المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 900

من المحتمل ان يصاب كل من توقع من "فوراز" اجراء تغييرات في قانون المواطنة وقانون الدخول الى اسرائيل - لجهة تكريس وجهة نظره الانسانية الليبرالية فيما يتعلق بالمكانة المدنية للاجانب في اسرائيل - بخيبة امل كبيرة. فـ "فوراز" لايعتزم تغيير او تعديل قانون المواطنة، كما انه غير معني بمنح المواطنة لكل من ولد في البلاد (مثلما هو متبع في الولايات المتحدة)، ولن يتيح للعمال الاجانب المقيمين في اسرائيل منذ فترات طويلة الحصول على الجنسية الاسرائيلية، على غرار ماهو متبع في العديد من بلدان العالم.

في نهاية شباط 2002 قدمت "جمعية حقوق المواطن" التماسًا الى المحكمة المركزية في تل ابيب ضد وزير الداخلية الاسرائيلي في حينه ايلي يشاي، طلبت فيه الايعاز للوزير بتنظيم المكانة القانونية لأبناء العمال الاجانب الذين نشأوا او ولدوا في اسرائيل، الا ان وزارة الداخلية رفضت اعطاءهم (اي ابناء العمال الاجانب) مكانة قانونية.
وكان هذا الالتماس قدم باسم اربعة شبان من ابناء العمال الاجانب الذين ولدا او نشأوا في اسرائيل، وظلوا ببلوغهم سن الـ 18 دون مكانة قانونية وبالتالي مهددين بالطرد. وقال الملتمسون انهم، وبكونهم يفتقدون لمكانة قانونية، لا يستطيعون كسب الرزق بصورة قانونية او العيش حياة طبيعية.

في هذه الاثناء رحل "يشاي" عن وزارة الداخلية، وهو ما اعفاه من ضرورة الرد على الالتماس. الآن يتعين على وزير الداخلية الاسرائيلي الجديد ابرهام فوراز(شينوي)، الذي اعلن فور تسلمه لمهام منصبه عن اتباع سياسة انسانية تجاه كل ما يتعلق بحقوق الانسان والمواطن، ان يعطي رده في هذا الخصوص للمحكمة الاسرائيلية خلال الاسابيع القليلة المقبلة. وعلى ما يبدو فان "فوراز" يميل الى اتخاذ قرار يقضي بتمكين بضع مئات من الاجانب في كل سنة، (وهذا يشمل بالطبع العمال الاجانب او ابنائهم) من الحصول على صفة المواطنة (التجنس) في البلاد، وهي خطوة من شأنها، حسب اعتقاد وزير الداخلية الاسرائيلي الجديد، حل هذه المشكلة.

يقول "فوراز" موضحًا انه لا يقصد ولاينوي القيام بخطوة تعميمية شاملة على هذا الصعيد، وانما دراسة كل حالة بمواصفاتها، نظرًا لأنه لا يريد حسب قوله "طوفاناً او سيلاً متدفقاً من الاجانب في البلاد. لكن بالامكان اتاحة المجال في كل سنة لبضع مئات من الاجانب الحصول على الجنسية الاسرائيلية على اساس انساني". مع ذلك فهو لايعد باعطاء مكانة قانونية لجميع ابناء الاجانب وبشكل مطلق، حيث يقول: "في غالبية الاحوال نجد ان آباء هؤلاء الاولاد يمكثون في البلاد بصورة غير قانونية، فهل يعني ذلك ان علي تمكين الآباء ايضًا من الحصول على المواطنة لكونهم استطاعوا العيش هنا بطريقة غير قانونية، واحتلوا اماكن عمل آخرين؟!"

من المحتمل ان يصاب كل من توقع من "فوراز" اجراء تغييرات في قانون المواطنة وقانون الدخول الى اسرائيل - لجهة تكريس وجهة نظره الانسانية الليبرالية فيما يتعلق بالمكانة المدنية للاجانب في اسرائيل - بخيبة امل كبيرة. فـ "فوراز" لايعتزم تغيير او تعديل قانون المواطنة، كما انه غير معني بمنح المواطنة لكل من ولد في البلاد (مثلما هو متبع في الولايات المتحدة)، ولن يتيح للعمال الاجانب المقيمين في اسرائيل منذ فترات طويلة الحصول على الجنسية الاسرائيلية، على غرار ماهو متبع في العديد من بلدان العالم.

يبدو ان "فوراز" ينوي وفقًا لما بدر عنه من اقوال وأفعال حتى الان، العمل في اطار القوانين القائمة، وان كان من المرجح ان يستخدم الصلاحيات الواسعة التي يمنحها له القانون بما في ذلك صلاحية اعطاء جنسية لشخص ما وفق رؤيته (اي الوزير فوراز) الشخصية.

سلسلة القرارات التي اتخذها فوراز خلال الاسبوعين الاخيرين فيما يتعلق بمكانة الاجانب في اسرائيل، تشير الى توجه جديد وفي صلبه تخفيف القيود المفروضة على اجراءات اصدار تأشيرات الدخول ومنح الجنسية للاجانب الذين تزوجوا من مواطنين اسرائيليين / اسرائيليات، اضافة الى اعطاء حل اداري لمسائل انسانية واجهت او اصطدمت حتى الان بالاهمال والتسويف غير المبررين من جانب وزارة الداخلية، وذلك من وجهة نظر الوزير الجديد.

تجديدات فوراز..

وكان فوراز قد اعلن ان كل من يمكث في اسرائيل بطريقة غير قانونية وتعرض لاصابة جراء "عملية ارهابية" باستطاعته الحصول من وزارة الداخلية على تآشيرة مكوث وعمل.

وكذلك فقد دخل حيز التنفيذ الاسبوع الماضي اجراء جديد اخر اطلق عليه "تسهيل اجراءات لازواج / زوجات مواطنين اسرائيليين في طور العملية التدريجية للحصول على جنسية (او مواطنة) اسرائيلية". وهي عملية تستغرق حسب الاجراء الذي كان متبعًا حتى الان اربع سنوات ونصف حيث يحصل زوج المواطن الاسرائيلي خلال نصف العام الاول من هذه الفترة على تأشيرة مكوث وعمل، ويحصل في العامين التاليين على مكانة مقيم مؤقت يتم تجديدها مرة كل سنة، ويحصل خلال السنتين الثالثة والرابعة على مكانة مقيم دائم يتم تجديدها هي الاخرى مرة كل سنة.

الاجراء الجديد يلغي ضرورة التجديد السنوي، بحيث تعطى فترة الـ "مقيم مؤقت" والـ "مقيم دائم" لمدة سنتين.

هناك مشكلة اخرى على صعيد مكانة الاجانب، وهي مشكلة الاجانب الذين تزوجوا من اسرائيليين بموجب مراسم زواج مدني في الخارج، فهؤلاء لا يستطيعون العودة الى البلاد، على الرغم من انهم قد تزوجوا، وذلك لانهم سيفقدون في هذه الحالة تأشيرة المكوث، مما يضطرهم الى تقديم طلب جديد يعتمد على بند جمع شمل العائلات.

وكان هؤلاء قد اضطروا في الماضي للانتظار في الخارج، بشكل منفصل عن ازواجهم الاسرائيليين واحيانا لفترات طويلة، الى ان يصادق مجددًا على دخولهم لاسرائيل بناء على طلب يقدمه الازواج الاسرائيليون هنا في البلاد.

ويتفحص "فوراز" الان مع وزارة الخارجية امكانية ان يتاح لازواج مواطنين اسرائيليين ممن تزوجوا في الخارج تقديم طلب دخول الى اسرائيل عن طريق القنصليات الاسرائيلية في الخارج ايضاً، على ان تكون المصادقة على طلب الدخول منوطة بدفع كفالة مالية، وان تلتزم وزارة الداخلية بالرد على الطلب خلال 30 يوما من تاريخ وصول الطلب والوثائق المرفقة به الى اسرائيل. مثل هذا الاجراء اذا ما اقر، سيتيح للزوجين العودة معا الى البلاد.

ويقضي تعديل اخر بأنه يتعين على المتقدمين بطلبات للحصول على الجنسية الاسرائيلية ابراز شهادات حسن السلوك، التي تعتبر شرطًا للحصول على الجنسية، منذ بداية الاجراء، بدلا من نهايته كما كان متبعًا حتى الان. وكان المتقدمون بطلبات الحصول على الجنسية يواجهون صعوبة في الحصول على الوثائق وشهادات حسن السلوك اللازمة من البلدان الاصلية.

كذلك قرر "فوراز" منح مكانة "مقيم مؤقت" لنساء اجنبيات حوامل تزوجن من اسرائيليين، حتى اذا كن في المرحلة الاولى من اجراء "التجنس"، وذلك بغية تمكينهن من الحصول على خدمات طبية. هذه الاجراءات الجديدة التي تنطوي على بشرى هامة للمتزوجين من اسرائيليين، لا تقدم حلا لمشاكل المجموعة الرئيسية او الكبرى من مهاجري العمل الذين يعيشون في اسرائيل بصورة قانونية وغير قانونية (حسب معطيات مركز مساعدة العمال الاجانب، يتواجد في اسرائيل 110 الاف مهاجر عمل بحوزتهم تأشيرة عمل ومكوث و 150 الف مهاجر عمل بدون تأشيرة).

بالنسبة لهؤلاء لا توجد بشرى خاصة لدى الوزير فوراز، فهو لا ينوي اجراء تغيير جذري في السياسة المتبعة. ويقول انه يؤيد تقليصاً جوهرياً في عدد العمال الاجانب غير الشرعيين وذلك عن طريق اجراءات الطرد و تقليص عدد التآشيرات الجديدة. وبحسب رؤية وزير الداخلية الجديد فان التآشيرات الجديدة يجب ان تعطى منذ الان فقط للذين يعملون في الزراعة وخدمات العون الاجتماعي، حيث توجد حاجة حقيقية للعمال الاجانب في هذين المجالين. البشرى الوحيدة تتمثل في نية "فوراز" اطالة امد فترة تأشيرة العمل لخمس سنوات (بدلا من سنتين كما هو متبع حالياً).

ويقول "فوراز" ان فترة التآشيرة القصيرة هي احد العوامل التي تقف وراء تضخم عدد العمال الاجانب غير القانونيين، مشيرًا الى ان المقاولين هم المستفيد الاساسي من هذا الوضع غير السليم الذي اتاح اصدار تاشيرة جديدة لعمال اجانب لم تكن ثمة حاجة بهم وقال ان "الامور جرت بطريقة يفوح منها الفساد..". واضاف موضحاً: "كان الادعاء بأنه اذا منح العمال الاجانب تاشيرة لفترة قصيرة فانهم لن يستقروا هنا في لبلاد. لكنه تبين ان هذه الحجة ليست صحيحة. من ناحية عملية هذا الامر اسهم فقط في زيادة ثراء المقاولين".

واشار فوراز الى ظاهرة اخرى ينوي محاربتها وتتمثل في اصدار تأشيرات سياحية من قبل القنصليات الاسرائيلية في الخارج مقابل رشاوى، حيث يأتي هؤلاء السياح المزعومون الى اسرائيل بهدف العمل والعيش وليس السياحة. وقال انه تلقى عدة شكاوى في هذا الخصوص سيتم تحويلها للشرطة لتتولى معالجتها ومعرفة لحساب من ذهبت هذه الرشاوي المالية.

مسائل شائكة

على الرغم من الخطوات التي اتخذها فوراز بهدف تبسيط وتسهيل الاجراءات الا انه سيكتشف ان هناك مسائل شائكة تنبع من عشرات الاوامر والتعليمات المقيدة التي ترسخت بمرور السنوات وبالتالي سيكون من الصعب استئصالها.

وتشير سيغال روزين، مديرة مركز مساعدة العمال الاجانب الى ان ثمة مشكلة عويصة تتمثل في سياسة "الربط او التكبيل" اذ ان تأشيرة العمل تعطى، حسب القانون، لرب العمل وليس للعامل، الامر الذي يولد تبعية مطلقة للعامل برب عمله. وتقول روزين ان هذا الامر يحول العمال الى بضاعة ويخلق نوعاً من التجارة، حيث يقوم ارباب العمال ببيع وتآجير عمالهم، ويتم اعتقال هؤلاء العمال دون ان يعرفوا بأنهم اخلّوا بشروط التأشيرة".

وزير الداخلية الجديد سيكون مدعوًا الى ابداء رأية في هذه المشكلة حالما سيطلب منه الرد على التماس قدمته في هذا الخصوص العديد من منظمات حقوق الانسان.

المحامي عوديد فيلر، من جمعية حقوق المواطن، اعرب عن ارتياحه من "التوجه الانساني" الذي يسم خطوات فوراز، لكنه اعتبر ان ذلك ليس كافيًا وانه يجب سن قانون هجرة جديد من اجل معالجة الموضوع.

د يوسي دهان، الذي يقوم ببحث ودراسة ظروف عمل العمال الاجانب في اسرائيل، اعرب من جهته عن تقديره بأن الدولة لن تدخر جهدًا في سبيل منع اعطاء اي مكانة مدنية للعمال الاجانب الذين استقروا في البلاد. ويرى دهان ان هذا التوجه ينطوي على قدر كبير من الرياء بقوله: "ينادي الاسرائيليون من جهة بالعولمة، وبتشجيع قدوم المستثمرين وانتقال رؤوس الاموال والافراد، لكنهم، من جهة اخرى، لا زالوا يتشبثون بأفكار وطرق بائدة، شوفينية، تتنافى مع نظرية العولمة. لا يمكن للانسان ان يبقى اجنبياً طيلة حياته، او ان يولد ويعيش هنا ولا تكون له مكانة؟!".

ويقول دهان ان على اسرائيل القيام بعدة خطوات في هذا المجال، ومن ضمن ذلك منح مواطنة لمن يولد فيها (اي في اسرائيل) واعطاء جنسية لمن مضى على انتقال مركز حياته الى البلاد فترة طويلة. واضاف يمكن ان تكون هناك معايير صارمة، ولكن يجب ان لا تكون هذه المعايير اثنية تلغي حقوق انسان اساسية.

 

المصطلحات المستخدمة:

شينوي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات