستدروت في تشويشات في العمل ثم الاضراب، وعندئذ، فقط، تبدأ المفاوضات. هكذا حصل في الربيع الماضي عندما تم طرح الخطة الاقتصادية السابقة، وهكذا حصل في الشهر الماضي في قضية الموانئ.

فقد أعلنت وزارة المالية انها الغت لجان الاعتراضات التي مكنت اعضاء صناديق التقاعد من الاعتراض على قرار اتخذه الصندوق الذين هم أعضاء فيه لأن القرار بدا لهم خاطئا ويمس بحقوقهم، وفي المقابل سيكون بالامكان الاستئناف على قرارات صناديق التقاعد من خلال التوجه الى محكمة العمل، التي تواجه هي الاخرى خطر الاغلاق وفق ما قاله مسؤولون في الهستدروت.

وأوضح المتحدث بلسان الهستدروت ان التوجه الى محكمة العمل هو عملية معقدة أكثر من التوجه الى لجنة الاعتراضات بسبب الانظمة المتعامل بها في المحكمة والتي تنطوي، ايضا، على تكاليف باهظة سيتكبدها المتقاعد. واذا ما تم الغاء محكمة العمل، كما تخطط الحكومة، فان المتقاعد المتضرر سوف يضطر الى التوجه الى محكمة الصلح، وهناك الرسوم عالية وسيكون لزاما على المتقاعد الاستعانة بخدمات محام مما سيخفض عدد المستأنفين وسيكون من السهل جدا الاعتداء على حقوق جمهور المتقاعدين. ويؤكد المسؤولون في الهستدروت على انه اذا طبقت وزارة المالية هذا المخطط فان ذلك يعني القضاء على ضمان التقاعد الذي توفره هذه الصناديق وسيتوجه عندها الجمهور الى سبل توفير للتقاعد اخرى وخاصة، مثل شركات التأمين الكبرى.

وفي المقابل ادعت وزارة المالية ان الهستدروت تحاول السيطرة على صناديق التقاعد مجددا. اضافة الى ذلك تنوي الحكومة، بعد تأميمها لصناديق التقاعد، طرح اسهمها للتداول في سوق الاوراق المالية. ويعتقد المسؤولون في المالية ان ارباحها ستدخل لخزينة الدولة 70 مليار شيكل، اما في حال الخسارة فان الحكومة لن تكون مسؤولة عن ذلك بل سيتكبد المتقاعدون الخسائر بأنفسهم. كما تريد الحكومة فرض ضريبة الدخل على رواتب المتقاعدين بنسبة 2%.

وفيما يتعلق بمحاولات وقف التشويشات في العمل التقى الاسبوع الماضي، عدة مرات، مفوض خدمات الدولة، شموئيل هولندر، والمسؤول عن الاجور في وزارة المالية، يوفال راخليفسكي، مع رئيس نقابة مستخدمي الدولة، عوفر عيني. الا ان مصدرا مقرباً من اللقاءات قال ان "هذه اللقاءات ليست مفاوضات وانما مجرد محادثات، وذلك لأن راخليفسكي غير مُخوّل، كما هو الحال مع عيني، بالحسم في القضايا المختلف عليها بشكل نهائي".

وفي هذه الاثناء اعلنت الهستدروت انه لن يتم تصعيد الاجراءات الاحتجاجية التي يخوضها المستخدمون. الا انه في اجتماع لرؤساء النقابات الكبرى، ترأسه بيرتس، تقرر الاستعداد لاعلان الاضراب العام في كافة المرافق الاقتصادية في البلاد، وبينها شركة الكهرباء، شركة الاتصالات الهاتفية "بيزك"، والبنوك وغيرها.

وصعّد مستخدمو دائرة الاشغال العامة ("ماعتس") خطواتهم الاحتجاجية ضد مخطط وزارة المالية القاضي بالغاء الدائرة، وفصل عمالها ومنح شركات خاصة القيام باعمال شق الطرقات وصيانتها وهي مهمات تقوم بها الدائرة حتى الان. ففي يوم الثلاثاء الماضي نظم مستخدمو "ماعتس" تظاهرة بسياراتهم، حيث سافروا ببطء شديد، خصوصا عند مفارق الطرق، الامر الذي ادى الى اختناقات مرورية كبيرة. وبررت الحكومة قرارها بالغاء الدائرة بأن "ماعتس كما هي اليوم لا تتمكن من اجراء تطوير عصري وبجودة عالية للشوارع"، وبأن شق عشرة شوارع دام سبع سنوات.

وفي اطار التغييرات البنيوية التي تعتزم الحكومة الاسرائيلية اجراءها في الموانئ، تنوى الحكومة اغلاق ميناء ايلات، وفق ما جاء في مراسلات بين مسؤولين في وزارة المواصلات، الذين اشاروا الى امكانية الابقاء على ميناءَي حيفا واشدود. وقال مدير عام سلطة الموانيء، عاموس رون، ان الحاجة لوجود ميناء ايلات في المستقبل مرتبطة، بشكل كبير، بتنفيذ الخطط التي يجري بحثها في هذه الفترة، بمد سكة حديد لنقل البضائع من ايلات الى مركز اسرائيل وكذلك بامكانية اقامة علاقات تجارية مع الاردن، الامر الذي يمكن من توزيع وصول البضائع الى اسرائيل.

الحكومة ستلجأ الى سن قوانين

وتخطط وزارة المالية في هذه الاثناء اتخاذ عدة خطوات بهدف "تحديد الاضرار" التي ستنجم عن الاضراب العام، ومن بين هذه الخطوات: استخدام مطارات عسكرية بدلا من المطارات المدنية التي سيشارك مستخدموها في الاضراب، وسيتم تجنيد سائقين للباصات بدلا من اولئك المضربين، خصوصا في الخطوط الهامة ومن اجل نقل المواد الغذائية والوقود.

وقال مسؤولون في وزارة المالية انه "اذا نفذت الهستدروت الاضراب العام فان رد الحكومة سيكون من خلال تسريع عملية سن القوانين في الكنيست وتحويلها الى قوانين في اليوم ذاته الذي يعلن فيه الاضراب".

ويشار في هذا الصدد ان للحكومة اغلبية في الكنيست، وهي اغلبية متجانسة من ناحية الفكر الاقتصادي اليميني الذي يحمله كافة اعضاء التركيبة الائتلافية. ومن جهته قال رئيس الحكومة اريئيل شارون، ان "هذه الفترة غير ملائمة بتاتا لاعلان الاضراب وامل ان يتغلب الشعور بالمسؤولية".

اتساع دائرة البطالة والفقر

من جهة اخرى، أفادت معطيات بنك اسرائيل بأن حجم السحب الزائد من الحسابات البنكية في اسرائيل بلغ 41.8 مليار سيكل في نهاية شهر حزيران الماضي. واضاف تقرير البنك، الذي عرض في جلسة لجنة المالية في الكنيست، ان اكثر من 50% من مواطني اسرائيل يعانون من سحب زائد (رصيد سلبي في الحساب البنكي) دائم. وعلم ان مراقب البنوك في بنك اسرائيل، يوآف لهمان، يعمل على اعداد خطة تتضمن تعليمات جديدة لتعميمها على البنوك بهدف تقليص ظاهرة السحب الزائد، الذي يتعدى الاعتماد المقرر، من الحسابات الجارية التي يديرها مواطنون ومصالح تجارية صغيرة.

وفي ظل الاوضاع الاقتصادية القاسية التي تجتاح اسرائيل، كشف وزير الرفاه الاجتماعي، زيولون اورليف، عن ان عدد المسنين الذين يعشون تحت خط الفقر في اسرائيل بلغ في نهاية العام 2002 680 الف مسن، ما يشكل نسبة 26% من المسنين. وجاءت اقوال اورليف في اجتماع لجنة المالية البرلمانية، وطالب "باجراء حساب للذات" فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة.

على صعيد اخر ارتفع حجم العجز المالي التي تعاني منه السلطات المحلية بـ 549 مليون شيكل. وافادت التقارير المالية للسلطات المحلية والتي تمت المصادقة عليها، ان العجز المالي لهذه السلطات ارتفع من 4.9 مليار شيكل ليصبح 5.5 مليار. واشارت التقارير الى ان معظم السلطات المحلية صرفت اكثر مما هو مقرر لها في الميزانيات التي تم اقرارها. وقد جاء هذا العجز المالي على الرغم من رصد هِبات بمبلغ 3.4 مليار شيكل للسلطات ورصد مبلغ 275 مليون شيكل لخفض حجم العجز المالي المتراكم في السلطات المحلية. ووفق تقرير نشرته هذا الاسبوع دارة الاحصاء المركزية الاسرائيلية، بلغ العجز التجاري الاسرائيلي 5.8 مليار دولار في الاشهر التسعة الاولى من العام الجاري، مما يشكل انخفاضا بحجم 1.1 مليار دولار بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2002.

وأفاد تقرير نشرته دائرة الاحصاء المركزية (الثلاثاء 21.10.03) بأن عدد العاطلين عن العمل في شهر آب الفائت بلغ 274 الفا، ما يشكل نسبة 10.6% من قوة العمل في اسرائيل. ومنذ شهر آذار الماضي لم تتغير نسبة العاطلين عن العمل في اسرائيل. وأضافت الدائرة ان نسبة العاطلين عن العمل في آب الاخير أظهر ارتفاعا كبيرا في حجم البطالة بالمقارنة مع النسبة في اشهر آب في السنوات الماضية، حيث كانت النسبة 10.3% في العام 2002، و9.6% قي 2001 و8.8% في 2000 و9% في 1999. من جهة اخرى تتوقع وزارة المالية ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل في العام 2004 المقبل ليصل الى 300.2 الف عاطل عن العمل، فيما يتوقع بنك اسرائيل ان يصل العدد قي العام القادم الى 305.6 الف عاطل عن العمل ليشكل ما نسبته 11.4% من قوة العمل الاسرائيلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات